تجربة
الشقحاء فى القصة القصيرة
السيد الهبيان
تتنوع كتابة الكاتب السعودى "محمد المنصور الشقحاء" .. بين المقالة والقصة القصيرة والشعر..شارك فى تأسيس "نادى الطائف الأدبى"..قدم أربع مجموعات قصيية هى " البحث عن ابتسامة"و"حكاية حب ساذجة"و"مساء يوم فى آذار"و"انتظار الرحلة الملغاة"..لم تخرج جميعها عن النطاق المحلى والتقليدى للأدب السعودى فى الستينات وديوانى شعر هما:"معاناة "و "بقايا وجود"...بما يبدى أنه صوت أدبى.. له تواجده على الساحة الأدبية السعودية..خلال العشرين عاما الماضية.. ومن ثم يبدو تناول تجربته فى القصة القصيرة.. لبيان ماهيتها..وما ينتهجه فيها.. من خلال مجموعاته القصصية التى قدمها فى مجال القصة القصيرة.
أولا:ـ "البحث عن ابتسامة".
صدرت عن نادى الطائف الأدبى.. وتضم عشرين قصة قصيرة.. تمثل المحاولات الأولى للكاتب.. اختار مضامينها من الواقع الاجتماعى الذى تعيش فيه شخصياتها.. والتى بدت كجزء منه.. وعرض فيه لعادياتها..وممارستها الحياتية ..تانى تجمع فى مجملها مجموعة من الحياة المأساوية .. لنماذج تعيش قدرها الذى لادخل لها فيه.
ففى قصتى "المنحوسة وتذكرة السفر"و"أوراق من مذكرات فلسطينية".. يموت الكثير من اللاجئين الفلسطينيين.. وفى قصتى " الأخوات الثلاث" و"نورة".. تموت بطلة القصة وهى عائدة إلى بيتها.. وفى قصتى "فات الوقت"و"اللعبة الأخيرة".. تموت الزوجة..وفى قصة" إنه ولد" يولد الجنين ميتا.. وفى قصة "ذات يوم".. يموت ثلاث آباء..وفى قصة "الأقزام تنتحر"..نفوق عنزة بعد أن تسقط فى بئر.. ولا يخرجها أحد.. وفى قصة"البحث عن ابتسامة"..يموت الوالدين..ومن ثم يبدو حدث الموت القدرى فى المجمل يجمع بين مضامينها.. ويمثل نهاية مفجعة للشخصية الرئيسية فى القصة..أو لشخصيات لها علاقة بها..باستثناء موت "العنزة" فى قصة "الأقزام تنتحر"..ويتشابه إلى حد كبير بصور عكسية..كما يبدو فى قصتى" المنحوسة وتذكرة السفر"و"أوراق من مذكرات فتاة فلسطينية.. ففى الأولى يموت سكان الخيام اللاجئين.. وهم فى مكانهم..بسبب إغارات الطائرات عليهم.. ومحاولات إبادتهم.. وقى الثانية تموت مجموعة من الفدائيين..أثناء هجومهم على مواقع العدو.. وبين تلك الحالات من الموت.. يبدو مايتشابه فى الحدوث إلى حد التطابق التام.. كما فى قصتى "الأخوات الثلاث"و"نورة"..فى الأولى" ما أن أخذت الفتاة تعدو قاطعة الطريق العام ..منحرفة فى شارع جانبى يؤدى إلى دار أسرتها..حتى داهمتها سيارة قلاب مسرعة"..وفى الثانية"انطلقت سيارة مجنونة لتطوى تحت عجلاتها إحدى بنات المدرسة".. وفى قصة "عندما فات الوقت" ماتت الزوجة فى حادث مؤسف.. إذ سقطت فى أحد الآبار وهى تحاول جلب الماء للبيت..بينما كان الزوج منتدبا للعمل خارج البلاد".. بينما فى قصة " اللعبة الأخيرة"..تموت الزوجة بسبب انشغال الزوج فى اللعب..ولا يسرع لإسعافها عندما يدعوه ابنه للعودة إلى البيت.. وفى قصة"ذات يوم " مات ثلاثة آباء.. الأول فى أرض الغربة.. والثانى وسط أسرته.. والثالث بعد أن هاجر إلى الجنوب..هربا من محاربة أهله له.
لكن حالات الموت هذه تبدو كنهايات للقصص..ولاتشكل الحدث الأساسى فيها.. فالحدث الأساسى فى قصة" "المنحوسة وتذكرة السفر".. هو ذهاب إحدى الصحفيات لزيارة معسكر للاجئين.. كى تلتق بأكبر مجموعة من الصبيان لتسألهم:" هل يحبون الحرب ..وماذا يتمنى كل منهم..سيفا أم بندقية..أم دبابة..أم وردة..وقرطاسا وقلما"..
فتفاجأ بتعرض السكان للإبادة..وما يحدث لهم.. وتعثر على دعوة لزيارة الأماكن المقدسة..فى الأرض المحتلة..ورؤية الآثار القديمة.. الأمر الذى يثير حفيظة العجوز ..فتبصق على الأرض ..ولا تهتم بشكوى الصبى من التعب ..وتجرجدره وراءها إلى المعسكر.
وفى قصة "أوراق من مذكرة فتاة فلسطينية".. يبدو البؤس الذى يعيشه سكان الخيام اللاجئين.. وما يتعرضون له فى حياتهم اليومية.. وتساقط الفدائيين فى عملياتهم العسكرية ضد أفراد العدو.. والمآسى التى تتمخض عن موتهم.
وفى قصة "الأخوات الثلاث"..الفتاة الصغيرة ..الاتى أرادت أن تهدى أختها الكبيرة التى انقطعت عن المدرسة..إحدى القصص..فادخرت من مصروفها ما ظنته ان يكون ثمنا للقصة.. ولا يردها البائع بعد أن "حركت تلك الفتاة فى قلبه جرحا لم يستطع الزمن وأده".. فيعطيها القصة بأقل من ثمنها.. ويفاجأ بشقيقها يحضر إليه لللإستفسار عن بيعه القصة لشقيقته وهى لاتملك ثمنها.. ويخبرها بحادثة موتها ..وعدم اهتمام رجال الشرطة..وأن والدتها كانت تخشى أن تكون ابنتها قد سرقت القصة.
وفى قصة "نوره" أرادت الفتاة عدم الذهاب إلى المدرسة ..بسبب وجع رأسها... لكنها أرغمت على الذهاب .. وداهمتها سارة وهى فى فى طريق العودة وتأخرت سيارة الإسعاف ..فلفظت أنفاسهالا الأخيرة بعد أن بقيت دون إسعاف لفترة طويلة.
وفى قصة "انه ولد"..الأب الذى أنجب سبع بنات ..وينتظر أن تضع زوجته ولدا.. لكن معاناة الزوجة تنتهى بأن الجنين يولد ميتا.
وفى قصة"عندما فات الوقت".. الشاب الذى قرر البحث عن فتاة مناسبة له ليتزوجها.. ويستثنى فتيات المدينة..لأنه ير أن :"أفضل حل له أن يتزوج من قريبته رغم عدم معرفته بها.. فاصطحب خاله وابنه وذهبوا إلى حيث تقيم الفتاة ليبحث كل منهم عن فتاة يتزوجها.."هو يريد فتاة كامل’..وابن خاله يريد امرأة جميلة.. أما خاله ابن الخمسين فيريد امرأة ولودا ..بعد أن سمحت له زوجته العقيم بالزواج من غيرها.. فأخذ يبحث عن امرأة ثالثة..وتزوج الثلاثة ورزقوا بثلاثة مواليد فى فترات متقاربة..لكن الزوجة العقيم بثت الشكوك فى نفس زوجها فطلق زوجته الجديدة.. وهى أخت زوجة ابنه..وطلب من ابنه تطليق زوجته أختها مدعيا أنها لاشك تفعل مثل زوجته.. دون أن يلاحظ الابن ذلك.. وتسرب الشك إلى قلب بطل القصة.. "فأخذ يراقب زوجته.. وقرر إغلاق الباب بالقفل عندما يغادر الدار".. ولم يتحمل ما يعانيه من شكه فى زوجته.. فحصل على اجازة من عمله ..وسافر بها إلى أهلها وتركها ..مدعيا أنه انتدب للعمل فى أماكن بعيدة.. ثم تحقق ما ادعاه.. وسافر وانشغل بالعمل عن التفكير فى زوجته وابنه.. لكنه بعد أن عاد إليه بعض هدوئه,..,قرر السفر لإحضارها.. لكنه تلقى برقية تفيد موتها ..وتطمئنه على ابنه.
وفى قصة "ذات يوم"..ثلاثة أباء..الأب الأول رجل مغامر كثير الرحلات.. تاجر فاشل ..هاجسه ظهر بحيرة.. ورحل ذات يوم ولم يعد..والأب الثانى.. كان شيق الحديث ويتحدث بأسلوب فكه ممتلىء"بالفلسفة والمنطق".. فقد كان يحلل كل شىء ولا يدع مجالا للشك.. أسلوبه مقنع وحواره هادىء.. والأب الثالث..اشتغل فى التهريب والتجارة..وعاد بخفى حنين.. حاربه أهله فهاجر إلى الجنوب مع الحكومة..وهناك وجد حلا.. اشتغل بجد ونشاط ..ثم توفى مخلفا الكثير من الأملاك.. لكنه ابنه وهو بطل القصة...الذى تركه وهو فى الثانية عشرة من عمره.. صار لايملك شيئا من تلك الأملاك..بعد أن جاوز الثلاثين من عمره.. وبات موظفا عاديا مثل زميله بمرتب محدود.
وفى قصة "الأقزام تنتحر".. ينشغل الناس بمتابعة العمال..الذين يستخدمون آلة الحفر الجبارة ..تقلق راحتهم بضجيجها.
وفى قصة "اللعبة الأخيرة".. موظف يحاول أن ينسى روتينية العمل فى المكتب..بالانشغال بلعبة "البلوت" مع أصدقائه.. ويصل الأمر إلى حد التقاعس عن العودة إلى بيته لإسعاف زوجته.
وفى قصة "البحث عن ابتسامة".. تكتشف بطلة القصة وجود علاقة آثمة بين أمها وعمها.. عندما تعثر على ما يثبت ذلك..وتتهمها الأسرة بقتل شقيقها الصغير ..ويؤكدون إصابتها بالجنون ليستولوا على ثروة والدها.. لكنها تنتصر عليهم فى النهاية.
وتتنوع مضامين القصص الأخرى التى تضمها المجموعة.. بتناولها حالات مختلفة ..لشخصيات تختلف عن بعضها باختلاف ظروفها.. واختلاف ما تعانيه فى حياتها.
ففى قصة "الهندية"..شاب يلتق بامرأة هندية.. كانت صديقة لجدته.. ويعرف ظروف حياتها منذ حضرت للبلاد.. ويعلم بزواجها من رجل ستبنى.. وأن ابنتها الكبرى مجهولة الأب.. وتتضح له الحقيقة ذات يوم..عندما تلتقى بشقيقه ويدور بينهما حديث..يكتشف من خلاله أن الطفلة مجهولة الأب هى ابنة شقيقه..وظل يقكر كيف تورط شقيقه معها إلى أن يصل لتصور يقنعه .
وفى قصة "المرسوم".. المرأة التى تعانى من عدم اهتمام زوجها بها وبابنتها.. ويصل الأمر إلى حد التثاقل وهو يخرج من البيت ..تاركا ما يشغله ..ليبحث عن ابنته التى كانت عند جدتها ولم تعد.. بعد حدوث حريق بسبب انفجار أنبوبة غاز..لكنه بعد أن يعود إلى البيت يجد ابنته عادت وآوت إلى الفراش..فيفقد الرغبة فى العودة إلى ما كان يشغله.
وفى قصة "حلم".. الرجل الذى يعانى الوحدة فى غياب زوجته ..التى تركته بعد أربع سنوات من الزواج.. رغم أنه لم يحاول أن يغضبها فى يوم من الأيام.. وقررت عدم العودة إليه..فتأسف على زواجه منها..لأنها لم تقنع بالحياة معه.. والعيش فى حدود راتبه البسيط..الذى لم يزد منذ توظفه.
وفى قصة"ارتفع الصخب".. الكاتب الذى يؤرقه الضجيج ..ويجعله عاجزا عن التركيز عندما يكتب فصصه.. ويتخيل وجود فتاته معه ..تقدم له القهوة ثم تتركه وتذهب.. ويغلبه النوم وعندما يستيقظ يجدها قد عادت.. وأن الرفاق لن يحضروا للسمر كعادتهم.. فيعود إلى التفكير قبل عودة الصخب من جديد..
وفى قصة الحنين واللحظات المفاجئة ..الموظف الذى يعانى من العمل وحده.. فى مكان عمله.. بعد رحيل من معه.. ويشده الحنين إلى أسرته..فيفكر بالاتصال بهم.. لكن يدخل من يشغله عنهم.
وفى قصة"المفترق العاق".. الفتاة التى تعانى من الحياة.. بعيدا عن أبويها..اللذين افترقا وتركاها مشتتة فيما بينهما.. وتفهم حقيقة أسرتها.. "أب مزواج.كل سنة.كل شهر ..له زوجة.. وأم بائسة .. رمت ابنتها لترضى أسرتها".. وتعمل بالتدريس..لكن تشغلها مشكلتها عن ما تقوم بتدريسه للطالبات.
وفى قصة "نقطة اليأس".. امرأة يتركها زوجها لتعيش مع أسرتها رغما عنها.. وتتعرض لاستغلال سائق راودها عن نفسها..حين استدعته لنقل شقيقها المريض إلى المستشفى.. فتعده بالاستجابة له بعد إنقاذ المرلايض..ثم تلجأ إلى أسرتها للنجاة منه.
وفى قصة "عين من دم".. الشاب الذى يلتقى برقيقة صباه..ويتذكر ما كان معها.. ويتأمل كيف تغير الحال..بعد مرور عشرين سنة..ولم يعد مثلما كان فى عهد الطفولة.
وفى قصة "الطموح"..الشاب الذى نزح إلى المدينة..مخلفا رفاقه فى العمل بقريتهم.. وأخذ يقبل كل عمل يوكل إليه..حتى استطاع شراء الدائرة التى يعيش فيها.. ثم ذهب إلى رجل كان قد اتفق معها على تزويجه ابنته.. لكنه ضل الوصول إلى منزل ذلك الرجل ..وعجز عن الاهتداء إليه.. فانهار أمامه كل شىء.. وظن أنه يسير أمامه فى الطريق..فأمسك به من الخلف..وتشبث به.. ثم فوجىء أنه ليس هو.
وفى قصة" النجوم تقدم العزاء".. الرجل الذى تزوج من امرأة ..ثم أجلا فكرة الإنجاب لفترة ..حاولا بعدها إنجاب الأولاد.. لكنهما عجزا عن ذلك.. فتزوج الرجل عدة زوجات ..وتعرض للخداع من إحداهن.. بادعائها أنها حامل.. ثم تبين له كذبها.. فقرر الاستسلام والعودة إلى زوجته الأولى.
مجموعة متنوعة من المضامين تعرض لمشكلات الرجل والمرأة ..من حيث المعاناة..والتطلع إلى الخلاص منها.. وتبعا للظروف التى تعيشها كل شخصية على حدة..وأحيانا يتحقق ذلك الخلاص.. وأحيانا لايتحقق..وتبقى المشكلة بانتظار الحل ..مع بقاء السلوكيات التى تمارسها الشخصيات داخل مجتمعها بلا تغيير ..ويتجمد الموقف عند حالة معينة.
ثانيا:ـ"حكاية حب ساذجة":
صدرت أيضا عن "نادى الطائف الأدبى".. وتتفق مضامينها مع مضامين مجموعة"البحث عن ابتسامة".. من حيث الواقع الاجتماعى.. وما تعرض له.. وتبرز من بينها أيضا مجموعة من الصور المأساوية.. يشكل الموت بعضا منها.. مثل موت الأم فى قصة"الحرمان"..ووفاة الأب فى قصة " إنهم يبحثون عن الزهور".. ووفاة الجار فى قصة "غدير البنات".. وموت الرفاق فى قصة "الخوف".. وموت الجنين فى قصة " الجنين الثانى".. ووفاة والد الخطيبة فى قصة" عندما تتلون الصداقة". تبدو حالات الموت هذه كتجسيد لموقف حزين.. عاشته الشخصية وتأثرت به.. دونما أن يكون لتلك الحالات تدخل فى الحدث الرئيسى للقصة.
وتهتم هذه المجموعة لعرض حالات الحب لدى الشباب.. من خلال صور قد تبدو مختلفة عن بعضها.. لكنها تتناول العراقيل التى تقف عقبة فى طريق إتمام زواج الشاب بالفتاة التى أحبها.. ومدى قدرته على مواجهة ذلك الموقف الذى يبدد أحلامه.
ففى قصة "الفصول الأربعة".. الشاب الذى يحب فتاة ..ورغم أن الجميع يعرفون أنها تحبه.. لايوافق والدها على زواجهما.. ويقبل غيره زوجا لها.. ليمتثل الشاب للزواج من فتاة غيرها.. اختارتها لها أمه.. تنجب له البنات..ثم يرزقه الله بولد بعد طول يأس.
وفى قصة "حكاية حب ساذجة".. الشاب الذى يقرر الانتظار بسبب زواج ابنة عمه التى يحبها من غيره.. ويعيش عشر سنوات ينشد السلوى فى صورتها التى سرقها.. ويتوهم أنها تنام بجانبه.. ثم يرحل إلى أرض الغربة ويتزوج أخرى ..يعيش معها ونسى أنه سوف يعود يوما إلى أرض الوطن.
وفى قصة "ويخاف الحب".. الشاب الذى يلاحق الفتاة على أمل محادثتها.. ثم يعجز عن محادثتها عندما يلتقى بها.. فيحلم بأنه تجاوز عقدة الخوف والخجل ..وبأنها تنجذب إليه.
وفى قصة "انهم يعودون".. الشاب الذى يرى فتاة تطل من نافذتها فيقع فى حبها.. ويحاول الالتقاء بها.. رغم علمه باستحالة زواجه منها بسبب حساسية عمله..واختلاف جنسيتها عن جنسيته.
وفى قصة "القمر يبزغ ثانية"..الشاب الذى يحاول التعرف على الفتيات من خلال التليفون.. مثلما يفعل الأصدقاء.. لكنه يفتقد تجاوبها معه.. ومجاراتها له.. ثم تفاجئه بالشتيمة.
كما يبدو ثمة اهتمام بعرض المشكلات الأسرية..التى قد تبدو بعد الزواج.. ومدى تأثر الزوجين بها.. وتأثيرها على حياتهما الزوجية.
ففى قصة " الهروب "الزوج الذى يضطر للسفر بسبب عمله ..تاركا ابنه وزوجته الوحيدة التى يكرهها أهله.. ويعلم أنهم لن يهاموا بها..وتعده بالتحلى بالصبر إلى أن يعود..
وفى قصة "سوف يعود".. الرجل الذى تتمنع عليه زوجته فسأم منها وغادر البيت..ثم حاول استمالة امرأة أخرى لكنها صفعته.. وظل يشارك أصدقائه اللعب وهو مشغول عنهم..ثم عاد إلى البيت.
وفى قصة "أناس يعبدون الحياة".. الشاب الذى تزوج ..وعاتى من زوجته غيرتها عليه.. وشكها فى سلوكه.. الأمر الذى جعله لايهتم بها عندما ذهبت إلى بيت أسرتها ولم تعد..ثم تزوج من أخرى ..عاش معها فى سياج من المحبة والأمان.. لكن سرعان ما دب بينهما الشجار.. ووصل الخلاف بينهما إلى حد منعته من الدخول إلى البيت..
وتبدو حالات الحزن والسأم من ملل روتينية الحياة.. والعمل.. فى قصص "القفز على جدران الفراغ"و"ركض من الخلف"و "عملية إحصاء"و"الحزن وأحلام اليقظة"و"دمعة كبيرة"و"أشياء صغيرة"..حيث يبدو الفراغ والتجمد عند حالات معينة ..هو الباعث على الإحساس بالكبت ..وعدم لامبالية الشخص بما حولها.. ويبدو ذلك بوضوح فى قصة " عندما تظل الأصوات جميلة".. حيث يمتزج الحزن بالانشغال باللعب مع الأصدقاء.
ثالثا: مساء يوم فى آذار:
صدرت عن مطبوعات "تهامه" بجدة.. ولا تختلف عن مجموعتى "البحث عن ابتسامة"و"حكاية حب ساذجة"..فيما تعرض له..من حالات اجتماعية ووظيفية.. بينما تتضاءل الصور المأساوية..الناجمة عن الموت.. إذ تبدو ثلاث قصص فقط.. هى "الجراح ذات العمق المنتهى"و" موت الخادم"و"الرحيل النهائى".. وانتحار الإبنة فى قصة" انتظار الزمن الآتى".. وبدا الموت خاتمة لنهايات شخصيات ..لها ارتباطها بالشخصية الرئيسية فى القصتين الأوليين.. وكان الموت هو الحدث الرئيسى فى القصة الثالثة.
فى قصة "الجراح ذات العمق المنتهى"..الحبيبة التى ماتت ..كانت "فتاة الوادى" التى تتبادل الرسائل مع مجموعة من الشباب.. أحبها أحدهم.. لكنها رحلت دون أن يعلم عنوانها الجديد.. واحتفظ بصورتها طوال عشر سنوات.. وصل خلالها إلى الدراسات العليا فى أوربا.. التى يأخذ إليها معه والده المريض ليعالجه.. لكن والده يصر على العودة إلى الوطن.. ويتصادف تعيين شقيق الفتاة مسؤلا جديدا عن المنح الدراسية.. ويعرف منه ما حدث لها..قيعود إلحبيب إلى مدينته.. بعد أن قرر قطع دراسته لرفض الجامعة نقله إلى دولة أخرى بعيدا عن شقيق الحبيبة.. مضحيا بطموحه وآماله.. من أجل الذكرى التى سوف يعيش عليها.
وفى قصة "الرحيل النهائى".. الشاب الذى تحدث الجميع عن مقتله.. كان يعمل فى بيت أسرة زوج بطلة القصة.. التى "عطفت عليه واعتبرته كأخ لها.. وليس كخادم".. وجاء طفلها الأول صورة طبق الأصل منه.. وحاصرتها الشكوك التى لم تستطع مجابهتها.. الأمر الذى جعله يختفى من المدينة فجأة.. ورزقت هى بمولود آخر ..ثم تنقلت مع زوجها بسبب عمله.. وفى اليوم التالى لعودتها شاهدته.. وعجز عن التقدم إليها.. فاقتربت منه وهى تردد إسمه.. لكنه اختفى عن ناظريها.. وعلمت بعد ذلك بموته ..وكثرة ترحاله بين المدن.. التى كانت تنتقل إليها مع زوجها.. وتلتقى بخطيبته.. ثم تغادر المدينة مع زوجها.. الذى يحاول معرفة ماتفكر فيه.
وفى قصة "انتظار الزمن الآتى".. الفتاة التى انتحرت.. كانت تشعر أن الجميع ضدها.. لكنها حققت ما كانت ترجوه.. والتحقت بالعمل كممرضة.. لكنها تكتشف أنها ليست ابنة الأسرة التى تعيش معها.. فتنتحر..ويبدو بعد ذلك..أنها ابنة الأب الذى أنجبها من خادمة كانت تعتنى به.. وتزوجها.. لكن زوجته أرغمته على تطليقها.. وتنازله لها عن أكبر عمارة فى ممتلكاته.. وينقل الزوج إلى المستشفى.. ليخرج بعد أسابيع وقد أخرسته مفاجأة أخرى لم يستطع البوح بها.. بينما أسرته لم تغير من نمط حياتها..
كما تعرض المجموعة عن حالات الحب التى يعيشها الشباب.. التى تنتهى بتحقيق الأمل المنشود.. أو تبديد الأحلام التى تكون قد تماثلت للمحبين.
ففى قصة "دوى الصمت".. الشاب الذى يحب فتاة ويظن أنها تبادله الحب.. ثم تحدثه عن زميل له باهتمام.. ويفاجأ بأن ذلك الزميل تقدم لطلب يدها.. فى ذات الوقت الذى ظن فيه أن أمله قد تحقق.. وتتزوج من زميله ثم تحاول أن تبدو أنها تزوجت رغما عنها.. وأنها لم تكن تحبه.. ووالدها الذى أرغمها على الزواج به.. لكن الشاب يكتشف عدم صدقها.
وفى قصة "أناس يبحثون عن الحياة".. شاب يلتقى بقتاة صدفة.. ويتحدث معها.. ويفاجا بمن يقول عنه أنه يبحث عن زوجة.. ويتم زفافه إلى الفتاة التى كانت ترقبه ..وسقط فى دهشة وعجب مما جرى.
وفى قصة "مساء يوم فى لآذار".. شاب يلتقى بفتاة كانت قد عرضت نفسها عليه ذات يوم..ولم يهتم بها.. يدور بينهما حديث..ثم تتركه.. وتذهب..ويغيب عنه أن يطلب منها أن تحدثه بالتليفون.
وفى قصة " عندما توقفت الكلمات".. شاب أحب ابنة عمه.. ولاحظ أنها تتطلع إلى الثراء.. فسعى من أجل تحقيق رغباتها.. لكنه يفاجأ عندما يعود بزواجها من غيره.. يعيش فى البندر.. ويوفر لها الخدم والحشم والسيارات الكثيرة.. فيغضب مما حدث ..ويلتقى بها ذات يوم مع ابنتها.. وبعجز فى محاولة التقرب منهما
وفى قصة "الجوع والحياة".. شاب لم ينس حبه لفتاة رغم أنه تزوج وأنجب من غيرها.. ويلتقى بها..ثم يفاجأ بطلبها منه الابتعاد عنها..رغم أنه لم يحاول يوما أن يطلب منها شيئا.. ويفقد استجابتها له.. فيعود إلى الاهتمام بزوجته.. وابنه.. يراهما وهما يتعرضان لحادث سيارة..فيحاول اللحاق بها.
وتعرض بعض قصص المجموعة لعدد من المشكلات الأسرية.. التى قد تواجه الزوج أو الزوجة.. بعد بدء الحياة الزوجية.
ففى قصة "عودة الإدراك".. الزوج الذى تدعى زوجته أن أسرته تكرهه ..وترغمه على الانفصال عنها..لكن يلتئم شمل الأسرة مرة ثانية ..بعد موت الطفل وتعرضه للخطر.
وفى قصة "الشك ورابطة الدم".. الزوج الذى يكتشف بعد الزواج..أن زوجته لاتعى المسئولية.. "جل همها أن يقدم طلباتها على طبق من الشيكولاتة.. وفشلت كل محاولاته معها.. تعليمها الطبخ..واستقبالا لزوار".. وفى حفل زفاف أحد الأصدقاء.. يسمع حدبثا عنها يثير فى نفسه الشك.
وفى قصة " الأشياء ذات الحروف البارزة".. الزوج الذى يهرب من مضايقات زوجته له..ويتزوج بأخرى.. ويدب الشجار بين زوجتيه.. ويختفى ابنه.. وتتزوج ابنته.. يبدو أمل عودة الإبن من جديد..
كما يبدو عرض لحالات من تلك التى يعيشها الموظف..ويعانى منها..مثلما يعانى المجتمع.. من أسرته الذى حدث بسبب التحاقه بالعمل فى مكان بعيد عنها..فى قصص "إصدارات و"الزرقاء تخدع نظرها"و"احتراق الزمن الغريب"..وكل منها يعرض لحالة تختلف عن غيرها.. كما تختلف فى همومها ..والمشاكل التى قد تكون بسبب العمل.
ففى قصة " الصوت المجهول". يبدو عرضا لحاللة كاتب.. يتعرض لحديث تليفونى.. من امرأة تعرض عليه فكرة قصة.. لكن رنين جرس الباب الخارجى يجعله يقطع المحادثة معها.. لاستطلاع من يكون ذلك الذى يدق الجرس.. لايجد أحدا.. ويعود ليجد المكالمة قد قطعت.. فيشعر بألم.
وفى قصة المجنون".. شاب يسعى لإعادة بناء بيته.. لكن تواجهه المشاكل.. الذى يعجز عن مواجهتها.. بينما هو ينشد الاستقرار مع أسرته.. ويتصرف تصرف المجانين.. وفى قصة "اصدارات ".. تكرر مشكلة الزوج الذى يضجو من زوجته.. حيث يبدو وكأنه حكم على نفسه بالانقطاع عن الحياة الاجتماعية لمدة سبعة أيام.. يراجع فيها موقفه..ويحاول الوصول إلى حل.. ويجد ذلك الحل فى الطلاق.. ويفكر فيما سيتعلل به من أسباب ..حتى يحقق التغيير الذى يريده فى حياته.. وتخبره زوجته بأنها حامل.. فيثور الزوج.. لكنه يفجأ بمن حوله يضحكون رغم أنه كان يحدث نفسه.. ويكتشف أنهم يضحكون على نكتة.. قالها رب الدار..الذى ذهبوا إليه ليباركوا له إعلان زفاف ابنه..فيستسلم للأوهام.
رابعا: انتظار الرحلة الملغاة"
صدرت عن نادى القصة السعودى..ولا تختلف قصصها عن قصص المجموعات الثلاث الأخرى..من حيث المضامين.. التى اقتصرت على عرض الممارسات الحياتية..وما يزخر به الواقع الاجتماعى.. وبدت النهاية المأساوسة فى قصتى "الضياع"و"الموت".. إذ بدا الموت هو الخاتمة لكل منهما.
ففى قصة "الضياع"..الشاب الذى يلتقى بفتاة ..ثم يفترق عنها.. ويبحث عنها إلى أن يعلم أنها تزوجت ابن عمها..بعد إرغامها لتكون زوجة ثانية له.. لكنها لم تحتمل ..وأصيبت بانهيار عصبى.. وتم طلاقها بعد ذلك.. لكنه قبل أن يبوح لها بما يكنه فى قلبها من ناحيتها.. يفاجأ بأنها سترحل مع زوجها الثانى.. وتسنح له فرصة الزواج بها..فيقرر ذلك برغم وجود زوجته وأولاده.. لكنه يذهب ليجد العمارة التى تقيم فيها تحترق.
وفى قصة "الموت".. الشاب الذى يحب فتاة ..ويسعى لتحقيق رغباتها..ثم يفاتحها بقرار الزواج.. لكنه تماطله وتطلب منه التريث.. ثم تموت.. ويكتشف أنها أخفت عنه سر مرضها..وأنه تسبب فى موتها.. عندما لبى رغبتها بالذهاب بها إلى أحد الأحراش المحيطة بالمدينة.. رغم أنها كانت لديها حساسية من الأشياء الخضراء.. فيرتاع.. ثم يعود إلى بيت أسرته بعد أن يمزق صورتها.
بينما بدا ثمة اختلاف فى حالات الحب الأخرى..فمنها مالم تصل إلى نهاية الطريق المرسوم لها.. وذلك بسبب الإرغام على الزواج من الغير.. سواء بالنسبة للحبيبة كما فى قصة" انتظار الرحلة الملغاة".. أو بالنسبة للحبيب كما فى قصة " الانفصال".. ومنها ما انتهى باختفاء الحبيبة كما فى قصة "البحث عن عبير".. ومنها ماتم فيها الزواج..ثم تحتم الانفصال بسبب مابدا من أن الزوجين إخوة فى الرضاع.. كما فى قصة "أسطورة حب".. ومنها ما نتهى بالزواج ثم بدا ما يكدر الحياة..كما فى قصة "الوباء".. بصورتيها.. ومنها ما اتصل بعد انقطاع..كما فى قصة "أوراق من مذكرات رجل فى الخمسين".. ومنها ما تم فيها الانفصال ..ثم بدا تحقيق الأمل من جديد..لكن الحبيب يكتشف أنه ليس الرجل الأول فى حياة حبيبته..كما فى قصة "الصراع".. وتبدو المشكلات فى قصة "24 ساعة بدون هوية".. حيث يبدو تأثير عدم الارتياح فى البيت على العمل.. والعلاقات بالآخرين..فى قصة "الدوامة".. تتهدد الحياة الزوجية بسبب حادث سرقة.. ثم تستقيم الأمور بعد ذلك..وتجمع قصة "الانتماء" بين المشكلة الأسرية التى تواجه الأب..عندما يكتشف أنه غريب عن الأسرة التى يعيش معها.. وبين الحب الذى تعيشه الإبنة تجاه أسرتها.. وتتمسك به إلى حد أنها ترفض من يتقدم للزواج منها....ثم تتزوج بشاب غير الذى كان يحبها.
كما تبدو مشكلات العمل وهمومه فى قصتى "النتائج المرتقبة "و" أشياء صغيرة".. وما قد يحدث من مصادفات أثناء العمل قصة "الهدوء الممل".. حيث يلتقى الموظف بوالد رفيقة صباه بعد فترة طويلة..ليتذكر ما كان من سنوات.
وتبدو حالة جنون فى قصة " يوم بدون ساعات".. حيث تعانى الأم مما يحدث لابنها بسبب حادث خطف نعرض له فى طفولته.. وقلق أب من حديث ابنته مع ابنة ذلك المجنون.. ويحاول معرفة كل شىء عما دار فى ذلك الحديث الذى كان بينهما.
وخلافا على مابدا فى قصص المجموعات الثلاث الأولى.. تتضمن قصص هذه المجموعة ..تناول العلاقات غير الشرعية بين الرجل والمرأة.. مثلما بدا فى قصتى "الرغبة"و"عبث الحياة".. حيث تبدو فى قصة "الرغبة" المراة التى تحاول استمالة الرجل إليها.. وتنجح فى أن تجعله يستسلم لها ويكرر لقاءاته معها.. إلا أنه يشعر بغلطته فى فى حماية جار سيىء السمعة ويقرر طرده.. لكن امرأته تتوسط لديه لتثنيه عن قراره.. فتساءل عما يربطه بها.. خشيية أن تكون تفعل مثلها.. وعندما يراها خارجة من شقة تلك المرأة..يتخيل أشياء كريهة وقعت خلف الباب.. فيطلق النار على ابن عمه الذى أراد حماية ذلك الجار السيىء السمعة.. ويعترف..لكن يفرج عنه.. ويبدو أن ابن عمه لم يقتل.. فيتساءل عن ذلك الذى قتل..ومن يكون.
وتبدو فى الثانية المرأة التى يحاصرها أحد المسؤلين برغبته فيها.. ويظل يحاول معها.. لكنها لاتلين..مما يدفعه إلى الزج بزوجها فى ورطة بتهربه من تنفيذ اتفاق بينهما.. ليدخل الزوج السجن.. وتحاول الزوجة البحث عن مورد لتستطيع إخراج زوجها من السجن.. رغم إصرار أهلها على تطليقها منه.
بينما تبدو بطلة قصة "انتظار الرحلة الملغاة".. وقد قررت أن تقابل زوجها بشىء من الخطايا التى يرتكبها فى حقها كامرأة.. بعد أن تأكدت أنه يكذب عليها عندما يتعلل بغيابه عن البيت.
ذلك الإيجاز لقصص المجموعات الأربع .. قد يلقى الضوء إلى حد ما..على اساسيات القصة عند الكاتب.. التى ترتكز على الفكرة العادية.. المستوحاة من واقع مجتمع حافل بمختلف الصور الحياتية.. وعاديات لا تستدع التوقف حيالها.. لتقبل المجتمع لها وكأنه جزءا منه..وهذه حقيقة لا يمكن تجاوزها.. ويتحتم أخذها فى الحسبان عند تناول مثل هذه القصص.. ليس من قبيل الإنقاص من السير فى الاتجاه الواقعى.. وإنما لتحديد ذلك الاتجاه الذى بدا من خلالها.
فبنظرة شاملة على جل القصص.. تبدو جميعها من خلال رؤية للواقع الاجتماعى.. وما فيه من حالات مختلفة..قد تتناقض مع بعضها.. لكنها تنبع من فهم واحد لها.. يبدى الشخصيات بحركتها العادية..وممارساتها الحياتية التى نشأت فى ظلها.. ذلك ما ينفى انتقاء الفوارق التى قد تكون بين مجموعة من المجموعات الأربع.. وأخرى.. الأمر الذى جعل تناول كل مجموعة على حدة..ليس ثمة ضرورة إليه.. ذلك لأن المضامين تتشابه بصورة واضحة.. وكذا الشخصيات الرئيسية والثانية لاتختلف عن بعضها كثيرا..سواء من حيث واقعها ..أو صراعاتها الحياتية.. وأيضا مواقفها الإيجابية أو السلبية.. فى إطار شكل لم يخرج عن الإطار التقليدى.. خاصة فى الشكل العام.. والمنظور الاجتماعى..الذى لم تحد عنه.. ويؤدى ذلك بالطبع..إلى استحالة تحديد أية مجموعة من المجموعات الأربع.. لتكون ممثلة لمرحلة معينة فى تجربة الكاتب القصصية.
من ثم بدا عرض قصص المجموعات الأربع ..بهذا الشكل ..قد يكون هو الأمثل.. إذ يمنع التكرار لما قد يقال حول مجموعة بعينها..ويبدو دونما اختلاف عما يقال عن مجموعة أخرى.. خاصة وأن جل القصص ..تبدو وفق اتجاه واحد.. هو الاتجاهى الواقعى.. الذى بدت محاولات الكاتب القصصية من خلاله..وأيضا عرض أساسيات القصة القصيرة..التى اعتمد عليها فى نسج قصصه:
الفكرة:
أولى الأساسيات فى كتابة القصة عموما..هى الفكرة التى تدور حولها.. ويبدو على أساسها المضمون الذى ارتآه الكاتب ليطرح من خلال رؤيته.. ليحقق الهدف من وراء كتابة قصته.. وإحساس القارىء بما يرد أن ينقله إليه..
والفكرة كما بدت بالنسبة للكاتب..سهله وبسيطة.. من الممكن العثور عليها ..خاصة وسط المجتمع الحافل بالكثير من الحالات أو المواقف التى تصلح أن تكون فكرة لبناء قصة.. تعرض لمشكلة من المشكلات الأسرية.. أو من مشكلات العمل.. أو حالات الحب بين الشباب وهى كثيرة.. وتمثل صور إنسانية أو مأساوية وما أكثرها هى الأخرى.. وغير ذلك مما تزخر به الحياة العادية.
من ثم فاللبنة الأولى فى بناء القصة متيسرة بالنسبة للكاتب.. ويستطيع أن ينتق منها ما يشاء.. لكنه لايقصر الفكرة على قصة واحدة..وإنما يبنى حولها مجموعة من القصص ..يتغير فيها الموقف..أو المعالجة..أو أية أشياء بسيطة..لا تأتى بجديد يذكر فى القصة المعاد كتابتها.. حول نفس الفكرة التى بنيت عليها قصة أخرى.. والأمثلة كثيرة وتبدو فى المجموعات الأربع .ولكن يمكن الاكتفاء بقصنى "الوباء" فى مجموعة "انتظار الرحلة الملغاة" وما يبدو فى صورتيها الأولى والثانية.
فى الصورة الأولى يحكى "عادل" بطل القصة ..عن إشاعة ربطت بينه وبين فتاة من الحى "ابتسام".. سوف تكون زوجته المقبلة.. ويؤثر ذلك الأمر على حياته العاطفية التى كان يعيشها.. حيث كانت ثمة علاقة عاطفية يعيش عنفوانها فى أحلامه..وبين جدران غرفته فقط.. مرت بالعديد من المراحل مع اللآتى سئمن خوفه..وأرهقن من خجله وتخاذله.. وبالرغم من غيرة ابتسام..وما ترسمه من خطط لمواجهة ما تقوم به بنات الحيى .. من رسومات وأمانى لإيقاعه....كان هو آخر من يعلم..بسبب ابتعاده عن المنزل لأسباب تافهة.. تزوج من فتاة أحلامه نورة.. التى رسمتها الأيام فى طريقه.. وبدا كإنسان جديد..سعيدا بحياته الجديدة معها.. لكنه يفاجأ بأن ابتسام تشكو منه..وتدعى أنه يلاحقها عبر الهاتف.. ويرجوه عبد الله أن يبتعد عنها..لأنها زوجة وأم لعشرة أطفال.. ولا يجد مفرا من أن يعترف لزوجته بسبب زيارة عبد الله له .. فتصفه بأنه نبى..وتسرع إلى التليفون ..ثم تتصل بعبد الله ..وتطلب منه أن يسأله عن الدليل المادى.. وتخبرهم بأنهم حاولوا ذلك من قبل معها.. وعندما أعيتهم الحيل.. شنوا هجومهم عليه.. ويفعل ماطلبته زوجته منه..ويشعر بانتصاره وهو يحتضنها.. ويندمج معها فى لحظة حب..لم تنطفىء شعلتها.. بالرغم من مرور عشرة أعوام على زواجهما.
و فى الصورة الثانية يحكى الراوى عن عن عادل بعد عشر سنوات من الزواج.. يواجه بنفس الاهتمام ..ويتكرر ذات الموقف وما تلاه..دونما اختلاف عن الصورة الأولى.. ثم تبدو صفاء هى مصدر الإشاعة.. لأنها تزوجت عن حب وتراكم الرماد على قصتها.. وحزنت وهى "ترى قصص حب من حولها تتوهج يوميا".. وأرادت أن تكون لها قصة حب جديدة..مع عادل ولم يعطها الفرصة.. وعلم بعد عامين أنها مصدر الإشاعة.. فحاول أن يعرف " حقيقة ما قيل على لسان ابتسام".. فيعلم بموتها فى حادث تصادم.. فيتأمل عينى نور.. ويتذكر بدايته معها.."كان لا يعرف شيئا سوى أنها طفلة..تسكن فى الشارع الذى تقيم فيه أسرته..وكانت الأسرتان أسرة واحدة.. وكان الاثنين طفلين لم يتجاوزا مرحلة الإدراك.. وهاهما بعد عشرين عاما يلتقيان من جديد".
يبدو ليس ثمة اختلاف فى فكرة القصتين.. القائمة أساسا على ترديد إشاعة.. عن ملاحقة بطل القصة الواحد فى القصتين.. لفتاة غير زوجته.. واحدة أيضا فى القصتين.. ومواجهة واحدة لها.. ونهاية واحدة أيضا.. وليس ثمة اختلاف فى الباعث على ترديد الإشاعة..وقياسا على ذلك تبدو القصص الأخرى.. التى تجمع بينها فكرة واحدة.. وقد تحسب للكاتب من حيث الكم فقط.. أما من ناحية الإبداع..فلا شك أنه سوف يتقلص العدد ..إلى أدنى حد من الممكن أن يكون..
المضمون:
يلتزم الكاتب فى مضامينه بطرح حالات اجتماعية.. أو مواقف ..بما يبدى تتبعه لما يحدث فى المحيط الاجتماعى..ويرصد اهتماماته..وتطلعات شخصياته المستقبلية.. وما قد تعانيه من هموم.. أو ماتواجهه من مشكلات..سواء فى محيط الأسرة..أو العمل.
لكن تظل هذه المضامين دونما تجاوز لما تعرض له.. ولا تخرج عن رصد تحركات الشخصية.. وما تواجهه فى حياتها.. ثم تتوقف عن لحظة معينة.. قد تكون هى النهاية الطبيعية..لما انتهى إليه تطور الحدث أو الأحداث.. وقد تكون النهاية قطع ليس دلالة لما بعده..بما يصيب النهاية ببتر حاد يوقف إنماء الحدث.
والأمثلة على ذلك كثيرة.. ويمكن تحديدها فى نهايات القصص..وسوف تبدو بوضوح ..وقد يبدو للكاتب اعتبار ما قد يكون من بتر..هو نهاية مفتوحة ..تمشيا مع ما بسمى بالنهايات المفتوحة فى القصص الجديدة.. غير التقليدية..لكن يستحيل وضع النهايات المفتوحة للقصة التقليدية.. بسبب الاختلاف بينها وبين القصة الحديثة.. وذلك ما سوف يوضح عند تناول النهايات من خلال الحديث عن الشكل.
ومثلما تبدو الفكرة سهلة وبسيطة بالنسبة للكاتب.. يبدو المضمون طوعه أيضا.. يطرحه بأى شكل يريد.. فقد يقدمه بتعدد فى القصة الواحدة.. بحيث تبدو مجموعة من المضامين مع بعضها متداخلة..بصورة تجعل القصة وكأنها تحمل فى داخلها مجموعة من القصص..تميل إلى الرواية أكثر ..وتفقد احتسابها قصة قصيرة.. مثل قصة" عندما فات الوقت" من مجموعة "البحث عن ابتسامة".. التى يبدو فيها عدم الإقدام على الزواج ..من فتاة تعبث مع الشباب.. والزواج من القريبة التى لايعرفها الشاب.. وتعدد الزوجات.. والسلوك المشين للزوجات.. والشك فى الزوجة.. وكلها مضامين لاتحتمل القصة القصيرة سوى واحد منها فقط.
فقصة "الحرمان" من مجموعة "حكاية حب ساذجة".. يبدو استغلال المكانة الوظيفية ..والزواج على غير حب.. والشك فى الزوجة..وتعدد الزوجات.. وتحمل المسئولية إزاء الخطأ المرتكب.. وقصة "انتظار الآتى" من مجموعة "مساء يوم فى آذار".. السعى لتحقيق الآمال رغم الصعوبات التى تبدو.. خيانة الزوج لزوجته.. الإنجاب من علاقة غير شرعية.. جحود الأسرة تجاه عائلها..والتخلى عنه ..وعدم الاهتمام به فى لحظاته الأخيرة. .وقصة" الانتماء" من مجموعة " انتظار الرحلة الملغاة".. يبدو الحب والانفصال عن الأسرة ..وقسوة زوجة الأب.. والتضحية من أجل الإخوة.
هذه المضامين المتداخلة..لو انفصلت عن بعضها.. لبدا كل منها قصة واحدة قائمة بذاتها.. خالية من الزوائد التى تضعفها.. ولكانت أسهل من حيث الصباغة..وتحديد الشكل.. مثلما يبدو فى القصص التى اقتصر فيها الكاتب على طرح المضمون الواحد من خلالها.. ومنها قصة "نورة" من المجموعة الأولى.. حيث يبدو ما حدث للإبنة فقط فى يوم دراسى ..وصدق حدسها فى الإحساس بالخطر المجهول.. الذى تحقق وقوعه وهى عائدة إلى بيتها.. وقصة "سوف يعود" من المجموعة الثانية.. إذ اقتصر المضمون على تناول علاقة فاترة بين الرجل وزوجته.. وقصة "أناس يبحثون عن الحياة" من المجموعة الثالثة.. إذ اقتصر المضمون على واقعة الزواج المفاجىء..وقصة "الهدوء الممل" من المجموعة الرابعة.. فقد اقتصر مضمونها على اللقاء الغير منتظر..والذى تم بالصدفة..بين بطل القصة ووالد الفتاة..التى كان يحبها بعد عشرين سنة.
هذه المضامين المنفردة.. تتناول موقفا واحد فى حد ذاته.. واستطاع الكاتب من خلال وقائع..أو ذكريات.. انماء الحدث بتطور طبيعى..إلى أن يصل إلى نقطة التهاية.. دونما خلل فى بناء القصة.. أو ضضعف فى هيكلها.
أما التعدد فى المضامين وتداخلها.. فقد أحدث ابتعاد القصة الأصلية ..عن مضمونها الأساسى.. وبدا ثمة تشابه بين قصتى" الهروب" و"بحث "المجاز" من المجموعة الثانية.. فمضمون هاتين القصتين..من السهل فصلهما عن بعضهما ..ليكون كلا منهما قصة وااحدة قائمة بذاتها.. فالزوج المسافر فى مهمة من قبل العمل.. بعد أن ترك زوجته التى يكرهها أهله وولده.. يبدو معه زوج يعيش فى مشاكل مع زوجته.. التى تضع فى المستشفى.. وكلا المضمونين يجمعهما مكان واحد.. لكن لو انفصلا لكان كل واحد منهما قصة لا ارتباط بينها وبين الأخرى..لكن بالرغم من ذلك.. أضاف الكاتب إليهما قصة ثالثة.. أنهى بها القصة الأولى.. يغير فيها البطل والحدث والمكان.. وبدت بطلة أخرى ..فقد اختفى عادل وزينب..وبدا ثمة بطل آخر.. وبطلة أخرى دونما تخصيص بالإسم.
"وقف أمام باب المصعد قليلا..كانت الساعة قد قاربت الثانية عشر ظهرا فلمحها..لم يكن فى داخله شىء..تقدمت منه..وقدمت كيسا صغيرا عبارة عن حقيبة يد،
ـــ سألحق بك بعد قليل..
لم يكن يعرفها.. كانت مفاجأة أكبر مما يحتمل..وأخذ يصرخ من أنت.. محاولا اللحاق بها.. لكنها اختفت فى دهاليز المستشفى..فعاد القهقرى..حيث التقى بثلاثة من الشبان.. يمدون الخطى.. متلفتين حولهم.. عرف من همسهم وارتباكهم أنهم يلا حقونها.. وعاد إلى مكانه حيث وقف قليلا.. ثم اتجه إلى السيارة ..وهناك لمحها تقف خلف أحد عواميد الموقف.. وبدون أى شعور مد يده إلى الباب الآخر..وفتحه لتلج السيارة..وبنطلق بسرعة.. أخذ يسير دون هوادة فى شوارع المدينة..كان منهوك القوى من فرط الإجهاد.. فلم يحاول فتح باب الحديث :
ـــ أرجوك توقف.
وأوقف السيارة.. لتترجل.. ولمحها تتألق صحة وشبابا.. جميلة المحيا..على شفتيها ترف ابتسامة صغيرة.. أخذت تكبر وهى تقفل باب السيارة:
ـــ لا أدرى كيف أشكرك.. لقد أرسلتك السماء لإنقاذى من موقف كنت أكرهه.
هم أن يقول شيئا.. لكنها ابتعدت عنه دون أن تنظر إليه.. وولجت باب عمارة كبيرة.. ولمحها وهو يهم بالسير تصعد السلم".
قصة قصيرة..ينقصها العنوان فقط.. لكنها تشابكت مع مضمون قصة أخرى..وأراد الكاتب كما يبدو..أن يجعلها مكملة للمضمونين اللذين طرحهما فى القصة.
الشكل:
بداية ووسط ونهاية.. ذلك الشكل الذى اتسمت به القصة التقليدية ..ويبدو الكاتب متمسكا باستخدامه فى غالبية قصص مجموعاته الأربع.. ولا ضير عليه فى ذلك.. طالما يكتب القصة التقليدية..ويبدى البداية ثم الوسط ثم النهاية.. لكن النهايات قد لاتتفق مع هذا الشكل المستخدم.. أبداها الكاتب بعادية بسيطة جدا.. ويشعر بها القارىء منذ بداية قراءة القصة.. والتعرف على ما تعرضه فى مضمونها.. بينما الشكل التقليدى.. عادة ما ينتهى بنهايات غير مألوفة.. يغلب عليها عنصر المفاجأة.. ذلك مع توافر عنصر التشويق للقارىء.. بحيث يكون جاذبا له على الاستمرار فى قراءتها حتى نهايتها.. بينما يترقب معرفة نهايتها بشغف.. وبديهى أنه يدخل فى نطاق ذلك ..الاهتمام بالحبكة القصصية.. ومن ثم بتحتم توافق ما يحدث فى القصة مع بعضه.. ولا يحيد العرض ..عن خطه الرئيسى فى القصة.. منذ البداية..وإلى أن تنتهى.. دونما تداخل لعناصر دخيلة على المضمون.. فيتجنب الكاتب التخلخل الذى قد يكون.. ولا يحدث ثمة تشتت أو انعدام الحبكة.
من ذلك أيضا.. الضمائر المستخدمة.. قد يحدث دمج بين ال " أنا"..و"هو".. ويتداخل صوت الراوى ..لتنحصر الصورة عن الكل بذاته.. ويطغى عليه ..أو يبعده..صوت الراوى.. ولا اختلاف على أن الإتزام بضمير واحد..فى كتابة القصة القصيرة على وجه التحديد.. إذ أن ذلك يحدد شخصية البطل الذى يقوم بالدور الرئيسى فى القصة.. فلا يبدو صوت "الأنا" ثم صوت الراوى.. فينعدم بذلك تحديد البطل..كما يختلف الزمن ويتطاول..ويختلف المكان أيضا.. وعندئذ يفقد وصف القصة القصيرة.. رغم أن الزمن فيها ..عادة ما يبدو غير محدد..إذا بدت من خلال النهج التقليدى.. إلا أن القصة التقليدية بمقياس القصة الحديثة.. تعد رؤية قصيرة.. للتزامها بوحدة الزمان والمكان.. والحدث الواحد الذى تقوم عليه.
وقصص المجموعات الأربع يبدو معظمها بضمير الأنا أو صوت الراوى.. بينما ثمة مجموعة قليلة منها تبدو ب "الأنا" ..وصوت الراوى يتداخلان معا.. قصة "المجهول" من المجموعة الثالثة.. حيث تبدو "الأنا" فى البداية ..ثم صوت الراوى.. و"الأنا" مرة أخرى.. ذلك على سبيل المثال..ومن ثم فقد بدا ثمة ارتباط يجمع بين الأحداث التى عرضت لها القصص.. سواء كانت تردد بصوت "الأنا".. أو بصوت الراوى.. فذلك الضمير الواحد ..حدد الصوت فى القصة.
أيضا توجد مجموعة من القصص ..توحد فيها الزمان والمكان والحدث الرئيسى.. مثل قصة "المنحوسة وتذكرة السفر إلى القدس".. وهى من قصص المجموعة الأولى.. إذ تبدو البطلة الرئيسية فى مكان واحد لم يتغير.. والزمن دونما انقطاع.. والمضمون دونما خروج عنه.. ذلك على سبيل المثال.. لكن هذه القصة ومثيلاتها أضعفها عدم الاهتمام بتنقيتها من الزوائد البسيطة.. والتى تحدث كثيرا بسبب الاسترسال فى السرد.. دون الاقتصار على التعبير الذى يف بالغرض فقط.. وإضافة كلمات زائدة تصيب القصة بالتخلخل.
ويبقى فى نطاق الشكل التقسيم الذى لجأ إليه الكاتب فى بعض القصص.. مثل قصة " أوراق من مذكرات فتاة فلسطينية"..وقصة" الأمل والفصول الأربعة" من المجموعتين الأولى والثانية.. إذ بدا فى تقسيمهما إلى فصول مرقمة.. فتلك الأرقام كان الأنسب أن تتحول إلى تواريخ ..كما فى قصة "الهندية"..من المجموعة الأولى.. لتأسيسها على عرض مذكرات.. بينما الفصول فى القصة الثانية ببدايتها الحكمية..أكد القول بأن القصة التقليدية هى رواية قصيرة.. وتقديم الفصل الأخير على الفصول السابقة له.. أحدث خللا فى الترتيب الزمنى.. لأنه تناول النهاية كاملة.. وانتهى الفصل الثالث بنهاية الأحداث التى سبقته.
اللغة:
لم تخرج اللغة فى القصص عن التراوح بين العامية والفصحى.. واستخدمها الكاتب بهذا الأسلوب الذى يتفق مع القصة القصيرؤة التقليدية.. لكنه كان يجنح إلى الأسلوب التقريرى فى بدايات بعض القصص.. وعند استخدام الوصف.. "حسن شاب لم يتجاوز الثلاثين من عمره.. ألقته الأقدار فى طريق البحث عن الهدف فاشتعل رأسه شيبا.. وغزت الأفكار الهدامة أحاسيسه.. فلم يعد يؤمن بالمبادىء الإنسانية.. رغم أخلاقه وحرصه على أن يكون وبوازع داخلى إنسانا طيبا." قصة "عندما توقفت الكلمات".. من المجموعة الثالثة.. ذلك عن التقريرية.. أما عن الوصف " لأنه الربيع حيث ارتفعت الثريا.. وأخذت الأوراق الصفراء تتساقط من فوق الأغصان..بفعل الرياح الشديدة..وأخذت السماء بين الفينة والفينة الأخرى ..تتبلد بالسحب الداكنة محلقة عن مواسم المطر "..قصة "الدوامة" من المجموعة الرابعة.. أما الوقوع فى الأخطاء اللغوية والنحوية..فذلك كحصورا بين الكاتب و الطبع
لكن ذلك لا يعنى تجاهل الاهتمام باللغة كعامل أساسى فى بناء القصة.. وليست عاملا سلبيا.. لا دور له فى تماسك الهيكل العام ..الذى ينال منه ما قد يبدو فى وسيلة التعبير..
الشخصيات:
حدد الكاتب عوالم شخصياته التى انتقاها من الواقع الاجتماعى.. وعرض لبعض الحالات التى تعيشها.. وفق الحركة التقليدية لواقع حياة ذلك المجتمع.. بما فيها من عاديات واهتمامات وهموم وتطلعات ذاتية.. وما يتمخض عنها من صور مأساوية قدرية.. لا تختلف عن مثيلاتها فى المجتمعات الأهرى.. دونما تقيد بالزمان أو المكان.. باعتبار ذلك من الرتم الطبيعى للحياة.. لكن تلك العوالم فى مجملها ..تبدى إلى حد كبير ما أسس الكثير من العلاقات الإنسانية..من خلال رؤية محدودة النظر..إذ تبدو العوالم قيد الحالة الفردية الغير ذاتية الخصوص.. لتكرار مثيلاتها فيما حولها..وتكرارها ذاتيا دونما اختلاف يذكر.. وكسر حدة التشابه الواضح بين الشخصيات وبعضها..وأيضا من جزئيات واقعها المعاش.
اشارة أخيرة:
يتلاحظ تكرار الأسماء والأماكن بصورة ملفتة للنظر.. إذ لاتتغير فى معظم القصص ..وإن كانت القصص تبدو فى صورة انفصال تام عن بعضها وكل قصة قائمة بذاتها..فالأسماء لايتم اختيارها بعفوية وانما تكون لها دلالتها.. فبالتالى يكون تكرار الأسماء من الأشياء التى يتحتم الالتفات عنها.. لانعدام أهمية ذلك.. لفقدان دلالة الأسماء على شىء بعينه.. يؤتقى بها إلى مستوى الرمز.
****************
السيد الهبيان
المزيد على دنيا الوطن .. http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2015/10/21/382027.html#ixzz3vHcQi68X
Follow us: @alwatanvoice on Twitter | alwatanvoice on Facebook
السيد الهبيان
تتنوع كتابة الكاتب السعودى "محمد المنصور الشقحاء" .. بين المقالة والقصة القصيرة والشعر..شارك فى تأسيس "نادى الطائف الأدبى"..قدم أربع مجموعات قصيية هى " البحث عن ابتسامة"و"حكاية حب ساذجة"و"مساء يوم فى آذار"و"انتظار الرحلة الملغاة"..لم تخرج جميعها عن النطاق المحلى والتقليدى للأدب السعودى فى الستينات وديوانى شعر هما:"معاناة "و "بقايا وجود"...بما يبدى أنه صوت أدبى.. له تواجده على الساحة الأدبية السعودية..خلال العشرين عاما الماضية.. ومن ثم يبدو تناول تجربته فى القصة القصيرة.. لبيان ماهيتها..وما ينتهجه فيها.. من خلال مجموعاته القصصية التى قدمها فى مجال القصة القصيرة.
أولا:ـ "البحث عن ابتسامة".
صدرت عن نادى الطائف الأدبى.. وتضم عشرين قصة قصيرة.. تمثل المحاولات الأولى للكاتب.. اختار مضامينها من الواقع الاجتماعى الذى تعيش فيه شخصياتها.. والتى بدت كجزء منه.. وعرض فيه لعادياتها..وممارستها الحياتية ..تانى تجمع فى مجملها مجموعة من الحياة المأساوية .. لنماذج تعيش قدرها الذى لادخل لها فيه.
ففى قصتى "المنحوسة وتذكرة السفر"و"أوراق من مذكرات فلسطينية".. يموت الكثير من اللاجئين الفلسطينيين.. وفى قصتى " الأخوات الثلاث" و"نورة".. تموت بطلة القصة وهى عائدة إلى بيتها.. وفى قصتى "فات الوقت"و"اللعبة الأخيرة".. تموت الزوجة..وفى قصة" إنه ولد" يولد الجنين ميتا.. وفى قصة "ذات يوم".. يموت ثلاث آباء..وفى قصة "الأقزام تنتحر"..نفوق عنزة بعد أن تسقط فى بئر.. ولا يخرجها أحد.. وفى قصة"البحث عن ابتسامة"..يموت الوالدين..ومن ثم يبدو حدث الموت القدرى فى المجمل يجمع بين مضامينها.. ويمثل نهاية مفجعة للشخصية الرئيسية فى القصة..أو لشخصيات لها علاقة بها..باستثناء موت "العنزة" فى قصة "الأقزام تنتحر"..ويتشابه إلى حد كبير بصور عكسية..كما يبدو فى قصتى" المنحوسة وتذكرة السفر"و"أوراق من مذكرات فتاة فلسطينية.. ففى الأولى يموت سكان الخيام اللاجئين.. وهم فى مكانهم..بسبب إغارات الطائرات عليهم.. ومحاولات إبادتهم.. وقى الثانية تموت مجموعة من الفدائيين..أثناء هجومهم على مواقع العدو.. وبين تلك الحالات من الموت.. يبدو مايتشابه فى الحدوث إلى حد التطابق التام.. كما فى قصتى "الأخوات الثلاث"و"نورة"..فى الأولى" ما أن أخذت الفتاة تعدو قاطعة الطريق العام ..منحرفة فى شارع جانبى يؤدى إلى دار أسرتها..حتى داهمتها سيارة قلاب مسرعة"..وفى الثانية"انطلقت سيارة مجنونة لتطوى تحت عجلاتها إحدى بنات المدرسة".. وفى قصة "عندما فات الوقت" ماتت الزوجة فى حادث مؤسف.. إذ سقطت فى أحد الآبار وهى تحاول جلب الماء للبيت..بينما كان الزوج منتدبا للعمل خارج البلاد".. بينما فى قصة " اللعبة الأخيرة"..تموت الزوجة بسبب انشغال الزوج فى اللعب..ولا يسرع لإسعافها عندما يدعوه ابنه للعودة إلى البيت.. وفى قصة"ذات يوم " مات ثلاثة آباء.. الأول فى أرض الغربة.. والثانى وسط أسرته.. والثالث بعد أن هاجر إلى الجنوب..هربا من محاربة أهله له.
لكن حالات الموت هذه تبدو كنهايات للقصص..ولاتشكل الحدث الأساسى فيها.. فالحدث الأساسى فى قصة" "المنحوسة وتذكرة السفر".. هو ذهاب إحدى الصحفيات لزيارة معسكر للاجئين.. كى تلتق بأكبر مجموعة من الصبيان لتسألهم:" هل يحبون الحرب ..وماذا يتمنى كل منهم..سيفا أم بندقية..أم دبابة..أم وردة..وقرطاسا وقلما"..
فتفاجأ بتعرض السكان للإبادة..وما يحدث لهم.. وتعثر على دعوة لزيارة الأماكن المقدسة..فى الأرض المحتلة..ورؤية الآثار القديمة.. الأمر الذى يثير حفيظة العجوز ..فتبصق على الأرض ..ولا تهتم بشكوى الصبى من التعب ..وتجرجدره وراءها إلى المعسكر.
وفى قصة "أوراق من مذكرة فتاة فلسطينية".. يبدو البؤس الذى يعيشه سكان الخيام اللاجئين.. وما يتعرضون له فى حياتهم اليومية.. وتساقط الفدائيين فى عملياتهم العسكرية ضد أفراد العدو.. والمآسى التى تتمخض عن موتهم.
وفى قصة "الأخوات الثلاث"..الفتاة الصغيرة ..الاتى أرادت أن تهدى أختها الكبيرة التى انقطعت عن المدرسة..إحدى القصص..فادخرت من مصروفها ما ظنته ان يكون ثمنا للقصة.. ولا يردها البائع بعد أن "حركت تلك الفتاة فى قلبه جرحا لم يستطع الزمن وأده".. فيعطيها القصة بأقل من ثمنها.. ويفاجأ بشقيقها يحضر إليه لللإستفسار عن بيعه القصة لشقيقته وهى لاتملك ثمنها.. ويخبرها بحادثة موتها ..وعدم اهتمام رجال الشرطة..وأن والدتها كانت تخشى أن تكون ابنتها قد سرقت القصة.
وفى قصة "نوره" أرادت الفتاة عدم الذهاب إلى المدرسة ..بسبب وجع رأسها... لكنها أرغمت على الذهاب .. وداهمتها سارة وهى فى فى طريق العودة وتأخرت سيارة الإسعاف ..فلفظت أنفاسهالا الأخيرة بعد أن بقيت دون إسعاف لفترة طويلة.
وفى قصة "انه ولد"..الأب الذى أنجب سبع بنات ..وينتظر أن تضع زوجته ولدا.. لكن معاناة الزوجة تنتهى بأن الجنين يولد ميتا.
وفى قصة"عندما فات الوقت".. الشاب الذى قرر البحث عن فتاة مناسبة له ليتزوجها.. ويستثنى فتيات المدينة..لأنه ير أن :"أفضل حل له أن يتزوج من قريبته رغم عدم معرفته بها.. فاصطحب خاله وابنه وذهبوا إلى حيث تقيم الفتاة ليبحث كل منهم عن فتاة يتزوجها.."هو يريد فتاة كامل’..وابن خاله يريد امرأة جميلة.. أما خاله ابن الخمسين فيريد امرأة ولودا ..بعد أن سمحت له زوجته العقيم بالزواج من غيرها.. فأخذ يبحث عن امرأة ثالثة..وتزوج الثلاثة ورزقوا بثلاثة مواليد فى فترات متقاربة..لكن الزوجة العقيم بثت الشكوك فى نفس زوجها فطلق زوجته الجديدة.. وهى أخت زوجة ابنه..وطلب من ابنه تطليق زوجته أختها مدعيا أنها لاشك تفعل مثل زوجته.. دون أن يلاحظ الابن ذلك.. وتسرب الشك إلى قلب بطل القصة.. "فأخذ يراقب زوجته.. وقرر إغلاق الباب بالقفل عندما يغادر الدار".. ولم يتحمل ما يعانيه من شكه فى زوجته.. فحصل على اجازة من عمله ..وسافر بها إلى أهلها وتركها ..مدعيا أنه انتدب للعمل فى أماكن بعيدة.. ثم تحقق ما ادعاه.. وسافر وانشغل بالعمل عن التفكير فى زوجته وابنه.. لكنه بعد أن عاد إليه بعض هدوئه,..,قرر السفر لإحضارها.. لكنه تلقى برقية تفيد موتها ..وتطمئنه على ابنه.
وفى قصة "ذات يوم"..ثلاثة أباء..الأب الأول رجل مغامر كثير الرحلات.. تاجر فاشل ..هاجسه ظهر بحيرة.. ورحل ذات يوم ولم يعد..والأب الثانى.. كان شيق الحديث ويتحدث بأسلوب فكه ممتلىء"بالفلسفة والمنطق".. فقد كان يحلل كل شىء ولا يدع مجالا للشك.. أسلوبه مقنع وحواره هادىء.. والأب الثالث..اشتغل فى التهريب والتجارة..وعاد بخفى حنين.. حاربه أهله فهاجر إلى الجنوب مع الحكومة..وهناك وجد حلا.. اشتغل بجد ونشاط ..ثم توفى مخلفا الكثير من الأملاك.. لكنه ابنه وهو بطل القصة...الذى تركه وهو فى الثانية عشرة من عمره.. صار لايملك شيئا من تلك الأملاك..بعد أن جاوز الثلاثين من عمره.. وبات موظفا عاديا مثل زميله بمرتب محدود.
وفى قصة "الأقزام تنتحر".. ينشغل الناس بمتابعة العمال..الذين يستخدمون آلة الحفر الجبارة ..تقلق راحتهم بضجيجها.
وفى قصة "اللعبة الأخيرة".. موظف يحاول أن ينسى روتينية العمل فى المكتب..بالانشغال بلعبة "البلوت" مع أصدقائه.. ويصل الأمر إلى حد التقاعس عن العودة إلى بيته لإسعاف زوجته.
وفى قصة "البحث عن ابتسامة".. تكتشف بطلة القصة وجود علاقة آثمة بين أمها وعمها.. عندما تعثر على ما يثبت ذلك..وتتهمها الأسرة بقتل شقيقها الصغير ..ويؤكدون إصابتها بالجنون ليستولوا على ثروة والدها.. لكنها تنتصر عليهم فى النهاية.
وتتنوع مضامين القصص الأخرى التى تضمها المجموعة.. بتناولها حالات مختلفة ..لشخصيات تختلف عن بعضها باختلاف ظروفها.. واختلاف ما تعانيه فى حياتها.
ففى قصة "الهندية"..شاب يلتق بامرأة هندية.. كانت صديقة لجدته.. ويعرف ظروف حياتها منذ حضرت للبلاد.. ويعلم بزواجها من رجل ستبنى.. وأن ابنتها الكبرى مجهولة الأب.. وتتضح له الحقيقة ذات يوم..عندما تلتقى بشقيقه ويدور بينهما حديث..يكتشف من خلاله أن الطفلة مجهولة الأب هى ابنة شقيقه..وظل يقكر كيف تورط شقيقه معها إلى أن يصل لتصور يقنعه .
وفى قصة "المرسوم".. المرأة التى تعانى من عدم اهتمام زوجها بها وبابنتها.. ويصل الأمر إلى حد التثاقل وهو يخرج من البيت ..تاركا ما يشغله ..ليبحث عن ابنته التى كانت عند جدتها ولم تعد.. بعد حدوث حريق بسبب انفجار أنبوبة غاز..لكنه بعد أن يعود إلى البيت يجد ابنته عادت وآوت إلى الفراش..فيفقد الرغبة فى العودة إلى ما كان يشغله.
وفى قصة "حلم".. الرجل الذى يعانى الوحدة فى غياب زوجته ..التى تركته بعد أربع سنوات من الزواج.. رغم أنه لم يحاول أن يغضبها فى يوم من الأيام.. وقررت عدم العودة إليه..فتأسف على زواجه منها..لأنها لم تقنع بالحياة معه.. والعيش فى حدود راتبه البسيط..الذى لم يزد منذ توظفه.
وفى قصة"ارتفع الصخب".. الكاتب الذى يؤرقه الضجيج ..ويجعله عاجزا عن التركيز عندما يكتب فصصه.. ويتخيل وجود فتاته معه ..تقدم له القهوة ثم تتركه وتذهب.. ويغلبه النوم وعندما يستيقظ يجدها قد عادت.. وأن الرفاق لن يحضروا للسمر كعادتهم.. فيعود إلى التفكير قبل عودة الصخب من جديد..
وفى قصة الحنين واللحظات المفاجئة ..الموظف الذى يعانى من العمل وحده.. فى مكان عمله.. بعد رحيل من معه.. ويشده الحنين إلى أسرته..فيفكر بالاتصال بهم.. لكن يدخل من يشغله عنهم.
وفى قصة"المفترق العاق".. الفتاة التى تعانى من الحياة.. بعيدا عن أبويها..اللذين افترقا وتركاها مشتتة فيما بينهما.. وتفهم حقيقة أسرتها.. "أب مزواج.كل سنة.كل شهر ..له زوجة.. وأم بائسة .. رمت ابنتها لترضى أسرتها".. وتعمل بالتدريس..لكن تشغلها مشكلتها عن ما تقوم بتدريسه للطالبات.
وفى قصة "نقطة اليأس".. امرأة يتركها زوجها لتعيش مع أسرتها رغما عنها.. وتتعرض لاستغلال سائق راودها عن نفسها..حين استدعته لنقل شقيقها المريض إلى المستشفى.. فتعده بالاستجابة له بعد إنقاذ المرلايض..ثم تلجأ إلى أسرتها للنجاة منه.
وفى قصة "عين من دم".. الشاب الذى يلتقى برقيقة صباه..ويتذكر ما كان معها.. ويتأمل كيف تغير الحال..بعد مرور عشرين سنة..ولم يعد مثلما كان فى عهد الطفولة.
وفى قصة "الطموح"..الشاب الذى نزح إلى المدينة..مخلفا رفاقه فى العمل بقريتهم.. وأخذ يقبل كل عمل يوكل إليه..حتى استطاع شراء الدائرة التى يعيش فيها.. ثم ذهب إلى رجل كان قد اتفق معها على تزويجه ابنته.. لكنه ضل الوصول إلى منزل ذلك الرجل ..وعجز عن الاهتداء إليه.. فانهار أمامه كل شىء.. وظن أنه يسير أمامه فى الطريق..فأمسك به من الخلف..وتشبث به.. ثم فوجىء أنه ليس هو.
وفى قصة" النجوم تقدم العزاء".. الرجل الذى تزوج من امرأة ..ثم أجلا فكرة الإنجاب لفترة ..حاولا بعدها إنجاب الأولاد.. لكنهما عجزا عن ذلك.. فتزوج الرجل عدة زوجات ..وتعرض للخداع من إحداهن.. بادعائها أنها حامل.. ثم تبين له كذبها.. فقرر الاستسلام والعودة إلى زوجته الأولى.
مجموعة متنوعة من المضامين تعرض لمشكلات الرجل والمرأة ..من حيث المعاناة..والتطلع إلى الخلاص منها.. وتبعا للظروف التى تعيشها كل شخصية على حدة..وأحيانا يتحقق ذلك الخلاص.. وأحيانا لايتحقق..وتبقى المشكلة بانتظار الحل ..مع بقاء السلوكيات التى تمارسها الشخصيات داخل مجتمعها بلا تغيير ..ويتجمد الموقف عند حالة معينة.
ثانيا:ـ"حكاية حب ساذجة":
صدرت أيضا عن "نادى الطائف الأدبى".. وتتفق مضامينها مع مضامين مجموعة"البحث عن ابتسامة".. من حيث الواقع الاجتماعى.. وما تعرض له.. وتبرز من بينها أيضا مجموعة من الصور المأساوية.. يشكل الموت بعضا منها.. مثل موت الأم فى قصة"الحرمان"..ووفاة الأب فى قصة " إنهم يبحثون عن الزهور".. ووفاة الجار فى قصة "غدير البنات".. وموت الرفاق فى قصة "الخوف".. وموت الجنين فى قصة " الجنين الثانى".. ووفاة والد الخطيبة فى قصة" عندما تتلون الصداقة". تبدو حالات الموت هذه كتجسيد لموقف حزين.. عاشته الشخصية وتأثرت به.. دونما أن يكون لتلك الحالات تدخل فى الحدث الرئيسى للقصة.
وتهتم هذه المجموعة لعرض حالات الحب لدى الشباب.. من خلال صور قد تبدو مختلفة عن بعضها.. لكنها تتناول العراقيل التى تقف عقبة فى طريق إتمام زواج الشاب بالفتاة التى أحبها.. ومدى قدرته على مواجهة ذلك الموقف الذى يبدد أحلامه.
ففى قصة "الفصول الأربعة".. الشاب الذى يحب فتاة ..ورغم أن الجميع يعرفون أنها تحبه.. لايوافق والدها على زواجهما.. ويقبل غيره زوجا لها.. ليمتثل الشاب للزواج من فتاة غيرها.. اختارتها لها أمه.. تنجب له البنات..ثم يرزقه الله بولد بعد طول يأس.
وفى قصة "حكاية حب ساذجة".. الشاب الذى يقرر الانتظار بسبب زواج ابنة عمه التى يحبها من غيره.. ويعيش عشر سنوات ينشد السلوى فى صورتها التى سرقها.. ويتوهم أنها تنام بجانبه.. ثم يرحل إلى أرض الغربة ويتزوج أخرى ..يعيش معها ونسى أنه سوف يعود يوما إلى أرض الوطن.
وفى قصة "ويخاف الحب".. الشاب الذى يلاحق الفتاة على أمل محادثتها.. ثم يعجز عن محادثتها عندما يلتقى بها.. فيحلم بأنه تجاوز عقدة الخوف والخجل ..وبأنها تنجذب إليه.
وفى قصة "انهم يعودون".. الشاب الذى يرى فتاة تطل من نافذتها فيقع فى حبها.. ويحاول الالتقاء بها.. رغم علمه باستحالة زواجه منها بسبب حساسية عمله..واختلاف جنسيتها عن جنسيته.
وفى قصة "القمر يبزغ ثانية"..الشاب الذى يحاول التعرف على الفتيات من خلال التليفون.. مثلما يفعل الأصدقاء.. لكنه يفتقد تجاوبها معه.. ومجاراتها له.. ثم تفاجئه بالشتيمة.
كما يبدو ثمة اهتمام بعرض المشكلات الأسرية..التى قد تبدو بعد الزواج.. ومدى تأثر الزوجين بها.. وتأثيرها على حياتهما الزوجية.
ففى قصة " الهروب "الزوج الذى يضطر للسفر بسبب عمله ..تاركا ابنه وزوجته الوحيدة التى يكرهها أهله.. ويعلم أنهم لن يهاموا بها..وتعده بالتحلى بالصبر إلى أن يعود..
وفى قصة "سوف يعود".. الرجل الذى تتمنع عليه زوجته فسأم منها وغادر البيت..ثم حاول استمالة امرأة أخرى لكنها صفعته.. وظل يشارك أصدقائه اللعب وهو مشغول عنهم..ثم عاد إلى البيت.
وفى قصة "أناس يعبدون الحياة".. الشاب الذى تزوج ..وعاتى من زوجته غيرتها عليه.. وشكها فى سلوكه.. الأمر الذى جعله لايهتم بها عندما ذهبت إلى بيت أسرتها ولم تعد..ثم تزوج من أخرى ..عاش معها فى سياج من المحبة والأمان.. لكن سرعان ما دب بينهما الشجار.. ووصل الخلاف بينهما إلى حد منعته من الدخول إلى البيت..
وتبدو حالات الحزن والسأم من ملل روتينية الحياة.. والعمل.. فى قصص "القفز على جدران الفراغ"و"ركض من الخلف"و "عملية إحصاء"و"الحزن وأحلام اليقظة"و"دمعة كبيرة"و"أشياء صغيرة"..حيث يبدو الفراغ والتجمد عند حالات معينة ..هو الباعث على الإحساس بالكبت ..وعدم لامبالية الشخص بما حولها.. ويبدو ذلك بوضوح فى قصة " عندما تظل الأصوات جميلة".. حيث يمتزج الحزن بالانشغال باللعب مع الأصدقاء.
ثالثا: مساء يوم فى آذار:
صدرت عن مطبوعات "تهامه" بجدة.. ولا تختلف عن مجموعتى "البحث عن ابتسامة"و"حكاية حب ساذجة"..فيما تعرض له..من حالات اجتماعية ووظيفية.. بينما تتضاءل الصور المأساوية..الناجمة عن الموت.. إذ تبدو ثلاث قصص فقط.. هى "الجراح ذات العمق المنتهى"و" موت الخادم"و"الرحيل النهائى".. وانتحار الإبنة فى قصة" انتظار الزمن الآتى".. وبدا الموت خاتمة لنهايات شخصيات ..لها ارتباطها بالشخصية الرئيسية فى القصتين الأوليين.. وكان الموت هو الحدث الرئيسى فى القصة الثالثة.
فى قصة "الجراح ذات العمق المنتهى"..الحبيبة التى ماتت ..كانت "فتاة الوادى" التى تتبادل الرسائل مع مجموعة من الشباب.. أحبها أحدهم.. لكنها رحلت دون أن يعلم عنوانها الجديد.. واحتفظ بصورتها طوال عشر سنوات.. وصل خلالها إلى الدراسات العليا فى أوربا.. التى يأخذ إليها معه والده المريض ليعالجه.. لكن والده يصر على العودة إلى الوطن.. ويتصادف تعيين شقيق الفتاة مسؤلا جديدا عن المنح الدراسية.. ويعرف منه ما حدث لها..قيعود إلحبيب إلى مدينته.. بعد أن قرر قطع دراسته لرفض الجامعة نقله إلى دولة أخرى بعيدا عن شقيق الحبيبة.. مضحيا بطموحه وآماله.. من أجل الذكرى التى سوف يعيش عليها.
وفى قصة "الرحيل النهائى".. الشاب الذى تحدث الجميع عن مقتله.. كان يعمل فى بيت أسرة زوج بطلة القصة.. التى "عطفت عليه واعتبرته كأخ لها.. وليس كخادم".. وجاء طفلها الأول صورة طبق الأصل منه.. وحاصرتها الشكوك التى لم تستطع مجابهتها.. الأمر الذى جعله يختفى من المدينة فجأة.. ورزقت هى بمولود آخر ..ثم تنقلت مع زوجها بسبب عمله.. وفى اليوم التالى لعودتها شاهدته.. وعجز عن التقدم إليها.. فاقتربت منه وهى تردد إسمه.. لكنه اختفى عن ناظريها.. وعلمت بعد ذلك بموته ..وكثرة ترحاله بين المدن.. التى كانت تنتقل إليها مع زوجها.. وتلتقى بخطيبته.. ثم تغادر المدينة مع زوجها.. الذى يحاول معرفة ماتفكر فيه.
وفى قصة "انتظار الزمن الآتى".. الفتاة التى انتحرت.. كانت تشعر أن الجميع ضدها.. لكنها حققت ما كانت ترجوه.. والتحقت بالعمل كممرضة.. لكنها تكتشف أنها ليست ابنة الأسرة التى تعيش معها.. فتنتحر..ويبدو بعد ذلك..أنها ابنة الأب الذى أنجبها من خادمة كانت تعتنى به.. وتزوجها.. لكن زوجته أرغمته على تطليقها.. وتنازله لها عن أكبر عمارة فى ممتلكاته.. وينقل الزوج إلى المستشفى.. ليخرج بعد أسابيع وقد أخرسته مفاجأة أخرى لم يستطع البوح بها.. بينما أسرته لم تغير من نمط حياتها..
كما تعرض المجموعة عن حالات الحب التى يعيشها الشباب.. التى تنتهى بتحقيق الأمل المنشود.. أو تبديد الأحلام التى تكون قد تماثلت للمحبين.
ففى قصة "دوى الصمت".. الشاب الذى يحب فتاة ويظن أنها تبادله الحب.. ثم تحدثه عن زميل له باهتمام.. ويفاجأ بأن ذلك الزميل تقدم لطلب يدها.. فى ذات الوقت الذى ظن فيه أن أمله قد تحقق.. وتتزوج من زميله ثم تحاول أن تبدو أنها تزوجت رغما عنها.. وأنها لم تكن تحبه.. ووالدها الذى أرغمها على الزواج به.. لكن الشاب يكتشف عدم صدقها.
وفى قصة "أناس يبحثون عن الحياة".. شاب يلتقى بقتاة صدفة.. ويتحدث معها.. ويفاجا بمن يقول عنه أنه يبحث عن زوجة.. ويتم زفافه إلى الفتاة التى كانت ترقبه ..وسقط فى دهشة وعجب مما جرى.
وفى قصة "مساء يوم فى لآذار".. شاب يلتقى بفتاة كانت قد عرضت نفسها عليه ذات يوم..ولم يهتم بها.. يدور بينهما حديث..ثم تتركه.. وتذهب..ويغيب عنه أن يطلب منها أن تحدثه بالتليفون.
وفى قصة " عندما توقفت الكلمات".. شاب أحب ابنة عمه.. ولاحظ أنها تتطلع إلى الثراء.. فسعى من أجل تحقيق رغباتها.. لكنه يفاجأ عندما يعود بزواجها من غيره.. يعيش فى البندر.. ويوفر لها الخدم والحشم والسيارات الكثيرة.. فيغضب مما حدث ..ويلتقى بها ذات يوم مع ابنتها.. وبعجز فى محاولة التقرب منهما
وفى قصة "الجوع والحياة".. شاب لم ينس حبه لفتاة رغم أنه تزوج وأنجب من غيرها.. ويلتقى بها..ثم يفاجأ بطلبها منه الابتعاد عنها..رغم أنه لم يحاول يوما أن يطلب منها شيئا.. ويفقد استجابتها له.. فيعود إلى الاهتمام بزوجته.. وابنه.. يراهما وهما يتعرضان لحادث سيارة..فيحاول اللحاق بها.
وتعرض بعض قصص المجموعة لعدد من المشكلات الأسرية.. التى قد تواجه الزوج أو الزوجة.. بعد بدء الحياة الزوجية.
ففى قصة "عودة الإدراك".. الزوج الذى تدعى زوجته أن أسرته تكرهه ..وترغمه على الانفصال عنها..لكن يلتئم شمل الأسرة مرة ثانية ..بعد موت الطفل وتعرضه للخطر.
وفى قصة "الشك ورابطة الدم".. الزوج الذى يكتشف بعد الزواج..أن زوجته لاتعى المسئولية.. "جل همها أن يقدم طلباتها على طبق من الشيكولاتة.. وفشلت كل محاولاته معها.. تعليمها الطبخ..واستقبالا لزوار".. وفى حفل زفاف أحد الأصدقاء.. يسمع حدبثا عنها يثير فى نفسه الشك.
وفى قصة " الأشياء ذات الحروف البارزة".. الزوج الذى يهرب من مضايقات زوجته له..ويتزوج بأخرى.. ويدب الشجار بين زوجتيه.. ويختفى ابنه.. وتتزوج ابنته.. يبدو أمل عودة الإبن من جديد..
كما يبدو عرض لحالات من تلك التى يعيشها الموظف..ويعانى منها..مثلما يعانى المجتمع.. من أسرته الذى حدث بسبب التحاقه بالعمل فى مكان بعيد عنها..فى قصص "إصدارات و"الزرقاء تخدع نظرها"و"احتراق الزمن الغريب"..وكل منها يعرض لحالة تختلف عن غيرها.. كما تختلف فى همومها ..والمشاكل التى قد تكون بسبب العمل.
ففى قصة " الصوت المجهول". يبدو عرضا لحاللة كاتب.. يتعرض لحديث تليفونى.. من امرأة تعرض عليه فكرة قصة.. لكن رنين جرس الباب الخارجى يجعله يقطع المحادثة معها.. لاستطلاع من يكون ذلك الذى يدق الجرس.. لايجد أحدا.. ويعود ليجد المكالمة قد قطعت.. فيشعر بألم.
وفى قصة المجنون".. شاب يسعى لإعادة بناء بيته.. لكن تواجهه المشاكل.. الذى يعجز عن مواجهتها.. بينما هو ينشد الاستقرار مع أسرته.. ويتصرف تصرف المجانين.. وفى قصة "اصدارات ".. تكرر مشكلة الزوج الذى يضجو من زوجته.. حيث يبدو وكأنه حكم على نفسه بالانقطاع عن الحياة الاجتماعية لمدة سبعة أيام.. يراجع فيها موقفه..ويحاول الوصول إلى حل.. ويجد ذلك الحل فى الطلاق.. ويفكر فيما سيتعلل به من أسباب ..حتى يحقق التغيير الذى يريده فى حياته.. وتخبره زوجته بأنها حامل.. فيثور الزوج.. لكنه يفجأ بمن حوله يضحكون رغم أنه كان يحدث نفسه.. ويكتشف أنهم يضحكون على نكتة.. قالها رب الدار..الذى ذهبوا إليه ليباركوا له إعلان زفاف ابنه..فيستسلم للأوهام.
رابعا: انتظار الرحلة الملغاة"
صدرت عن نادى القصة السعودى..ولا تختلف قصصها عن قصص المجموعات الثلاث الأخرى..من حيث المضامين.. التى اقتصرت على عرض الممارسات الحياتية..وما يزخر به الواقع الاجتماعى.. وبدت النهاية المأساوسة فى قصتى "الضياع"و"الموت".. إذ بدا الموت هو الخاتمة لكل منهما.
ففى قصة "الضياع"..الشاب الذى يلتقى بفتاة ..ثم يفترق عنها.. ويبحث عنها إلى أن يعلم أنها تزوجت ابن عمها..بعد إرغامها لتكون زوجة ثانية له.. لكنها لم تحتمل ..وأصيبت بانهيار عصبى.. وتم طلاقها بعد ذلك.. لكنه قبل أن يبوح لها بما يكنه فى قلبها من ناحيتها.. يفاجأ بأنها سترحل مع زوجها الثانى.. وتسنح له فرصة الزواج بها..فيقرر ذلك برغم وجود زوجته وأولاده.. لكنه يذهب ليجد العمارة التى تقيم فيها تحترق.
وفى قصة "الموت".. الشاب الذى يحب فتاة ..ويسعى لتحقيق رغباتها..ثم يفاتحها بقرار الزواج.. لكنه تماطله وتطلب منه التريث.. ثم تموت.. ويكتشف أنها أخفت عنه سر مرضها..وأنه تسبب فى موتها.. عندما لبى رغبتها بالذهاب بها إلى أحد الأحراش المحيطة بالمدينة.. رغم أنها كانت لديها حساسية من الأشياء الخضراء.. فيرتاع.. ثم يعود إلى بيت أسرته بعد أن يمزق صورتها.
بينما بدا ثمة اختلاف فى حالات الحب الأخرى..فمنها مالم تصل إلى نهاية الطريق المرسوم لها.. وذلك بسبب الإرغام على الزواج من الغير.. سواء بالنسبة للحبيبة كما فى قصة" انتظار الرحلة الملغاة".. أو بالنسبة للحبيب كما فى قصة " الانفصال".. ومنها ما انتهى باختفاء الحبيبة كما فى قصة "البحث عن عبير".. ومنها ماتم فيها الزواج..ثم تحتم الانفصال بسبب مابدا من أن الزوجين إخوة فى الرضاع.. كما فى قصة "أسطورة حب".. ومنها ما نتهى بالزواج ثم بدا ما يكدر الحياة..كما فى قصة "الوباء".. بصورتيها.. ومنها ما اتصل بعد انقطاع..كما فى قصة "أوراق من مذكرات رجل فى الخمسين".. ومنها ما تم فيها الانفصال ..ثم بدا تحقيق الأمل من جديد..لكن الحبيب يكتشف أنه ليس الرجل الأول فى حياة حبيبته..كما فى قصة "الصراع".. وتبدو المشكلات فى قصة "24 ساعة بدون هوية".. حيث يبدو تأثير عدم الارتياح فى البيت على العمل.. والعلاقات بالآخرين..فى قصة "الدوامة".. تتهدد الحياة الزوجية بسبب حادث سرقة.. ثم تستقيم الأمور بعد ذلك..وتجمع قصة "الانتماء" بين المشكلة الأسرية التى تواجه الأب..عندما يكتشف أنه غريب عن الأسرة التى يعيش معها.. وبين الحب الذى تعيشه الإبنة تجاه أسرتها.. وتتمسك به إلى حد أنها ترفض من يتقدم للزواج منها....ثم تتزوج بشاب غير الذى كان يحبها.
كما تبدو مشكلات العمل وهمومه فى قصتى "النتائج المرتقبة "و" أشياء صغيرة".. وما قد يحدث من مصادفات أثناء العمل قصة "الهدوء الممل".. حيث يلتقى الموظف بوالد رفيقة صباه بعد فترة طويلة..ليتذكر ما كان من سنوات.
وتبدو حالة جنون فى قصة " يوم بدون ساعات".. حيث تعانى الأم مما يحدث لابنها بسبب حادث خطف نعرض له فى طفولته.. وقلق أب من حديث ابنته مع ابنة ذلك المجنون.. ويحاول معرفة كل شىء عما دار فى ذلك الحديث الذى كان بينهما.
وخلافا على مابدا فى قصص المجموعات الثلاث الأولى.. تتضمن قصص هذه المجموعة ..تناول العلاقات غير الشرعية بين الرجل والمرأة.. مثلما بدا فى قصتى "الرغبة"و"عبث الحياة".. حيث تبدو فى قصة "الرغبة" المراة التى تحاول استمالة الرجل إليها.. وتنجح فى أن تجعله يستسلم لها ويكرر لقاءاته معها.. إلا أنه يشعر بغلطته فى فى حماية جار سيىء السمعة ويقرر طرده.. لكن امرأته تتوسط لديه لتثنيه عن قراره.. فتساءل عما يربطه بها.. خشيية أن تكون تفعل مثلها.. وعندما يراها خارجة من شقة تلك المرأة..يتخيل أشياء كريهة وقعت خلف الباب.. فيطلق النار على ابن عمه الذى أراد حماية ذلك الجار السيىء السمعة.. ويعترف..لكن يفرج عنه.. ويبدو أن ابن عمه لم يقتل.. فيتساءل عن ذلك الذى قتل..ومن يكون.
وتبدو فى الثانية المرأة التى يحاصرها أحد المسؤلين برغبته فيها.. ويظل يحاول معها.. لكنها لاتلين..مما يدفعه إلى الزج بزوجها فى ورطة بتهربه من تنفيذ اتفاق بينهما.. ليدخل الزوج السجن.. وتحاول الزوجة البحث عن مورد لتستطيع إخراج زوجها من السجن.. رغم إصرار أهلها على تطليقها منه.
بينما تبدو بطلة قصة "انتظار الرحلة الملغاة".. وقد قررت أن تقابل زوجها بشىء من الخطايا التى يرتكبها فى حقها كامرأة.. بعد أن تأكدت أنه يكذب عليها عندما يتعلل بغيابه عن البيت.
ذلك الإيجاز لقصص المجموعات الأربع .. قد يلقى الضوء إلى حد ما..على اساسيات القصة عند الكاتب.. التى ترتكز على الفكرة العادية.. المستوحاة من واقع مجتمع حافل بمختلف الصور الحياتية.. وعاديات لا تستدع التوقف حيالها.. لتقبل المجتمع لها وكأنه جزءا منه..وهذه حقيقة لا يمكن تجاوزها.. ويتحتم أخذها فى الحسبان عند تناول مثل هذه القصص.. ليس من قبيل الإنقاص من السير فى الاتجاه الواقعى.. وإنما لتحديد ذلك الاتجاه الذى بدا من خلالها.
فبنظرة شاملة على جل القصص.. تبدو جميعها من خلال رؤية للواقع الاجتماعى.. وما فيه من حالات مختلفة..قد تتناقض مع بعضها.. لكنها تنبع من فهم واحد لها.. يبدى الشخصيات بحركتها العادية..وممارساتها الحياتية التى نشأت فى ظلها.. ذلك ما ينفى انتقاء الفوارق التى قد تكون بين مجموعة من المجموعات الأربع.. وأخرى.. الأمر الذى جعل تناول كل مجموعة على حدة..ليس ثمة ضرورة إليه.. ذلك لأن المضامين تتشابه بصورة واضحة.. وكذا الشخصيات الرئيسية والثانية لاتختلف عن بعضها كثيرا..سواء من حيث واقعها ..أو صراعاتها الحياتية.. وأيضا مواقفها الإيجابية أو السلبية.. فى إطار شكل لم يخرج عن الإطار التقليدى.. خاصة فى الشكل العام.. والمنظور الاجتماعى..الذى لم تحد عنه.. ويؤدى ذلك بالطبع..إلى استحالة تحديد أية مجموعة من المجموعات الأربع.. لتكون ممثلة لمرحلة معينة فى تجربة الكاتب القصصية.
من ثم بدا عرض قصص المجموعات الأربع ..بهذا الشكل ..قد يكون هو الأمثل.. إذ يمنع التكرار لما قد يقال حول مجموعة بعينها..ويبدو دونما اختلاف عما يقال عن مجموعة أخرى.. خاصة وأن جل القصص ..تبدو وفق اتجاه واحد.. هو الاتجاهى الواقعى.. الذى بدت محاولات الكاتب القصصية من خلاله..وأيضا عرض أساسيات القصة القصيرة..التى اعتمد عليها فى نسج قصصه:
الفكرة:
أولى الأساسيات فى كتابة القصة عموما..هى الفكرة التى تدور حولها.. ويبدو على أساسها المضمون الذى ارتآه الكاتب ليطرح من خلال رؤيته.. ليحقق الهدف من وراء كتابة قصته.. وإحساس القارىء بما يرد أن ينقله إليه..
والفكرة كما بدت بالنسبة للكاتب..سهله وبسيطة.. من الممكن العثور عليها ..خاصة وسط المجتمع الحافل بالكثير من الحالات أو المواقف التى تصلح أن تكون فكرة لبناء قصة.. تعرض لمشكلة من المشكلات الأسرية.. أو من مشكلات العمل.. أو حالات الحب بين الشباب وهى كثيرة.. وتمثل صور إنسانية أو مأساوية وما أكثرها هى الأخرى.. وغير ذلك مما تزخر به الحياة العادية.
من ثم فاللبنة الأولى فى بناء القصة متيسرة بالنسبة للكاتب.. ويستطيع أن ينتق منها ما يشاء.. لكنه لايقصر الفكرة على قصة واحدة..وإنما يبنى حولها مجموعة من القصص ..يتغير فيها الموقف..أو المعالجة..أو أية أشياء بسيطة..لا تأتى بجديد يذكر فى القصة المعاد كتابتها.. حول نفس الفكرة التى بنيت عليها قصة أخرى.. والأمثلة كثيرة وتبدو فى المجموعات الأربع .ولكن يمكن الاكتفاء بقصنى "الوباء" فى مجموعة "انتظار الرحلة الملغاة" وما يبدو فى صورتيها الأولى والثانية.
فى الصورة الأولى يحكى "عادل" بطل القصة ..عن إشاعة ربطت بينه وبين فتاة من الحى "ابتسام".. سوف تكون زوجته المقبلة.. ويؤثر ذلك الأمر على حياته العاطفية التى كان يعيشها.. حيث كانت ثمة علاقة عاطفية يعيش عنفوانها فى أحلامه..وبين جدران غرفته فقط.. مرت بالعديد من المراحل مع اللآتى سئمن خوفه..وأرهقن من خجله وتخاذله.. وبالرغم من غيرة ابتسام..وما ترسمه من خطط لمواجهة ما تقوم به بنات الحيى .. من رسومات وأمانى لإيقاعه....كان هو آخر من يعلم..بسبب ابتعاده عن المنزل لأسباب تافهة.. تزوج من فتاة أحلامه نورة.. التى رسمتها الأيام فى طريقه.. وبدا كإنسان جديد..سعيدا بحياته الجديدة معها.. لكنه يفاجأ بأن ابتسام تشكو منه..وتدعى أنه يلاحقها عبر الهاتف.. ويرجوه عبد الله أن يبتعد عنها..لأنها زوجة وأم لعشرة أطفال.. ولا يجد مفرا من أن يعترف لزوجته بسبب زيارة عبد الله له .. فتصفه بأنه نبى..وتسرع إلى التليفون ..ثم تتصل بعبد الله ..وتطلب منه أن يسأله عن الدليل المادى.. وتخبرهم بأنهم حاولوا ذلك من قبل معها.. وعندما أعيتهم الحيل.. شنوا هجومهم عليه.. ويفعل ماطلبته زوجته منه..ويشعر بانتصاره وهو يحتضنها.. ويندمج معها فى لحظة حب..لم تنطفىء شعلتها.. بالرغم من مرور عشرة أعوام على زواجهما.
و فى الصورة الثانية يحكى الراوى عن عن عادل بعد عشر سنوات من الزواج.. يواجه بنفس الاهتمام ..ويتكرر ذات الموقف وما تلاه..دونما اختلاف عن الصورة الأولى.. ثم تبدو صفاء هى مصدر الإشاعة.. لأنها تزوجت عن حب وتراكم الرماد على قصتها.. وحزنت وهى "ترى قصص حب من حولها تتوهج يوميا".. وأرادت أن تكون لها قصة حب جديدة..مع عادل ولم يعطها الفرصة.. وعلم بعد عامين أنها مصدر الإشاعة.. فحاول أن يعرف " حقيقة ما قيل على لسان ابتسام".. فيعلم بموتها فى حادث تصادم.. فيتأمل عينى نور.. ويتذكر بدايته معها.."كان لا يعرف شيئا سوى أنها طفلة..تسكن فى الشارع الذى تقيم فيه أسرته..وكانت الأسرتان أسرة واحدة.. وكان الاثنين طفلين لم يتجاوزا مرحلة الإدراك.. وهاهما بعد عشرين عاما يلتقيان من جديد".
يبدو ليس ثمة اختلاف فى فكرة القصتين.. القائمة أساسا على ترديد إشاعة.. عن ملاحقة بطل القصة الواحد فى القصتين.. لفتاة غير زوجته.. واحدة أيضا فى القصتين.. ومواجهة واحدة لها.. ونهاية واحدة أيضا.. وليس ثمة اختلاف فى الباعث على ترديد الإشاعة..وقياسا على ذلك تبدو القصص الأخرى.. التى تجمع بينها فكرة واحدة.. وقد تحسب للكاتب من حيث الكم فقط.. أما من ناحية الإبداع..فلا شك أنه سوف يتقلص العدد ..إلى أدنى حد من الممكن أن يكون..
المضمون:
يلتزم الكاتب فى مضامينه بطرح حالات اجتماعية.. أو مواقف ..بما يبدى تتبعه لما يحدث فى المحيط الاجتماعى..ويرصد اهتماماته..وتطلعات شخصياته المستقبلية.. وما قد تعانيه من هموم.. أو ماتواجهه من مشكلات..سواء فى محيط الأسرة..أو العمل.
لكن تظل هذه المضامين دونما تجاوز لما تعرض له.. ولا تخرج عن رصد تحركات الشخصية.. وما تواجهه فى حياتها.. ثم تتوقف عن لحظة معينة.. قد تكون هى النهاية الطبيعية..لما انتهى إليه تطور الحدث أو الأحداث.. وقد تكون النهاية قطع ليس دلالة لما بعده..بما يصيب النهاية ببتر حاد يوقف إنماء الحدث.
والأمثلة على ذلك كثيرة.. ويمكن تحديدها فى نهايات القصص..وسوف تبدو بوضوح ..وقد يبدو للكاتب اعتبار ما قد يكون من بتر..هو نهاية مفتوحة ..تمشيا مع ما بسمى بالنهايات المفتوحة فى القصص الجديدة.. غير التقليدية..لكن يستحيل وضع النهايات المفتوحة للقصة التقليدية.. بسبب الاختلاف بينها وبين القصة الحديثة.. وذلك ما سوف يوضح عند تناول النهايات من خلال الحديث عن الشكل.
ومثلما تبدو الفكرة سهلة وبسيطة بالنسبة للكاتب.. يبدو المضمون طوعه أيضا.. يطرحه بأى شكل يريد.. فقد يقدمه بتعدد فى القصة الواحدة.. بحيث تبدو مجموعة من المضامين مع بعضها متداخلة..بصورة تجعل القصة وكأنها تحمل فى داخلها مجموعة من القصص..تميل إلى الرواية أكثر ..وتفقد احتسابها قصة قصيرة.. مثل قصة" عندما فات الوقت" من مجموعة "البحث عن ابتسامة".. التى يبدو فيها عدم الإقدام على الزواج ..من فتاة تعبث مع الشباب.. والزواج من القريبة التى لايعرفها الشاب.. وتعدد الزوجات.. والسلوك المشين للزوجات.. والشك فى الزوجة.. وكلها مضامين لاتحتمل القصة القصيرة سوى واحد منها فقط.
فقصة "الحرمان" من مجموعة "حكاية حب ساذجة".. يبدو استغلال المكانة الوظيفية ..والزواج على غير حب.. والشك فى الزوجة..وتعدد الزوجات.. وتحمل المسئولية إزاء الخطأ المرتكب.. وقصة "انتظار الآتى" من مجموعة "مساء يوم فى آذار".. السعى لتحقيق الآمال رغم الصعوبات التى تبدو.. خيانة الزوج لزوجته.. الإنجاب من علاقة غير شرعية.. جحود الأسرة تجاه عائلها..والتخلى عنه ..وعدم الاهتمام به فى لحظاته الأخيرة. .وقصة" الانتماء" من مجموعة " انتظار الرحلة الملغاة".. يبدو الحب والانفصال عن الأسرة ..وقسوة زوجة الأب.. والتضحية من أجل الإخوة.
هذه المضامين المتداخلة..لو انفصلت عن بعضها.. لبدا كل منها قصة واحدة قائمة بذاتها.. خالية من الزوائد التى تضعفها.. ولكانت أسهل من حيث الصباغة..وتحديد الشكل.. مثلما يبدو فى القصص التى اقتصر فيها الكاتب على طرح المضمون الواحد من خلالها.. ومنها قصة "نورة" من المجموعة الأولى.. حيث يبدو ما حدث للإبنة فقط فى يوم دراسى ..وصدق حدسها فى الإحساس بالخطر المجهول.. الذى تحقق وقوعه وهى عائدة إلى بيتها.. وقصة "سوف يعود" من المجموعة الثانية.. إذ اقتصر المضمون على تناول علاقة فاترة بين الرجل وزوجته.. وقصة "أناس يبحثون عن الحياة" من المجموعة الثالثة.. إذ اقتصر المضمون على واقعة الزواج المفاجىء..وقصة "الهدوء الممل" من المجموعة الرابعة.. فقد اقتصر مضمونها على اللقاء الغير منتظر..والذى تم بالصدفة..بين بطل القصة ووالد الفتاة..التى كان يحبها بعد عشرين سنة.
هذه المضامين المنفردة.. تتناول موقفا واحد فى حد ذاته.. واستطاع الكاتب من خلال وقائع..أو ذكريات.. انماء الحدث بتطور طبيعى..إلى أن يصل إلى نقطة التهاية.. دونما خلل فى بناء القصة.. أو ضضعف فى هيكلها.
أما التعدد فى المضامين وتداخلها.. فقد أحدث ابتعاد القصة الأصلية ..عن مضمونها الأساسى.. وبدا ثمة تشابه بين قصتى" الهروب" و"بحث "المجاز" من المجموعة الثانية.. فمضمون هاتين القصتين..من السهل فصلهما عن بعضهما ..ليكون كلا منهما قصة وااحدة قائمة بذاتها.. فالزوج المسافر فى مهمة من قبل العمل.. بعد أن ترك زوجته التى يكرهها أهله وولده.. يبدو معه زوج يعيش فى مشاكل مع زوجته.. التى تضع فى المستشفى.. وكلا المضمونين يجمعهما مكان واحد.. لكن لو انفصلا لكان كل واحد منهما قصة لا ارتباط بينها وبين الأخرى..لكن بالرغم من ذلك.. أضاف الكاتب إليهما قصة ثالثة.. أنهى بها القصة الأولى.. يغير فيها البطل والحدث والمكان.. وبدت بطلة أخرى ..فقد اختفى عادل وزينب..وبدا ثمة بطل آخر.. وبطلة أخرى دونما تخصيص بالإسم.
"وقف أمام باب المصعد قليلا..كانت الساعة قد قاربت الثانية عشر ظهرا فلمحها..لم يكن فى داخله شىء..تقدمت منه..وقدمت كيسا صغيرا عبارة عن حقيبة يد،
ـــ سألحق بك بعد قليل..
لم يكن يعرفها.. كانت مفاجأة أكبر مما يحتمل..وأخذ يصرخ من أنت.. محاولا اللحاق بها.. لكنها اختفت فى دهاليز المستشفى..فعاد القهقرى..حيث التقى بثلاثة من الشبان.. يمدون الخطى.. متلفتين حولهم.. عرف من همسهم وارتباكهم أنهم يلا حقونها.. وعاد إلى مكانه حيث وقف قليلا.. ثم اتجه إلى السيارة ..وهناك لمحها تقف خلف أحد عواميد الموقف.. وبدون أى شعور مد يده إلى الباب الآخر..وفتحه لتلج السيارة..وبنطلق بسرعة.. أخذ يسير دون هوادة فى شوارع المدينة..كان منهوك القوى من فرط الإجهاد.. فلم يحاول فتح باب الحديث :
ـــ أرجوك توقف.
وأوقف السيارة.. لتترجل.. ولمحها تتألق صحة وشبابا.. جميلة المحيا..على شفتيها ترف ابتسامة صغيرة.. أخذت تكبر وهى تقفل باب السيارة:
ـــ لا أدرى كيف أشكرك.. لقد أرسلتك السماء لإنقاذى من موقف كنت أكرهه.
هم أن يقول شيئا.. لكنها ابتعدت عنه دون أن تنظر إليه.. وولجت باب عمارة كبيرة.. ولمحها وهو يهم بالسير تصعد السلم".
قصة قصيرة..ينقصها العنوان فقط.. لكنها تشابكت مع مضمون قصة أخرى..وأراد الكاتب كما يبدو..أن يجعلها مكملة للمضمونين اللذين طرحهما فى القصة.
الشكل:
بداية ووسط ونهاية.. ذلك الشكل الذى اتسمت به القصة التقليدية ..ويبدو الكاتب متمسكا باستخدامه فى غالبية قصص مجموعاته الأربع.. ولا ضير عليه فى ذلك.. طالما يكتب القصة التقليدية..ويبدى البداية ثم الوسط ثم النهاية.. لكن النهايات قد لاتتفق مع هذا الشكل المستخدم.. أبداها الكاتب بعادية بسيطة جدا.. ويشعر بها القارىء منذ بداية قراءة القصة.. والتعرف على ما تعرضه فى مضمونها.. بينما الشكل التقليدى.. عادة ما ينتهى بنهايات غير مألوفة.. يغلب عليها عنصر المفاجأة.. ذلك مع توافر عنصر التشويق للقارىء.. بحيث يكون جاذبا له على الاستمرار فى قراءتها حتى نهايتها.. بينما يترقب معرفة نهايتها بشغف.. وبديهى أنه يدخل فى نطاق ذلك ..الاهتمام بالحبكة القصصية.. ومن ثم بتحتم توافق ما يحدث فى القصة مع بعضه.. ولا يحيد العرض ..عن خطه الرئيسى فى القصة.. منذ البداية..وإلى أن تنتهى.. دونما تداخل لعناصر دخيلة على المضمون.. فيتجنب الكاتب التخلخل الذى قد يكون.. ولا يحدث ثمة تشتت أو انعدام الحبكة.
من ذلك أيضا.. الضمائر المستخدمة.. قد يحدث دمج بين ال " أنا"..و"هو".. ويتداخل صوت الراوى ..لتنحصر الصورة عن الكل بذاته.. ويطغى عليه ..أو يبعده..صوت الراوى.. ولا اختلاف على أن الإتزام بضمير واحد..فى كتابة القصة القصيرة على وجه التحديد.. إذ أن ذلك يحدد شخصية البطل الذى يقوم بالدور الرئيسى فى القصة.. فلا يبدو صوت "الأنا" ثم صوت الراوى.. فينعدم بذلك تحديد البطل..كما يختلف الزمن ويتطاول..ويختلف المكان أيضا.. وعندئذ يفقد وصف القصة القصيرة.. رغم أن الزمن فيها ..عادة ما يبدو غير محدد..إذا بدت من خلال النهج التقليدى.. إلا أن القصة التقليدية بمقياس القصة الحديثة.. تعد رؤية قصيرة.. للتزامها بوحدة الزمان والمكان.. والحدث الواحد الذى تقوم عليه.
وقصص المجموعات الأربع يبدو معظمها بضمير الأنا أو صوت الراوى.. بينما ثمة مجموعة قليلة منها تبدو ب "الأنا" ..وصوت الراوى يتداخلان معا.. قصة "المجهول" من المجموعة الثالثة.. حيث تبدو "الأنا" فى البداية ..ثم صوت الراوى.. و"الأنا" مرة أخرى.. ذلك على سبيل المثال..ومن ثم فقد بدا ثمة ارتباط يجمع بين الأحداث التى عرضت لها القصص.. سواء كانت تردد بصوت "الأنا".. أو بصوت الراوى.. فذلك الضمير الواحد ..حدد الصوت فى القصة.
أيضا توجد مجموعة من القصص ..توحد فيها الزمان والمكان والحدث الرئيسى.. مثل قصة "المنحوسة وتذكرة السفر إلى القدس".. وهى من قصص المجموعة الأولى.. إذ تبدو البطلة الرئيسية فى مكان واحد لم يتغير.. والزمن دونما انقطاع.. والمضمون دونما خروج عنه.. ذلك على سبيل المثال.. لكن هذه القصة ومثيلاتها أضعفها عدم الاهتمام بتنقيتها من الزوائد البسيطة.. والتى تحدث كثيرا بسبب الاسترسال فى السرد.. دون الاقتصار على التعبير الذى يف بالغرض فقط.. وإضافة كلمات زائدة تصيب القصة بالتخلخل.
ويبقى فى نطاق الشكل التقسيم الذى لجأ إليه الكاتب فى بعض القصص.. مثل قصة " أوراق من مذكرات فتاة فلسطينية"..وقصة" الأمل والفصول الأربعة" من المجموعتين الأولى والثانية.. إذ بدا فى تقسيمهما إلى فصول مرقمة.. فتلك الأرقام كان الأنسب أن تتحول إلى تواريخ ..كما فى قصة "الهندية"..من المجموعة الأولى.. لتأسيسها على عرض مذكرات.. بينما الفصول فى القصة الثانية ببدايتها الحكمية..أكد القول بأن القصة التقليدية هى رواية قصيرة.. وتقديم الفصل الأخير على الفصول السابقة له.. أحدث خللا فى الترتيب الزمنى.. لأنه تناول النهاية كاملة.. وانتهى الفصل الثالث بنهاية الأحداث التى سبقته.
اللغة:
لم تخرج اللغة فى القصص عن التراوح بين العامية والفصحى.. واستخدمها الكاتب بهذا الأسلوب الذى يتفق مع القصة القصيرؤة التقليدية.. لكنه كان يجنح إلى الأسلوب التقريرى فى بدايات بعض القصص.. وعند استخدام الوصف.. "حسن شاب لم يتجاوز الثلاثين من عمره.. ألقته الأقدار فى طريق البحث عن الهدف فاشتعل رأسه شيبا.. وغزت الأفكار الهدامة أحاسيسه.. فلم يعد يؤمن بالمبادىء الإنسانية.. رغم أخلاقه وحرصه على أن يكون وبوازع داخلى إنسانا طيبا." قصة "عندما توقفت الكلمات".. من المجموعة الثالثة.. ذلك عن التقريرية.. أما عن الوصف " لأنه الربيع حيث ارتفعت الثريا.. وأخذت الأوراق الصفراء تتساقط من فوق الأغصان..بفعل الرياح الشديدة..وأخذت السماء بين الفينة والفينة الأخرى ..تتبلد بالسحب الداكنة محلقة عن مواسم المطر "..قصة "الدوامة" من المجموعة الرابعة.. أما الوقوع فى الأخطاء اللغوية والنحوية..فذلك كحصورا بين الكاتب و الطبع
لكن ذلك لا يعنى تجاهل الاهتمام باللغة كعامل أساسى فى بناء القصة.. وليست عاملا سلبيا.. لا دور له فى تماسك الهيكل العام ..الذى ينال منه ما قد يبدو فى وسيلة التعبير..
الشخصيات:
حدد الكاتب عوالم شخصياته التى انتقاها من الواقع الاجتماعى.. وعرض لبعض الحالات التى تعيشها.. وفق الحركة التقليدية لواقع حياة ذلك المجتمع.. بما فيها من عاديات واهتمامات وهموم وتطلعات ذاتية.. وما يتمخض عنها من صور مأساوية قدرية.. لا تختلف عن مثيلاتها فى المجتمعات الأهرى.. دونما تقيد بالزمان أو المكان.. باعتبار ذلك من الرتم الطبيعى للحياة.. لكن تلك العوالم فى مجملها ..تبدى إلى حد كبير ما أسس الكثير من العلاقات الإنسانية..من خلال رؤية محدودة النظر..إذ تبدو العوالم قيد الحالة الفردية الغير ذاتية الخصوص.. لتكرار مثيلاتها فيما حولها..وتكرارها ذاتيا دونما اختلاف يذكر.. وكسر حدة التشابه الواضح بين الشخصيات وبعضها..وأيضا من جزئيات واقعها المعاش.
اشارة أخيرة:
يتلاحظ تكرار الأسماء والأماكن بصورة ملفتة للنظر.. إذ لاتتغير فى معظم القصص ..وإن كانت القصص تبدو فى صورة انفصال تام عن بعضها وكل قصة قائمة بذاتها..فالأسماء لايتم اختيارها بعفوية وانما تكون لها دلالتها.. فبالتالى يكون تكرار الأسماء من الأشياء التى يتحتم الالتفات عنها.. لانعدام أهمية ذلك.. لفقدان دلالة الأسماء على شىء بعينه.. يؤتقى بها إلى مستوى الرمز.
****************
السيد الهبيان
المزيد على دنيا الوطن .. http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2015/10/21/382027.html#ixzz3vHcQi68X
Follow us: @alwatanvoice on Twitter | alwatanvoice on Facebook
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق