قصص قصيرة ( 15 )
محمد المنصور الشقحاء
قواقع الجزر المهجورة
أثناء رحلة استجمام تداخل فيه
العمل؛ جاءت إقامتي في منزل أسرة احد أفرادها مستشار للشركة التي اعمل فيها
بالرياض، وبعد حفل بمناسبة إطلاق منتجا جديد من شركة تنفذ بعض عقود عمل لشركتنا في
مجال التجارة.
اكتشفت في ساعة متأخرة من النهار
أن من تشاركني الفراش صديقة مضيفي، شعرت بالرعب ولما أحست بي رمقتني مبتسمة بوجهها
الممتلئ المستدير وشعرها الأشقر المبعثر ثم غادرت الغرفة، اكتملت أيام الرحلة وعدت
محملا بالحكايات، وبمشاريع استثمارية تحتاج إلى شركاء متضامنين لتنفيذها.
وبعد اجتماع بين القيادات كان
نصيبي أربع مؤسسات، علي زيارتها ومعرفة إمكانية الاستفادة من خبرتها ومقدار
استعدادها للشراكة، سكرتيرة مكتبي قامت بالاتصالات لتحديد مواعيد الزيارة، كما قام
طاقم المكتب بعمل ملف عن نشاط كل مؤسسة، رئيسها تاريخها رأس مالها.
في المؤسسة الثانية وأنا اتجه
لمكتب رئيس مجلس الإدارة، وجدت في مكتب السكرتارية صديقة مضيفي في رحلة الاستجمام
تنتظر قدومي، وبعد اتصال هاتفي وقفت مبتسمة ثم سبقتني إلى فتح باب جانبي.
اقتربت من مديرة المؤسسة
الجالسة خلف مكتبها، ونظرات ثلاثة يقعدوا حول طاولة اجتماعات صغيرة في زاوية
الغرفة تتابعني، وبعد الترحيب سبقتني المديرة لطاولة الاجتماعات، بينما الموظفة
غادرت الغرفة.
جلسنا متقابلين وانطلق الحوار
الذي طال وقد تقاربت الأهداف وان تباينت الأفكار، وبعد ثلاث ساعات من النقاش غادر
الثلاثة المكان، ولمحتها وانا أهم بالقيام تدعك جبينها وتضغط على مؤخرة رقبتها،
عرفت انه إرهاق الجلسة وألم يعاودها من وقت لآخر.
اتجهت للمقعد الذي تجلس عليه
وهي تتابعني بنظرها، لما وقفت بجوارها أخذت استفسر عن حالتها، وبغير شعور كانت كفي
رابضة على مؤخرة الرقبة وأصابعي تتحسس نبض العروق تلاحق مكان الألم، استرخت
مستسلمة لنتنبه على قرع الباب ابتعدت، كانت الموظفة ومعها آخر عرفت انه السكرتير.
بعد أيام ثلاثة وقد اكتملت
طباعة التقرير الذي أعددته عن الزيارة، وملاحظة مجلس إدارة شركتي ونقاط التعاون
وتوضيح أهداف التعاون، اتصلت لبعثه مع مندوب الشركة فعرفت أنها مسافرة فطلبت رقم
هاتفها النقال وبريدها الالكتروني.
جاء صوتها تخبرني إنها في
زيارة عائلية، وتنتظر التقرير عبر البريد الالكتروني، وحرصت آن اسأل عن الإرهاق
وألم رقبتها فجلجلت ضحكتها وهي تودعني،وأنا أتناول الغداء مع ثلة من أصحاب الأعمال
بمطعم الفندق الذي يقيمون فيه.
كان اتصالها صوتها حولي تلفت تجلس وحيدة على
طاولة صغيره خلف نافورة المطعم ألملونه، نهضت واتجهت نحوها عرفت إنها في خلوة مع
نفسها بالفندق لدراسة مشروع تسعى شركتها التقدم له.
متزوجة ولها طفل في العاشرة،
والشركة ارث من والدها المتوقي منذ ثلاث سنوات، رجل الأعمال المهاجر إلى أمريكا
بعد تقاعده من الحكومة التي جنسته بعد التعاقد معه خمس سنوات كمهندس مدني، تدرج في
العمل حتى أصبح وكيلا للوزير في الشأن الهندسي، أما زوجها فله نشاطه الخاص.
في غرفتها بالفندق تمددت في
الفراش وأخذت أدلك رقبتها،ثم أنسابة كفي تدعك كتفيها هابطة عبر فقرات ظهرها، ولما
وصلت المنتصف تحركت فابتعدت وتسمرت واقفا، جلست ورفعت رأسها محدقة لتطل ابتسامة
شهوانية لامرأة شبقه ، جلست في المقعد المقابل، نهضت ترتدي بيجاما أفغانية حريرية
مشجره فضفاضة سروال طويل وقميص إلى الركبة.
وقفت خلفي التقى النظر في
المرآة ثم انشغلنا بمتابعة وميض ضوء طائره عابره في سماء الرياض عبر نافذة الغرفة،
طوقتها بذراعي فانتصب صدرها في حركة بطيئة وقربت وجهي من وجهها،عانقت شفتيها حابسا
أنفاسي في قبلة طويلة، شيء ما تشكل لم اعد أنا، كنت آخر يعانق نفسه بنهم ممسوسا
يسكنني شيطان، اقتربنا من النافذة سحبنا حبل الستارة فاختفت النافذة، لم نعد
ملزمين بأي شيء، وحيدان تعصف بنا الرياح من كل اتجاه، وفي الظلام سقطنا في هاوية
كانت الشمس في قعرها؛ وأشعتها كما أطراف إخطبوط تسحبنا نحو اللهب.&
النفس الضالة
بعد سهرة صاخبة بالمرح وفي
الواحدة بعد الظهر، الهدوء يخيم على المنزل إنما في داخل الرجل العجوز الذي تجاوز
الستين من العمر الذي هو أنا، قلق فقد جربته عند وفاة زوجتي الأولى ورحيل ابني.
هذه الثانية من أقارب
الراحلة، ارتبطت بها وأنا اعرف آن لها خليل، مع الوقت اعتدته لم اشعر بالذنب؛ ولم اغضب
كما انه وإنها يريان تصرفهم، غذاء روحي لجسدي الذي فقد حيويته.
البارحة جاء العشيق ومعه احد
الأصدقاء، طلب منها معاشرته فرفضت، ولما رجاني أن أحدثها تواصل تمنعها ولما شعرت
بغضبي استسلمت، لكن أين هي.
على طاولة الأكل بالمطبخ،
كانت الطاولة فارغة على غير العادة، وفي وسطها ورقة فوقها زهرة نرجس صفراء من
أزهار الفناء الخلفي للمنزل، في أعلى الورقة البيضاء سطر واحد وبدون توقيع،
بموافقتك آن أعاشر صديق خدني أقول وداعا.&
أيها السرمَديٌ لا تقاوم
الصحراء
هنا عرف رسالة الغناء في الأودية،
بعد تجمد أطرافه ومقاومته حتى يقول كلمته؛ ولما باح همه تلفت حوله فلم يجد أحداً،
وطريق من الزفت الأسود يمتد شمالاً على مد النظر.&
ضل خلف الزجاج
جاءت موافقتي آن تكون زوجه فتم
كل شيء، وفي غرفة الفندق تدفق العسل مع ضجيج الشارع، في اليوم الثالث لم أجدها،
تمددت في الفراش مترقبا حضورها؛ وجاء صوت أمي عبر الهاتف: إنها هجرتني وترغب في
الطلاق.&
لهد
جاءت ورقتي في اللقاء عن الصناعة
والتصنع، وجاء تعليقها عن الخيال والتخيل وواصل البعض الحوار على طاولة العشاء وفي
زاوية قاعة المناسبات بالفندق، استأذنت الجلوس حتى ارتب سفري مع العلاقات بالفندق،
وأمام باب المصعد وجدتها.
وعندما توقف بالدور الثالث والثلاثون قالت:
غرفتي بنهاية الممر. وأنا افتح باب الغرفة دعوتها لمواصلة النقاش رحبت، ولما رن
الهاتف تذكرتها كتبت اسمها في إهداء نسخة من كتابي الجديد، قدمته لموظف الاستقبال
الذي أنكر وجودها.&
ولادة أخرى تستدعي البكاء
بسبب سفر والدتي للعلاج في
ألمانيا ومرافقة والدي لها، التحقت وأنا في المرحلة المتوسطة الصف الثاني بمدرسة
أهلية توفر وسائط نقل، كان ذلك في الأسبوع الثالث من بداية الفصل الدراسي الأول في
اليوم الرابع وأنا أغادر الحافلة قدم لي السائق وردة صفراء وهو يرحب بي، ولامست
كفه كتفي مطببه.
شعرت بحرج من مرافقاتي وهن
يصرخن ابتهاجا وان كانت نصف المقاعد خالية، تكرر إهداء الوردة وملامسة كتفي إنما
في أوقات كنت أخر راكبه معه، أخذت أنا أيضا اهدي السائق شيئا مما اقتنيه من مقصف
المدرسة أو مما اقتنيه من بقاله الحي، كما تعودت إنزال كفه لملامسة مؤخرتي.
رجعت آمي سالمه وعاد والدي
وتناقشت أمي وأبي معي في العودة لمدرستي الحكومية المجاورة لمنزلنا، طلبت التريث
حتى نهاية العام الدراسي، فقد اعتدت الرائحة بينما هو خوف غريب تلبسني ملامحه وجوه
بعض زميلاتي بالمدرسة وشغب رفيقاتي بالحافلة.
رائحة السائق اليوم غيرت
سكوني، وأنا اشتمها في جسد السباك الذي جاء لتسليك السد في أنابيب مجلا المطبخ،
وأنا اشرح له المشكلة فزوجي الذي اتصل في الطريق، هو من دفعني إلى فتح باب الشقة
واستقباله بعد أن ارتدي العباءة ريثما يصل.
تفقد السباك التوصيلات
والمحابس، ثم خرج من المطبخ، وعند باب الشقة اخذ يشرح العطل وأجرته واحتياجه من
أدوات؛ الرائحة تنفذ إلى أعماقي وتنبهت على كفه بين وقت وآخر ومع انفعاله تلامس
كتفي، وهو يفتح باب الشقة الموارب للمغادرة كان زوجي يصعد الدرج، تسمرت في مكاني لمتابعة باقي التفاصيل حتى
النهاية.
على العشاء قال زوجي انه اتفق
مع السباك بدء العمل بعد صلاة الظهر، حيث يحاول أخذ إذن من عمله، كنت أهز رأسي
فأنا سكرا عبر سرداب لحالة بالغة الشفافية من رائحة أغرقت روحي بنشوة غريبة من زمن
لم اعد أتذكره.
تنبهت على جرس الباب كان
السباك غطيت جسدي بالعباءة؛ وراسي بالحجاب وركضت نحو الباب، كان السباك ومعه آخر
بعد وضع أدواته بالمطبخ عاد ولوح بكفه وهو يبتسم ، تركت الاثنان يمارسون عملهم
وأغلقت باب غرفتي بالمفتاح وبقيت جالسه وفي أعماقي هدوء وسكينة مبالغ فيها فأنا
بكامل حجابي، ولما سمعت صوت زوجي ترقبت باب الغرفة يفتح ولم يطل تفكيري جاء صوت
زوجي خلفه وأصابعه تقرع.
بعد انتظار تحققت الوظيفة
ومعها أدرك زوجي أهميتي، وأبهجني دموع الفرح التي انبثقت في وجه أمي وهي تحتضنني،
ومعها وبعد عشاء أقررناه مجموعة من الموظفات
تكريما لمديرة قسمنا المتقاعدة، حشرني ثلاث من الزميلات بالقعود في المقعد
الأمامي من سيارة إحداهن بجوار السائق كفتاة في مكان عام التصقت بالجدار حابسة
أنفاسها، ونحن نتحرك تسللت رائحة السائق إلى انفي لم تكن بزهو رائحة سائق الحافلة
أو صخب رائحة السباك التي شعرت معها أن ملابسي غارقة في البلل، إنما خالطها بعض
العطر الذي استنشقه في زميلتي صاحبة السيارة القابعة في الخلف.
تجاوزت النسيان كنت اركض
بإرادة طيبه وروح خلاقه، متجاوزة الحاشية والحرس وقد شعشع العمر حتى الثمالة، في
سهل اختلطت أشجاره العملاقة بأزهار برية صفراء وعشب تمدد عبر الشقوق الصخرية،
بينما الضباب يفتح عبر جداره الأبيض طريق ماطر بحبات لؤلؤ تنداح إذا لامست شعري فتنساح
على وجهي.
شيء واحد ظل يلاحقني لصباح
حلم احتضن حكاية من ألف ليلة وليلة، كف سائق الحافلة المدرسية العجوز وهي تطبطب
على كتفي، ثم تنزل عبر فقرات ظهري في سكون وهدوء لتلامس مؤخرتي وقد تخشب جسدي
النحيل، ولما يدب الخوف داخلي أتحرك فتنتصب الكف أمامي حاملة زهره صفراء تؤكد
وجودي.
هذا الشيء الذي انبثق من
الماضي ورائحة عرق عمال المطعم ممن يخدم طاولتي جعلني اعتذر عن مرافقة زميلاتي في
العودة، وتسللت إلى الشارع وهناك أخذت سيارة أجره، وفي الطريق تسوقت وساعدني
السائق في حمل باقي الأشياء إلى شقتي، تبعني إلى المطبخ واضعا الأشياء على طاولة
الأكل وانتظر حتى دسست المشروبات في الثلاجة، لم يكن هناك احد وهو يتحرك أمامي
منسحباً جاشت مشاعر بداخلي لمست إن روحي تتعاطف معها، فراودني حلم لم أجد الشجاعة
حتى اقتله لرفع نفسي عن التراب.
وأنا أغلق باب الشقة بالمرتاج سمعت قرعا توقف حوار أفكاري اللامتناهيه والتي سلبت مني
الإحساس بالواقع، ولما واتتني الشجاعة فتحت الباب نسيت أني قد شنقت عباءتي على
مشجب بغرفة التلفزيون وارتديت ملابس المنزل، وتناثر شعر رأسي وشيء من أصباغ مناسبة
تمنح وجهي وشفتي بقايا الق، وتوهج صدري عبر فتحة الثوب الحريري الأزرق الموشى
بخطوط الذهب، كانت محفظتي اليدوية بيد السائق تراجعت بخطوات خلفيه، كنت على يقين
أني وصلت تقدم أغلق الباب الرائحة تغرق الشقة بهالة نور، ولما استعدت ملامحي
القلقة وأنا أودع انتظاري الذي لم يكن حزيناً. كنت مؤمنة بالخلاص، رحت ابكي بصوت
مرتفع فقد حظيت وأنا ارتمي بين ذراعي الرائحة بحب كبير سكن جسدي.
كانت الرابعة صباحا عندما رن
جرس هاتفي الجوال الذي توقف قبل أن أرد، ثم جاء جرس الرسائل شعرت برغبة شديدة في
مشاهدتها وقد تكرر جرس الرسائل متصاعدا بعدد لم احسبه كانت الرسائل زهور صفراء
وطيور محلقة وفراشات فسفورية وقوس قزح انساب الهدوء إلى داخلي، وقد حملت الرسالة
الأخيرة كلمات أعادت الرعشة لجسدي ( رائحتك طيبه ) رفعت مخدة الفراش حتى ادفن جهاز
الهاتف تحتها لأجد زهرة نرجس صفراء.&
غضب
اشتعل مرجل الغضب في داخله، وهو
يرى زوجته ووالدته يدافعن عن السائق الذي تأخر في إيصاله لمقر عمله يوم أمس لعطل
أصاب سيارته وسجله رئيس القسم في بيان الغائبين؛ الزوجة جاء موقفها أن السائق قلص
أيام غيابها في سجل العمل والأم قالت لقد أصبح احد أفراد الأسرة وهو يكمل أي نقص
في البيت، دخل غرفة السائق في غيابه بعد ثورته فوجد في البراد قارورة خمر منتصفه،
تجرعها ونام في الفراش لما ولج السائق الغرفة وجده؛ حمله ودخل المنزل كانت الأم
والزوجة بغرفة الجلوس يتابعن حلقة جديدة في التلفزيون من مسلسل كوري، قامت الزوجة
وسارت أمام السائق وبغرفة النوم ساعدته على تمديد زوجها في الفراش.&