قصص قصيرة (3 )
محمد المنصور الشقحاء
1 - اعتراف بأمر
يخصني وحدي
قال: لا أعرف أبي عندما تفتح ذهني كانت أمي
هي كل شيء، في الثامنة من عمري وبناء لدعوة ملحة من خالتي كان سفري الأول ومعه
عرفت قيما جديدة وناسا لهم حراكهم الخاص والعام، وها أنا وقد تجاوزت الخمسين أسير
وحيدا في مدينة لم تشكل شوارعها وضجيجها أي نقطة حياة في وجداني.
قال: وأنا في الرابعة عشرة من عمري كان علي
العمل خادما في منزل احد أقارب زوج خالتي، وفي الشهر الرابع وعند غياب رب الدار
اكتشفت فصلا جديدا من حياتي من خلال سيدة الدار التي أصدرت أمرها بأن أراقب طفلها
وأنا أقوم بغسل بعض الملابس، لما انتهيت حملت الطفل وبحثت عنها؛ فوجدتها في غرفة
الضيوف تتحدث عبر الهاتف، لما لمحتني أغلقته ونهرتني وهي تغطي عريها ثم سحبت الطفل
مني واختفت.
قال: في السادسة عشرة تعرفت على رفيق
الدراسة في المرحلة المتوسطة صالح فتى فلسطيني يلاحقه الأقران لكسب وده، ذات ظهيرة
شاركت في عراك آخرين تطاول بعضهم بالفاض قاسية عليه وعندها عرف أبناء الحي قدرتي
في القتال.
قال: جارنا رجل عسكري شارك في حرب فلسطين
تأخر زواجه بسبب تنقله في مهام عسكرية ورعايته لوالدته وأخته التي لم يتقدم احد
للزواج منها، وأخ يقاربني في العمر يأتي في العطل والإجازات؛ فأمه الزوجة الثانية
لوالد جيراننا المتوفى منذ زمن بعيد والمتزوجة من أخر وافق على بقاء ابنها معها.
قال: توفت والدة جارنا العسكري الذي استقر ترحله
بسبب وصوله إلى منصب قيادي في قطاع التدريب العسكري، معها فكر وقد تجاوز الأربعين
في الزواج فكان له ما أراد؛ كانت الزوجة من أقارب والدته تصغره بعقدين من الزمان توافقت
خطوطها مع أخته فوجد في السكينة التي لم يقلقها شيء سوى تأخر حمل الزوجة ليكتشف
انه عقيم؛ وإنها تحتاج إلى علاج طويل لتتجاوز حالتها وان كانت النسبة متدنية.
قال: بعد عشاء يوم اخذ الجار زوجته إلى راق
وصل منذ أيام من دولة عربية في ضيافة شخصية معتبرة بعد ترتيب مسبق كنت العب مع الزوجة
ومع الأخت الكيرم، تشاركنا الخادمة الأفريقية اللعب والصراخ. . بقيت والأخت وانشغلت الخادمة بشئون المنزل
وواصلنا اللعب أنا والأخت.
قال: في اتصال هاتفي دعتني الأخت لأمر هام
عرفت إنها قلقة بشأن أخيها وان تأخر زواجها جانب منه خوفها من عواقب فقدها عذريتها،
بسبب مداعبات احد أفراد المركز الذي تولى إدارته أخيها وهي في العاشرة من عمرها،
لتدخل الزوجة متلبسة اللحظة فتنقلت نظراتها بيني وبين الأخت ثم جلست بيننا لتلتفت
نحوي وتقول احبك وتلتفت نحو الأخت وتلتحم بها وتقول بصوت مرتجف أعشقك.
قال: قلق الأخت انساب إلى أعماقي ووجدته في
حديث أمي وأختها، وانساب بعضه في يومي الدراسي من خلال مشاركتي في صحيفة حائط
للفصل، ناقش فيها احد المشاركين نعمة الدنيا الأطفال.
قال: كنت حقل تجارب وجد في الجار من خلال
زوجته وأخته جزءاً من الحلم فقد تجاوزنا الحديث النظري بمناقشة العمل والخطوات،
فكان أن تم عقد قران الأخت على قريب للأسرة ولم يتم الزواج، إذ اكتشف الجميع أن أمه
أرضعتها فكان التفريق . . معه اتفقت الأخت والزوجة على تجريبي؛ سافر جارنا في رحلة
عمل تجاوزت الشهرين كنت فيه البديل للزوجة ولم يظهر الحمل عندها جاء دور الأخت
التي رسمت كل شيء فجاء حملها؛ فرح صامت عم الدار وعند الولادة أدخلت المستشفى باسم
الزوجة.
قال: تخرجت من الثانوية وكان السفر الثاني
للدراسة الجامعية تركت أمي في ضيافة أختها الأرملة، وعند التخرج كان الحفل برعاية
قريب زوج خالتي عندما صافحته مستلما شهادتي حدق في، لم ينبس بكلمة وان كنت شعرت
بانقباض وهو يتخافت مع الواقف بجانبه بشيء، وانصبت نظرات الاثنين كسياط تلهب جسدي.
قال: بعد حصولي على الوظيفة جاء سفري
الثالث وفي نهاية الشهر الثاني استسلمت أمي للمرض وجرى إدخالها المستشفى وأنا
أراجع في أوراق نقلها للعلاج في مستشفى متخصص، لفضت أنفاسها وفي المقبرة شاركني أبناء
خالتي في الدفن وتقبل العزاء، وكان بين المعزين جارنا العسكري الذي خط الشيب فوديه،
احتضنني وأجهش بالبكاء.&&
4 / 4 / 1432
2 - إدراك
كما هي عادتنا عندما يتشكل تفكيرنا الجماعي
تقاطرنا إلى البر، لنمارس لعبة العبث المجنونة في فضاء رحب بين الأشجار وفي
منعرجات الجبال هذه المرة اتجهنا شرقا بوصلتنا طريق ازفلت متعرج كنا أربع عربات
لثلاث عائلات أنا في سيارة أخي مع والدتي وزوجته.
لم نحتار في اختيار الموقع فتنادينا نتسابق
نعد مكان لجلوس الرجال وآخر للنساء بينما الأطفال يتراكضون لاكتشاف المكان، ابتعدت
مع مرافقتي بين الأشجار نصعد الجبل في تسابق معه تقطع حديثنا وفي الهبوط شعرت
برغبة التبول فانعطفت خلف صخرة تضللها شجره وتقرفصت ولما قمت صفعني وجوده.
تبسم وهو يحدق في اقترب ومرر كفه على خدي
الملامح الفاتنة غدت وجه طفلة بريئة التمعت عيناها من شدة الرعب عزلا حقا لحظتها؛
ساعدني هدوئه وحديثه الشفاف المتقطع على استعادة الهدوء، لما استقرت أنفاسي اعتذر
عن إزعاجي ثم اخرج بطاقة بيضاء صغيرة دسها في كفي واختفى بين الأشجار.
سألتني زميلتي في العمل عن صاحب البطاقة
التي وجدتها في حقيبة يدي بعد أن استأذنتني في استعمال هاتفي النقال في اتصال هام،
تذكرته فأرتعش جسدي ولم أقاوم الاتصال به كان في رحلة عمل ووعدني باتصاله بعد
عودته؛ غير أني اتصلت به مرة ثانية فشرح انه في رحلة عائلية.
جاء في اليوم العاشر اتصاله ودعاني لفنجان
قهوة في مقهى اعتدته مع صديقاتي، فحددت مكان أخر لم يعترض وفي موقف السيارات بأسواق
تجارية في حينا كان ينتظرني لما أصبحت بجواره في المقعد التقت كفي بكفه وفي المقهى
عرفت انه بعد استقالته من وظيفته الحكومية فتح محلا تجاريا للأدوات الكهربائية
وانه يقيم في شقة بالعمارة التي محلة يحتل احد فتحات دورها الأرضي التجارية.
تكرر تواصلي وكنت أزود زميلتي ببعض
التفاصيل وكانت وهي تتنشق عطري وتعصر كفي تبحث عن المزيد فتضمني إلى صدرها في نزق
طفولي، مداعباتها تلاقي رضا يسري في داخلي بعد تجارب زواج ثلاث أولها طلقت لما
اكتشف أخي قبل أسبوع من حفل الزفاف إن زوجي متشرد وكذب علينا في معلوماته عن عمله
وقد وافق على استمراري بالعمل في وظيفة حكومية رسمية بدخل شهري ثابت حتى اصرف
عليه.
والثاني جاء خالي خلال شهر العسل ليقول إن زوجي
من أسرة لا ترتقي لحالنا الاجتماعي فكابر وطلقني، والثالث كانت أمه وخالته ضرتان
لي أمه تقتحم لحظاتنا الحميمة وخالته تفرض ذوقها في اختيار ملابسي؛ فلم احتملهم فهربت من الدار وجاءت ورقة الطلاق
مع عامل البقالة التي نتسوق منها بالهاتف.
دعاني لرحلة إلى شقته بعد مغرب يوم أربعاء
قال انه رتب كل شيء العشاء والمشروب لم اقل لزميلتي إننا سوف نكون لوحدنا وأوهمتها
انه عشاء في مطعم خارج المدينة حيث تنتشر المتنزهات ومدن الألعاب والمقاهي
والمطاعم، كانت الشقة في الدور الأول الأضواء خافته وموسيقى راقصة تنساب بهدوء في
فضاءها، لمحت قارورة مشروب فوق طاولة بجوار التلفزيون اعرف إنها الخمر التي لم
أتذوقها.
سكب في كأس وقدمه لي هززت رأسي معلنة الرفض تجرع
بعض القطرات والصق فمه بفمي فتجرعت بعض المشروب، كانت هناك مأكولات خفيفة لم نكمل
جلوسنا لتذوقها تدافعنا وإذا بنا ننهار وكل منا يأخذ ما يريد من رفيقه أصبحنا
ساحات مفتوحة نتسابق في اقتحاماتنا لها تجاوزت الرهبة وهو تجاوز في القه كل ما
تشكل في داخلي فأدركت الخير وطابت بذلك نفسي.
في التاسعة ليلا أوصلني للدار وقبل ترجلي من
السيارة تلفت حولي خشية العيون شعر بخوفي فتحرك متقدما ثم انعطف في شارع جانبي
وسمح لي بالنزول وقبل الولوج للدار لمحته عائدا ليطمئن على وصولي.
وفي غرفتي وأنا أبدل ملابسي جاء اتصاله لم يطل
حديثنا وقد فتحت أمي باب الغرفة تطلب مني الخروج فزميلتي في العمل على الهاتف
الثابت كانت تعاتبني لتورطها وهي تبحث عني في مطاعم الجهة التي أوهمتها بتواجدي
بها.
فقد فرض عليها شاب حاولت الاستنجاد به في التعقب
ليورطها في تدخين الحشيش ثم تحت المخدر في سيارته حاول استباحت جسدها، تنبهت وطالبته
بالعودة فأوصلها بالرغم من اعتراضها حتى باب دارها ولما ترجلت لم تجد سيارة زوجها
كما إنها لم تجد ابنها بالدار وعرفت أن زوجها وابنها سبقاها إلى عشاء للعائلة؛
وهاهي تستعد للذاهب مع سائق عربة والدها وسوف تحاسبني على جريمتي.
بعد تلك الليلة اختفى هاتفه الثابت لا يرد
وهاتفه النقال مغلق زاد قلقي ووجدت زميلتي بعد شهرين من القلق والتوتر؛ وأنا أتخيل
نتائج مدمرة حدثت فتلبسني الخوف والسخط من كل شيء إن شفائي آخذها إلى المكان الذي
تعشيت فيه.
بعد تردد كنا نطرق باب الشقة فخرج طفل في
العاشرة لم نفهم منه ما نبحث عنه؛ ودخلنا اعرف الأثاث والممرات لتستقبلنا غرفة بها
ثلاث سيدات أعمارهم متفاوتة أكبرهم ترتدي ملابس سوداء صورته معلقة فوق الجدار ونحن
نخالس الحديث كانت المفاجأة هذه أمه وتلك زوجته والثالثة أخته.
الرجل
تعرض لوعكة صحية ادخل معها المستشفى وشخص المرض خطاء فتضاعف ثم مات شعرت بانقباض،
كان ملك الموت يربت على كتفي فشل أطرافي؛ لمحته زميلتي فاستأذنت أمسكت بيدي
وغادرنا المكان. &&
13 / 3 / 1432
3 - أعياد
في
عيد الأم فقدت أمي، وفي عيد الحب خطف جاري الأرمل زوجتي، وفي عيد الشرطة وأنا اقطع
الطريق للحاق بصلاة المغرب في المسجد؛ دهمتني سيارة شرطة تلاحق عربة مسروقة
فمت.&
29 / 4 / 1432
4 - الجاوية
غرزت أصابعها في كوم الأوراق المبعثرة في
ممر الحديقة ، وهمهمت أخطأت باستسلامي للريبة بعدما حققت الهدف؛ ولما رأته يحمل
كأسي الايسكريم تلفتت حولها وقالت: لن استسلم لأي حالة مؤذية طالما أنا واثقة من
حبه.&
16 / 5 / 1434
5 - الجرح ينزف عطرا
جاء الاختفاء في ذروة هدوء الصيف وسكون
الأشياء في الرياض، لم نشعر بفقده في الأيام العشرة الأولى لأنه ينجز عملا
بالتنسيق مع والدي، في بداية الأيام العشرة الثانية سألني والدي عنه فلم تشف إجابتي
غليله.
ران صمت اسود على الدار، أمي تحتضن طفلتي
ذات السنة وتلاطف ابني الذي لم يكمل سنته الثالثة، ووالدي يشغل نفسه بما يبثه
التلفيزيون، رن هاتف المنزل كانت العاشرة ليلا صوت مجهول وهو يطلب والدي قائلا: هل
أنت سارة، همهم أبي ببعض العبارات التي لم افهمها وامي تحدق بي.
على الغداء اخبرني والدي أن سالم اختفى من
حياتنا، هناك علامات استفهام كثيرة انشغل والدي معها بملاحقة أثارها المادية
والمعنوية، سالم رحل ضمن إحدى قوافل المتخلفين ممن لا يحمل أوراق ثبوتية إلى مصر.
قال أبي: أوراقه التي بين يدينا مزورة،
زواجك وأرقام إقامته في شهادة ميلاد ابني وابنتي تخص أخر، ومعه اختفى مبلغ كبير من
صندوق المحل التجاري والحساب البنكي يصل إلى نصف مليون ريال، كان زواجي من سالم
العامل المساعد لوالدي وأنا ادرس بالجامعة، فقد كان السائق الذي يحملني للكلية
ويحمل معي طموحاتي وأسراري، بعد تخرجي بشهر اقتنع برغبتي والدي وباركته أمي التي
تعتبره ابنها الرابع، فيصل ومحمد وسارة وسالم، إذ لم تعترف أني أنثى بسبب قربي من
والدي ومشاكستي إخوتي.
أمضى سالم في العمل مع والدي عشر سنوات،
معه حمل العمل وغدا شريكا في كل شيء ولم يتغير شيء بعد زواجي به، إشكالية هوية
ابني وابنتي تم ترتيبها عبر المحكمة بإضافة لقب والدي وطلقني القاضي بعد وصول كشوف
إدارة الجوازات التي تحمل صورة المتخلف المرحل بعد إقرار والدي وبعض الشهود انه
سالم، والزمني بالعدة الشرعية حتى يباح لي الزواج مرة ثانية، قررت إشغال وقتي
بالدراسة الجامعية فحصلت على الماجستير.
بعد وفات والدي قدمت لي أمي مظروفا مغلق
طلبت مني فتحه في غرفتي بناء على وصية والدي، عرفت من الأوراق التي به أن سالم هويته
الوطنية مزيفة، وهو عميل استخبارات زرع عبر عمل والدي التجاري الذي له علاقة
بالسيارات والميكانيكا بعد تكليفه من جهة عسكرية بصيانة بعض معداتها، وكان عميلا
مزدوجا لبلده ولأسرئيل ولما شعر بالخطر يحيق به رحل.
قمت بتمزيق الأوراق والصور وحملتها للمطبخ
وأشعلت النار بها، فتحت باب غرفة ابنتي فلم أجدها، وفتحت باب غرفة ابني فلقيته
نائما، وفتحت باب غرفة أمي فإذا ابنتي ترقد مع أمي في فراشها، شعرت بالهدوء
والسكينة تمددت في فراشي ركضت مع أحلامي وطموحاتي، متجاوزة الجرح الذي نجحت في
معالجته ولأفكر في أجوبتي على أسئلة الموظف الذي سأقابله في إحدى كليات جامعة نجد
الأهلية حتى أكون عضو تدريس بها.&
6 – الحكاية
هي لحظة تشكلت خارج سياق حياتي الممتلئة:
الانشغال بالعمل ومتابعة حالة والدتي الصحية ومشاكل شقيقتي المتزوجة، وتدني درجات
التحصيل العلمي لشقيقي الوحيد واهتمامات والدي بمخرجات عمله على حساب هدوء الأسرة
وبالدراسة والبحث العلمي.
جاء من أحدى قرى مدينة الطائف بحثا عن
العمل وبما انه من عائلة أسرة والدي؛ فقد حصل على وظيفة في الوزارة التي يرأس
والدي احد إداراتها، ومن هنا كان يوفر لي بعض مطالبي كباقي أفراد الأسرة عندما
نستعين به، وكان احتفالي بحصولي على درجة الماجستير مناسبة للزميلات لإقامة حفل
خاص.
وجاء ليوصلني للمنزل كانت معي أخرى أوصلناها
لمنزلها في شمال الرياض متجاوزين الحي الذي اسكنه أولا؛ الإصرار جاء مني لم أقومه
حتى الآن وان انبثق من وجودي وأزمة تماهي خضت معه عملية إدراك كجزء من نفس توقف
تحليلها بسبب غمار حرب أعلنتها متجاوزة عمليات اختزال اشتركت فيها.
ساعدني في إنزال بقايا الحفل في مدخل الدار التي يعمها السكون، والدي مسافر
ضمن لجنة لتطوير فرع جديد لإدارته، وشقيقي المراهق مع أصدقائه بالمقهى ووالدتي في
غرفتها تتابع حلقة جديدة من مسلسل تركي ناطق بالعربية يبثه التلفزيون في غرفتها.
أمسكت
بذراعه ودخلت الدار، العتمة تلف الصالة والدرج؛ لنلج غرفتي تطلع في مبتسما عبر
كمالية متجاوزة أزمنة كان التطابق ممتنعا فيضها؛ تفتحت أكمام لذات علا في الوصول إلى
كمال المدرك الذي معه انبثقت اللحظة.
شيء فيه أشعل شهبا ذهبية في فضاء الغرفة، لم أقاوم
أماني الصعود، فتح المغلق انهارت حصوني وتدفقت الحياة في داخلي متجاوزة الخوف
والفزع الذي كونه قلق عرى وجودي؛ ففقدت رشدي وشنقت كلماتي ممزقة بين السلوك والصيرورة،
تجاوزت التوتر وإشكالات تصدم اعز أحلامي وتفاصيلها الصغيرة وأحداثها الثانوية، ودب
التعب في أطرافي إنها المرة الأولى التي لجمت أفكاري؛ كمن حبس أنفاسه حتى يؤخر
اللحظة التي سيتألم فيها.
كانت علاقاتي العبثية والمحدودة صور خيالية
عبر الهاتف أو خلال لقاء في مكان عام يمثلها كمال وجود بحت، ولحظات عبث تقدم عليها
إحدى صديقاتي عندما نختلي فجأة، غادر الغرفة لم اهتم بما يحدث كمن أصيب بصعوبات في
الذاكرة الفراغية، انزلقت في خدر ونمت كما لم انم خلال ثلاثين عام؛ على طاولة
الغداء قال والدي إن سعد سافر لمعاينة والدته المريضة، تذكرت ليلتي وكيف اجتاح الغابة
وحلق في الفضاء؛ واستباح حصوني تركت الطاولة.
دخلت غرفتي رائحته في الفراش؛ نظرت إلى
وجهي في المرآة فوجدت ملامحه الخالية من الغموض ينضح غبطة صافية ورغبة في تأكيد
وجودي، وأثاره في كل مكان لم أقوم الفعل
الذي خططت له كل قوى الشر، ودرجة الرغبة التي كنت عليها وان شعرت انه تواءم مع
تضاريس جسدي واهتمامه الذي اثر في نفسي، وفق زمن إبداعي هو شكله فتحكم عن غير قصد
في هيمنته فلم يهتم بسلبيتي الفاحشة.
رن الهاتف كانت أختي تخبرني بقدومها دخلت
الحمام استحضر ذاكرتي؛ ابن أخت زوجها المبتعث للدراسة في لندن يرغبني زوجه لم
اعترض ولم أفكر كثيرا جاء زواجي مبسطا وعائليا في ليلة سفرنا؛ قالت أمي وهي تودعني
إن جارتنا طلقها زوجها الذي تأكد أنها مريضة بسبب الصراع الاجتماعي الذي فرغ مقاومتها
والطبيعة القاسية التي اندمجت فيها بسبب مغامرة كانت وراء عذاباتها؛ فلم تملك أعصابها
فانهارت نفسيا.
في
ارض الغربة قررت إكمال دراستي الجامعية إذ تمكنت من اخذ موافقة الجامعة التي يدرس
بها زوجي؛ بعد أشهر من انتظامي بمعهد اللغة لتنمية مهارتي في المحادثة عند التسوق،
وفي اتصال بأسرتي اخبرني والدي وهو يخبرني بموافقة جهة عملي على الدراسة وتحويل
غيابي بعد إكمال السنة الإجازة بدون رواتب إلى مبتعثة من مرجعي بعودة سعد، لما
سألت أختي عبر الهاتف عنه لم تقل شيء.
اخبرني زوجي انه استتم دراسته وقد تبقى علي عام
حتى أناقش رسالتي وباتفاق مع والدي بقيت لأجد ذات صباح سعد يقف على الباب، انبهاري
باللحظة شلتني تراجعت أغلق الباب وامسك بكفي أجلسني على احد مقاعد غرفة الجلوس
وجلس في المقعد المقابل لم نتحدث؛ المكان واللحظة عبرا عما يتعامل في داخلنا عرفت
انه جاء مع والدته المريضة.
نهضت لأحضر مشروبا من المطبخ لحق بي، شيء فيه
يمتلكني وفي أعماقي تتشاجر المشاعر حول الصلة المنظورية والندم، وأنا انظر إليه من
الداخل سعيا إلى الأمان وفق حالتي التي يصرفها عناد أعمى.
كان يعيد ترتيب حواسي، فمشاعر التأزم والتمرد أفقدتني
قوة الإحساس بالأشياء التي تخلق الفعل، وكما كانت اللحظة الأولى منذ عامين، تركني
في الفراش وأختفي ليأتي هاتف والدي إن سعد عاد وان أمه ماتت تحت أجهزة العملية
الجراحية.
جاء أخي وجاء زوجي وشاركاني حفل منحي شهادة
الدكتوراه لنعود ثلاثتنا، عدت لعملي وزميلاتي لأتولى إدارة المتابعة والتطوير فيها
خليط من الموظفين، وبعد ظهر يوم عمل حافل بالاجتماعات ومشاكل احد الفروع جاء صوت
سعد عبر الهاتف يقدم تقريره عن الفرع لم استوعب النقاط التي تحدث فيها؛ فقد فوجئت بعد
عام من استلامي رئاسة الإدارة أنه احد العاملين في إدارتي.
غادرت
المكتب لأجده يقف بسيارته لم أتردد في الركوب انطلق مندغما في شوارع اعتدتها ليقف أمام
منزل اجهله ترجل ولحقت به ترك الباب مشرعا أغلقته، لم يعد هناك ما يمكن أن أخشاه
واخذ يدور بي في فضاء لم استبينه بسبب تراكم الصور التي هاج معها التلذذ الباعث
للشوق متجاوزة التأمل، هذه المرة كنت املك حق المقاومة واستطاع الحلم إخفاء الجدار
الفاصل بين الوهم والحقيقة، في سيرة ذات تبحث عن وجودها.
إنما جاء مكتسحا كل شيء اغترف ما شاء وقدمت له
ما يشاء؛ أوصلني للمنزل في الطريق تعكر مزاجي شعرت بالنقص، أدركت انه استدرجني إلى
ما لا ارغب به كامرأة لديها رغبات تواءمت مع لحظات التردد بسب النقاوة القابعة في
أعماقي، وليطلقني زوجي الذي قرر الهجرة إلى لندن حيث استعار خدماته مؤسسة إعلامية
تخطط لإصدار صحيفة عربيه ، وفي أحشائي بذرة اجهل قاذفها؛ تشكلت طفلا ذكر احتفلت بمقدمه
أسرتي فأسميته سعد. &&
16 / 6 / 1432
7 - الحنق
اكتشفت أنها تفقد اعتبارها في نظر من حولها؛
إن لم تتمكن من فرض رأيها خلال المناقشة، كان الحنق يتغلب على الخجل لديها، لا
تبدو فاتنة فهي أشبه بفوضى كريهة، معها جاءت الرغبة في ممارسة حب أنا أصنفه ولا
يقاس بالخطى التي ارسمها للعمل، إذ علي إدراك سرها قبل اقتحام الآخرين خلوتنا؛
اقتربت كروح حالمة وقد أعماها غضب عاجز؛ فأخذت اغرف من كأس طواه الزمان، ونور اللحظة
يضيء المكان قالت: لم أكن مجنونة ياعاشق التفاحة إنما أضفت لوجودي تاريخ آخر.&
29 / 2 / 1433
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق