قصص
قصيرة ( 5 )
محمد
المنصور الشقحاء
1
- السائق
لم أصل إلى النتيجة
المتوقعة، كان ملف القضية مليء بالغريب من الأحداث والحالات التي لا يعرف سبب
حدوثها، أوراق ممزقة وأدراج مكاتب تم العبث بمحتوياتها، وكلمات عابثة تكتب على
الجدران بالفحم الذي تناثرت بقاياه في ممرات المبنى؛ تركته على طاولة بصالة
الجلوس، وقد أرهقني التفكير وتسلط علي النعاس فنمت.
نبهني
جرس الهاتف، كان السائق الذي استأجر يستعجل خروجي، بعد اعتذاري همس بكلمات لم
افهمها، وأنا أترجل أمام باب الإدارة قال ( ماما آنت تعبان لازم يستريح ) لم أرد
ولوحت له بكفي ودخلت مكتبي، وجاءت مع ضجيجها وسوالفها التي اعتدتها هجرها لزوجها
ومراقبة جارها المقابل لتحركها، واكتشافها لحمل خادمتها؛ ثم ذكرتني بموعد اللقاء
الشهري.
وأنا في هذه المعركة مع نفسي المأزومة بشيء
اجهله وهمومي الأسرية ومشاكل العمل،التي لاحظها السائق واخذ يتحدث مسريا عني،
ومعها شعرت بقربه أكثر مما دفعني ذات يوم في العاشرة صباحا، وقد عدت للدار أن لا
اعترض على دخوله، احضر كأس ماء من البرادة المنتصبة في المطبخ؛ ووقف أمامي وأنا
اجلس على احد مقاعد الصالة حتى أتجرعه.
قال:
آنت مرهق كثير
قلت:
نعم مشاكل
وقف خلفي واخذ يدلك كتفي ويضغط مؤخرة رقبتي،
ويتحسس بأطراف أصابعه فقرات ظهري العلوية، باحثا عن الألم الذي استوطن بدني وسرق
مني حياتي، ولما مسد شعر رأسي شعرت بالخدر؛ فتنهدت باحثة عن الخلاص.
توقف وحملني
رائحته تزكم انفي وسكينة غريبة فرضت نفسها علي، مددني في الفراش وأخذت أنامله تجس
جسدي، وشوط برق يسري في مفاصلي وينساب عنوة إلى شعيرات دماغي، معه انبثق نور غير
محتمل فأغمضت عيني.
كان
يتمتم ليصطاد الطائر المقدس وأنا مشغولة بذاتي انتظر بشغف المجهول، شعرت بثقله فوق
صدري عيناي مفتحتان وحواسي سكرا بنشوة لم اعتادها، ظلام يخيم فوقي وفي كل مكان وفي
هذه اللحظة الغائبة كنت أحلق في غابة سكنت أغصانها وتوسد الندى أوراقها؛ كان مغمض
العينيين يسبح كما سمكة في بحر لجي، كنت البحر الذي زاد صخبه ليسكن بسبب الارتواء؛
مع ارتفاع صوت مؤذن مسجد بالحي لصلات الظهر.
تلفت حولي كان يقف بباب الغرفة نشر ذراعيه وحلق
في الهواء كعقاب، بقيت في الفراش اردد فزعة ( احرسني يا خالقي أيها السرمدي،
أحفظني يا الهي الحبيب ) وقد لبسني ثوبا
من اللهب أتذكر معه ما حدث، لم استوعب استسلامي كانت رائحته حولي، والماء ينهمر
على جسدي الملطخ ببقع حمراء وأثار أصابع عزفت نغمات إيقاعها مطر ونثرت أشعة غيمة
حمراء وعميقة في داخلي، كسبت معها روحي بهاء التحول.
عدت
منتشية جسديا مرهقة فكريا، فجلست على احد كراسي طاولة الأكل بالمطبخ والجوع يلسعني
تجرعت كوب ماء، فتحت باب الثلاجة كل شيء بارد، ليدق جرس الباب اتجهت إليه وقد
أحكمت لف بدني بثوب الحمام، كان السائق يحمل آكلا ساخنا؛ احضره من المطعم الذي
اعتدت مشويا ته في المناسبات وهمهم بكلمات لم افهمها ورحل.
من تصرفه شعرت انه نسي حرقه لجسدي، والغابة
المطيرة التي أخذني إليها، فركضت حافية القدمين وتسلقت قمم أشجارها العالية، أخذت
أفكر فيه بوجد ولم أقاوم رغبة تعاظم لهبها في داخلي، فقررت شرح ما حدث لزميلة اشعر
بقربها وقبل أن أغوص، رن هاتفها النقال تكلمت بصوت خافت، ثم التفتت نحوي وهدتني
قبلة طائره وأمام اندهاشي همست في أذني ( بكره تعرفين ) ونسيت الأمر.
جاء
انتدابي معها لزيارة موقعا يتبع الإدارة التي اعمل بها، خارج مدينة الرياض بما
يزيد على مائة كيلومتر، بسبب الملف الذي يحمل إحداث غريبة وكنت ادرسه منذ شهر
يتحدى خبرتي العملية وفكري الإداري، تعثر إيجاد سائق رسمي فلم أجد سوى السائق الذي
رحب بخدمتي وبالمقابل المادي الذي اعتمدته الإدارة مع جزء من تكاليف انتدابي،
وأصابع كف زميلتي تتخلل أصابعي.
قالت:
لن أعود معك
قلت:
لماذا
قالت:
هنا أقارب
لم اطرح أي سؤال فقد كانت مجدولة برنامجها في الحادية
عشر طلبت السماح، وفي الثانية بعد الظهر كنت في طريق العودة لنقف عند محطة نزود
السيارة بالوقود؛ وليواجه تلفتي إعلان بخدمات الموقع ( موتيل ) للمسافرين، كان
السائق وهو يحاسب عامل الخدمة مركزا نظره علي تبسمت، ولما تحرك لف داخل سور
الاستراحة ووقف أمام صف من الأبواب في الدور الأول ترجل وفتح باب السيارة مد كفه
يساعدني على الوقوف، شيء سرى في أناملي شعرت بأثره؛ واتجهنا إلى احد الأبواب صعد الدرج
وفتحه.
كانت
غرفة فندق وجدت صورتنا في المرآة المنصوبة في الجدار المقابل، تركني واختفى كنت
اجلس على طرف سرير متوسط الحجم، أتأمل الفضاء الممتد أمامي وأراقب تحرك أغصان أشجار
الأثل، منصته لمواء القطط ونباح الكلاب؛ وتغريد العصافير مع تقاطع أبواق السيارات
وفحيحها.
ثم عاد أغلق الباب وجلس بجواري، رائحته التي أدمنتها
تشعل النار في داخلي ومعها اخذ جلدي ينز عرقا، لم أقاوم الوقوع في الهاوية التي
فتح المكان فوهتها، ليأخذني المستحيل نحو المطلق وميناء السكون.
في الخامسة مساء ونحن نحاذي محطة البنزين
مواصلين مسير العودة، وجدت زميلتي تقف عند طاوله تتناثر عليها مجسمات وهدايا ودمى
تذكارية، عرفت أنها لمحتني وهي تركز نظرها على سيارتي لما وصلت الدار مع أذان
العشاء، دخلت الحمام وتدفق شلال الماء على جسدي، ولما تمددت في الفراش كانت رائحة
السائق تعطر الغرفة، وكنت كما كأس خمر امتلاء بعد نضوب طويل.
الظلام يعم الطريق أتلمس خطاي، دليلي بصيص ضوء
خافت يلوح على مبعدة، أنفاس تشاركني المسير بسكينة؛ كنت كمن أغوص في أعماق غابة،
الضوء يقترب وفي محيط الدائرة المشعة غمرتني الهمهمة تذكرت السائق، ذات الوجه ذات
القميص الأبيض والبنطلون الجينز وذات الرائحة أتجاوز الأول والثاني والثالث والمائة
حجم واحد وتقاسيم واحده ورائحة واحدة وهمهمة واحده بكلماتها الغائمة.
نبهني
جرس الهاتف من غفوتي، وأعادني للواقع الذي نسيت معه التعب والقلق والإرهاق، كانت
صديقتي رفيقة المهمة الرسمية.
قالت:
كم كان يومي رائعا
قلت:
افتقدتك وعليك توقيع المحضر الذي أعددناه
تذكرتها كانت في المحطة التي مررت بها، وقفز
الفزع الساكن في أعماقي كانت السيارة الواقفة بجوارها ذات السيارة التي اركب، ومن
كان يجلس خلف المقود، نسخة أخرى من السائق الذي يرافقني استعدت الحلم وانبثق
التشابه، أشعلت ضوء الغرفة وبقية لمبات الدار، دخلت المطبخ وأنا أحوقل تجرعت كأس ماء
وبلعت حبتي مسكن.
وأنا في طريقي للمكتب أخذت أحدق فيما حولي، بين
سيارة وأخرى سيارة تشبه سيارتي وسائق يحمل تقاسيم وجه سائقي،وأنا اجتاز الطريق
متجهة لباب إدارتي وجدت سائقين في عدد من السيارات التي تشبه سيارتي تقف أمام
الباب ويترجل منها بعض الموظفات والمراجعات، لما دخلت المكتب وجدتها، طوقتني
بذراعيها وزرعت قبله طويلة على عنقي.
قالت:
هو جارنا خدين عمر يعشق رائحتي
قلت
متعجبة: . . . رائحتك
قالت:
وقطع استمتاعنا إدخال والدته المريضة المستشفى
غادرت المكتب بعد قيامها بالتوقيع على المحضر،
حولت الأوراق لقسم المتابعة وطلبت من المراسلة السمراء التي أحضرت كوب الشاي
الأخضر توصيله، ثوب المراسلة الناعم الملمس بخطوطه النارية لفت نظري، ومعه ركزت
على مؤخرتها المكتنزة، شعرت برغبة ملامستها ناديتها، اقتربت من المكتب وسحبت الملف
من يدها وأخذت اقلب أوراقه.
قلت:
ما اسم هذا النوع من القماش
كانت كفي وأصابعي تختبر سماكته، اقتربت أكثر
فوصلت كفي لمؤخرتها كانت امرأة ناضجة رفعت ذراعيها ومدت أصابعها توثب جسدها بخفة
صبيانية كشجرة زاهية، افتر ثغرها عن ابتسامة حميمة.
قالت:
( وأنفاسها ورائحتها تملا أعماقي ) متوفر بالمشغل الذي تملكه أختي
لجم صوتها الرخيم لساني وحبس إحساس داخلي
تدفقي، كنت في هذه اللحظة أنثى كانت تبحث عن حاجة فلما ظفرت بها أضاعتها، أخذت
الملف من فوق المكتب، وهي تختفي شعرت أن فيها شيء خفي وفظيع، معه نسيت الوقت ليطل
الحارس وقد فاجأه وجودي بالمكتب، لم أصرخ محتجة فلملمت أوراقي وغادرت المبنى، تلفت
حولي لم أجد سيارتي ولم جد السائق.&
23
/ 3 / 1434
2
- السحاب يبسط ذراعيه
دخل
المستشفى ومع تكرار الفحوصات والتحاليل قرر الطبيب التدخل الجراحي فحالته خطرة
وتستدعي ذلك، فكان علي التبرع بالدم كما هي العادة عند إجراء العمليات الجراحية من
الأقارب والأصدقاء.
بعد
إكمال اخذ الدم دخلت العيادة لعمل فحوصات
عامه فموعد الزيارة طويل وعنده زوار تقلقني مقابلتهم، لتقول لي الطبيبة: مبروك آنت
حامل في الشهر الثاني، الأمر كان مفاجأة ولم ارتب له وعلاقتنا التي اكتمل عامها
السادس عمليا؛ وتقارب روحي منذ ثلاث سنوات لم يكن في جدولها هذه الحالة الخوف غدا
ينبض في جسدي بدلا من قلبي المد نف مما أزعجني.
هو
تجاوز الخمسين رجل أعمال ناجح في بداية حياته تفرغ لرعاية والدته وشقيقاته الأربع
بعد وفاة والده؛ شقيقاته تزوجن الواحدة
تلو الأخرى وغادرن لمدن أخرى، وبقي يتابع حال والدته خالة أمي، ومع نجاحه التجاري
نسي أن يتزوج وكان تخصصي الجامعي في الحاسب فرصة عمل إضافي في شركته مع عملي
كمعلمة.
والدته
المقعدة ادخلها مركز اجتماعي للمسنين بسبب سفرياته، ووالدي بعد سجنه لمدة عام
وفصله من عمله في قضية رأي عام، طلق أمي ورحل إلى لندن وخلى منزلنا من حراك
الأقارب وشغلناه بسائقين الأول لمطالب والدتي والمنزل والثاني لمشاويري وتجوالي،
وثلاث عاملات منزل من شرق أسيا.
ولما
شعرت أن لا احد عنده دخلت متوترة باقات الورد تحيط به وممرضة أجنبية خاصة تساعده
على تصحيح وضع السرير، أخذت منها أقراص العلاج وكأس الماء تطلع في مبتسما وبعد
حديث متقطع قلت: أنا حامل. . أغمض عينيه وارتعشت شفتاه. . قلت: حبي أنت قرين الروح
وزوجي أمام الله وهذا يكفي؛ فتح عينيه واخذ كفي طوقها بكفيه وران الصمت الذي معه
جاءت الممرضة لأخذه لعمل أشعة جديدة.
في
التاسعة ليلا عدت للمنزل كانت والدتي تتابع حلقة من مسلسل في التلفزيون، وأطلت إحدى
العاملات تخبرنا إن العشاء على الطاولة، تريثنا حتى انتهت الحلقة طوقتني أمي
بذراعيها ودخلنا المطبخ حيث طاولة الأكل. وقبل جلوسنا قالت: عمتك خطبتك لابنها ولم
تعلق كما هي عادتها عندما تأتي سيرة عائلة والدي أو تكمل طارحة رأيها الذي اعرف
انه محرج.
في
اليوم الثالث على اكتشاف الحمل وبعد اتصاله دخلت المستشفى في العاشرة صباحا كان في
الغرفة محامي الشركة الذي يعرفني وأخر؛ ساعده المحامي على الجلوس وقال: هذه فضيلة الشيخ.
. قال الشيخ: هل معك هويتك الوطنية . .أخرجتها من محفظة اليد تأملها ثم قال: حقا
والدك غائب. هززت رأسي فواصل وهو يشير إليه هل تقبلينه زوجا.
خرج
الشيخ ومعه المحامي طيلة الاجتماع لم انبس بكلمة، كنت عند الشيخ وكيلة نفسي وعند
الوصاية الشرعية هو وكيلي وكان المحامي الشرعي شاهد أول وطبيب المستشفى المشرف على
حالته الصحية الشاهد الثاني، والظلام يخيم على الكون قال: فعلا أنت حبيبتي وزوجتي أمام
الله وخوفا من نتائج العملية الجراحية ها أنت زوجتي أمام الناس.
أكمل
شهرين في سريره الطبي وقرر الأطباء ترحيله لمستشفى متخصص في أمريكا وهناك لفظ
أنفاسه، وعرفت وقد توزعت أسرته التي لم تعرف بزواجه ارثه، انه عمل حساب بنكي باسمي
رصد فيه نصف مكافأتي لقاء عملي الإضافي ومبالغ أخرى هي نصيبي كما قال المحامي من
أرباح عمله التجاري في بعض عقود المشاريع الحكومية والخاصة التي كنت أدون
إحداثياتها وشقة في عمارة سكنية بشمال الرياض.
ولما
لحظت أمي انتفاخ بطني حاصرتني بأسئلتها، فبسطة لها قصتي أخذت تبكي بصوت مرتفع
وعصبية لم اعتادها منها وهي توبخني على فعلتي، وقاطعتني منكرة أمومتها وقرابته
لنا؛ ولولا خوفها من القادم لطردتني من المنزل؛ وعند ولادتي كانت هي من اختار اسم
ابني.&
18
/ 4 / 1433
3
- عاطفة
بغباء
شديد. جاء انتظاري وفق هواه، فلما عدت للدار ممزقة شعرت أني فقدت ذاتي، وعلي إعادة
صياغة مسلمات قادتني عنوة، لتأتي أختي والكون لايسعها لتخبرني أنه جاء ووجدت فيه
كل المتع التي لم تنعم بها في حياتها، فلم أجد غير الحسرة عزاء لقلبي. &
28
/ 9 / 1432
4 - العتبه
انقبض
قلبها بعد سلب الأوهام الفاتنة شخصيتها، فعبرت عينيها سحابة حزن، تعرف كيف تسكن غضبه،
في حين أنها بتهربها تثير غيضه؛ مع إدراكها كعتبه سيعثر عليها متجاوزا أزمة النقص
التي خلقها انكساره.&
16
/ 4 / 1434
5
- الفضول يغير المعالم
والحفل
يعلن ختام برنامجه جاء جلوسي لشرب فنجان من القهوة المرة سكبه نادل يرتدي ملابس
تراثية ملونة على طاولة بعيده، من خلالها انقل بصري بحرية في زوايا المكان، لتأتي وتجلس
بجواري تبادلنا حديث تقطع وتعليق على فقرات الحفل ليرن جرس هاتفها النقال، عرفت إنها
كانت تنتظر وقال المتحدث شيء معه تركزت نظراتها علي وهي تردد لا أدري لا أدري ثم
تلحقها بقولها تعال جس النبض.
وأقبل
كان زميل في المؤسسة الصحفية التي أتعاون معها، مد كفه مرحبا وهو يردد: أخيرا أخيرا
ليذكرني انه سعى كثيرا لكسب ودي إنما لم يحالفه الحظ؛ ثم تركنا لتقول: أنها مدعوة
لحضور لقاء خاص مع صديقة تأخرت في الحضور، كل ما شعرت به كان فضولا موضوعيا
وعنيفا؛ وأنها تتمنى علي مشاركتها اللقاء وكفها تضغط على كفي الرابضة على الطاولة.
كانت
منفعلة إلى حد ملائكي وهي تقربني من أجواء المناسبة، كنت اعتقد إنها سوف تتحفظ وهي
تقرب لذهني إمضاء وقت عصي التفاصيل وأحمق، ابتسمنا لبعض بتواطؤ عذب وقلت: إن الوقت
الذي أمضيه برفقتك من أجمل ساعات حياتي؛ فقالت: وهم. . . المهم موافقة.
ليس
من المستغرب أن يكون السعي إلى تحقيق معجزة، فاتحة طرق أمام لحظة انبثاق جديدة
تولد الحرارة التي معها يتشكل البدء برؤية مغايرة. تمنحني الثقة بالذات وأنها
محاولة اعتدتها تبدو لي في هذه اللحظة بالغة الشفافية فيها أراجع نفسي ولا اغرق في
تعاستي.
وجاء
بعد اتصالها كانت الساعة العاشرة ليلا، نجلس في المقعد الخلفي من سيارة بيضاء وأخرجت
من حقيبة يدها مظروفا مخطط غير مغلق، فتحته كانت بداخله عشر ورقات نقدية من فئة
الخمسمائة ريال عزلت خمس وناولتني ضمت أصابعي عليها وهي تهمس: مكافأة المشاركة
التي سعدت بها؛ لأعرف البدايات ومما تولد وهل هناك رحم للأوجاع.
فتح
الباب ورحب بنا رجل في منتصف العمر سرنا خلفه لنجد أخر يجلس وشاشة التلفزيون تبث
فلما أجنبي نهض لمدخلنا ومد كفه قال مستقبلنا: السيد عباس وأنا عادل وخالد وسعيد
في الطريق وبعد جلوسنا قالت مرافقتي: أنا زينب وهذه صديقتي فاطمة، كنت كما هرة
تنتظر كف مربيتها حتى لا تنفر من ضيف حل.
بعد
حديث متقطع ومشهد أكثر حميمي يشكله أبطال الفيلم الذي تبثه قناة تلفزيونية مشفرة
قام عباس ووقف قبالة زينب التي رمقتني مبتسمة ثم اختفت، عادل اقترب مني شيء فيه
دفعني إلى تصنع البراءة التي تمنحني بعضا من الثقة بالذات، قال: الوقت يمضي ونهض
وضع كفه على كتفي فقمت طوقني بيده اليمنى وسرنا متجاورين.
بينما
نحن نقضم ما تبقى من فطيرة التوت، تردد حديث بين الجدران همس في أذني: هاه لقد
وصلا، تركني في العتمة وأبقى باب الغرفة مواربا ليتسلل منه خيطا من النور معه اندس
بجواري وهو يردد: تأخرنا بسبب زحمة السير، ولم يمنحني الرد ومشاركته الحديث والتعرف
عليه كل ما فيه يتدفق عرقه ولعابه وهمهمته؛ زرع في الرعب وفجر في أرضي منابع جديدة
اكتشفها، وارتفع نداء. وكما جاء في العتمة غادر الغرفة؛ ولفت نظري لمعان خاتمه وهو
يتكئ على الباب الموارب منتعلا جزمته؛ ليفصلني عن الجزء الشاذ الذي دخلت فيه.
الصياد
والطريدة كنت الصياد وإذا بي الطريدة؛ أربعة رجال وامرأتين ترى هل عاشرت زينب
الثاني أم اكتفت بالأول، أنا اعرف ماهو بداخلي إنما هناك جانب نفعي واضح يسيطر على
اللحظة معه أقوم بترتيب الأشياء التي ارغب في ا لحصول عليها وفق رغبات معتقد خلقت
مبرراته، التفتت زينب نحوي وهي تؤشر على ساعة معصمها مذكرة بالوقت قلت وأنا ازرع
ابتسامة انتصار على وجهي: بقي اثنان قالت: نعم قلت: اثنان عرفت إنها لم تفهم. رن
هاتف عادل وأعلن انه مغادر لارتباطه برحلة عمل. اقترب مني وزرع قبله على جبيني
رافقه عباس للباب.
صاحب
الخاتم امسك بكف زينب وسحبها خلفه التفتت نحوي مرتبكة، الرابع لم يتفوه بكلمة حتى
جاء عباس حدقت في الاثنين التقت نظراتي بنظرات عباس ابتسم ونهض لحقت به أخوض في أوحال
المستنقع واخذ ينصب العلامات في مساحات جسدي الفسيحة وهو يطفئ الشعلة التي أحدثتها
ذاكرة تربط بين رائحة الزهرة والمكافأة.
جاء من يطلبه؛ ترك الباب مفتوحا ليتقدم الرابع.
النور يعم الغرفة تلفت حوله وأغلق الباب قفز في الماء وسبح في اليم واخذ يطفئ ما
تبقى من النار ورش حولي الماء البارد.
لا
يمكنني أن أخبرك قالت زينب: وهي تقبع في الكرسي المحاذي لمكتبي في الإدارة التي
اعمل بها وقد حصلت بعد جهد على رخصة فتح محل تجاري لبيع الملابس الجاهزة وأدوات
الزينة النسائية في سوق تجارية جديدة؛ قلت: هل معك شريك يمكنني مساعدتك. ردت رأسها
إلى الخلف ورتبت شعر رأسها بأطراف أصابعها وقالت: تحررت من ذاك الوجود الغريب والأليم
الذي يقتحم حياتي ونهضت؛ غادرت مقعدي وسرت بجوارها وقد أعيتني الصور لمعرفة هذا
التواصل غير المفهوم بيننا قالت: نحن نستطيع رؤية الأشياء وتذوقها فقلت:ونتشابه في
كل شيء.&
3
/ 11 / 1432
6 - الفناء
بعد تجوال بين المحلات
التجارية بحثا عن حاجتي من المشتريات، جلست فوق مقعد في فضاء السوق التجاري أراقب
المارة من المتسوقين، صابه الانتباه للأشباح المتحركة في المجال البصري منقبة عن
معرفة صادقة ابحث عنها للوصول إلى اليقين، جاء نادل المقهى هززت رأسي موافقة على
شيء لم استبينه.
وأنا
ارشف بقايا فنجان القهوة جلس في المقعد المحاذي لمقعدي، تلفت حوله ثم تشاغل بهاتفه
النقال.
قال:
هل يضايقك جلوسي
قلت:
أبدا
قال:
هل تنتظرين احد
قلـت:
لا
عندها
قام وحمل اللفافة التي تضم مشترياتي، تريثت قليلا ثم نهضت غادرنا السوق عربته في
المواقف، ولما جلست في المقعد بجواره التفت نحوي وقبلني شعت ابتسامة دفء في أطرافي
وأن رأسي فارغا وثقيلا فقد قوة الإحساس بالأشياء التي تخلق الفعل المضاد.
غادرنا
المكان وعبر زمن وأمكنة لم أتمكن من رصدها توقف لينفرج باب كراج سيارة آليا، دس
ذراعه تحت إبطي إنها لحظات الشغف، باب المدخل لم يكن مغلقا ضوء خافت يشي الممر
وصالة بمقاعد وفرش وثير تهمس بموسيقى هادئة، جلست وجلس إلى جانبي تبلل السكون
ليكشف عن مدى التناقض المصحوب بالتردي والسقوط؛ وقلق الذات لتحريرها من ركام
ذكريات كريهة.
وانفرج
باب جانبي فأطل من لم يلفته وجودنا وقد طوق بذراعه فتى ناصع البياض، جلس الاثنان
في المقعد المقابل متجاورين، أحسست بنفسي أغوص في أعماق غابة بغاية الراحة حتى
اقتنص اللحظة الهاربة بسبب سلسلة من الهموم المادية والمعنوية؛ تلفت حولي قام مرافقي
واخذ كفي.
رن
جرس الباب كان مندوب مطعم حضر العشاء، رتب الفتى والأخر طاولة الأكل وارتفع صوت
يعلن الانتهاء لففت جسدي بغطاء ثقيل، كراسي الطاولة ثمانية ونحن أربعة تبادلنا
حديث متقطع وتطلعت في ساعتي.
دخن
مرافقي سيجارته التي أخرجها من العلبة
القابعة على الطاولة، سحبت العلبة وأخذت سيجارة تناولها وأشعلها ومج دخانها ثم أعادها،
الفتى يرتدي سروال نسائي شفاف ويغطي جسده برنوس حمام قصير لفت نظري بياضه واكتنازه.
نهض
مرافقي وغادر غرفة الطعام التقت نظراتي بالأخر، تبسم ووقف بلا حراك كان لائقا في
صمته، اللامبالاة تجاوزتني نهضت من مقعدي وأنا أدس بقايا السيجارة في الطفاية لما
حاذيته أغمضت عيناي تصورت أني أجد فيه الخلاص أمطرني بالقبلات والملامسات التي جاء
معها الاستسلام.
فتح
الفتي باب الغرفة لم يهتم بوجودنا وأتجه إلى دولاب الملابس العتمة واللون الأحمر
اخترق أحاسيسي؛ كان مثل أفعى صغيرة تحولت إلى شبح فتهاويت بلا حياة، غادرت الفراش وأمسكت
به دفعته إلى أريكة في الغرفة طوقته بذراعي أخذت اقبله وامرر أناملي على جسده.
في
الواحدة صباحا كنت ادخل الدار لم يهتم كما هي العادة بتأخري فقد اعتاد الجميع ذالك؛
في الفراش استسلمت لخدر لذيذ وعذوبة وإحساس بالأمان معه نمت عميقا ليجتاحني حلما يشع
نورا باهر، لمحت فيه الأخر يتمايل فرحا في حديقة من الزهور يدعوني لمشاركته الركض.
&&
20
/ 1 / 1432
7
- القدرة على السيطرة
جلس بجواري اعرفه تصرفاته تزرع القلق، بعد
العشاء رافقته وفي الطريق عرفت إن زوجته مسافرة، في العاشرة فُتح باب الغرفة تحمل
براد الشاي، جلست مبتسمة أدخلت كفها في شعر رأسها.
قالت:
صادك
تعبير
رقيق ينبعث من عينيها وشفتيها الشاحبتين؛ وأنا في سيارة الأجرة ناولني السائق مظروفا فتحته بداخله ورقة خمسمائة ريال، وليأتي صوته يعاتبني
على المغادرة إذ كان يأمل أن نتناول الغداء في احد المطاعم.&
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق