خصائص المحكي في كتابة
محمد المنصور الشقحاء
د مسلك ميمون
( ورقة نقدية قدمها الدكتور مسلك
ميمون في المهرجان العربي الثاني للقصة القصيرة جدا بالناظور – المملكة المغربية
ايام 15 – 16 – 17 مارس 2013 - ونشرت في
دورية الراوي التي يصدرها النادي الأدبي الثقافي بجده العدد 31 يونيو 2016 )
في العشر سنوات الأخيرة قفزت أقلام في القصة
السعودية قفزة نوعية ، متأثرة بما يكتب في دول الخليج و الشرق العربي عامة ، و ما
تبدعه أقلام في المغرب العربي، و بخاصة في مجال القصة القصيرة و القصيرة جدا .
غير أن بعض الأقلام السعودية و أخص منها
أقلام الرواد الأوائل. بقيت مستكينـــة ، و محافظة ، فلم تجار دواعي التجديد ، و
لم تأت مشارب الحداثة ، بل وجدت لونها الذي ألفته منذ عقــود هو دأبها ، و مناط
اشتغالهــا . فلم تغير إلا بتؤدة ، و لم تركب قطار التجديد إلا بتأن و حــذر..و من
هؤلاء القاص محمد المنصور الشقحــــاء ، الذي بقي مخلصا لعرفـــه القصصي أربعة
عقـود ، ذلك العرف الذي جــاء نتيجة تعلــم و اكتساب ذاتــي ، في غياب النماذج التي يمكن الاقتداء بها في السعودية..
و بخاصــة في مرحلة البداية ....
تلك البداية التي كانت مع مجموعتة القصصية ( البحث عن ابتسامة ) والتي أصــدرها نــــادي الطائف الأدبي عام 1396هـ /1976 م ،
وأعيدت طباعتها في عام 1985 م ، وفي العام التالي له صدرت
مجموعته القصصية (حكاية حب ساذجة)، وتــوالت أعماله الإبداعية حيــث أصدر مجموعات
قصصية قصيرة منها: مساء يوم في آذار، انتظار الرحلة الملغاة ، الزهور الصفراء، قالت إنها قادمــة
، الغريب، الانحــدار، الرجل الذي مات وهو ينتظــر، الطيب ، الحملة ،
الغياب ، المحطة الأخيرة . هذا
فضلا عن اهتماماته الشعرية إذ له أربع دواويـــن ،هذا مع ميله لكتابة المقالة
الأدبية ،و له في ذلك كتب منشورة.. غير أن ما يهمنــا من ذلك كتابته القصصية ،إذ عمد إلى جمع مجموعاته في كتب
مستقلة فكـان كتاب: "البحث عــن ابتسامة حكايات وقصص قصيرة " ، و ضمنها
قصص أربـــع مجموعات قصصية :
"البحــــث عــن ابتسامة ،حكاية حب ساذجة ، مساء يوم في أذار ، انتظار الرحلة
الملغــاة و ذلك عن "نادي القصيم الأدبي " بالسعودية سنة 2008 ثم تلاه
كتاب آخر : " الانحـــدار حكايات و قصص قصيرة " و ضم قصص أربع مجموعات قصصية:" الانحــدار
،الرجل الذي مات وهو ينتظر ، الطيب ، الحملة " و ذلك بلبنان سنة 2009 ، ثـم
جاء الكتاب الثالث " الزهور الصفراء حكايات و قصص قصيرة " و ضم قصص ثلاث
مجموعـات قصصية : "الزهور الصفراء، قالت إنها قادمة، الغريب " و ذلك عن
" نادي الطائف الأدبي " بالسعودية
سنة 2010
نخصّص هذا المقال ، للوقوف عند بعض الخصائص التي
ميزت كتابة محمد الشّقحاء :
1 ـــ اللافت في الأمر أنّ الكتب السّابقة مضاف
لعناوينها عبارة "حكايات و قصص قصيرة " و الحكي و القصّ مصطلحان لا يمكن
للمرور بهما دون الوقوف عندهما قليــــلا.
إنّ الحكي ، يستوجب المحكي ، المحتوى/الخطــاب و هو
شغل السيميوطقيين ، إذ يحــدده
غريماس في مختلف أعماله ، و في المعجم ([1]) بقوله :
«إن نظرية الحكي تسعي الــى الاهتمـــام بالشكــل السيميوطيقى " للمحتوى
" ([2]) وهي من هذه الناحية لا علاقة لهــا
بالأدبيه ([3]). إنها كما يلاحظ بول ويكور مقابل : (Mutos )عند أرسطو، وتتعلق بتحريك الأحداث ([4]) و المسألة معروفة منذ اجتهادات الشكلانيين الروس
و أدبية الأدب/البويطيقا وأعمال فلاديمير
بروب حول الحكاية العجيبة، الى السرديات (كما اقترحها تودوروف )، و سيميوطيقا "السرد"
ونظريات لسانيات النص،وتحليل الخطاب و أعمال الانثروبولوجيين: (ستروس ) وعلماء
الأديان (م . إلياد) وعلماء الأساطير (كايوا – دوميزيل)
إذاً ، من الغلاف هناك إعلان عن البرنامج ،و الملفوظ، ،و المسار الحكائي، و أن المتلقي على موعد مع مادة حكائية. علماً أنّ ( المحتوى) الذي يركزعليه الحكي يجعل منه أعمّ و أشمل و أكثر ثبوتاً و ألصق بالخبر و إيصاله من السرد، الذي يتسم بالخصوصية، و شأنه اللغة ، و ارتباطه بالتّعبير ... و لنتأمــل أسلوب الحكي من قصّة " البحث عن بقية " : (( لا يعرف الكتابة . و ماذا ترمز إليه الحروف .كل ما يريده من الحياة أن يظل الرخاء . و أن يستمر الفرح مزروعاً في الأحداق ، متحدثا عن النّعمة التي افتقدها في طفـــولته و صباه. و القسوة في المعاملـتة التي كان يتلقاها.مــن جماعته بعد أن أكلت الوحـوش والده ذات شتاء حين تاه في الشعاب و الأودية ..)) ( [5])
إذاً ، من الغلاف هناك إعلان عن البرنامج ،و الملفوظ، ،و المسار الحكائي، و أن المتلقي على موعد مع مادة حكائية. علماً أنّ ( المحتوى) الذي يركزعليه الحكي يجعل منه أعمّ و أشمل و أكثر ثبوتاً و ألصق بالخبر و إيصاله من السرد، الذي يتسم بالخصوصية، و شأنه اللغة ، و ارتباطه بالتّعبير ... و لنتأمــل أسلوب الحكي من قصّة " البحث عن بقية " : (( لا يعرف الكتابة . و ماذا ترمز إليه الحروف .كل ما يريده من الحياة أن يظل الرخاء . و أن يستمر الفرح مزروعاً في الأحداق ، متحدثا عن النّعمة التي افتقدها في طفـــولته و صباه. و القسوة في المعاملـتة التي كان يتلقاها.مــن جماعته بعد أن أكلت الوحـوش والده ذات شتاء حين تاه في الشعاب و الأودية ..)) ( [5])
2 ــ الحكي
بوح ، و البوح مصارحة و مكاشفة .. و قصص محمد الشقحاء تعانق البوح من أوّل كلمة في
النّص إلى أخر كلمة . فعنده البناء القصصي يعتمـد أسلوب البــــــوح و نسق السير
الذاتية و اليوميات ... إيمانه أن الفن هو السبيل الوحيد للتنفيس على النفس في
المجتمعات المحافظة ، التي تقيدها التقاليد و العادات ، و تحدّ من حريتها الأعراف و النزوات ... فكل
أبطال قصصه ينزعون إلى البوح ، يُنفتون بعضاً من هذا الذي بداخلهم . و ما ذلك إلا
غصّة مضمرة ، و معاناة قاسمة ، يعانيها
البطل الرمز ،كصورة مصغرة لما هو كائن، و مسكوت عنه في المجتمع .. لنتأمل أسلوب
البــوح على لسان السّـــاردة في قصة " أوراق من يوميــات امرأة عاملة "
: (( مــع مرور الأيّام ، اكتشفت الحقيقة التي كانت
غائبة عن ذهني لحظتئذ .. أوقعــت والدي في حرج إذ أنّه كان ــ عـــبد الرحمن ــ
يشارك والدي و بعض الأصدقاء سهراتهم ، التي لا تخلــو من الاثم في نهاية كلّ أسبوع
خارج المدينة ، أو في دار أحدهم . ولم نلاحظ ذلك عن والدي الذي كان يأوي إلى غرفته
وحيداً ، في الهزيع الأخير من اللّيل....)) ([6])
3 ــ تيمة الموت :قد لا تبدو غريبة ، و هي من أقدم
ما عرفه الأدب الإنساني كالذي نجده في ملحمة جالجميش الذي اكتشف حتمية الموت من
خلال موت أنكيدو . كما عرف الشعر العربي
تراجديا الموت في صورتها الفجائعية،التي صارت مبعث التّأمل و الفلسفة،
تشرق من خلالها خطابات فنية رائقة ، تبعث
على التأمل، و التّساؤل ...
يقول الشّاعر طرفة بن العبــد :
أرى الموت يعتام الكرام و
يصطفـي ×××× عقيلة مـــــــــال الفاحش المتشدد
أرى العيش كنــزاً ناقصاً كـــلّ ليلــة ×××× وما تنقص الأيـّـامُ والـدّهــرُ ينفــد
أرى العيش كنــزاً ناقصاً كـــلّ ليلــة ×××× وما تنقص الأيـّـامُ والـدّهــرُ ينفــد
و لكن الغرابة في كتابة
محمد المنصور الشقحاء هذا الاحتفاء بالموت . بشكل لافـــت إذ نجد في مجموعة (
النسخة الأولى ) المجموعة التي خصصها للق ق ج ، أنّ الموت في سبع قصص فضلا عن باقي
المجموعات الأخرى..و هي ظاهرة خاصّة تستوقف الدّارس . لأنّ الموت لم يأت قضاء
وقدرا فحسب في النصوص . بل جاء عاملا وظيفياً في بنــــــاء التّركيب السّردي، و
تعميق البعد المأساوي و تشكيل الرؤية الذّاتية . إنّ نصّ (النّجاح ) يجسد رغبة
ملحة في تحقيق النّجاح فيكون بعد تضحية و نضال مستميت و إحباط و ألم و يتحقق
أخيراً فيكون الفرح و الانتشاء،و لكن يكون الموت و الانتهاء .و كأن النّص يقول:
ناضل ما شاء لك النضال، و حقق الفوز و النّجــاح ، و افرح قليلا فإنك ميت . و في
نص ( المدرج ) تبدو فجائية الموت . يجلس
الأب على المدرج يتابع السباق ، بينما يلهو طفله الصغير في المدرجات الفارغة، حتى
إذاما تعب عاد لينام أمام اب فارق الحياة و كذلك في نص ( البياض). و في نص( الاسفلت)
يأتي الموت في صورة حادثة، و في نص ( العون) تأتي الخاتمة
بموت الابن ، و في نصي ( إيلاف ) و ( الأرض ) ياتي الموت انتحــــاراً ..
3 ــ تراتبية و لا تراتبية الأحداث:
حين
نتحدث عن التراتبية، نقصد بها البناء الكلاسيكي للقصة القصيرة ، أو البناء الأفقي
للسّرد ،ابتداء من العنوان و عرض الفكرة و انتهاء بالخاتمة , هذا في ضوء التّراتبيــــة
التي تستهوي القاص محمد المنصور الشقحاء ، و مرجع ذلك لأسلوب الحكي الذي لازم
كتابته إلا لماماً ، فحتّى على مستوى الق ق ج التي اهتمّ بها و كانت لــه فيها
مجموعة ( النسخة الأولى ) نجد أسلوب التراتبية
البنائة للنص قائماً بذاته في عدّة نصوص ،
من مجموعاته ... و هذا ،سواء من حيث الوقائع و ترابطها ، أو الأزمنة و تلاحقها :
ماض حاضر مستقبل .. ومرجع ذلك أيضا تفضيل القاص للسّارد الذي يعرف كل شيء وهو ما يسمى باصطلاح النقد الانكلوساكسوني بـ (الرّاوي العليم)
، أي اتباعه للرؤية من خلف. و هي رؤية رغم كلّ إيجابياتها ، و تسلسل أحداثها في
الواقع ، و بخاصّة في القصـــــة الكلاسيكية فيما يخص الشخصية و دورها النفسي ، و
الشعوري، و منظورها الفكري و الايديولوجي ...و ذلك باختراق لجميع الحواجز ، و قفز
في الزمان و المكان .. إلا أنّها تبقى رؤية ، تفقد المتلقي كثيراً من متعة التّأمل
و التّساؤل.
أمّا اللا تراتبية في بناء القصّة عند محمد
الشقحاء فهي أقلّ نسبياً من مبدإ التراتبية . و نجده يسلك هذا السبيل في كتابتــه
المتأخرة بشكل ملحوظ ، و إن كانــت بشكل أو بأخـــر تظهر في بعض كتاباته الأولى كما هو الشأن في مجموعاته
مساء يوم من آذار ، الزهور الصفراء الغريب ، الانحدار.. تأثرًا بما قرأ و ما استفــــاده
من الكتابة الحديثة في القصّة القصيرة و القصيرة جداً : كأن يقوم الراوي بـ (كسر
زمن قصة، أو يكسر حاضــر هـــذا القص، ليفتحه على زمن ماضٍ له، وقد يكرر الراوي
هذه اللّعبة، فيكسر زمن القصة أكثر من مرّة... ويداخل بين الأزمنة كي يحقق غايات
فنية منها التّشويق، والتّماسك، والإيهام بالحقيقي) ([7] )،
4 ــ التّشخيص Anthropomorphisme) (
القاص محمد الشقحاء ،ممن
لا تستهويهم أوصاف و نعوت الشخوص بل يريدهـــــــــــم شخصيات مجرّدة فلو استعنا كمثال
بمجموعته القصصية القصيرة جداً (النسخة الأولى ): سنجد الشحصيات تستحيل إلى ضمائر
: ( أنا ، هو ، هي، نحن .. ) تارة، و أحياناً كثيرة يأتي بهم بدون اسم إلا من ست
نصوص فقط : ( النسخة الأولى ) ، (طوايا النفس ) ، (إيلاف
) ، (التعب)، (الباب ) ، ( وردة ). أمّا ما تبقى من نصوص المجموعة ،ثلاثـــة
و أربعون نصاً، فأبطالها مجرد ضمائــر..أو أحياناً يذكرهم بوظائفهم الاجتماعية
مثلا :( أم ،أخت ، الوالد ، الوالدة ، الطفل ، شقيقتي ،الأسرة ،ابن الخالة ،أختي
،زوجتي ، الصديق، السيد ، السيدة ، حرمة..) أو يذكرهم بالمهنة :( رجل الأمن ،الموظف
،النادل ، الشرطي ، سائق الطاكسي ،تجار، الإمام ) و قد ينعت الشخصية بنعت ما، مثلا
:( العجوز ، واحدة ، فاعل خير،صاحب الوجه ، أحدهم ، الآخرون ، رفيقة الدرب ، الابن
المعاق..) و يبدو هذا لافتا للانتباه، لأنه لا يخصّ الق ق ج فقط بل ذلك يـــــبدو
و كأنه يشكلّ ظاهرة أسلوبيـــة في كتابة القاص محمد الشقحاء . فلا نشك أنـــه يعرف
قيمة الوصف في السّرد،و بخاصّة وصف الشخصيـــات ،و الأمكنة ،و مدى علمه بوظيفته
التزيينية ،و التفسيرية ، و إيهامه بالواقع ..و مدى تنوعه من وصف صريح ،و بياني و
رمزي .. و علاقته الوطيدة بالسّرد و الحوار ، و الحبكة ، و الزّمن .. و الوصف
بــــذلك، ليس عملية محايدة ، بل هو عامل وظيفي يحقق المعاني الايحائية connotatives)) لذا نعتقد أنّ، ما جعل القاص يغفل أو يتغاضى عن كثرة الوصف
إلى انعدامه و بخاصّة فيما يتعلق بالشّخصيات ، هو الخروج من دائرة التنميط الأحدية
،والاحتفاء بظاهرة التّعميم . ما دامت القضايا و الظواهــــر كلها في نهاية المطاف
، إرث اجتماعي ثقافي (Socioculturel)يأتيها أشخاص عديدون ، ولا
تخصّ شخصاً بعينه..ما يشكل لدى القاص خياراً فنياً قصدياً Intentionnel .
5
ــ التّزميـــن ( Temporalisation)
الزّمن
في العمل الابداعي أزمنة ، مختلفة متباينة ، و إن كان البعض عن خطإ و عــــدم وعي
يجعلها زمناً موحداً بوجوه متعددة ، فهناك زمن حدثي موضوعي ، و زمن لساني قوامه
زمن الخطاب بمواصفة الحضور ،و زمن الحكي بميزة الانقضاء ، كما هناك زمــن نفسي و
هو الأهم أدبياً و بخاصّة في السّرديات، ثمّ هناك الزّمن التّاريخي و يرتبط
بواقعية الأحداث في اتجاهها نحو المستقبل و أخيراً هناك الزّمن الفزيائي المتعلق
بتحولات اللّيل و النّهار و ما ينشأ عنهما ، و أرى أنّه الزّمن الرّائج في كتابة
محمد الشّقحــــــاء في أغلب مجموعاته القصصية . و كما رأينا الوصف بالنّسبة
للشّخصيات، فإنّ الاحساس بالزّمــن يبدو عنده فاتراً بل أحيناً يكون عابراً
للإشعار فقط، لا للتّوقف،و التّفاعل ..لذلك جـاء ذكر الزّمن في حالات يمكن حصرها
من خلال مجموعته : ( النّسخة الأولى ) مثلا في التّالي :
أ ـــ التّحديد الدّقيق :(
من 8 إلى 10 مساء) المدرج ، عشرة أيام / البديل ، التاسعة ليلا / العون ، الدقيقة
السّابعة /غفوة، الثالثة صباحاً /الفأر ، الثانية و النّصف/ الدّوام انتهى . يوم
الخميس / المسجد .
ب ــ الزّمن شبه المحدد :
مساء / رغبة ، العشاء / الأرض .
ج ــ الزمن المبهم : ذات
يوم / البوح ،الأيام / الايلاف ،الأيّام السّابقة / فقد،الزمان/ صفاء ، منذ أيام /
جيرة ، ظلمة ما بعد الغروب / الطائــف ، الليلة الماضية / وردة ، المستقبل ،
الحاضر / تحليق ، المساء / تمزق ، الزمن / طوايا النفس .
د ــ لا ذكر للزّمن في سة و عشرين نصاً .
من خلال هذا يتضح أن هاجس
الزمن ليس من أولويات القاص محمد الشقحاء، و إن كان لا يهمله ، و ذكره في الصّور
السّابقة يوضح ذلك بجلاء .
6 ــ التفضيء / الفضاء (Spatialisation)
المكان كالزّمان عنصران
على غاية من الأهمية، حين يوظفان كعاملي بناء لفكرة النص . و كما أنّ للزّمان
مواصفات ، فللمكان مواصفات أخر ، فهناك :
1 ــ المكان القصصي ،الذي
يأتي نتيجة البناء السّردي و العوامل التّخييلية .
2 ــ الفضاء : و هو ما
يشكل إطار القصّة المتحرك ...
3 ــ الفضاء الجغرفي : و
هو ما ينتجه الحكي في إطار جغرافي محدود .
4 ــ الفضاء الدّلالي ، و
هو ما يَنبتّ في نفس المتلقي نتيجة لغة
الحكي .
غير أنّ القاصّ محمد الشّقحاء في دليله
التّعاملي القصصي . لا يؤمن بقدسية العامل ، بل يؤمن بما تأتي به لحظة الإبداع و
تفتّق الالهــام ، و نبقى مع مجمــوعته الأخيـرة : (النسخة الأولى)، فنلاحظ أن المجموعة تضم
ثمان و أربعين نصا، منها أربعة و ثلاثون نصاً ذكر فيها المكان سواء صراحة أو
تحسيسا به.. في مجال فضاء يشكل إطار القصة المتحرك . بينما إحدى عشرة نصا خالياً
من ذكر المكان . و ربّما ذِكر المكــــان و مدى استغلاله أو عدم ذكره .. في نصوص
محمد الشقحاء ، يتطلب بحثــــاً مستقلا ، لا يتّسع له هــذا المقال .
7 ــ لغــــة القـــص :
لعلّ من باب المسلمات أن نشير ألا قصّة خارج
إطار اللّغة ، و ليس أي لغة ، بل اللّغة القصصية . و هي نفسها تختلف و تتنوع ،
فلغة الرواية ، ليست لغة القصّة ، و لا لغـــة القصّة القصيرة، و بالتالي ليست كل
هذه الأنواع من لغى القص ،هي لغة القصّة القصيرة جداً , إنّ هذه الآخيرة ، لتختلف
اختلافاً كبيراً، لأنها أقرب إلى لغة الشّعـر في تلميحها ، و ترميزها ، و كثافتها،
و حذفها، و إضمارها .... و هذه حقيقة يغفل عنها الكثير ...
فإذا عدنا إلى مجموعة محمد
الشّقحاء ( النسخة الأولى ) نجده يختمها بهامش
كالتالي : (( هذه القصص متفرقة في أعمالي المطبوعة ، و التي لم تطبع في
مجال القصة القصيرة ، أعيد تبويبها و طباعتها في
إصدار خاص لانتمائها إلى جنس جديد في مجال السّرد ، اسمه القصة القصيرة
جداً )) هذه الإضاءة من القاص توضح أنّ النية لم تكن منعقدة على كتابة (ق ق ج)
تخضع للغة خاصّة و متمبزة عن لغة القصة القصيرة . و حسب ظني أنّ الاختيار جاء
بعدياً انطلاقا من الحجم، و الحجم ، حقاً ، يستجيب للق ق ج . أمّا لغة السّرد فقد
تناسب القصة القصيرة. لهذا جاءت النصوص في المجموعة و كأنها مشاريع قصص قصيرة لم
تنفذ ... و مع ذلك ما عسانا نقول عن اللّغة
عموماً في كتابة محمد الشقحاء؟ ..ربّما أجدها تنقصم إلى تمظهرين اثنيــن :
تمظهر رومنسي ، يرتقي إلى
اللّغة الشّاعرية و بخاصّة في تآليفه الأولى : ( البحث عن ابتسامة ، حكاية
حب ساذجة ، مساء يوم من أذار،انتظار الرحلة الملغاة ،الزّهورالصّفراء ، قالت إنها
قادمة .. و إذا عدنا إلى فهرس هذه المجموعات نلمس الطابـــــع الرومنسي واضحاً
إنطلاقاً من عناوين النّصوص . فمثلا نقرأ من مطلع قصة ( الزهــور الصّفراء ) : (( ارتسمت
ابتسامة صغيرة في المكان و أخذت الزهور الصفراء تهتز في خيلاء معربة عن النشـوة
القادمة من الشمال، حيث أخذت الثلوج تذوب لتجري بين الصخور في طريقها الأزلي نحو
النهر الذي تحف به المجمعات السكانية . التي لم تعد تبالي بالفيضان . إذ أصبح موسم
خير تتلألأ فيه الثريــات معلنة عن مقدم موسم الزواج .)) ص 20
بينما المجموعات التي تلت
ذلك، طغت عليها اللعة الواقعية الموضوعية ، التي انسلخت إلى حد ما عن ثوب
الرومانسية الحالمة ،و انغمست في أتون لغة مختلفــة الشيء الـذي أثرعلى البرنامج
،و الملفوظ ،و المسار و المادة الحكائية ، إذ أصبح كل شيء واقعياً أو أقرب إلى
الواقع ، مضمخاً بنكهة خاصّة ،تفرضها واقعية الكتابة ، و دلالة النص .. وإن كان
يفسدها أحيانا ، قلة الضبط النّحوي و اللّغوي ، و هفوات الرّقن اللا إرادية ...
عموماً كتابات القاص محمد الشقحاء ، تغري
بدراسة متأنية تخصّ معالمهـــــــا و خصوصياتها ،بدقة ، و سعة ، و تفحص .. و ما
أتينا إلا بنقط ، حاولنا إثارتها للبحـــث
المفصل.عسى أن نعود إليها إن شاء الله ،أو يتداركها غيرنا بالتّحليل المستفيض،و
العناية التّامّة.لأنّ ما أنتجه هذا المبدع السّعودي طوال أربعة عقــود,,, يستحق
وقفـــات تأمّلية و دراسية ، بغية ملامسة كلّ عطاءاته التي لا يمكن أن يلمّ بها مقال كهــذا .
§
[1] ــ A.J.
Greimas, J. Courtés, Dictiouvaire raisouvé de
la théorie du anquage, Hachette, 1979. p. 942 .
la théorie du anquage, Hachette, 1979. p. 942 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق