البئر المظلمة
قصة قصيرة
محمد المنصور الشقحاء
خمس
سنوات لم يشغل تفكيري سوى تطوير خبرتي العملية، وتنمية رصيدي المالي حتى أجد
الاستقرار الذي فقدته؛ انتقلت من أقصى الغرب إلى العاصمة فكانت الإعلانات المبوبة قراءتي
وشهادة الثانوية التجارية مؤهلي منذ ثمان سنوات، حتى استقر تجوالي في هذه الشركة
المتخصصة في المواد الغذائية.
كانت السنة الأولى تجربة مرهقة لإثبات الوجود،
والسنة الثانية انطباع طيب بأني آلة حاسبة لا تخطيء في جدول الضرب، والسنة الثالثة
حملت حقيبة المدير العام في مؤتمر اقتصادي دولي، رعته الغرفة التجارية الصناعية
فكانت الورقة التي أعددتها وألقاها مدار نقاش؛ وفي السنة الرابعة عرف الجميع إني
مدير مكتب صاحب الشركة، وفي السنة الخامسة مع رغبة مدير الشركة وصاحبها تحولت إلى
مساهمة مغلقة، توزع أسهمها صاحب الشركة وزوجته وابنه المغترب وبنتيه، واثنان هم
أشقاؤه وواحدة هي أخته من أبيه وأربعة ينتمون للعائلة وأربعة من موظفيها بنسب
متفاوتة.
بعد اعتماد الشراكة واعتماده من وزارة
التجارة، أصبحت المدير الإداري والمالي، وأصبحت الابنة البكر القادمة من أمريكا
عضو مجلس الإدارة الخماسي المدير التنفيذي، في الشهر العاشر من السنة السادسة لي
والسنة الأولى للشركة بعد تحولها، أمضيت أربع ساعات مع المدير التنفيذي بمكتبها
الخاص بمنزل الأسرة نراجع التقرير الأول للشركة.
وهي بعباءتها الحريرية السوداء الموشاة بخيوط
ملونة والمخاطة كما الثوب الرجالي، تقف بجواري عند الباب مودعة،أنفاسها تلهب أعماقي
مدغدغة مطالب كبحها خوف آن تكون مدمرة معتذرة عن تأخرنا في المراجعة، عانس تجاوزت
الثلاثين كل جزء فيها يحتاج إلى ترميم.
بعد اعتماد التقرير من الجمعية العمومية
وتصديق بيانات الميزانية، دعوتها للعشاء لم احدد السبب وان تناقشنا في أمور
مختلفة، وفي التاسعة ليلا كنا في غرفة بالدور الأول من استراحة طريق صحراوية تبعد
عن الرياض أكثر من مأتي كيلو متر شرقا.
وقفت في نافذة الغرفة تتأمل الفضاء، السماء
تتوهج نجومها والطريق تذكرنا به أبواق السيارات والنور الخاطف العابر وبأننا خارج
المكان، قرع نادل مقهى الاستراحة الباب لأتناول منه الشاي وقناني الماء، أوصدت
الباب ووقفت بجوارها أصابعي تمطر جسدها بملامسات متقطعة قامت بحركة تفلت واهنة، تلاشت
الكلمات وادلهم صمت تام ونحن نغطس في بحيرة من العرق.
كنت أرمم جسدا أنهكه النسيان وجمد الصداء
مفاصله وطمر الرمل آباره، ولما سرى الري في شرايينه تفتحت المسام وعبق أريج الزهر،
ندت عنها تنهده وكأني بها استعادت رشدها فالتمعت عينيها بومضة حياة، بعدها سرت
ابتسامة خجلا على وجهها الذي شع نوره، ترجلت من السيارة أمام باب المنزل مع انبلاج
نور الفجر، انتظرت حتى دخلت ولوحت بكفها قبل غلق الباب.
شعرت
وآنا أقود سيارتي في الشوارع الخالية، بالانكسار وأنا اردد ما هو حسن يغري على
الخطأ وإني دخلت الغابة التي تزورني بين وقت وآخر في حلم يتكرر، كنت اركض حتى
تتقطع أنفاسي ثم اسقط في أعماق بئر لا قرار له تحوطني الظلمة وعواء ذئاب ونباح
كلاب وعويل رضيع فأتنبه من نومي وقد كساني العرق ونشف حلقي.
الظلام الخوف واليتم والطريق يتطاول أمامي،
من أقابل منشغل بأمره وغير مبال بما أنا فيه من هم، أخذت الأبواب تغلق في وجهي
للمرة الثانية، وان علي الرحيل في بحثي عن ذاتي إلى حيث لا ادري، حتى أتخلص من
الغابة السوداء والبئر المظلمة.&
19 / 1 / 1435
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق