العيسى: شاعر حلق خارج زمانه
محمد الشقحاء
عندما اقتنيت ديوان الإبحار في ليل الشجن الصادر عام ١٩٨٠ من شركة تهامة بجده انتصب الشاعر محمد الفهد
العيسى ( 1923 – 2013 ) وأخذ يتطاول كما عملاق انطلق من قمقمه.
فغامرت وكتبت رسالة ابحث
فيها عن ديوانه الأول على مشارف الطريق وديونه الثاني ليديا.
ليطل وعبر منشورات شركة
تهامة الديوان الرابع دروب الضياع عام ١٩٨٤.
يقول الشاعر العيسى في ( عويل الصمت ) . .
مزقي شريان قلبي
اطحني في جانحي
لوبي كاعصار بهدبي
طوحيني
انا اعلم
انني فيك شقيّ
وواكبه الشقاء في لحظة انبجاس أخرى كشاعر
تولد الدروب من خطاه
وتدفن الليالي في عينيه - برعم الحياة. .
يطوي الغيوم للجوار
يحيكها شراع. . .
تجدف الحيتان في آثاره الظلام
اهاته تلون الجباه
واقف إجلال مع سطور الشاعر سعد الحميدين في ثقافة اليوم بجريدة
الرياض وهو يستعرض الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر الكبير محمد الفهد العيسى.
لا تذكر اني ابحث عن ليديا لأعرف ماذا قال لها حتى وصلت نسختي بإهداء
كريم من الجامعة والموثقة د. إيمان العيسى
لأردد معه
عمر تقضى حائرا
بين اليقين . . وبين شك يستعر
قولي فتاة الأرز . .
كيف بك التقيت . . عن الذكر
يقول الدكتور حسن فهد الهويمل في كتابه اتجاهات الشعر المعاصر في نجد
( ويعتبر العيسى من المجددين في الشكل والمضمون . . . فقد برع عن كثير من افكاره بالشعر الحر الذي
نادت به المدرسة الجديدة . . .الا ان تقبله له لم يكن بالاندفاع الذي تجلى في كثير
من الشعراء الشباب )
من قصيدة
تمرد من ديوانه الأول على مشارف الطريق . . .
حطمي
الأغلال يا نفس فاني
قد سئمت
العيش في ظل التمني
كم قضيت
العمر في ذل مهين
بين آلام
واحزان وغبن
لا ابالي
اليوم ان كنت وحيدا
بشقاء من
تباريح التجني
فلأحطم
كل اصفادي بنفسي
ولأحطم
بيدي اسوار سجني
ويقول عنه الدكتور عبدالله الحامد في كتابه الشعر الحديث في المملكة
العربية السعودية ( والعيسى من شعراء اللوعة والحرقة ، الذين صورا السهاد والارق ،
اكثر مما صورا متع الجسد، وشعره بحيرة من الحيرة الضائعة، التي لا مخرج منها، ضياع
وشك ، اثر حب جارف ، ولأمر ما سمى نفسه الفهد التائه )
ومن
ديوان ليديا . . . .
ليديا
اطلقت
روحي
رفرفت
تبحث عن
سر الوجود
عن القدر
يا ويح
روحي
في
متاهات الدروب . . ولا اثر
والشك
يقتلني
وابحث
من انا .
. ما الكون . . ؟
عام ١٩٦٣ جاء الديوان الأول وكذلك الثاني وفي عام ١٩٨٠ جاء الديوان
الثالث بعد عزلة أكثر من خمسة عشر عام .
لم يتحدث عنها من واكب الدواوين التالية الصادرة من عام ١٩٨٤ حتى عام
٢٠١٣
جاء حديث الدكتور جابر عصفور عن الشاعر من خلال ( الروح التي تريد أن
تتحرر من القيود ) التي وقف عندها الدكتور
حسن الهويمل وهو يقول ( ويقيني أن العيسى لم يكن مريحا ولا مستريحا، وسيضل في قلقه
ورفضه، ولو كان متصالحا لأمد المشهد بالشعر والنثر ) بينما
أراه ( صوفي على الطريقة البدائية ) تلبسته الروح التي تلبست الشاعر ارثر رامبو.
ومعها نجد للمكان مساحة عميقة في نزفه الشعري.
انت مثلما تاريخ مولدي . .
مزروعة ما بين اضلعي . .
مثلما غابات نخل
في " الغزيلية " الندية العبق
الأستاذ عبدالله بن ادريس حكم على شعر العيسى من خلال النصوص التي
نشرها في كتابه شعراء نجد المعاصرون بالشاعر الوجداني ( شاعر عاطفي ذو طاقات فنية
رائعة لولا أنه قد جعل لوجدانياته السلطان المطلق في استغلال تلك الإمكانات
الشعرية في إطار الذاتية المحدودة )
وننشد مع الشاعر العيسى
كرفة الشفاه
وهي في ابتهال. .تنتظر
ترنم الصلاة
تنثر الدعاء
لأوبة الذين عانقوا القمر
ونركض مع الدكتور عبدالله المعيقل وهو يقول( لقد ضعفت حدة هذه النبرة
السوداوية شيئا فشيئا أو لعلها اختفت في دواوينه فيما بعد )
لنجده اي الشاعر العيسى في قصيدة الطبيعة الخرساء يبكي من الألم.
صحراء . . . ماذا . . . ؟؟
هل أتاك الهدهد الطير الرسول
هل جاس في دنياك ما بين السهول
حتى انتهت إلى فلول؟
مسكينة . . !!
خرساء من قهر السنين
هل ونحن نتأمل الفهد التائه نضع خط أحمر تحت كلمة الضياع أم نتوقف عن
تصنيف الشاعر الذي حلق بنا في سماء رصعتها النجوم فلمعت ببياض اسر في غياب قمرها.
ما ذنب شاعرٍ
يجتاحه الجمال يأسره الغرام
ليس يدري
وتبقى الكثير من الحديث عن شاعر قنديله وهو يضيء الطريق انشغلنا
بالتفكير من اين جاء بقبس النار.
إنما هي تداعيات مع الأعمال الشعرية الكاملة وقبسات سفير الكلمة
والدبلوماسية ومع إيمان العيسى التي وثقت هذا الشاعر المتفرد بروح تعشق الحرية.&