غياب "محمد منصور
الشقحاء"
رؤية سردية جديدة في
الأدب السعودي المعاصر
دراسة نقدية بقلم
أ.د / علي عبدالوهاب مطاوع
أستاذ الأدب والنقد المساعد بكلية الدراسات
الإسلامية والعربية – بنات بني سويف
جامعة الأزهر
غياب "محمد منصور
الشقحاء"
رؤية سردية جديدة في
الأدب السعودي المعاصر
ورقة عمل قدمها في ملتقى نادي القصيم الأدبي
الرابع – القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا في المملكة العربية السعودية 5 – 7 /
11 / 1429 وتم نشرها في حولية كلية اللغة العربية فرع جامعة الأزهر بالزقازيق عام
2008م
بقلم د / علي عبدالوهاب
مطاوع
أستاذ الأدب والنقد
المساعد
جامعة الأزهر
أما قبل ...
"إن الشقحاء بقصه في" الغياب" يؤكد أن
القصة القصيرة أصبحت جزءاًٍ رئيساً من النسق العربي ، لاسيما بعد تفاعلها وتحاورها
وتجاوبها مع الواقع العربي ، وزواجها زواجاً شرعياً بالبيئة العربية في إهتمامها ،
اتجاهاتها ، وأمزجتها الخاصة والعامة ، وعلاقتها المتباينة"
تقديم
:
الحمد لله الذي هدانا سُبلنا ، والصلاة
والسلام على حبيبنا أشرف الخلق هادينا إلى صراط الله المستقيم. وبعد ،،
فهذه صفحات أردت لها أن تقترب من روح
الدراسات العلمية في موضوعيتها بالتلاحم مع النص العربي المعاصر، وتقديم جهد
يتوازى – على الأقل – مع قيمة هذه النص المبدع، بعيداً عن لغة التعصب أو التعسف
واحتدام الصراع الذاتي الذي نراه بين بعض النقاد ومبدعي العربية اليوم. فيكون
عوناً له في أداء رسالته، والوصول إلى غايته، لا عبئاً عليه.
وفي إطار هذا النهج جاء هذا العنوان:
"(غياب) محمد منصور الشقحاء.. رؤية سردية جديدة في الأدب السعودي
المعاصر" ، سعياً إلى تواصل الأجيال العربية، وانفتاح وتفاعل مع الإبداع
العربي أينما كان، "فالحياة الأدبية في حاجة إلى التفاعل الدائم بين النقاد
والمبدعين، وبدون هذا التفاعل يخبو وهج الفن، وتتطفئ شعلة الإبداع[1] . ومن ثم
تستوعب الأمة فيما بينها المتغيرات الفكرية والثقافية والإجتماعية، وتحيا الطرح
الموضوع لقضاياها التي تنشر الوعي، وتتأمل الواقع، تستشرف المستقبل، رغبة في منجز
حضاري يبعثها من جديد، "وأملاً في انبثاق قيم جديدة أصيلة نابعة من مورثنا
الروحي، وواقعنا الإجتماعي، وتطلعنا إلى كيان عربي إسلامي، يُعيد لهذه الأمة
شموخها وحضارتها وأصالتها"[2].
وكان
المنهج الذي تصـوره هذا العنوان، هو اختيـار آخـر أعمـال الكاتب والشاعـر والقاص
السعـودي محمد بن منصور الشقحاء الشهير بـ "محمد منصور الشقحاء". وهـي
مجموعته القصصية "الغياب"[3] وإن نشرها مؤخراً مرة ثانية مع بعـض الحكايات
والقصص القصيرة تحت عنوان "المحطة
الأخيرة[4] لكن
البحث أرتضى لمادته المجموعة الأصلية "الغياب" التي لم يتعرض لها دارس
"أو تنفرد بها دراسة مستقلة حتى كتابة هذه السطور.
وهي مجموعة تتنوع في طرحها السرّدي
انطلاقاً من البيئة العربية/ الواقع/ المجتمع/ الألم/ الأمل/ الوجود.. دون أن
تنسلخ عن الإطار العام الذي تنتمي إليه: "الأدب/ الرسالة".. وانطلاقاً
من هذا الطرح تعددت الرؤى والزوايا والأبعاد، والتي يتم من خلالها إلقاء النظرة
العلمية أولاً على عالم القصة القصيرة من خلال مدخل تنظيري جاء على عجل لبعده عن
تخصصية البحث التي تقترب من دائرة النقد التطبيقي. دون إغفال لسيرة المحتفى به في
هذه الدراسة، والوقوف على مرحلة "عطائه الإبداعي المتواصل".
ومن بعد تأتي المواجهة الحقيقية للنص عبر
نظرة علمية متأنية متأملة .. قراءةً وتحليلاً وتنظيراً لهذه الرؤية السردية من
خلال "معالم السرد القصصي في هذه المجموعة (الغياب) عبر أبعادها وآفاقها
وجماليات تشكيلها الفني بدءاً من : بُعدها اللغوي والأسلوبي (البنائي) ، وبعدها
الزمكاني ، وبعدها التراثي والرمزي، وبُعدها الواقعي الاجتماعي، وبُعدها التجديدي
الذي ظهر جلياً في سرده مما جاء في صورة ما عرف (بالقصة القصيرة جداً). وكلها
أبعاد سوف تتناولها المحطات القرائية للخطاب السردي في معالم السرد عند الشقحاء.
راجياً من الله سبحانه وتعالى أن تقدم هذ
القراءة إسهاماً متواضعاً في دائرة النقد التطبيقي بالإنفتاح على الإبداع العربي
في مجال القصة القصيرة في قطر عربي، وارتياد آفاقه. وعلى الله قصد السبيل.
د/
علي عبدالوهاب المطاوع
· مدخل
إلى القصة القصيرة :
يثبت
الواقع الأدبي في عالمنا العربي يوماً بعد يوم أن المشهد السردي لفن القصة القصيرة
ما زال ماضياً – وبصورة متوهجة – في التنوع والتجدد والتعدد في أنماطه واتجاهاته
وأشكاله، ورواده، حتى أصبح من العسير الوقوف على شكل ثابت لهذا الفن الذي يطول
ليقترب من الرواية القصيرة، ويكتنز أحياناً أخرى ليصل إلى شكل الأقصوصة، بل يتعدى
الشكلين إلى ما يُسمّى بالقصة الصورة، أو الاسكتش"[5] مؤكداً هذا الواقع على حقيقتين :
· الأولى : أنّ
القصة القصيرة تمثل العتبات الأولى للولوج إلى عالم السرد الرحب، حيث الرواية التي
لا يقيد فيها الكاتب بزمان أو مكان أو عدد من الشخصيات، أو يتوقف عند حد بعينه من
طول وقصر في حجم الكتابة.
· الثانية : أن القصة
القصيرة تُعد بوابة الفتوح لأي موهبة في بدء طريقها الإبداعي بما تتميز به من
سهولة ويسر، واكتناز في صغر حجمها، وإيجاز تتسم به. وهو ما تفسر هذا الكم الهائل،
والفيض الجارف من القص القصير المتنوع والمتطور الذي نطالعه لأقلام عديدة على
إمتداد خارطة الأدب العربي، احتضنتها صحف ومجلات ودوريات متخصصة وغير متخصصة في
الإبداع العربي، متأثرة في الوقت نفسه بفكر وثقافة هذه الإصدارات التي وهبت
المجتمع العربي رواداً لا حصر لهم من المثقفين ساعدوا بدورهم التنويري المتميز في
توهج سماوات التعليم في الوطن العربي بأسره.
ومن
ثم تعددت زوايا الرؤى والنظر إلى هموم المجتمع وقضاياه. وقد ثبت أن لون الثقافة –
شأنه شأن خصوصية التجربة – ذو أثر بارز في توجيه كتابة القصة القصيرة[6]. وعلى
هذا الأساس يمكن تفسير اتجاه يوسف إدريس وعبدالسلام العجيلي إلى التمرس بالعناصر
الطبية (أو المرضية) في بعض أقاصيصهما ليغني ثقافتهما وتجربتهما معاً في هذا
المجال، واتجاه نجيب محفوظ إلى الغوص في أعماق الشخصية المصرية وسبر أغوار المجتمع
من خلال الحارة المصرية التي لم يبرحها في جل أعماله انطلاقاً من ثقافته النفسية
التي اكتسبها من دراسته الجامعية، وكذلك اتجاه محمد منصور الشقحاء إلى هموم
المجتمع السعودي وقضاياه، حيث يركز على تصوير الشخصيات في حياتهم اليومية الخاصة،
من ملابسات وتقاليد معينة سواءً كانت عائلية أو اجتماعية أو مزاجية لثراء تجربته
الحياتية من خلال عمله بالصحافة السعودية التي كشفت له الكثير من أحوال مجتمعه
وأسرار بيئته، وغيرهم ممّن عبدوا في هذا الفن طريقاً، ورسموا فيه اتجاهات.
وليس بخاف على الناقد الحصيف، والدارس الأدبي
المدقق أن التوسع العمراني الذي أعقبه تنوع اجتماعي مردوف بتنوع ثقافي – فكري ..
إبداعي، صاحبه تدفق إعلامي متباين، ما بين مسموع ومرئي ومقروء كان سبباً رئيسياً
وراء نشأة القصة القصيرة[7] بشكلها
الفني الجديد الناضج، وإحساس الإنسان المعاصر أنه كائن فرد له وجوده الخاص. وليس
مجرد عنصر له دور محدد في تنظيم اجتماعي.
ومن ثمّ جاءت القصة القصيرة تعبيراًً عن روح هذا
الإنسان الفـرد، حتى ولو كان قليل الأهمية أو مهمشاً. إذ أنها لا تستلزم بطلاً
ملحمياً عظيماً، يعلو ليسقط، ولكنها تركـز على أحزان وشجون الإنسان الصغير، تضئ
الواقع من حوله كلمحة برق فتساعده ولو للحظة على رؤيته وتمحيصه ولو للحظات.[8] يقتنصها
القاص الناحج قبل أن تتسرب مفلتة من بين يديه، واضعاً إياها في نظام معين يكتب
ليها التمييز الذي يتجلى في ما يسميه النقاد بـ "وحدة التأثير". ففي
القصة القصيرة – كما في الرواية – يجتمع الموضوع والحبكة والحدث والأشخاص والجو
والثيمة (أي العنصر الذي يمنح القصة القصيرة مغزاها أو معناها) وغير ذلك من عناصر،
لتعمل معاً متضافرة متآزرة.[9]
ومعلوم أن الإنسان بطبعه ينزع إلى القص، وهو
يحاول إسباغ معنى على الأحداث اليومية أو يحاول أن يمنطقها أو يجد بينها رابطاً
يجعل منها سلسلة متصلة الحلقات. كما يحاول أن يجعل من حياته قصة أو عدة قصص،
ويحاول أن يربط بين هذه القصص وبين المشاعر والأفكار التي يستخلصها من حياته.[10]
ومن هنا كانت كل قصة تمثل علاقة ما بين كاتبها
والحياة، وأن هذه العلاقة تعكس رؤية خاصة، وأن هذه الرؤية قد تصور موقفاً أو حكماً
أو خاصاً، وعلى الرغم من هذا القول أو ذلك المنحنى فإن ذلك أبعد ما يكون عن تحديد
مهمـة القصة القصيرة ودورها، لأن هذا الوصف لا يميزها كثيراً عن غيرها من الأنواع
الأدبية، ولأنه يمنح كل قصة قصيرة الاستقلال بمميزاتها، ويجلعها كوناً صغيراً له
نظام الخاص به. ولهذا كان الوصول إلى تعريف شامل للقصة القصيرة يُعد محاولة غير
ذات جدوى، مثلما أن حصر الأشكال الناجحة منها يفوت كل محاولة.
فقد أثبتت الأيام أن هذا اللون الأدبي – القصة
القصيرة فن المجتمع الحضري كما يصفه أستاذنا الدكتور إحسان عباس في تطور مستمر،
وأنه فن مرهف دقيق شديد الحساسية، وأن أشكاله تتعدد وتتكاثر كلما اختلفت التجربة
أو تغيرت زاوية التركيز عند كاتب دون آخر بتعدد زوايا النظـر إلى مشكلات المجتمع
وقضاياه. الأمر الذي يجعلنا نوافق على القول بأن : القصة القصيرة أكثر
مناسبة
لطبيعة المجتمع العربي اليوم من سائر الفنون[11] ، حتى
الشعر، ذلك المنافس القوي الذي سيظل ديوان العرب إلى إن يشاء الله وإن تراجع
قليلاً في المعاصرة بعد ارتداه ثوباً جديداً، وشكلاً مغايراً لبنية القصيدة
العمودية التراثية، وفقده القدرة على المنافسة مع الأجناس الأدبية الأخرى، وفي
مقدمتها القصة..
وهنا لابد من الإشارة إلى أن القصة تشبه
القصيدة الغنائية في أن : كلتيهما محكومة بشيئين، بالبؤرة الشعورية التي تنمو
إحداهما حولها، وبطول مهما يمتد، فإنه لا يتجاوز مقداراً تحتمه وتقرره دورات نمو
لابد أن تقف به عند حد، ثم تختلف كلتاهما في ماعدا ذلك. ولهذا فإن مقتل القصة
القصيرة – فيما يراه كثير من النقاد – أن تفلت من يد كاتبها فتتحول إلى قصيدة في
مستوى التعبير ونوع التصوير والسياق العام، وعند ذلك تفقد خصائصها التي تكفل لها
استفلاليتها[12]
، بوصفها قصّا يطلق على كل قول – كما يقول : جان لوفيف – "يستحضر إلى الذهن
عالماً مأخوذاً على محمل حقيقي في بُعديه المادي والمعنوي ويقع في زمان ومكان
محددين، ويقدم في أغلب الأحيان معكوساً من خلال منظور وشخصية أو أكثر، بالإضافة
إلى منظور مختلف عن الشعر"[13] ذلك الإرث الإنساني الخالد، الممتد بجذوره في
أعماق الزمن.
ولاشك
أن القصة/ السرد المطلق – هو الآخر له مكانته الممتدة في أعماق التاريخ الإنساني
على خلاف من يذهب إلى القول بأن "القص له تاريخ عريض في العربية ولكن لا يمتد
طولاً في الزمن"[14] ، بينما
جاء هذا الفن ممارسة إنسانية قديمة قدم الأساطير، شاملاً شمول الحكي في الحياة
الإنسانية، فعلاً سردياً يتمظهر في تجليات مختلفة عبر الحقب البشرية، كما في
الملحمة، والمسرح الكلاسيكي، والمقاومـة العربية، والسرود القديمـة كالحكايات
الرمزية، وحكايات الطير والحيوان، فمنذ أن جاء الإنسان إلى الحياة كان الطفل يقفز
ويضرب، يعمل ويغني، ويتحدث ويخترع، ويحكي في الوقت نفسه، وتجذب الجدّة أحفاها
بالحكي، وترهبهم بالأسطورة، ويلقي الإنسان آخر، بعيداً عن شواغل الحياة والعيش،
فيملآن فراغهما بسمر تلعب فيه الحكاية دوراً ملحوظاً، أو خرافة تمثل خوارق
الطبيعة، أو مجوناً يدغدغ عواطف السامع، أو سخرية تثير الضحك، أو مركباً للوعظ
والتربية.
وحينما
جاء الإسلام كانت كلمة (القص) قد اكتسبت معناها المألوف، وذلك حينما استخدمها
القرآن في معناها الأول من قص الأثر أي تتبع المسار كما جاء على لسان أم موسى
لأخته أن تتتبع مساره، وذلك في الله تعالى : "وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ
وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ"[15] ، ومن ثم
في معناها الثاني برصد الأحداث كما جاء في قول الله تعالى فيما كان بين شعيب نبي
الله وموسى كليمه : " فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ"[16] ، ليدرك
القرآن الكريم دور القصة في إثارة الوجدان، وتحريك العواطف، وجذب انتباه القارئ
والسامع، فجعلها إحدى وسائله في تحقيق غاياته، من إثبات الوحي، وتأكيد الرسالة
السماوية الخاتمة، وتأصيل الدعوة الإسلامية، دون أن تأتي عملاً فنياً مستقلاً، بل
خضعت لغايات هدف إليها الكتاب الحكيم، فجاءت ألواناً في صورة:
· التاريخية : كالتي
تدول حول شخصيات ماضوية من الأنبياء والمرسلين.
· أو
التمثيليـة : كالتي يقصـد بها البيان والإيضاح، أو الشـرح والتفسير نحـو
قول الله تعالـى : " يَوْمَ نَقُـولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُـولُ هَـلْ مِنْ مَزِيدٍ"[17] فليـس
المراد أن الله تعالـى – كما ذهب الإمام محمد عبده[18] –
يستفهم منها وهي تجاوبه، وإنما هـو تمثيل لسعتها، وكونها لا تضيق بالمجرمين مهما
كثروا.
· أو
الأسطورية : والتي تخالف كلا اللونين السابقين، ذلك أنها ليست أحداثاً
تاريخية واقعية تناولها القرآن ورتبها ترتيباً يحقق الغاية من إيرادها، وليست
قصصاً تمثيلياً أحداثه مفروضة أو متخيلة، وإنما هي قصة بأكملها، وهو اسم ينفر منه
بعض العلماء، وأجازه آخرون، وهو ما نطالعه في قصة "هاروت وماروت" في قول
الله تعالى : " وَاتَّبَعُوا
مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ
وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ
عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ
أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ
فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ
وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ
وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ
اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ
أَنْفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ"[19].
أو
نطالعه في قصة الهبوط التي تلتقي فيها الألوان الثلاثة السابقة .. وذلك في قول
الله تعالى : " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي
الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ
الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ
مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ
عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا
إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ
بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ
لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا
تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ
اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ
الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ
وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ
فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا
فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ
عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)
فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا
يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(38) "[20]
وقصة الهبوط هذه.. هو الأسم الذي اختاره
لها فيلسوف الإسلام المعاصر الشاعر محمد إقبال، وقد رأى أنها قصة رمزية أو قصة
أسطورية[21] .
وليس هذا موضع رصد للمراحل التي قطعها هذا
الفن السردي في تطوره إلى الشكل الذي وصل إليه في القرن التاسع عشر الميلادي الذي
لا تكاد نتجاوزه إل القرن العشرين حتى عم العالم بأسره، واتخذ منه كثيرون قالباً
يصبون فيه خطراتهم، ورؤاهم، وملاحظاتهم، وتلتقي فيه بكل طبقات الكتاب، وبكل ألـوان
المذاهب والاتجاهات التي تعكس روح العصر ومجتمعه، ومختلـف الاهتمامـات والمفاهيم
والعلاقات التي تنوعت، وتقدمت، وتطورت مع تطور هذا الفن تطوراً ملحوظاً في مطلع
هذا القرن " الحادي والعشرين" الذي شهد توهجاً وسمواً فيه" الفن
القصصي" بكل أنماطه.
ولكن يبقى أن نقول : إن القصة القصيرة أصبحت
مع الزمن تحمل صبغة محلية أعمق، تتوجه إلى العمومية، كما يقول الدكتور / محمد
شاهين[22] ، وهذا
معنـاه أنها أصبحت أكثر اعتماداً على البيئة العربية، وأكثر تفاعلاً معها، وأنها
لم تعد انبهاراً بنماذج وافدة[23] . مما
تؤكده مجموعة "الغياب" التي معنـا لكاتبنـا السعودي محمد منصور الشقحاء.
هذه الصورة السردية التي أبدعها بحيوية مبدعة فائقة، ودقة في لغتها التي جاءت ثملة
بالمعاني التي حققت إبداعاً كبيراً كشـف واقعية سرده الذي أفصح كثيراً عن طبيعة
المجتمع السعودي الذي يعيش فيـه الكاتب، مُعبراً – في صدق فني – عن بيئته العربية
التي عايشها على أرض الواقع كما تظهر مسيرة عطائه الإبداعي التي قاربت الأربعين
عاماً.
الشقحاء ..
عطاء إبداعي متواصل :
بتوهج
تبزغ كل صباح شمسه في سماوات الإبداع على أرض جزيرته. يطل عليك بعطائه الإنساني
المتدفق، وثورته الأدبية والفكرية والإصلاحيـة المتأججة، بدأب لا يكل ولا يمل،
وبإبداع يومي متنوع، يواصل الأديب السعودي الكبير محمد منصور الشقحاء الركض في
فضاءات الكلمة المبدعة/ الهادفة/ الملتزمة في مسيرة عطاء إبداعي متواصل إسمترت
قرابة الأربعين تماماً، كاتباً، أديباً، ناقداً، مبدعاً، قاصاً لامعاً. وشخصية
بهذا العطاء، وذلك التميز، وبهذا الحضور والتواجد الحقيقي في رياض الكلمة المبدعة
تدعو أي باحث إلى تتبع حياة صاحبها عبر مراحلها الحياتية، وعطاءاتها، وعلاقاتها
بالآخرين .. إبداعـاً وتغريداً، وتقديراً وتكريماً، ودرساً وبحثاً، وقيادة،
ومشاركة. وكلها محطات بارزة في حياة أديبنا الكبير محمد منصور الشقحاء تتطلب
التوقف عندها ولو من طرف خفي من باب التقدير لقامة أدبية تعد اليوم على رأس القصة
القصيرة في المملكة، والتبجيل من جانب آخر لشخصية أدبية بهذا التفرد ومع ذلك لا
تستشعر منـه غروراً أو كبرياءً أو أنفة أو تعالياً في معاملته مع الآخرين.
فالرجل
– كما شاهدته لأول مرة[24] – صفحة
بيضاء مفتوحة تقرأه بسهولة، يتسلل إلى قلبك من أول إشراقة يهل عليك فيها بوجهه
الصبوح وبشاشته ودماثة خُلقه. وتواضعه الجم في حديثه الحسن مع الآخرين، وسمته
الهادئ الوديـع الصموت. مما يفسر حفاوة هذه الأقلام[25] بهذا
الرجل الرائد الخلوق، وتقليده بتسع قلادات جديدة على هامش ملتقى نادي القصيم
الأدبي الرابع للقصة القصيرة في المملكة العربية. تسع ورقات بحثية ودراسية تغوص في
أعماق إبداع الشقحاء الرائد القصصي كشفت عن أصالته وواقعيته في فنه.
ومع
أن الرجل قد ولد في مدينة الرياض عام 1366هـ الموافق 1943م إلا أنني لم أجد أثناء
بحثي في سيرته الشخصية تسلسلاً حياتياً منتظماً، أو استقراراً مكانياً في حياته.
وأظن أن هذا يرجع إلى تلك المحطات الرئيسة في حياته والتي شكلت وجدانه، وصاغت جل
تجاربه الإبداعية وهي :
· الأولى : تتمثل في
يتمه الذي اقتحم حياته مبكراً، ومن ثم تبدلت حياته وتلونت بألوان الفقر والتقشف
وصنوف المحن والحرمان مما اضطره للتنقل هنا وهناك هائماً في بحار الغربة والشتات
ليتحمل المسئولية في مطلع حياته من عمره ويكفل نفسه.
· الثانية : وهي محطة
في حياته جاءت نتيجة لمرحلة يتمه وفقره ومعاناته، وتمثلت في تعثره العلمي. فقد حال
اليتم والفقر والحرمان دون إكمال مسيرته التعليمية والوصول إلى الجامعة لكنه لم يستسلم
أو يتراجع عن طلب الريادة والوصول إلى غايته. فلم تثنه تلك الظروف القاسية. فواصل
طلب العلم والتعلم ذاتياً وتثقيف نفسه بنفسه دون أن يقرأ على أستاذ له أو يلقنه
شيخ أحد العلوم. بل جاء عصامياً في ثقافته التي اكتسبها بعناء وكد وتلقاها قراءة
وجمعاً من شتات متفرق. فقرأ يوسف إدريس، ونجيب محفوظ، والروائي والقاص السعودي
إبراهيم الناصر، وغادة السمان، وكوليت خوري، وحسن عبدالله القري، وحسن سرحان،
وأحمد عبدالمعطي حجازي وغير ذلك من الأدب المترجم إلى العربية.
يقول الأستاذ الشقحاء في إحدى مقابلاتي معه :
"تشكلت قراءاتي من هذه المجموعة المختارة، وبدأت أقلد أعمالهم الجيدة حتى
وصلت إلى طور الاستقلال والمنهج الذاتي الخاص بي في الكتابة[26] ".
وهو ما يبرز موهبته العلمية في طريقة تثقيف نفسه، ويكشف عن حافظته الناضجة وذاكرته
الحادة التي وعت الكثير من ينابيع الأدب. وهو منهل واسع ورده جعل من الشقحاء
رائداً بارزاً من الرواد الذين شاركوا بإبداعهم في خلق كيان القصة القصيرة
بالمملكة العربية السعودية.
"فلم يمنعه يتمه أو تعثره أو تعيقه ظروف
نشأته القاسية من أن يصل إلى تلك المكانة الرائدة في مجال القصة القصيرة بعد مسيرة
إبداعية بلغت خلالها إصدارته القصصية أثنتي عشرة مجموعة قصصية تتضمن قيماً فنية
ومضمونية ما زالت أرضاً خصبة للنقد والدراسة والبحث[27] .
· الثالثة : محطة
الصراع الذي سكنه منذ مطلع حياته – صراع من أجل وجوده، من أجل أمته من أجل حاضرها
وتراثها ومكانتها الثقافية والمعرفية، بل صراع من أجل إنسانية الإنسان الذي سرى
العفن إلى جذوره، ويبست أوراقه، وتقصفت أغصانه وأصبح فارغاً لا شئ بداخله. وقد
أشار إلى هذا الصراع المحتدم بداخله في مجموعته "المحطة الأخيرة" التي
"يخاطب فيها القراء عن صراع الإنسان ليرى انعكاس صورته في المرآة من خلال
القيم التي فقدت المعنى الأصيل، بحثاً عن فهم جديد لما نحن فيه من تدهور[28] ".
تدهور في القيم وانحدار في الأخلاق!!.
ترى ذلك
الصدى أيضاً في مقالاته التي لم يبرح فيها حلبة الصراع الأدبي الذي يعيشه من أجل
أمته .. من أجل إصلاح ثقافي، وإقرار نظرية إصلاحية ثقافية لبلاده تعني بالرواد ومنتجهم
الفكري الإنساني، وتناهض في الوقت نفسه ثقافـة التخلف .. مما أعلنه في أكثر من
موضع في مقالاته المتعددة، ودعا إليه رفاقه من أصحاب الرأي والفكر والإبداع
الملتزم .. تذكر من ذلك قوله لهم:
"علينا أن نتحدث بصدق ونكون أوفياء مع
الموقف الذي فيه يكون التضامن الجماعي لنجاح الفعل وفق آلية الوعي بأننا مومجودون،
وأن ساحتنا الأدبية ثرية وقائمة على إحساس المبدع بذاته التي هي إحدى مكونات
المجتمع[29]
.."،"... وعلينا أدباء وكتاب الأمة تنمية ذواتنا والتعاون لقيام جمعية
الأدباء والكتاب .. لن تختلف على الأسم إذا شعرنا بواجبنا الوطني وأننا وعاء معرفي
قائم على تراث خالد وتاريخ مجيد معه تم تشكيل المؤسسة الحكومية الفاعلة القائمة
على القانون والنظام الذي معه تأتي المشاركة من خلال مؤسسات المجتمع المدني، وحقنا
الثقافي الضائع كأدباء وكتاب : في الداخل! والمحاصر من الخارج.
فالأدب إبداع منطلق من الذات، والثقافة
قائمة على الفرد الذي هو حراك المجتمع، ومنطلقة يأتي من مؤسسات المجتمع المدني،
ودور الحكومة رقابي مرتبط بالترخيص للتأسيس وحمايتنا من الانزلاق السياسي والتجاوز
الاجتماعي الذي يصل إلى التطرف"[30] . وهو
هنا لم يرغب في منصب، ولم يطمع في قيادة وهو المبدع المسكون بالوجع القومي لأمته
لأنه يعي مكانة أمته في هـذا الوجـود. ".... المملكة العربية السعودية ....
المركز الحضاري المتجدد من خلال الوعي بالمنجز الإنساني وأبعاده الروحية والجسدية
الغنية بالبهاء السماوي في زمن الكلمة الحق[31] . لكن
قصاراه أن ".... يدرك أن من حوله يراقبون فعله كمنتج مؤثر قائم على التجديد
والبناء الراشد يهم المجتمع المدرك لقضاياه وقيمه الكريمة[32] ".
وبعيداً
عن هذه المنظومة التي شكلت شخصية الشقحاء العصامية، وكونت وحدانه، ودفعت به دفعاً
نحو الريادة في فن القصة القصيرة، والعطاء اللا محدود لمجتمعه. نجد تألقه البارز
في نشاط المجتمع المدني إيماناً منه بضرورة الإبداع وأهميته في نهضة الأمم
ومجتمعاتها بوصف الإبداع منتجاً مؤثراً قائماً على التجديد والبناء الراشد بهم
المجتمع المدرك لقضاياه وقيمه.
حيث
ساهم في تأسيس نادي الطائف الأدبي عام 1935هـ - 1975م، وتولى أمانة سر مجلس إدارة
نادي الطائف الأدبي من عام 1395هـ حتى استقال عام 1416هـ. كما شغل عضوية عدد من
الجمعيات ومنها الجمعية العربية السعودية لهواة الطوابع بمكة المكرمة، الجمعية
العربية للثقافة والفنون فرع "الطائف"، ونادي القصة السعودي،
"الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالرياض". كما كان عضواً
شرفياً بنادي جده الثقافي، ونادي مكة المكرمة الأدبي الثقافي، ومثّل نادي الطائف
الأدبي في الاجتماع السنوي برؤساء وممثلي الأندية الأدبية في الاجتماع الأول الذي
عقد في نادي القصيم الأدبي ببريدة عام 1404هـ، وفي الثاني الذي عُقد في الرياض عام
1405هـ، وعدد من اللقاءات، كما شغل الشقحاء عضوية اللجنـة العليا للتنشيط السياحي
بالطائف، وأصدقاء المكتبة العامة بالطائف، وحضر وشارك في العديد من اللقاءات
المنبرية في الأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون والمكتبة العامة.
·
الشقحـاء مبدعـاً :
وإذا
عددنا مؤلفات الأديب القاص محمد منصور الشقحاء وجدنا التنوع المثري عبر مجموعة من
الأعمال الأدبية التي ساهم من خلالها اسهاماً متميزاً في إثراء الحركة الأدبية
والإبداعية في ساحات العمل الإبداعي السعودي، وكانت البداية مع المجموعة القصصية
"البحث عن ابتسامة" والتي أصدرها نادي الطائف الأدبي عام 1396هـ -
1976م، وأعيدت طباعتها في عام 1985م، وفي العام التالي له أصدر النادي أيضاً
للشقحاء ديواناً شعرياً بعنوان "معاناة"، ثم صدر له عن الهيئة المصرية
العامة للكتاب ديوان شعري آخر تحت عنوان "بقايا وجود" في عام 1398هـ -
1978م، وفي نفس العام صدرت مجموعته القصصية "حكاية حب ساذجة" وتوالت
أعماله الإبداعية من القصة القصيرة والتي ستوقف عندها بعد قليل.
كما
أصدر الشقحاء ديواناً شعرياً ثالثاً تحت عنوان "مقاطع من أوراق عاشق"،
ومختارات شعرية أسماها "قصائد من الصحراء". وساهم في إثراء المكتبة
العربية بمجموعة من الكتب والدراسات الأدبية ومنها : نادي الطائف الأدبي مسيرة
وتاريخ، تحفة الطائف في فضائل الحبر بن عباس ووج الطائف لابن فهد، تحقيق وتعليق
ومراجعة بالاشتراك مع الأستاذ محمد سعيد كمال، الشعر (كتاب دوري "1")
بمشاركة الأستاذ علي حسن العبادي، القصة (كتاب دوري "1، 2، 3")، نماذج
من القصص السعودية، مقالات في الأدب (كتاب دوري "1، 2) بمشاركة الأستاذ علي
حسن عبادي، كلمات حتى نصل (مقالات في الأدب والحياة)، أسئلة (مقالات في الأدب
والحياة).
·
الشقحاء على مائدة
النقاد :
وكما
أعطى كاتبنا الشقحاء للإبداع العربي وأخلص له، أعطاء الدرس الأدبي والنقدي العديد
من الدراسات الأكاديمية وغير الأكاديمية مؤكدة مكانته الرائدة على خارطة الإبداع
العربي في المعاصرة لاسيما في مجال القصة القصيرة. حيث صدرت عدة دراسات منها : صوت
في القصة السعودية – محسن يوسف -، دراسة في القصة القصيرة عند محمد الشقحاء –
الدكتور طلعت صبح السيد، السهم والمسمار (دراسة تطبيقية في قصص محمد الشقحاء) –
فؤاد نصر الدين حسين، قراءة في أدب الشقحاء – الدكتور عبدالقادر كراجة، قراءة في
بعض أعمال القاص محمد الشقحاء – إبراهيم بن سلطان، عالم الشقحاء القصصي – الدكتور
محمد الصادق عفيفي وآخرون، متابعات نقدية – مجموعة من الكتاب، إثباتات مشرقة (سيرة
ذاتية وانتقائية في أدب محمد الشقحاء) – محمد سعد الليثي.
كما
اشتملت عدة كتب على دراسات لأعماله ومنها : إصدارات لنادي القصيم الأدبي مثل،
العناصر البيئية في الفن القصصي في المملكة العربية السعودية – الدكتور طلعت صبح
السيد، الاتجاهات الفنية للقصة القصيرة في المملكة العربية السعودية – الدكتور
مسعد بن عيد العطوي، القصة بين التراث والمعاصرة – الدكتور طه عمران وادي.
بالإضافة
إلى عدد آخر من الكتب التي تناولت أعماله مثل : كاتب وكتاب – حمد الزيد، وقفات مع
بعض القاصين – الدكتور محمد بن سعد بن حسين، الأدب الحديث – الدكتور محمد بن سعد
بن حسين، أصوات سعودية في القصة القصيرة – أحمد فضل شبلول، القصة القصيرة في
المملكة العربية السعودية بين الرومانسية والواقعية – الدكتور مسعد بن عيد العطوي،
البناء القصصي في القصة السعودية المعاصرة – الدكتور نصر محمد عباس، القصة القصيرة
في المملكة العربية السعودية – الدكتور صالح محمد الشنطي، جماليات القصة القصيرة –
الدكتور حسين علي محمد، الطفولة وعالم الراشدين في القصة القصيرة في المملكة
العربية السعودية – الدكتور محمد محمد بن سليمان القويفلي، القصة السعودية
المعاصرة – اختيار وتقديم الدكتور طه وادي، القصة القصيرة في كتاب الدارسين العرب –
أميرة على الزهراني، معجم الأدباء والكتاب (الموسوعة الثقافية الشاملة للمملكة
العربية السعودية)، دليل الكتاب والكاتبات، موسوعة الأدباء والكتاب السعوديين
(خلال مئة عام من 1319هـ/1419هـ - إعداد أحمد سعيد بن سالم)، ودليل الأدباء
والكُتاب في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وموسوعة الأدب العربي السعودي
الحديث (نصوص مختارة ودراسات)، انطولوجيا الأدب السعودي الجديد (مختارات) –
عبدالناصر مجلي، قراءات ودراسات أدبية منشورة – سليمان الأفلس ملفي الشراري،
حواراتي مع الأدباء السعوديين – صالح خيري، الراصد (ببليوجرافيا) خالد أحمد يوسف،
من أدباء الطائف المعاصرين – إعداد علي خضران القرني، الكتاب السعودي خارج الحدود –
الدكتور أمين سليمان سيدو – الببليوجرافية الوطنية السعودية.
الشقحاء ... المُكرّم :
والشقحاء
بكفاحه الثقافي ومسيرته في العطاء والتدفق الأدبي لم يغب عن منصات التكريم
والتقديم وهو من الرواد الذين أثروا المشهد الثقافي بالمملكة العربية السعودية
بإبداع متنوع متفرد، فحصل على مجموعة من شهادات التقدير والدروع تقديراً لدوره
الريادي في إثراء الحياة الأدبية ببلده، حيث نال شهادة تقدير من صاحب السمو الملكي
الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض، كما حصل على عدد من الدروع وشهادات
التقدير من اللجنة العليا للتنشيط السياحي بالطائف (من عام 1410هـ إلى عام
1420هـ)، منحته مؤسسة رعاية الأطفال المشلولين بالرياض درعاً وشهادة تقدير، كما
أهدته الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالطائف ونادي الطائف الأدبي
مجموعة من الدروع وشهادات التقدير، وتم تكريمه في إثنينية الشيخ عبدالمقصود خوجة
في جده[33] ، وكرّمه
نادي القصيم الأدبي خلال ملتقاه عن "القصة القصيرة والقصيرة جداً"
المنعقد في الفترة من 5-11 ذي القعدة سنة 1429هـ بمدينة بريدة. وهو في رأيي الشخصي
أسمى تكريم وتقدير قُدّم لكاتبنا الشقحاء بوصفه مبدعاً ورائداً من رواد القصة
القصيرة في بلاده. فتكريم الأديب لا يكون بالدروع أو الشهادات أو القلادات وحسب،
بل تكريمه الحقيقي يكون بمكانته كمبدع في الدرس النقدي والبحث الأكاديمي العلمي،
والتفاف النقاد والدارسين والباحثين حول إبداعه، وإقبال عشاق الإبداع العربي من
محبي الأدب حول أعماله. (درجة القبول عند الآخرين/ المتلقي).
وأرى
أن ما قدم حوله من دراسات سبق الحديث عنها يعد تكريماً لا يساويه ولا يعدله أي
تكريم آخر رسمي، فالرجل لا يتطلع رسمياً إلا "لإدراك أن من حوله يراقبون فعله
كمنتج مؤثر قائم على التجديد والبناء الراشد يهم المجتمع المدرك لقضاياه وقيمه
الكريمة[34] "،
مما التزمه جيداً في مجموعته القصصية التي معنا "الغياب"، وكشف عن
أبعاده المتباينة فنياً.
·
و "الغياب" :
هي
المجموعة القصصية الثانية عشرة من عطاء الأديب السعودي الكبير محمد منصور الشقحاء،
والتي صدرت عن سلسلة أصوات معاصرة[35] في
عددها الخامس والأربعين بعد المائة في مايو عام 2005م، ومن قبل صدرت له مجموعات :
البحث
عن ابتسامة عام 1396م – 1976م، حكاية حب ساذجة عام 1399هـ - 1978م، مساء يوم في
آذار عام 1401هـ - 1981م، انتظار الرحلة الملغاة عام 1403هـ - 1983م، الزهور
الصفراء عام 1404هـ - 1984م، قالت إنها قادمة عام 1407هـ - 1987م، الغريب عام
1408هـ - 1988م، الانحدار عام 1413هـ - 1993م، الرجل الذي مات، وهو ينتظر عام
1415هـ - 1994م، الطيب عام 1418هـ - 1997م، الحملة عام 1423هـ - 2002م. ومن ثم
يتضح لنا أن مسيرة كاتبنا القصصية جاءت متصلة لم تتوقف طوال الثلاثين عاماً الماضية.
وقد
حرص أديبنا الشقحاء كعادته بأسلوبه الشيق على أن يقدم لنا من خلال
"الغياب" سرداً جميلاً، منطلقاً من فضاء مدينته الأثيرة (الطائف)
غالباً، ومن مدينته التي يقيم فيها الآن الرياض[36]. كاشفاً
عن عوالم حميمة، يكاد يتقاطع من خلالها صوت السيرة (سيرة أبطاله المطاردين) مع
الشعرية الشفيفة التي يقدمها في جمل قصيرة، تحمل تاريخ أبطاله، وطموحاتهم الصغيرة
وانكساراتهم المروعة[37]"
مما يؤكد أننا أمام مجموعة قصصية تكشف عن خبرة صاحبها الطويلة بذلك الفن السردي
المحكم.. فن القصة القصيرة الذي أخلص له، واعطاه الكثير من حياته الإبداعية، وهيأ
له الطريق الصحيح، والمناخ المناسب ليكون وجهاً من وجوه الإبداع السعودي البارز في
المعاصرة، وأحد أهم من كتب القصة القصيرة في المملكة.
كما
تؤكد هذه المجموعة في الوقت ذاته أنها لكاتب رائد من الرواد الذين قدموا لبلدهم –
العربية السعودية – ومحبي العربية وآدابها الكثير والكثير من الإبداع الإنساني
الأخلاقي الملتزم، بل لكاتب متمرس على خوض غمار هذا الفن الأدبي الرفيع، حيث يمتلك
أدواته الفنية، ويحكم قبضته عليها. ومن ثم جاء بصيراً بمعالمه الفنية، جرئياً في
اقتحام ميادينه، وصوغ مواضيعه ومضامينه. تلك التي تحتاج دائماً إلى التجديد في
الشكل والرؤى، وطريقة التناول السردي. وهو ما سعى إليه كاتبنا محمد منصور الشقحاء
في مجموعته التي بين أيدينا، والتي أسماها "الغياب" ليعلن من أول وهلة
عن حقيقة بوحه الإبداعي الذي أراه وقد تمركز في بؤرة فنية واحدة، لكنه سرعان ما
يتماوج في جوهر البناء الفني العام للمجموعة بأكملها كما يتضح من السطور التالية
التي تتوقف عند معالم سرده بتحولاته وخطابه المتنوع.
·
معالم السرد القصصي في
"الغياب"
- 1 -
قص
"الغياب" سرد فني يكشف ويحلل ويرصد ويرسم بوضوح وصدق ملامح شخصيات وأحداث
وأمكنة ومدن ودروب وأحياء وقصور في المملكة، من خلال عين أديب كاتب ناقد واع، يسرد
كل هذه الرؤى سرداً سلساً واضحاً عبر مشاهد ثقافية واجتماعية وإنسانية وذاتية
وأحياناً سياسية في بناء قصصي جمالي معبر عن واقع ممتع ومشوق في سبكه الأسلوبي
الذي يجعلنا نقبل عليه ونستعد به حتى في أكثر المواضع والأحداث بؤساً وألماً
وسواداً وعتمة. ولا عجب في ذلك "فالقصة مورد عذب يتزاحم عليه ورده القارئون
من مختلف المستويات، فلا تكاد قصة تنشر حتى يتلقفها القراء، ويقبلون على قراءتها،
لما فيها من متعة ولذة فنية. فالتشويق، والإثارة، والسهولة في العرض والوضوع في المعنى
والقصد عناصر تمتاز بها القصة[38].
ناهيك
عن براعة الكاتب وقدراته الخاصة التي تميز بناءه الفني وهو ما يظهر في خصوصية لغته
وأسلوبه، ومعاملته الفنية مع موضوعاته وأحداثه وشخوصه وأبطاله، وأمكنته وعناوينه،
ومنهجه وطريقته في السرد، وتنوع أدواته التي يستخدمها في حكيه. ومن قبل ومن بعد
موهبة الكاتب القصصية التي تكشف عن ثقافته أولاً، ثم عمق رؤيته القصصية، وتبرز في
الوقت نفسه عطاءه في هذا الجانب الإبداعي، ومدى استبطانه وتجديده فيه، مما تقف
الدراسة عليه تحليلاً ومناقشة ونقداً تطبيقاً على مجموعة الشقحاء التي معنا عبر المحاور
التالية : التي عنونتها رقمياً أملاً في أن تبوح بأسرار جديدة ورؤى أخرى في هذا
السرد للقارئ الكريم.
"ويخطئ
مـن يظن أن القصة تسلية وتزجيه فراغ، لأن القصة ذات موضوع يعني القاص بعرضه
ومعالجته، وذات قصد سام يهدف إلى تربية
ذوق المجتمع، فالقصة تعالج قضية اجتماعية أو مشكلة نفسية أو غيرهما من القضايا
التي عاشها القاص أو رآها فانفعل بها، فاتخذها موضوعاً لقصته[39] . وهو
ما أشار إليه أحد النقاد[40] من أن
كل كاتب في الوجود يضفي شيئاً من شخصيته ولون روحه ومشاعره على ما يكتب. ومن ثم
فإن قوة إقناع الكاتب وآرائه ونبل تصوراته تنبعث مرة أخرى في صورة من التعبير
طبيعية، لتأتي ذاتية الكاتب في مثل هذه الطريقة الأسلوبية ملونة بألوان نابضة تبرز
حقيقة نقدية تقول إن الأسلوب هو الرجل مقابلة لحقيقة أخرى تثبت أن الأسلوب هو
الفكرة.
وإذا
كانت المقاربة النقدية السابقة التي تقول : إن كل كاتب في الوجود يضفي شيئاً من
شخصيته ولون روحه ومشاعره على ما يكتب، فإن ما استشعرته من جملة سرد الشقحاء في
هذه المجموعة .. من أنه الكتاب الذين خرجوا إلى عالم الوجود / عالم الكلمة المبدعة
من عباءة مجتمعاتهم، أو ممن خرجوا من رحمه، فسكنوه ، وعانوا معاناته وأوجاعه
وحملوا عن كاهله قضاياه وآلامه – تقترب كثيراً من الصواب والجدة.
ك
أن القارئ لمجموعة "الغياب" يشعر بأن الشقحاء يعيشه، يعيش معه همه
وألمه، وطفولته ويتمه – إن كان يتيماً، وأحلامه وآماله ، ورحلته في الحياة بحلوها
ومرها، بما فيها من تعثر ووثوب، حتى الموضوعات التي يلتقطها من محيطه المعيش ..
موضوعات نعيشها ونحياها , ألفناها في حياتنا ، موضوعات ، ثيمات ، متميزة ، معلومة.
كالهم الإنساني ، الوطن/ الأم، الطبقات الأرستقراطية وسكان القصور ، صراع الخير
والشر ، الأب ، الأم ، الزوجة ، الأبناء ، الجار ، المثقف العربي وتقلباته ، المحن
، الهجرة ، أزمة القيم ، العون ، الخدم ، الرهان ، الهزيمة ، المرض ، التفكك
الأسري ... الخ.
وهنا
أستطيع القول بأن الذات هي محور الفكرة والبناء الفني في هذه المجموعة، وهذه الذات
تتحدث عن نفسها تارة .. "طفولتي كانت في مدرسة دار الأيتام ..[41]"
"لا أدري متى كان مولدي، وأين ، ولمن انتمي؟ تواردت هذه الخواطر وأنا أقف خلف
المنبر حتى أقوم بإلقاء قصيدة شعر كتبتها للمسابقة الأدبية [42]".
وتارة تتحول هذه الذات إلى شخصية بطولية ترى الواقع والشخصيات المحيطة بها التي
لها تاريخ وواقع، وتنمو ، وتنضج وتتألم وتتعذب، أو تموت أو تنتحر كالبطل
"إيلاف"[43] الذي
عاش في واقع أليم بائس ، وجو أسري فقد فيه الهدوء والحنان .. فتتلبس ذاته كل هذا
الواقع، وسرعان ما تحياه لكن في لغة السرد التي عبرت عن مكنون نفسه ودواخله ،
وأوصلته لنا بوصفها وسيلة تعبير ، وفي الوقت نفسه تكشف الطبيعة الإنسانية أو
الاجتماعية أو الثقافية أو العدوانية أو ... أو ... للشخصيات. فمعلوم "أن
التعبير في القصة – مهما اختلفت مناهج ناقديها – يتمثل في اختفاء كاتب القصة خلف
شخصياته ومحاولة استنطاقهم مع مراعاة اختلاف مستويات كل منهم وإدراكه، وربط
التعبير بالموقف الدال عليه [44]".
وسبر
أغوار المجتمع السعودي واكتشاف واقعه وتعريته يعد خصوصية يتميز بها سرد كاتبنا
محمد منصور الشقحاء. فالرجل يقول كل شئ، ولا يستحي من ذكر شئ فيه مصلحة مجتمعه،
فلم يخف شيئاً لا في الحدث ، ولا في مشاعره ومخاوفه وتأملاته وخلواته، وهي جرأة إن
دلت على شئ فإنما تدل على وطنية هذا الكاتب ومدى إخلاصه وحبه لمجتمعه الذي يتمنى
له كل جميل، وكل فضيلة، وكل نهضة، وكل عدل اجتماعي !! رغم هذه المكاشفة التي لا
يملكها سوى القليل من كتاب العربية السعودية اليوم..
فهو
يتحدث بجرأة عن ذلك الرجل صاحب القصر في قصته "اللقاء"[45] بكل
وضوح وشفافية دون خوف أو رعب أو تململ في السرد. فيصف كيف يشارك الجميع في حب
الخشوم التي نطالعها كل يوم ويوقفنا على هذا المشهد الرسمي حينما وصل إلى بهو
القصر الكبير والأضواء تتوهج من كل جانب، ورجال الشرطة يعجون في كل مكان، وفريق
منهم يحدق في كل قادم بقسوة ناهيك عن أصحاب المهام الخاصة الذين برزوا ف ي هذه
الصورة المرعبة عند ظهور صاحب المقام الرفيع .. صاحب القصر، وجمع يسير من خلفه
بخطوات وئيدة عليلة منحنية وأصطف الحضور في خط للسلام .. عندها ف قد البطل
التركيز، وفقد المقعد، وفقد الطريق إلى صاحبه الذي اصطحبه إلى هذا القصر والذي ما
زال في الصف ينتظر دوره للسلام.
وفي
قصة أخرى له "أبو سعيد"[46] يتحدث
بصراحة ومكاشفة عن الخادمة الجبشية وكيف ملأت عليه البيت بعد إصرار زوجته على
الطلاق، موضحاً كيف تحولت إلى انثى بعد زيارة تماضر شقيقة طليقته له في البيت ..
يقول :-
"تبدل
حال العاملة الحبشية بعد زيارة تماضر، أخذت تعتني بشكلها وتهتم بتوزيع الأثاث داخل
الشقة والحرص على إبراز ذوقها في العناية بالستائر واللوحات الفنية والصور المعلقة
على الجدران، كما قامت بإبدال الكرسي الذي اعتدت التمدد عليه في غرفة الجلوس، وأنا
استسلم لأناملها التي تتلمس ألماً مزمناً في كتفي الأيمن يشتد حتى يصل إلى أسفل
ظهري، وقررت النوم في غرفة الضيوف حتى أجد الإفطار وكأس الحليب.
ذات
ليلة وأنامل العاملة تمارس طقوسها في ملاحقة أوجاع ظهري، رن الهاتف كانت تماضر
تتحدث عن مشروعها الحالم فأخذت أضحك، تجاوز التدليك الأماكن المعتادة تغلغل فسرى
خدر في أعماقي فنملت أطرافي، لا أدري متى نمت وكيف تركت غرفة الجلوس، تلفت حولي ..
غطيت جسدي العاري، باب الغرفة مشرو، صوت العاملة ينساب رخيماً بأغنية تسكن أعماقي،
وجدتها في المطبخ .. بادلتني تحية الصباح، تناولت كأس الحليب والإفطار، وصلت مكتبي
متأخراً"[47].
وإن كنت ترغب في المزيد من صراحة الشقحاء فاقراً له قصص: "الذئبة"[48]،
"رغبة"[49]
و"الرابع"[50] من قصص
هذه المجموعة حيث تكتشف أن تجربته القصصية هنا في "الغياب" تحتاج إلى
انتباهة تقييمية نقدية لما تشكله هذه المجموعة من انعطافه في كتابة القصة القصيرة
في المملكة، خاصة وأنه كاتب يمتلك قدرة متميزة في اللغة – رغم بساطتها – وفي
المفردة وبناء الجملة التي ارتقت بالحدث عنده وبشخوصه من الذين أعطى الكاتب نفسه
لهم وعاش بداخلهم وكتب عنهم بهذا الصدق الواقعي، وبهذه الصراحة المفرطة التي كشف
العنوان عنده عن الكثير منها.
- 2 -
فالعنوان عند كاتبنا
الشقحاء يمثل مرتكزاً دلالياً يدركه القارئ المتذوق للمفردة العربية، وذلك حينما
يكتشف اكتنازه – أي العنوان – للكثير من الإحالات والدلالات والرؤى التي تشكل في
مجملها مرجعية إبداعية .. (ثقافية أولاً، ونفسية، واجتماعية، وذاتية، وسياسية) كلها
مكثفة ومكتنزة في عنوان رئيس، والإبغال في فهم دلالاته يحتاج إلى أكثر من قراءة
واعية !!
وهو
ما يضع أيدينا على سر الإبداع السردي عند الشقحاء، والذي يكمن في لغته التي نجح
إلى حد كبير في تطويع مفرداتها لتعبر عن فكرته، ونظرته الإبداعية، ورؤاه الثقافية
والنفسية والاجتماعية والذاتية والتأملية والسياسية من خلال سرده في هذه المجموعة
بداية من عنوانها الأول/ الرئيس "الغياب" وهو عنوان لإحدى قصص هذه
المجموعة وقد جعله عنواناً لها كلها. وهذا ديدن أكثر المبدعين في المعاصرة شعراً
ونثراً.
وعليه فإن العنوان
الرئيس/ الغياب – انطلاقاً مما سبق – أراه ممثلاً للعتبات الأولى لنصوص المجموعة
كما يتضح أكثر بعد قليل، وإن شئت قلت: إنه يمثل المرجعية التي تتضمن أنماطاً من
الرموز والدلالات والإحالات المكتنزة في فحواها، وتنطلق الرؤى الفردية منها، ومنها
تعرف ويستدل عليها..
إذ إن العنوان كما تثبت
المعاجم اللغوية هو : "ما يستدل به على غيره[51]. كما أن
الفكر المعاصر حينما وقف أمامه كمصطلح جعل "العنونة جزءاً من الإبداع في
النثر والشعر[52]
بل إن النقد الحديث وجه جزءاً من عنايته واهتمامه إلى هذه العنونة، حيث أكد أحد
النقاد المعاصرين أن "العنوان لا يكتب اعتباطاً أو مصادفة، وإنما يختاره
المبدع بعد تأمل لأعماق تجربته، بحيث يأتي العنوان دالاً يوضوح على ما يريد
استثارته لدى القارئ[53]. لاسيما
وأن العنوان "هو الذي يقدم للقارئ الرؤية الأولى لعالم النص وتجلياته، ويرمز
إلى المفتاح المفضي إلى فهمه، وإدراك نفسية قائلة[54]، وتوجهه
الإبداعي وطبيعة هويته. ومن ثم يحدث التفاعل بينه وبين متلقيه ويصل إلى غايته،
وتتم رسالته عبر فلسفة ذلك العنوان الذي ينبغي الإيمان بأهميته وضرورته للنص
المتوهج الفاعل، مما يحمل قضية أو رسالة أو غاية. من هنا كان "العنوان الذي
ينبثق من النص ويدل عليه، أو على بعض ما فيه ، دون إغماض أن تعمية مطبقة، هو
الأقدر على احداث الأثر الفني ما توافرت فيه مظاهر الإبداع [55].
ولو اقتربنا قليلاً من
معالم السرد القصصي في هذه المجموعة التي بين أيدينا لنستجلي حقيقة التنظير السابق
لوجدنا أن هذه المجموعة "الغياب" لكاتبنا الشقحاء تثير – بداية من
عنوانها – حديثاً ذا شجون، أفرز لنا رؤيته للواقع الذي يحياه، وخبر أنساقه وقيمه
جيداً ليقدم حالته النفسية عبر هذا الواقع، وليقدم دليلاً إبداعياً يؤكد إنابة
العنوان عن النص/ الحكاية وإن شئت الدقة قلت : إنابة العنوان عن النص/ الحكاية في
كثير من الإحالات والدلالات خاصة إذا آمنا بأن النص لا يتكامل إلا إذا شكل عنونته.
وأيقنا بأن "فاتحة النصوص لها دور كبير في فهم بنية النص الأدبي، وبأن
العنوان هو أحد مفاتيح النص الرئيسية، فالكاتب يختار العنوان ليكون أول شئ يصادفه
القارئ، وهي مصادفة ليست مجانية وإنما هي عملية تساهم في إنتاج دلالة النص[56]. حيث
نرى "الغياب" الذي أختاره الشقحاء عنواناً لمجموعته التي معنا – يلعب
دوراً رئيساً في كل ما يعانيه الكاتب، وكذلك مجتمعه العربي – القومي والمحلي على
السواء. وذلك من حياة ضبابية، وعابثة، كلها تمزق وفراق وشتات، ووجوم ، وحصار ،
وقهر وقتل، وتشريد، وضياع، وخيانة، وسجن، وأغلال ويتم، ومسكنة .. وكثير مما نطالعه
في وجوه أبطاله المغيبين بملامحهم المتباينة، بعيداً عن الحضور/ الفضيلة/ الأخلاق/
السعادة..
إذ يبتدى وهج
"الغياب" أمام أعيننا ونحن نطالع حكيه الإنساني، حيث يمتد "الغياب"
عبر الإطار السردي لقصص المجموعة ليمثل تكنيكاً فنياً في جوهر البناء الفني لأغلب
قصصة التي كشفت عن بوح ذاتي، وهو الذي "لم يكتب قصصه إلا تنفيساً عن وجدانه
وأمتاعاً لنفسه"[57] في أغلب
كتاباته -، سرعان ما يتعدد ويتنوع ويتشكل هذا البوح الذاتي تشكيلاً فنياً في صورة
مشاهد سردية لم تغفل المجتمع أو تبتعد عن قضاياه وهمومه، أو تتسلخ عن الحياة،
وتنعزل عن الإنسانية في تشكيلها الفني على نحو ما نرى في قصته "العطر".
وقد ساعد كابتنا على
هذا المنحى الفني مكانة القصة بين الأجناس الأدبية من حيث خضوعها للتقاليد الفنية
والقواعد المذهبية. ذلك أنها تأتي "أقل الأجناس الأدبية خضوعاً لهذه
التقاليد، وتلك القواعد المذهبية. وقد ساعدها ذلك على التعبير الحر عن مضامين
الحياة والإنسان، وعن إقاع عصرها بلا قصور"[58]. وهو
الإطار الفني الذي وضع فيه الشقحاء قصه، وانغمس في قوالبه، وأخلص له إخلاصاً لا حدود
له لإثراء فن القصة القصيرة "التي أدرك أنها هي الوسيلة الوحيدة التي توافق
طبعه ومزاجه .. فأصبحت شغله الشاغل، تسيطر عليه، مبتكراً مدارس لا يبدع إلا فيها،
ولا يرقب إلاها .. وهو حينما يتحدث عنها يتحدث حديث العاشق لها، المغرم بهواها،
الذي يكن لها في قلبه كل حبه واحترامه، ويناضل ويكافح من أجل إعلاء صوتها، وتثبيت
أقدامها في عالمه الثقافي المحيط به .. يبتكر في موضوعاتها .. ويحدد في مضامينها،
ويشكل في قوالبها. وقد لمس ذلك كثير من معاصريه، وبدأ ذلك واضحاً فيما كتبته جريدة
الشرق الأوسط في تعليقها على ظهور إحدى مجموعاته القصصية[59]، حيث
تقول : "إنه أستطاع أن يحقق تطويراً كبيراً في العرض القصصي وبأسلوب مميز[60]، كشف عن
فلسفته القصصية في اعتماده على الواقعية التحليلية، وانطلاقه بقصة من الحياة
السعودية التي كانت سر تعلق الكثير من القراء بفنه، ومستهدف النقاد لمهاجمته ونقده[61].
والقارئ
لمجموعة الشقحاء التي معنا "الغياب" بعناوينها: "اللقاء"
القنبرة، الغياب، السجـن، العطر، أبو سعيد، الذئبة، العون، الخادمة، رغبة، الرابع،
الرهان، اليماني، إيلاف[62]، يـرى
موهبته القصصيـة وهي تتوهج عبر الأربع عشرة قصة بعناوينها ومضامينها معاً. ولا شك
أن السر وراء هذا التوهج ينحصر في احتفائـه بواقعه، وتعاطفه معه وإن صب عليه جام
نقده بالتحليل والتشريح والمكاشفة كما رأينا في قصته "اللقاء"[63] وقصته
الرمزية "القنبرة"[64] رغبة في
إعادة صياغته/ بنائه/ تشكيله من جديد غبر قيم فكرية وثقافية واجتماعية يؤمن بها
الشقحاء ويتطلع إلى أن تسرد مجتمعه الجديد الناهض المتقدم.
وأرى
أن ما سبق لم يكن هو سر توهج موهبته الشقحاء القصصية وحسب، بل يأتي من هذا
"الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تشهده المملكة اليوم، وتلك النهضة في
العديد من المجالات مما أتاح للأدباء مجالاً خصباً للإبداع، وازدهار التعليم وتعدد
قنواته خاصة التعليم العالي الذي وصل إلى ما يقرب من 18 جامعة حكومية، فضلاً عن
الجامعات والكليات الأهلية والمعاهد المتخصصة مما أدى إلى النهوض بالدراسات
الإنسانية بشكل لافت للنظر، وإقامة المؤسسات الثقافية كالأندية الأدبية، وجمعيات
الثقافة والفنون، وصدور العديد من الصحف والدوريات والمجلات .. الأمر الذي أتاح
لكتاب الرواية والقصة التوهج ونشر أعمالهم الأدبية هنا وهناك، وتبنى الأندية
الأدبية والمؤسسات الثقافية الأخرى نشر الإبداع السردي والاهتمام بالرواد، واحتضان
المواهب الروائية والقصصية ورصد الجوائز وإقامة مسابقات الإبداع الروائي والقصصي
وانتشار المنتديات الأدبية الأهلية، وازدهار الدراسات الأكاديمية[65] التي
ساهمت بشكل كبير في إعلاء ورفعة السرد القصصي في المملكة حتى أصبحت القصة سيدة
الألوان الأدبية كما يتردد، بل كانت سبباً رئيساً في توهج المواهب القصصية التي
اهتمت بسردها اهتماماً بالغاً في موضوعاته ومضامينه وقوالبه التي طرأ عليها الكثير
من التجديد والتطوير كما رأينا عن كاتبنا الشقحاء لاسيما في مجموعته الأخيرة التي
اتسمت بالنضج الفني في الطرح والمعالجة الفنية، والحضور الفكري والثقافي وإن أطلق
عليها "الغياب"!.
- 3 -
والشقحاء في هذا
العمل أراه قد سلك منهجاً سردياً كشف عن تميزه، وحضوره الفكري في معالجة قضايا
أمته ومشكلاتها المعاصرة، محاولاً إصلاح العالم الخارجي من جوانب الشخصية السعودية
في صراعها، ونزعاتها الخاصة انطلاقاً من عالمه الوجداني عبر إبداع قصصي وظفه
توظيفاً فنياً ودلالياً وحياتياً ليكون رمزاً لميلاد جديد، وتكوين عصري يكون
بديلاً عن العجز الخلقي الذي ظهر عليه بطله في قصته "رغبة"[66]، وكذلك
في قصته "الرابع"[67].
حيث
يسيطر على جل مجموعته "الغياب" موضوعاً
- في الغالب – يملأ دنيا الفن ويستحوذ على رؤاه السردية، وهو موضوع تخطى
العالم الخارجي للسارد لينطلق من عوالمه الوجدانية التي تعتمد الاستبطان والنظر
إلى الداخل منهجاً وطريقة في السرد.
والشقحاء
بهذا المنهج السردي المتميز يثبت حقيقة أن عالم الإنسان الذي نحياه جميعاً في
عالمنا البشري لا يقتصر على السمع والبصر واللمس والتذوق.. أي: ما نسمعه، ونراه،
ونحسه ونتذوقه. بل إن عالم الإنسان يتحرك في مجال أخصب وأكثر أهمية من هذا المجال
المحسوس، هذا المجال هو باطن النفس الإنسانية ودواخلها الكامنة وخواطرها المضطربة،
ونوازعها، وأمزجتها المتباينة التي كثيراً ما تتجسد في غموض الشخصية والصراع
الأبدي بين واقعها ونوازعها الداخلية، وآمالها وطموحاتها المحيطة التي تدفعها
دفعاً للوقوع في أسرار الاستبطان، وفي قبضة الأحلام..
نرى
ذلك المنهج الفني في سرده من خلال العديد من قصص مجموعته "الغياب" على
نحو ما جاء في قصته "أبو سعيد" التي جاء فيها السرد محكومـاً بالبوح الذاتي عبر إلحاح الـ "أنا"
التي امتزجت بالجماعة/ المجتمع من حوله.. فيقول :-
"أحلم
في يقظتي والمنام أني أمص الحليب من ثدي امرأة سترت وجهها بغطاء أسود شفاف، وأن
أخرى كانت تأخذني إذا شبعت. تذكرت أخى الذي كان بكاؤه بملأ الدار وغرف مدرسة
الأيتام وتسابقنا على الدروس والنجاح، وحرص العاملين في المدرسة على أن تشعر أننا
في يد أمينة ... [68]".
ولوحة
سردية أخرى يعبر فيها عن نهجه القصصي قائلاً "أتذكر أيام اهتمامي بالثقافة
والعمل وزوجتي وأسرتي، وتخليت ابني أسامة والآخر الذي لا أعرف أسمه الآن زارتين حوادث
وصور في منامي ..[69]".
وغيابه في قصته الغياب"، والذي جعله يستبطن وجدانه عله يصل إلى غاية، يقول
فيها": لا أدري متى كان مولدي؟ وأين ؟ ولمن انتمي؟[70].
وهو
دائماً يلح على ذاكرته يستبطن شعوره وذهنه .. كما نرى في قصته "اليماني"
التي قام فيها دور الراوي ولم يتدخل في السرد إلا في النهاية التي كشفت أنه كان
طريح الفراش في مستشفى واستغرق في النوم فألحت الذاكرة عليه ليسرد لنا صورة حلمية
يوظفها الشقحاء/ الراوي الذي يحلم بواقع جديد سواءً في لحظات النوم أو اليقظة ..
فيقول :-
"أسدلت
جفني، استرجع خليطاً من الصور، جار مهووس بأسرته يعيد على مسامعنا في كل لقاء يتم
لجيزان المسجد مقطعاً من تاريخهم المجيد، التفت الجار الذي ألتقى به كل يوم في
المسجد، بعد حديثه في المجلس الأسبوعي.
أنت
يماني ...!
نعم
يماني من بريدة ..!
جدي
من العقيلات .. رفض فتح أبواب السور بدون شروط، وتولى الشيخ الحمد التدريس في
الجامع الكبير، كان يرصد أخبار الأسر، ولما ولى القضاء كان جدي قد غادر المدينة
مخلفاً زوجاته الثلاث وابنه البكر، الزوجات الثلاث لجأن لأسرهن في الجنوب، والابن
البكر ترك زوجته ورحل. تولى الشيخ الحمد أمر المزارع والبيوت التي هاجر أهلها ..[71] الخ، مترجماً
بهذا السرد الذي يستدعي فيه الماضي عن ذلك الاغتراب الزماني الذي يعانيه في عصره،
وهو ما يكشف عن غربته المكانية في الوقت ذاته.
ويستمر
الكاتب/ السارد/ الراوي في حكيه المحكم مستبطنا عوالم نفسه التي تتطلع – من وراء
هذا الحكي – إلى رؤى ومضامين جديدة أشار إليها في هذا المشهد السردي الذي أنهى به
قصة اليماني حيث يقول :
"فتحت
عيني الممرضة. تقوم بجس نبضي، صوت ابني في الممر يناقش حالتي الصحية، قالت الممرضة
:
-
بابا .. أنت (كويس).
-
سرت ابتسامة على وجهي،
همست : حتى الآن الأمور طيبة[72].
فأنت
تلاحظ الجملة السردية: بابا .. أنت كويس، تجدها نابضة بالبشري والطمأنينة. وهي في
الوقت ذاته أراها قد ترجمت عن الخلاص الذي يسعى إليه الراوي/ الكاتب حينما أسدل
جفنه ليسترجع هذا الخليط السابق من الصور لجاره المهووس !!! اليمني !!!.
كما
الابتسامة ميلاد جديد للواقع الذي يستحضر صوره الحياتية من الزمن الماضي، ووظفها
توظيفاً فنياً في زمن الحضور ليعبر عن واقعه المتخيل في خطوط سرده الذي معنا.
وهنا
نجد صدق ما ذكر "ريبو" في كتابه "التخيل الإبداعي[73] "
على نحو ما يركزه "سارتر" في كتابه (التخيل) من أن الصورة التخيلية تجمع
بين الموضوع الخارجي والداخلي بما في ذلك من: انتقاء، وعلل شعورية، وأسباب ذهنية
لتصل إلى ثلاثة عوامل للارتباط الإبداعي ممثلة في:
العامل الذهني، والعامل
الشعوري، والعامل اللاوعي، وهذا هو ما يحدد معنى الاستبطان في التجربة القصصية،
وهو ما يقود خطوات كاتبها قيادة فنية تحول دون انحدار التجربة القصصية في مهاوي
الألغاز والغموض، أو السطحية، أو السذاجة[74]. فيعبر
بحالة فنية واعية وبصورة مكثفة مركزة تحتفي بالخيال أيضاً، وتخبر عن إبداع أعاد
صياغة الواقع بهذه الصورة التي سرعان ما تأخذ بفكر المتلقي وذوقه نحو الرقي
الإبداعي، وتجعله يعايش شخوصها ويتعرف عليهم في حياتهم الخاصة والعامة. تلك الحياة
التي التقى معها المتلقي أو القارئ وجدانياً وشعورياً وحياتياً بعد أن احسها
وتفاعل معها مما يثبت حقيقة أن القصة اليوم في بلادنا أصبحت خير متحدث رسمي عن
الأمة العربية، ويؤكد من جانب آخر وظيفة الأديب الحقيقية والتي صادفها الشقحاء
بأدبه إلى حد كبير.
"فوظيفة الأديب في
سبر أغوار نفسه، وحل عقدها وهو يكتب، ويتعمق الأديب في نفسه يصبح أقرب إلى نفوس
غيره. وبذلك يساهم في التقريب بين مشاعر البشر أكثر مما يمكن أن تفعله الخطب. من
هنا كان القول: بأن الفنان لا يلتزم بفكرة أو برأي وإنما يلتزم بهذا النفاذ النفسي
الذي يجد فيه غيره صحة لنفوسهم .. وذلك حين يؤدي الفنان تجربته الإبداعية فيلتقطها
غيره ممن هم على نفس الموجه، ويكتشفون جانباً من نفوسهم بنوع من البداهة حين
يعيشون مع الفنان تجربته[75].
وقد أشرت إلى هذا فيما
سبق، من أن الشقحاء قد عرف عنه أنه لم يكتب قصصه إلا من باب المؤانسة والإمتاع، أي
تنفيساً عن كوامته وإمتاعاً لذاته انطلاقاً من واقعه الذي يحياه، وبيئته التي
يعايشها إيماناً منه" بأن الفن كله يبدأ من الحياة، وهل يمكن أن يبدأ إلا
منها[76].
- 4 -
والمتتبع لتحولات
الشخصية الرئيسة في مجموعة "الغياب" يدرك أن الشقحاء قد انطلق بفنه كلية
من الحياة ويستبين له حرصه الشديد على تصوير الصراع المستمر للشخصية الإنسانية في
واقعها فنراه يستعرض الشخصيات القصصية استعراضاً يكاد يحول القصة إلى سيرة حياة،
تستعرض كل جوانب الشخصية، وتقدم كل المعلومات المتصلة بها، ولعل هذا هو السبب الذي
دفع الكاتب إلى أن يتجه في قصه اتجاهات نفسية تعني أول ما تعني باستعراض باطن
الشخصية، وكل ما يتصل بميولها من استعدادات ونزعات[77] .. وعبر
هذا المسار في عمق الحياة وشخوصه في عوالمها المتباينة والمتفاوتة تبلورت شيئاً
فشيئاً رؤية كاتبنا الشقحاء الخاصة للكون والوجود من حوله وفي توحده وانصهاره في
تجاربه التي معنا بأبطاله في تجاربهم التي صورها تصويراً فنياً يحمل الكثير من
الدلالات العديدة التي أبرزت حقيقة نقده الاجتماعي. وتنوع الصراع الدرامي في هذا
العمل الفني الصادق، ورسمت عوالم شخصياته.
بطل مثقف، صاحب رسالة،
ورجل مبادئ .. منفتح على العديد من التجارب الإنسانية، يسعى دائماً لخلق قيم باقية
من خلال الكلمة/ الرسالة، تبحث في الحقيقة عن مشاركة أصيلة في الحياة. لأنه رجل
شريف وكريم، وعطوف، وسخي وذكي ويتصرف بلباقة ونبل مع شخصيات لا يحكم تصرفها سوى
الخداع والانحلال والتصنع، والكيد ، والظلم، ومع كل هذا لا يلقى جائزة إنسانية إلا
أن يقبض عليه ليسجن في القصتين.
ربما كان السجن في قصته
"العطر" من أجل رسالته/ الكلمة مباشرةً، أما في الثانية فتشتد فيها حدة
الصراع الدرامي ما بين عتبات القصة في بدايتها مروراً بسجنه ثم هذه الانفراجة في
نهايتها كما سيأتي. ففي هذه القصة "السجن" يظلم البطل ظلماً بيناً دون
ذنب قد اقترفه إلا أنه قدم المعروف لأحد المثقفين المزيفين أو الوصوليين، بأن
اصطحبه بسيارته إلى الفندق عقب ختام إحدى الليالي الثقافية التي تعشقها فارسنا
النبيل. وكان ضحيته بعد أن ترك حقيبة له في سيارته زجت به في غياهب السجن مدة عشر
سنوات. فصل في مطلعها من وظيفته كمعلم للغة الانجليزية، ثم أناه خبر وفاة أمه،
وبعده طلبت زوجته الطلاق بعد وضعها الابن الثاني له، ثم حرم أبوه على أخوانه ذكر اسمه
في الدار. وكانت الفاجعة بزواج زوجه من شقيقه الأكبر. واختفاء أخبار أسرته.
ويستمر كاتبنا في إدارة
حلبة الصراع الدائم التي يمور فيا بطله .. حيث يخرج من السجن في نهاية العام
الثامن لحسن أخلاقه ورجولته في محبسه، لتبدأ مرحلة جديدة في صراعه مع الحياة من
أجل الحياة/ الوجود. فيبحث عن أسرته بعد زواجه من الزوجة الثانية لإمام المسجد
الضرير – الذي ساعده في الارتباط بها وكانت نعم الزوج – والتي لم تنجب بعد من
الشيخ. وسرعان ما يتقابل مع أسرته ولكن في ظروف ميلودرامية، حيث تجتمع الفرحة ..
فرحة اللقاء مع ألم الفراق .. فراق الأب والذي تعرف عليه مصادفة وهو يفتش عنه
وباقي الأسرة من خلال مجلس العزاء الذي سرعان ما علم أنه لوالده. فيستبد الحزن
والألم به مرة ثانية.
ولأنه البطل المطارد ..
بالأحزان والمحن والقهر إذ به يلتقي مع ماضيه في الحاضر وجهاً لوجه / إنه الكاتب
الذي بسببه زج في السجن / إنه الصوت الزائف الحاضر لكثير من مثقفينا، وإن شئت
الدقة في التعبير قلت : إنه الصوت الزائف الحاضر لكثير من مدعينا: إنها المواجهة
الحقيقية التي لابد أن تسود بين الصوتين .. الصوت الزائف من أصوات ثقافية مزيفة،
أنتشرت هنا وهناك ونسبت إلينا وآ أسفاه !! في المقابل .. وي المواجهة يأتي الفارس
النبيل/ البطل المقاوم، بقيمه وتجاربه الإنسانية، ذلكم الصوت الإنساني الصادق ..
القادم ولو في ثوب الصمت.. صمت حروف هذا السرد الحي المتوهج الذي أعلن عن انتصار
هذا البطل وتقدمه أمام تراجع صوت الزيف عند اللقاء الذي جمعهما في دعوة عشاء يقول
الكاتب / الراوي في ختام قصته "السجن".
"عدت
لعملي وعادت زوجتي لعملها.." الشرطي – جاره – دعاني وزوجتي لعشاء حاص ..
تحدثت عن قصتي مع السجن وحياة أسرتي. الكاتب حدق في وهو يرتعش، خرج دون أن ينبس
بكلمة، الإمام الضرير أخذ يعلق على تجربتي، بعض الجيران الذين كنت ألتقي بهم في
المسجد حمدوا صبري.
بعد
انتهاء العشاء .. أخذت زوجتي إلى البحر .. جلسنا على أحد الكراسي نتابع زبد الموج
عبر ما يصل من ضوء الأعمدة الممتدة على طول (الكورنيش)..
من
خلال الصمت تخللت أناملها أصابعي .. شعرت بالحياة تسري في داخلي وينبثق عبر البحر
نور يرتفع إلى السماء، من خلاله أخذت أتأمل وجه زوجتي.. شئ فيها يشرق، وقطعت تأملي
بالتفاتها نحوي وهي تضحك [80].
ولعل
السرد السابق يؤكد حقيقة شخصية الراوي/ السارد/ البطل المقاوم، ذلكم الصوت
الإنساني الذي يسجن ويظلم ويطارد ويشرد، ويتألم ويتأزم من أجل مشاركة واعية أصيلة
في الحياة من حوله عبر مثل عليا وقيم اجتماعية راسخة تضرب بجذورها في التراث
الإسلامي الخالد من كتاب وسنة ويؤمن بها والنصر الذي يكون بإتباعها. باحثاً عبر
هذا التنوع في توظيفه الفني بدلالاته المتعددة عن قيم جديدة لمجتمعه الذي لجأ إلى
تعريته بوضوح في صورة هذا الكاتب الهالوكي المزيف الذي رمز له بزبد الموج الذي
سرعان ما يزول وينتهي، وتطوي صفحته دون رجعة على الإطلاق، بينما الذي يبقى هو ما
ينفع الناس بما يقدم من قيم ومثل ورؤى تنهض بالإنسان وتغرس في نفسه الحب والخير
والعدل والنور .. إنه صوت الفارس النبيل (الراوي/ السارد) الذي آمن بأن النصر مع
الصبر وقد كان .. "عدت لعملي، وعادت زوجتي لعملها..".
وهذا
الهالوكي هو الذي انتهى عندما واجه الحق/ الراوي البطل الصامد/ صوت الكاتب .. حدق
فيه وهو يرتعش. وخرج من حياته ودنياه دون أن ينبس بكلمة..
وصدق الله العظيم إذ
يقول: "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنْفَعُالنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ..[81]".
تابع الراوي هذا التقهقر
لذلك الظلامي، وتابعنا معه ذلك السقوط لهذا الكاتب عبر خيط درامي واحد أخرج
المشاهد في صورة فنية واحدة جاءت على لحن واحد لصوت واحد هو صوت الحق/ النصر. وهو
ما رمز له الكاتب بالدلالة الفنية لصوت الإمام الضرير الذي حمد لكاتبنا/ الراوي
صبره على السجن وطلاقه من زوجته الأولى، وفرقته عن أهله وأبنائه وفصله من العمل..
مستفيداً من السياق القرآني في قول الله تعالى : " وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [82]" ثم العودة إلى الحياة/ النور،
ذلك الإشراق الذي تجسد في الزوجة الصالحة بوجهها المشرق الوضاء.. القادم هدية من
إمام المسجد/ رمز الضياء والملاذ، والهدى والنور، والذي يحكي فنياً ذلك الفوز
المبين الذي حالف هذا الفارس الصامد ضد القهر والظلم في صورة هذا الوجه الملائكي
الذي راح يتأمله ويتحسس فيه الإشراق/ الميلاد الجديد. وهو بلا شك قد انطلق بسرده
هنا من آية عظيمة من آيات الله وجد فيها والتأمل في لألائه السلوى والنجوى
والسكينة والطمأنينة .. وجد كل ذلك في البحر .. الذي قال الله فيه .. " وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ
لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى
الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ(14)[83]".
وبعيداً عن الثراث الذي
احتفى به الشقحاء كثيراً هنا في قصته "السجن" ومن قبل في قصته
"القنبرة" وقصة "إيلاف" من بعد، لإيمانه الشديد بالانطلاق
منه، نقول: إن البطل في أغلب قصص هذه المجموعة لاسيما في قصتيه "السجن،
العطر" عربي صاحب نخوة ورسالة، تجري عروقه الرجولة العربية، العزة والإباء،
والصبر والجلد من صفاته، وعلى الرغم من كل ذلك فهو :
· مأسوي: مطارد .. يسجن ظلماً، ويصبر على محنة السجن، ويكبل بالأغلال دون الرجوع عن رسالته الإصلاحية، أو التخلي عن
هدفه.
· وهو
رومانسي: يخرج من السجن مقهوراً، حزيناً، مهموماً يبكي وينعى، ويعاني
الحرمان ويتأسى، ويذهب إلى البحر ويتأمله، ويتفاعل مع الفرد ويلتصق به، ويعبر عن
ذاته.
- 5 -
ومما يحمد لكاتبنا الشقحاء أنه يعتمد في عملية القص في تلك المجموعة على طبيعة
الحكي، وشفاهية اللغة، أعني بذلك الحكي بلغة الناس المجتمعية المتداولة في الحياة
اليومية بوضوحها – وإن جاء هذا الوضوح على حساب التكثيف المطلوب في القصة القصيرة –
بعد أن يعطيها شكلها اللغوي الفصيح غالباً والذي نستشهد له بهذا الجزء السردي من
قصته "أبو سعيد" والذي كشف عن طبيعة لغته الشاعرة المكتنزة والتي جاءت
عبر جُمل قصيرة لتبين مواقفه أو تحلل نفس الشخصية فجاءت ناقلة لطاقات الشقحاء
الفنية في عالم السرد الخاص به والذي وفق بهذه اللغة وعبر فصاحتها وشاعريتها
وملائمتها لمواقفه .. أن يصل إلى قلب قارئه ووجدانه، وكانت وسيلته المقدمة إلى عقل
المتلقي والدارس لأدبه على السواء .. فيقول من قصته "أبو سعيد" وهو في
جولة تفقدية على أحد المواقع الحدودية في وطنه بعد أن تعطلت به السيارة:-
"البرد القارس يلدغ جسمي، والهواء الذي يحمل ذرات الرمل
يصفع سيارة الجيب، ومسام الغطاء تصدر أصواتاً متناغمة. لا أدري كيف غفوت.
صحوت على ثغاء أغنام وهرج أشخاص لا أعرفهم، السائق ميت أتلفت حولي..
الأشخاص والماشية يبتعدون، وقد خلت العربة من كل شئ، نقلت السائق إلى صحن السيارة
وأدرت المحرك ...[84]".
فالشقحاء كما نرى بتلقائيته واضح في سرده لاعتماده علي طبيعة
الحكي، وشفاهية اللغة، كما ذكرنا وهو ما يعني أنه يحكي بلسان الأشخاص من حوله
ولغتهم اليومية في معاملاتهم الخاصة والعامة مع الآخرين، وعلاقاتهم بالمجتمع بعد
أن يزينها بزينتها الحقيقية بأن يعطي هذه اللغة شكلها اللغوي الفصيح. "وتأتي
الشفاهية هنا في الابتعاد عن الترتيب المنطقي للغة، أعني أن التقديم والتأخير في
أركان الجملة يبعدها عن نمطية التكوين ومنطقية الترتيب. وهو بذلك يحكي القصة ولا
يكتبها .. هو يقلد شفاهية اللغة الفصيحة التي لابد أن تبعد عن صوت المؤلف وتترك له
– فقط – لغة السرد.
وحينما تصبح الكتابة – على هذا النحو – عملاً شفاهياً يتحول الحوار إلى
سياق إنساني حي يحمل طزاجة الحوار وحيوية المعجم وعصريته، بل يشير إلى الشرايح
الاجتماعية الخاصة التي تتميز في لغتها. ومن ثم يتحول القاص، من كاتب فني إلى
(راو) يروي من خارج العمل، لا يتدخل في لغة شخصياته، كما تتحول شخصياته من شخوص
إلى أناس حقيقيين. فيحتفظ بدفء الحوار، وجدة المعجم وتميزه وعمق الشخصية، يصرف
النظر عن الحدث أو الموضوع لأنه وسيلة اختبار الشخصية وبيان زمانها ومكانها
وتركيبها[85]..
ومثل هذا النوع من الكتابة السردية نراها بوضوح وتلقائية
وإنسانية في قصتيه "اللقاء" و"القنبرة" التي استأنس في سردها
بمشاهد من التراث الذي وعاه جيداً وعبر بمشاهد منه عن رؤى ومشاهد عصرية. حيث نراه
يقيم موضوعهـا على مشاهد من رسالة (تداعى الحيوان على الإنسان) لإخوان الصفاء
فيتمثل بابن عرس[86]
والتنين ويقيم حواره الداخلي القابع في نفس البطل/ الراوي/ الكاتب ليعبر بها عن
دلالات فنية معاصرة يقترب في سردها من صيغة "المونولوج الداخلي" الذي
تتداعى فيه المكاشفات والتأملات !! لكل مرفوض ينكره في واقعه المعيش ورمز له وأسقط
من خلاله فنياً على كل ما أراد النيل منه والتعريض بشخصه.
وفي كثير من القصص
يتدخل الكاتب الشقحاء تدخلاً ملحوظاً، فنراه يتحدث بصوت الجمع قليلاً، وبالصوت
المفرد أحياناً كثيرة في محاولة منه لبث التلقائية في السرد وليعطي انطباعاً
للمتلقي بأن (الراوي – القاص) هو من هذه الجماعة التي يتحدث بلسانها، ويعاني
ويتألم وينتقد ويثور ويعترض ويسجن ويشرد ويرفض من أجلها.
إذ نراه يتحدث بصيغة
الجمع والصوت هو السرد الخاص بالكاتب في قوله في قصة "رغبة" :
"جاءت الوظيفة
خارج مدينتنا في قرية تابعة لمدينة أخرى .. أتفقنا على السكنى معاً. في مساء يوم
التسوق، شئ شدنا في سائق سيارة الأجرة الذي أوصلنا إلى المنزل. طلبت منه التي
ساعدته على ترتيب مشترياتنا في الممر أن يشاركنا العشاء[87].
كما
تبدو تلقائية الحكي في تدخله في السرد (بضمير الغائب)، ففي قصته
"الخادمة" يحكي من البداية للنهاية عن البطلة هذه الخادمة المسكينة التي
جاءت إلى هنا تتلمس سعة في الرزق، والذي أوقفه كاتبنا على مدى قبول الصغار وتعلقهم
بها، وذلك دون مشاركة قائلاً : "سرى قلق وحزن أسود في أعماقهن وهن يتناثرن في
مدينة جديدة للعمل، كان حزنها أشد وطأة من معاملة أحد رجال الشرطة، وهو يقارن
بينها وبين صورتها في الجواز مركزاً، نظرة عداء دفعتها للانزواء خلف أخرى .. جاء
سيدها ..[88].
وكاتبنا
الإنسان في سرده كما أكد قصه قد كشف عن إنسانيته في هذا الحكي وتعاطفه مع هذه
الطبقة مكتفياً بطرح الموضوع عبر السرد فقط دون أن يتعمق في قضية الخادمات
الأجنبيات في الوطن العربي، وخطرهن على مستقبل الشخصية العربية بتشكيل وجدان الطفل
العربي على أسس وطرق تتعارض مع أطر التربية في عالمنا العربي !!
لكنه
يتدخل كثيراً في باقي سرده في هذه المجموعة، وهو تدخل يكشف عن رغبة الشقحاء في
التواجد داخل النص، وبطريقة واضحة جلية تفصح عن مشاركته حيناً، كما تكشف عن
مشاهدته وتوصيفه في بقية الأحيان من خلال تعليقات وتفسيرات تجعل القارئ أو المتلقي
يشعر بتواجد الكاتب شخصياً فجأة بين ثنايا الجمل السردية والنص العام .. ويتكرر
هذا في قصته "القنبرة" فبعد قول التنين وانتهاء كلامه نجد السارد الكاتب
يطفو فجأة فوق سطح النص ليقول لنا سأظل موجوداً في النص .. يقول على سبيل المثال :
"قال
التنين: (ولكن أرى السلحفاة تصلح لهذا الأمر، لأنها تصبر على الماء وترعى في البر
وتعيش في البحر، وتتنفس في الهواء). انتهى حديث التنين .. لنقرأ فجأة عقبه سرد
التنين .. سرد الشقحاء معلقاً :
كان
طلاقها من زوجها الأول مصدر خلاف مع والدها الذي رفض كل الوساطات فتركت ولديها عند
أسرة زوجها[89]".
وهي ملاحظة لها مكانتها هنا تكشف عن رغبة الشقحاء الملحة في ضرورة التواجد داخل
النص .. كاتباً للقص، مشاركاً بالسرد، ومفعلاً التكنيك البنائي بالحوار والتعليق
والتدليل والإسقاط الفني على واقعه ليقول في كل لحظة (أنا موجود). موجود بالتجارب
الإنسانية التي أعايشها، وبموضوعاتي الشبيهة بحياتي، وبشخصياتي وحوادث قصصي التي
لا تنكرون صلبي بها، وحتى لمن لا يعرفني أنا موجود في اللغة سرداً وحواراً وأن خفت
حواره في هذه المجموعة كثيراً وتوارى أمام سرده الذي انتمي إليه بصورة جلية
وارتضاه أن يكون صورته الحقيقية أمام عشاق الإبداع العربي في المملكة وخارجها.
وهو
ما أعلنه صراحة في قصه "الغياب" حيث يواصل فيها أيضاً تدخله المستمر في
لحمة السرد، معلناً تواجده الفعلي داخل النص، ومؤكداً في الوقت نفسه أنه أحد
شخصياته الفنية، بل أبرز شخصياته .. يقول من "الغياب" :
"الشئ
الذي أفتقدته أوراق القصيدة .."[90]
والفقد
هنا دلالة رمزية تومئ إلى غياب القصيدة العربية .. ذلك الإرث الذي يعاني اليوم
عقوقاً من الداني والقاصي. أو بالأحرى .. تومئ هذه الدلالة الرمزية إلى ثنائية
سردية جمعت بين همين جاثمين على صدر الأمة العربية في حاضرها:
· الأول : يتمثل في
أفول نجم القصيدة العربية وتراجعها عن الريادة برسالتها الإنسانية الحضارية.
· الثاني : يتمركز
في تحول المبدع العربي نحو وجهة يتوهم فيها التطور والتقدم، بينما الحقيقة تثبت
أنه ضل الرؤى في معامي الأرض بالسفر إلى المجهول/ الآخر الذي يتربص بنا فكانت
النتيجة هي تخبط، وتوقف، وغياب المثقف العربي المقهور الذي أصيب بالشلل الفكري.
هذا
المشهد المأساوي يصوره كاتبنا الشقحاء في هذه الصورة السردية التي تبوح بالكثير من
الألم والحسرة على ما آلت إليه القصيدة العربية ومبدعها وغيابهما معاً. وهو الكاتب
والمبدع والناقد المهموم بقضايا أمته، وهموم مثقفيها ومبدعيها مما يحمد لهذا الكاتب
الذي انطلق في كل حياته الإبداعية من الواقع ومشكلاته، وانحيازه لضحايا الواقع
الاجتماعي .. الواقع الثقافي، الواقع الإبداعي.. يقول الكاتب/ السارد :
"الشيء
الذي أفتقدته أوراق القصيدة. خرجت من المكتب .. عدوت إلى الدار.. قلبت المخدات
وكتبي المتناثرة على الأرض/ تذكرت النادي الأدبي والحفل ، غادرت الدار .. لم أهتم
بمنبهات سيارات الأجرة وإشارات قائدي بعض السيارات التي تشاركني الطريق/ باب
النادي مغلق، اتجهت إلى سيارتي .. فتحت بابها .. جلست خلف المقود، أدرت المحرك
وأخذت أمزق أوراقاً وجدتها على المعقد تحمل نصاً شعرياً، نثرت القصاصات على رصيف
وأسفلت الشارع، قادتني السيارة إلى خارج المدينة، شعرت بالعطش والجوع، توقفت بجوار
مقهى كاب متهالك سبقني إلى احتلال بعض زواياه مسافرون ران عليه الصمت[91].
- 6 -
وكاتبنا
الشقحاء وهو يمتح هنا من أعماق الواقع/ المجتمع إنما يكشف لنا حقيقة بإبداعه عن
ذلك القهر الاجتماعي .. عن القهر الثقافي .. عن القهر الفكري .. عن القهر السلطوي
.. عن القهر بكل أشكاله حتى نقهره أو على الأقل "نفضحه". نستشعر ذلك من
ملامح العديد من شخصياته – بعوالمها المختلفة – الواقعة تحت ظل القهر من الأقوى،
أو الأعلى وهي تحاول الصبر دائماً، ولا تثور إلا بالكلمة، والسرد الفني الذي
تتحايل به على الحياة.
وذلك
مثلما فعل في رصيده لهذه البيئة الأرستقراطية السلطوية في قصته "اللقاء"
بغية قهر هذا الواقع السلطوي لكنه لم يستطع مواجهته إلا بهذا السرد الذي كشف ضعفه
وتراجعه أمام الأقوى/ الأغني/ الأعتى، وكانت النتيجة أن "فقد التركيز، لم يجد
المقعد، كما فقد الطريق[92]
.." حينما اقترب من صاحب القصر واختلفت صورة المشاهدة عنده على خلاف ما كان
يشاهده فيها كل مساء على شاشة التلفاز !!. ومثل هذا القهر تطالعه في قصتيه
"العطر" ، "السجن" والذي ثار من خلال سردهما على القهر
الثقافي والقهر الفكري.
وهو
أحياناً يغلب عليه الجانب الإنساني ويتحلى به كثيراً في سرده تعاطفاً مع الضعفاء
والتعساء من المقهورين، ومن الذين أعرضت الحياة الهانئة عنهم، فحرمتهم السعادة، بل
وحرمتهم الستر في مجتمعهم الذي غض الطرف عن محنتهم في الحياة. كما في قصته
"الخادمة"[93] التي
ركز فيها على الاستهلال لإبراز صراعه مع ذلك النوع من القهر.." سرى قلق وحزن
أسود في أعماقهن وهن يتناثرن في مدينة جديدة للعمل، كان حزنها أشد وطأة من معاملة
أحد رجال الشرطة، وهو يقارن بينها وبين صورتها في الجواز[94] مركزاً
.. نظرة عداء، دفعتها للانزواء خلف أخرى..".
ويستمر
كاتبنا الشقحاء الإنسان في صراعه عبر سرده الذي به تفعيل دولة العدل الاجتماعي في
واقعه، ذلك الواقع الذي ما زال يجول بنا في عوالمه المتغيرة التي تؤرقها صنوف
القهر، حيث يستدعي مفاهيم إنسانية – وإن لم يصرح بها – وقيماً اجتماعية ودينية لها
تأثيرها الفاعل في تعرية جسد ذلك القهر الاجتماعي وكشف بؤره. ومن جانب آخر توجيه
سلوكيات أبناء مجتمعه بشقيها الأسري والمجتمعي نحو التمسك بهذه المفاهيم، وتلك
القيم المتعلقة بالمروءة والشجاعة والنخوة والشهامة وإقرار العدل الاجتماعي فيما بينهم.
إضافة إلى ذلك إبراز بساطة العيش وكيفية التواصل الحياتي من خلال التكافل الأسري
والمجتمعي بأشكاله المتعددة ومفاهيمه الواسعة، سواءً في إطار العرف والعادة أو
الشرع والدين المبني على الصدق والطيبة بين أهالي ذلك الزمان، وإلا تعددت مأساة
هذا البطل المقهور الذي راح ضحية دينه بعد أن رهن داره هي الأخرى بسبب المرض. وذلك
بعد أن فقد العون والرعاية الصحية – وإن لم يفقد هذا السرد الفني من الكاتب الذي
لم يملك سوى الثورة بالكلمة في وجه هذا القهر الاجتماعي الذي أطاح ببطله – على نحو
ما جاء في قصة "العون"[95] التي
يقول فيها :
"كان
علىّ أن أركض حتى لا يتوقف نبض الحياة في شرايينهم، وفي الصباح أسعى إلى زرع بسمة
فرح داخل أسرتي الصغيرة".
قالت
شقيقتي: إن ابن خالتي بثوبه القصير وذقنه المشذبة، وعباءته الذهبية الفاخرة، حصل
على سيارة فارعة، ونصف مليون ريال عوناً لتأثيث منزل ابنه المتزوج حديثاً.
قال
ابني المريض ونحن في طريقنا للدار، التي ما زالت مرهونة في دين بسبب حالته الصحية:
اليوم سوف تمطر السماء .. حدقت فيه مشدوها ولم أعلق، في التاسعة ليلاً وهو يقرأ
أخبار ناديه الرياضي في صحيفة صفراء لفظ أنفاسه، بينما كانت السماء تمطر في
الخارج".
والشقحاء
في هذه القصة لجأ إلى الجانب السيكلوجي في سرد موضوعها المأساوي – بعد أن حدد
الزمان والمكان ووقف على حدود الشخصية متأملاً راصداً لأبعادها – حيث يتضح لنا مدى
المفارقة الدنيوية الظالمة حيث يتحصل على العون من لا يستحقه ومن لا حاجة له،
ويأتي في المقابل صورة البسطاء المقهورين من الذين يرحلون عن دنيانا، ولا يملكون
أكفانهم !! يرحلون عن دنيا لا يرى الإنسان فيها سوى "الأنا" ..
والقارئ
لهذه القصة يلحظ استخدام الكاتب في السرد هنا الشخص الثالث، وإن كان موقفه أقرب
إلى الذاتية. أي أنه رغم تعبيره عن شخص آخر مفارق له إلا أن الشخصين "البطل
والكاتب" يكادان يتحدثان بلسان واحد ويصدران عن شعور واحد، ويعبران عن شخصية
واحدة هي شخصية المؤلف/ الكاتب/ الراوي/ الإنسان/ الثائر محمد منصور الشقحاء الذي
تألم كثيراً من أجل البسطاء، ونعي كثيراً في أدبه مثل ذلك القهر الاجتماعي الذي
تجسد في هذه القصة، وجاء مرافقاً لذلك القهر الثقافي الذي رمز له بالصحيفة الصفراء
!! يواجه كل هذا بسرد له قيمته السامية وله تأثيره القوي على نفس المتلقي المتذوق
للسرد ذي الرؤى الإيمانية العميقة، مما ضمنه الشقحاء نهاية قصته السابقة
"العون" {لفظ أنفاسه بينما كانت السماء تمطر في الخارج} ..
فقد
وفق الكاتب وهو يعاني مع بطله ذلك الظلم الاجتماعي وضياع التكافل الأسري والمجتمعي
بين بني جلدته في أن يصل إلى مواجهة سردية حقيقية، حيث نراه يلجأ إلى السماء موئل
الرزق والعون الحقيقي المستضعفين والمقهورين في الأرض .."وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ[96]". ويستغرق في تجربته أكثر من ذلك ليشبع ظمأه إلى العدل الاجتماعي، أو ليشبع
حاجته لقهر ما يعانيه داخلياً، وكأنما يقدم لنا حالته النفسية، فتنساب نفسه لتظفر
بالحياة / الخير/ المطر حيث الانفراج الذي يتطلع إليه الكاتب ليحيى به مواتاً..
"رِزْقًا
لِلْعِبَادِ ۖ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ الْخُرُوج[97]".
ولو
تركنا أنفسنا تنساب مع خاتمة القصة وجوها لأدركنا الكثير والكثير من توفيق الكاتب
وبراعته في تواصله مع المجتمع الذي خرج من رحمه وأحس به وعاش قضاياه وهمومه. وهو
ما يحمد للكاتب حيث أعطي الواقع اهتماماً بالغاً، فجعله شرائح حية يحدث تقابلها مع
أطياف الغرائب القهرية صدمة أو دهشة لدى المتلقي .. سرعان ما تكون هزات ارتدادية
تضع الأصابع على بؤر مشتعلة في المكان/ الواقع / المجتمع/ البيئة التي تجاوب معها
الكاتب/ السارد. وهي حقيقة تقف في وجه الناقد[98]
الذي تجنى على كاتبنا في وصفه بأنه يحلق بقصته بعيداً عن بيئته التي نبت فيها
استرضاء لبعض قرائه خارج حدود مجتمعه .. فيقول : "وكل ما نتمناه للمؤلف أن
ينجو بقلمه مستقبلاً عما يخرج عمله من إطار البيئة التي نبت فيها عمله وألا يدفعه
تلمس رضاء بعض القارئين إلى النزوح بقلمه خارج الحدود، وبخاصة أن في أعماله ما
يثبت قدرته الحسنة على معالجة مشكلات مجتمعه[99]".
وهذا
رأي مغلوط جانب الصواب كثيراً ولم أنتبه إليه وأعره اهتماماً، فهو يدخل في باب ما
يعرف في الصفحات الأدبية بصحفنا العربية "بالأكلشيهات النقدية إن جاز
التعبير. لكن الذي آثار حفيظتي للوقوف أمام هذا الرأي هو موافقة أستاذنا الدكتور
طلعت صبح عليه حينما ذكره في كتابه[100]
الذي كتبه عن هذا الناقد دون تدخل من قريب أو من بعيد، أو مناقشة أو حتى إبداء رأي
بالموافقة عليه، وكأنه أقر هذا الرأي في حق سرد الشقحاء القصصي وهو الذي قال عنه
في كتابه "دراسة في القصة القصيرة عند محمد الشقحاء" : "إن الكاتب
يستمد معظم بواكير قصصه من الحياة السعودية، فهو ينبع من صميم هذه الحياة ويصدر
عنها. وهذه الحياة دائمً تكون وراء أشخاص قصصه، وهي بعينها التي تجعله يعني كثير
العناية بالوصف المكاني[101]".
ولا أراني معارضاً لهذا أو ذلك لكنها الحقيقة والعلمية الموضوعية وشهادة حق في أدب
رجل عايشته عن قرب وهو مهموم بوطنه، مسكون بوجعه، مشغول بترائه ومجده في حاضره،
حامل لراية الإصلاح الثقافي في عصره.
ولكن
يكفيني أن أذكر هذين الرأيين لناقد سعودي واع ومدقق أنصف الرجل وأنزلع منزلته وهو
يتحدث بالتفصيل عن اتجاهات القصة القصيرة في المملكة فيقول: "محمد منصور
الشقحاء من أشهر كُتاب القصة في بلادنا، ومن أولئك الذين أخلصوا لهذا الفن وواصل
نتاجه فيها، وهو أكثر من أطلعت على نتاجهم، وما زال يثري المكتبة القصصية .. وهو
يستقي أحداثه من منهل الوطن الاجتماعي الواقعي ويتفاعل مع أحداث العالم الإسلامي
أو العربي لاسيما القضية الفلسطينية، وهو يمتلك أسلوباً قديراً في تراكيبه وصياغته[102]".
وفي موضع آخر يقول: "إن محمداً الشقحاء قد أفاض في تصوير البيئة لمنطقة
الطائف في مجموعاته: البحث عن ابتسامة، وحكاية حب ساذجة، الانحدار، الغريب[103]"
وهي المجموعات التي صدرت للكاتب آنذاك وتوافر على دراستها هذا الناقد في عام
1414هـ تاريخ مقدمة كتابه وكلها آراء تؤكد أن الشقحاء كاتب انغلق في قصه على
بيئته/ الواقع/ المجتمع/ المكان. المكان الذي استوعبه بكل ما يعج به، وما يكتنفه
من عادات وتقاليد، ورسوم وآثار، وطبيعة وجمال. لاسيما "الطائف". التي
شهدت تألقه الإبداعي واحتلت مكانة في قصه.
والأديب
المبدع يفتنه السحر، وتغويه الطاقة التي يبعثها في جوانحه المكان.
و"الطائف" توفرت فيها كل عناصر الجمال والسحر والطاقة بدءاً بتاريخها
العبق وتراثها المجيد، فليس يغريب أن يجد أصحاب الكلمة فيها ضالتهم بما أمتلكته من
تاريخ حافل، وحاضر مجيد، وطبيعة خلابة وآثار ناطقة بالعظمة والشموخ.. بكل ذلك نجحت
في امتلاك مشاعر الكتاب والأدباء وآثار على حد سواء، وعواطف الكثير من المبدعين من
أهل، وممن مروا بها، أو قاموا فيها، رحلة أو زائراً أو عاملاً فقيل فيها ما قيل[104].
ليصبح المكان بتجلياته عنصراً فاعلاً في سرد الشقحاء وما استوعبه، وما اكتنفه، وما
أرقه عاملاً رئيساً في توهج ذلك المكان دائماً في ثنايا قصصه، وإبراز رؤاها.
ومعالم سردها كما سيتضح فيما يأتي.
فكاتبنا
محمد منصور الشقحاء في مجموعته التي معنا أراه قد اتخذ من المكان/ البيئة العربية
مجتمع الكاتب الأم/ المملكة العربية السعودية – ميداناً أساسياً له، ينطلق من
مداراته. وهذا أمر على غاية الأهمية، جعلنا نحرص من قبل على تتبع الرؤية القصصية،
والبنية السردية وما اشتملت عليه من دلالات فنية، ورموز وإسقاطات، وتطور في
تكنيكها في هذه المجموعة. انطلاقاً من كون المكان قد غدا هنا في بوح الشقحاء
الذاتي مكوناً حضارياً، ليتأصل في ذاكرة الأجيال بجمالياته .. بعبقه التراثي،
برائحة الأجداد الذين نحن إليهم كما يحن إليهم الكاتب في موروثاتهم .. وشيمهم
النبيلة التي يسعى لخلقها الشقحاء وبعثها من جديد في حاضره المعيش.
فنراه
يلح على مدينة الرياض أكثر من مرة وهي مسقط رأسه، ولا تغيب عنه الطائف مدينة الشذا
والطيب والندى، والتي غرد فيها كثيراً كما ذكرنا، وتغنى بالقصة القصيرة في
منتدياتها. ومنها انفتح على: المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى
التسليم، ومكة دائرة الوجد الإسلامي، والثمامة، وجده، والدمام، ومعالم أخرى في
المملكة ومؤسسات وجدت خصوصيتها في سرد الشقحاء مثل: كلية المعلمين ، ثانوية
البنات، مدارس الطائف، المدارس الأهلية.
والشقحاء وهو في غمرة هذا الحب للمكان/
البيئة/ ذاته أران لم يغفل "بريدة" هذه المدينة المتجذرة منذ زمن بعيد
في خاطره وتكوينه الروحي حيث أصوله العائلية التي انطلقت إلى الرياض. بل لم ينس
محبيه خارج الوطن الأم/ المملكة العربية السعوية. حيث نجده يحتفي في قصه بأجزاء
عديدة من وطنه الكبير .. الوطن العربي، فيذكرها بمسمياتها فقط وكأنها جاءت عرضاً
في قصصه .. مثل: القاهرة، دمشق، بيروت، اليمن، فلسطين الحبيية التي أولاها مكانة
خاصة في هذه المجموعة في قصته "أبو سعيد" التي جمع فيها بين الشعبين:
السعودي والفلسطيني برباط المصاهرة الوثيق. وهي أمكنة مشتركة في وحدة تشكل هذا
الوطن العربي الكبير عبر حدوده المتباعدة سعى إليها الشقحاء بإيمان وإخلاص شديدين،
راصداً تحولاتها المتباينة وبخاصة الاجتماعية.
والمتأمل في تاريخ القصة القصيرة في
المملكة يتبين له أنها – عبر مراحلها المختلفة "كانت تساوق التحولات
الاجتماعية، وتستفيد من المنجزات الجمالية عبر القراءات المكثفة للقصة العربية
والعالمية، وقد انتظمت الاتجاهات الثلاثة المعروفة:-
· الاتجاه
الأول: يتمثل في الالتزام بالواقع من خلال تقصي ملامحه والتقاط
جوهره، وذلك في بعده العام، والعمل على إيجاد واقع فني مواز له من ناحية أخرى وذلك
في إطار رؤية إنسانية.
· الاتجاه
الثاني: ويتمثل في التعامل مع التجربة الذاتية والحفر في نخاعها
والتوفر عليها وذلك لامتياح ما هو جوهري فيها.
· أما
الاتجاه الأخير: فيتمثل في ذلك التكثيف المتعمد للقصة، والانشغال بجمالياتها
بعيداً عن الهموم الاجتماعية والخاصة وملاحقة التطورات والمنجزات في هذا المجال،
ومن ثم تحويل عناصرها إلى إشارات عامة تستدعي على محور الاستبدال فيها نصوصاً
متعددة تجعلها مجالاً واسعاً لتأمل التراث الإنساني[105].
وهذا
الاتجاه الأخير ممارسته توصف أقل ما توصف بأنها ممارسة سردية متناثرة الأشلاء غير
منهجية. بينما يبقى الاتجاهان: الأول والثاني على وجودهما الحقيقي في الخطاب
السردي المعاصر، حيث تظهر القصة القصية في إطارها مسبوكة سبكاً فنياً مترابطاً في
بنائه وحكيه، صادقة في لغتها التي تنطق بلسان شخصوها لتترجم روى كاتبها. لا سيما
أن اللغة من أهم أدوات المبدع التي تبرز قدرته الفنية، وتكشف مكانة إبداعه في نفوس
متلقيه. وهو ما مضى صوبه كاتبنا الشقحاء في سرده القصصي حيث التفاعل مع البيئة/
المكان، والانطلاق بقصه الذي جاء علامة بارزة، ووجهاً مشرقاً من ملامح الإبداع
العربي السعودي المعاصر وبخاصة في مجال القصة القصيرة. التي "أحوج ما تكون
إلى التكثيف في شتى عناصرها[106]".
- 7 -
والشقحاء المتجدد المتطور نراه في هذه المجموعة يضيف إلى مساره التقني في القصة
القصيرة جديداً، فقدم لنا ست قصص قصيرة متنوعة في شكل جديد مواكباً ذلك التطور
الذي تعيشه القصة القصيرة في المملكة اليوم، باتجاهها نحو "اخترال القصة
القصيرة في حيز ضيق للغاية بحيث لا تتجاوز عدة سطور. وهو اتجاه من الاتجاه،ات
الحديثة التي برزت في القصة السعودية القصيرة وتبناها بعض الكُتاب أمثال: يوسف
المحيميد ومحمد المنقري وتركي السديري وعبدالعزيز الصقعبي[107]
ومحمد منصور الشقحاء. حتى انفتحت عليها الأجيال المعاصرة بصورة استرعت انتباه
المؤسسات الثقافية والأدبية في المملكة فعقدت لها المؤتمرات والندوات التي تقف على
تطورها وعوالمها والمميزات الدلالية لهذا الجنس الأدبي الجديد وخصائصه. ورأينا من
هذا الجيل العباس معافا، وجبير المليحان، وعبدالله التعزي، وعبدالحفيظ الشمري،
وفهد المصبح، وسليمان الطويهر ونورة شرواني وأنصار اكثر لا حصر لهم في الأقطار
العربية يبدعون هذا اللون الأدبي. الذي أجمعوا على تسميته "بالقصة القصيرة
جداً" وإن رأى العديد من النقاد خلاف ذلك المسمى كما سيأتي.
"والقصة
القصيرة جداً" تعد من أهم الأجناس الأدبية الحديثة التي ارتبطت بالتحولات
المعاصرة للإنسان في القرن العشرين، ذلك القرن الذي بدأ يعرف حياة متقدمة سريعة
بفضل التطور التقني والعلمي والصناعي والرقمي، مما جعل الإنسان يعيش في دوامة من الاضطرابات
النفسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتي ازدادت حدتها مع مطلع قرن جديد
حمل كثيراً من التحولات في كل شئ..
ومن
جراء ذلك هجر الإنسان حياة الفطرة والبساطة، وابتعد عن نقاء النفس والطبيعة لينتقل
إلى فضاءات المدينة والمدينة التي ألغت التأمل والبطء في التفاعل مع الأشياء ليجد
الإنسان نفسه في دوامة من التغيرات التي تستوجب السرعة في التكيف والتأقلم مع
مستجدات العالم الموضوعي. وقد أثر هذا الجانب سلباً على المستويات الحياتية
والثقافية والتعليمية، فتخلى الإنسان عن قراءة النصوص المسترسلة والروايات الطويلة
وعوضها بالنصوص الأدبية القصيرة وقراءة عناوين مقالات الصحف والأعمدة المثبتة على
صفحات الجرائد والمجلات مع ملء الكلمات المتقاطعة وتأمل الصور المثيرة وغير ذلك من
تطور تقني وتكنولوجي صرفنا كثيراً عن التأمل والتدبر[108].
لهذه
الأسباب وتلك الدواعي، ظهرت القصة القصيرة جداً لتستجيب لهذه التحولات المعاصرة
السريعة، منبثقة ومتفرعة كما هو معلوم عن مجموعة من الأجناس الأدبية المجاورة لها
كالقصة القصيرة والأقصوصة والرواية، بل عن خطابات أدبية أخرى كالحديث والخاطرة،
والمثل، والنكتة والنادرة واللغز.
ولا
نريد أن يمتد الحديث عن ذلك الجنس أطول من ذلك فليس هذا مجاله أو موضعه، لكن لابد
من الإشارة إلى أن هذا الجنس الأدبي "قد ظهر أولاً بأمريكا اللاتينية في
أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، بينما لم يظهر في عالمنا العربي
إلا في العقود المتأخرة من القرن الماضي (العشرين) بالشام والعراق[109]
"لينتقل عبر ربوع العالم العربي ويزدهر مع هذه الأصوات الإبداعية من كُتاب
القصة المتميزين في المملكة في المعاصرة ممن أشرت إليهم آنفاً ومنهم الكاتب
السعودي المبدع محمد منصور الشقحاء في مجموعته التي معنا "الغياب" والتي
جمع فيها بين الشكلين: القصة القصيرة، والقصة القصيرة جداً معلناً أنه من أولئك
الكُتاب الذين يجمعون بين الأصالة والمعاصرة. فهم مؤمنون بالتجديد ولكن ليس على
حساب أصالتهم. بل ينطلق تجديدهم من أصول ثابتة تعالج في الوقت ذاته قضاياهم
المعاصرة، وتواكب سنة التطور والتقدم. فقدم الشقحاء مثل هذا التطور في ست قصص
متنوعة في الشكل الحديد للقصة القصيرة وهذه القصص هي: "العون، الخادمة، رغبة،
الرابع، الرهان، إيلاف".
أقول
تطوراً وتجديداً لسبب بسيط أننا قد ورثنا عن كثير من أساتذتنا النقاد: أن القصة
القصيرة "ينبغي أن تكون قصيرة حقاً، أي لا تستغرق أكثر من ساعتين في قراءتها
(من نصف ساعة إلى ساعة أو ساعتين) – ولكن هذا التحديد الزمني قديم[110].
وسرعان ما جاء إلينا التحديد الحديث (الذي يذهب إليه أيضاً معظم النقاد) وهو أن
يتراوح طولها بين خمس صفحات، وثلاثين صفحة. فإذا انتهت عند خمس صفحات صارت
"أقصوصة" وهو نوع أدبي ذاع في بلادنا مثلما ذاع في العالم مع الصحافة
والإذاعة. وإذا زادت عن ثلاثين صارت رواية قصيرة[111].
وكاتبنا
الشقحاء تخطى هذا التحديد بالتكثيف والتكنيز والاختزال، وهو ما يدركه القارئ
لتجاربه القصصية السابقة "العون، الخادمة، رغبة، الرابع، الرهان، إيلاف"
مواكباً بذلك التطور الذي لحق فن القصة القصيرة مؤخراً وأنتج لنا هذا الجنس الجديد
"القصة القصيرة جداً[112]"
والذي أراه تطوراً طبيعياً لفن القص يشبه قصيدة التفعيلة التي جاءت تطوراً طبيعياً
للقصيدة العربية السعودية.
أراد
الشقحاء أن يقدم – من خلال سرده السابق – قصة ذات طابع خاص في عالم السرد والتشكيل
الفني. فجاء الحكي فيها في صورة مشاهد متنوعة تعددت وتنوعت في مضامينها إلا أنها
مترابطة فيما بينها بخيط درامي واحد، نو ما يجعل بقية المشاهد تويعاً على لحن
واحد، أو تفصيلاً لمجمل لم يتبرأ الشقحاء ولو للحظة من صلته الحميمة بهذا اللحن/ اضمحلال
الإنسان واقعياً/ القهر بأشكاله، مما أرهق الكاتب الإنسان وهو يغوص متفرساً ملامحه
العديدة في وجوه ضحايا الواقع الاجتماعي حيناً، وحيناً آخر وهو يكشف الاضمحلال
الخلفي لإنسان العصر وسقوطه قيمياً مما نطالعه بوضوح في قصتيه: "إيلاف"
و"الرابع".
ومن
يقرأ محمد منصور الشقحاء في "إيلاف" يرى أنه يصدر في سرده هذا عن رؤية
واقعية ذهنية فلسفية تتغنى بالإنسان الذي صار كائناً تراجيدياً مهزوماً ممسوخاً
ينهشه السأم الوجودي، ولم يجد أمامه سوى الموت الفتاك.. يقول الشقحاء في
"إيلاف" مصورأ ذلك الدال الإنساني بعد تسلله إلى خلجات الشخصية/ البطل
ورصد ما بداخلها.
"لما
اكتشف إيلاف أن الحزن الذي مزق أيامه الأخيرة، جاء بعد إدراكه أنه لا يعرف هدفه،
فقد كان يسير مقتاداً من والد يدفعه للنجاح ويوفر له ما يريد. وأم سريعة الغضب
دائماً، صوتها مرتفع.
جلس
هذا الصباح على رصيف الطريق العام الذي اعتاده وبجواره مذكراته الجامعية، وأقبلت
شاحنة، انتصب واقفاً ولما اقتربت ألقى جسده الذي لا يملكه بين عجلاتها[113]".
ولأن
"القصة القصيرة جداً" في أبعادها المرجعية ورهاناتها المقصدية تحمل
الرؤية الإنسانية المغلفة بالنزعة التراجيدية التي تعلن نهاية الإنسان في زمننا
المعاصر، وإفلاسه كينونياً، وانبطاحه أخلاقياً وسقوطه قيمياً بعد أن انساق وراء
بريق المادة، ومفاتن الغواية، وسيقان الإباحة والجسد كما ذهب الدكتور جميل حمداوي[114]،
رأينا انفتاح الشقحاء عليها لمعالجة هذا التفاقم القيمي في عالمه الذي يحتاج إلى
تطهيره بقيم أصيلة ثابتة من خلال هذا السرد الذي يفضح هذا الواقع .. يقول الشقحاء
في قصته "الرابع" معرضاً بهذا السقوط القيمي في مجتمعه:
"نجلس
على حافة الطريق المؤدي إلى الثمامة، توقفت عربة وأطل قائدها، سلم ثم قال أكمل
الرابع. لم ينتظر ردنا، ترجل وجلس، أخرج من جيبه ورق اللعب[115].
والمتأمل
في هذا الشكل السردي يجد كاتبه قد عبر عن رؤى متعددة ومعان ممتدة في الفكر بعبارات
بسيطة مكتنزة، وتكثيف فني لا يستغرق القارئ لهذه الرؤى السردية أكثر من دقيقة أو
دقيقتين للانتهاء منها، فيخرج بصورة سردية مجسمة ذات أبعاد، وذات دلالات وذات شكل
فني جديد هو "القصة القصيرة جداً" من الممكن أن نطلق عليه "القصة
اللقطة" أو القصة الصورة، أو الاسكتش[116].
وذلك لأنها تأتي في صياغة موجزة جداً ينحصر فيها هم الكاتب في تصوير لقطة من لقطات
الحياة لاستشفاف معنى باطن قد تمر به العين ولا تراه، وتبدو النهاية هنا مفتوحة في
الغالب .. وهذا يوفر صياغة موجزة تغني عن صفحات عدة من الوصف القصصي، وتبرز مهارة
الكاتب. ذلك أن "مهارة التلخيص تمثل جزءاً من كفاءة السرد ذاتها"[117].
ولا
عجب في ذلك "فإن كل كلمة، وكل جملة ، يجب أن تكون ثملة بالمعنى، وبأكبر قدر
من الايحاء، وأن تكون طاقتها قادرة على التحمل، لكي تحقق القصة إنجاز الإبداعات
الكبرى[118]"
كالذي رأينا عند كاتبنا محمد منصور الشقحاء هنا في هذه الإستكشات النقدية اللاذعة
التي ترجمت صورته القصصية، وبلورت فلسفته السردية التي تغنت بالإنسان فألمت
للمقهورين والمستضعفين، وتأست على تراجع القيم في عصرها.
- 8 -
في النهاية لا نملك إلا أن نقول: إن السرد الفني الذي قدمه محمد منصور الشقحاء من
خلال مجموعته "الغياب" يخبر عن كاتب واع ملتزم، ويؤكد معاناته الفكرية
وحسه الصادق، ووعيه الإنساني بالآخرين، وتمكنه من عناصر الدراما والرمز واللغة
السلسلة التي تجعل القارئ يعيش معها ومع كاتبها. ويعلن في الوقت ذاته عن علاقته
الحميمة بمجتمعه، وتوغله في أعماق النفس الإنسانية لاسيما المقهورة المستضعفة.
وذلك من خلال شكل فني درامي متطور يجعل من قراءة هذا السرد المتميز متعة فنية
وفكرية ووجدانية لا يمكن إنكارها أو تجاهلها..
وهو
ما يجعلنا نؤكد ما جعلناه استهلالاً لهذه الدراسة من أن الشقحاء بقصه في
"الغياب" يؤكد أن القصة القصيرة أصبحت جزءاً رئيساً من النسق العربي،
لاسيما بعد تفاعلها وتحاورها وتجاوبها مع الواقع العربي، وزواجها زواجاً شرعياً
بالبيئة العربية في اهتماماتها، واتجاهاتها، وأمزجتها الخاصة والعامة وعلاقاتها
المتباينة.
أخيراً ..
أسأل
الله سبحانه وتعالى أن أكون قد أسديت لأدبنا العربي المتأصل والمتألف معروفاً،
وأضفت لبنة إلى لبناته العظام. وأن أكون قد كشفت عن جانب إنساني مشرق من إبداع
أديب كبير من أدباء العربية في المملكة السعودية عرف بعطاء أدبي متنوع ما زال
أرضاً خصبة للنقد والدراسة والبحث.
وصلي
الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم آمين.
والحمد لله رب العالمين..
د/ علي
عبدالوهاب مطاوع
- 9 -
نصوص مختارة
o
آخر ما أبدع
"الشقحاء" في الفن القصصي
·
قصص قصيرة جداً:
(فقر)
أين
تكمن الحقيقة، وقد سرى العفن في جذوع الأشجار فيبس ورقها وتقصفت إغصانها ؟! وأنا
أعيد النظر في الأيام السابقة، جاء كتابي فارغاً لا شيء فيه.
تنفست
دخان الشيشة فتلوى كما حية أزدردت التراب، تكرر المشهد الذي انتشلني منه نادل
المقهى بحديث عن المطر المنهمر.
***
(صفـاء)
جاء
اسمي من الصفاء مع أن لون بشرتي أسود، في ليلة غفى عنها الزمان لمحته يجلس وحيداً
ويسطع بياضاً في فضاء المكان أخذ يتحلل في جسدي، مع شقشقة الصباح سألتني أختي بفزع
عن تغير لون بشرتي.
***
(جيرة)
عرفته
ونحن في عامنا الثاني، يأخذ أشيائي ويعترض طريقي وتخرجنا في المرحلة الابتدائية
ودرسنا فصلاً واحداً في المرحلة المتوسطة.
وبعد
أربعين عاماً وجدته أمامي تبسم وهو يحدق في سبحة بين أصابعي اقتنيتها منذ أيام،
بهدوء سلمتها له وخرجت من المكان.
(أطلال)
لفت
نظري طوله وصوته الرخيم، أمي تحثني على إنهاء الحوار خوفاً من التأخر.
قال:
سوف أوصلكم وطلب من خادمة صرف سيارة الأجرة التي جئنا بها، وأنا أترجل من العربة
عرفت أنه اكتشف كذبي وهو يقرأ اسم والدي بمحاذاة باب الدار.
***
(التعب)
وأنا
أنتظر عودتهم أنساني التعب بدراً ابن الثالثة الذي اعتاد النوم في حضني قبل حمله
لغرفته، ركضت أبحث عنه في أرجاء المنزل الكبير ووجدته يرقد في فراشي تمددت بجواره.
***
(الردف)
يجلس
على مقعد خشبي تجاوزته وطفلها الذي أركبته لعبة السلالم المزروعة مع ألعاب أخرى في
المكان ولما أندمج مع الآخرين، جاءت وجلست بجواره بادرته الحديث سألته عن ابنه
أجاب أنه هناك وهو يرمق السماء، أمسكت بكفه مشى بجوارها وعند محاذاته للعبة انفعلت
الطفل من رفاقه وتعلق به.
***
(غفوة)
تمدد
في مقعده أمام شاشة التلفزيون، يتابع أحداث مباراة بين فريق النادي الذي يميل إليه
وفريق ناد آخر.
فريقه
مهزوم بهدف جاء في الدقيقة السابعة، سيطرت عليه لحظة خدر فنام.
شع
نور من سقف المنزل، طار كما يحلق النورس، حوله صوت أطفاله الثلاثة وزوجه، أدرك أنه
وصل، دفع بوابة أمامه ودخل، فانهالت عليه عيارات نارية من كل مكان، تنبه لصراخ
أطفاله وزوجه.
كان
فريق ناديه المفضل يسجل هدفه الثاني، تلفت حوله لم يكن هناك أحد.
***
(ألم)
تقطعت
أنفاسه والعرق يتصبب بغزارة، كانت هي. أخذ يركض، شاهده أحدهم، لحق به وتبعه
الآخرون. فتح عينيه، نهض من الفراش، وجدها في غرفة الأطفال.
***
(الطائف)
هبت
عاصفة قوية محملة برمال الصحراء، وأشياء انفصلت عن جذورها، فقدت الرؤية أخذت تتلمس
ما حولها، التصق بها فأنستها حرارة العناق قلق اللحظة.
غادرت
المكان تتحسس طريقها إلى القافلة، دخلت الخيمة التي تضم أسرتها شاركتهم في الحديث،
ولم تلمس فيهم أثر العاصفة التي حاصرتها في الجبل.
على
مشارف الطائف توقفت القافلة مرة أخرى، جلست مع مجموعة من النساء بعيداً، خاطر
دفعها للوقوف وأمام صمت مرافقاتها انداحت في ظلمة ما بعد الغروب، خطواتها تركض بين
أشجار كثة، أنفاسه تملأ المكان.
تنبهت
لهرج مرافقاتها وهي يتدافعن، استجابة لنداء رجال القافلة، لتناول طعام العشاء.
***
(فسيفساء)
توافقاً
عند الباب في الدخول. واختلف الطريق في ممرات معرض الكتاب وتوافقاً مرة ثانية عند
الباب في الخروج. اقتربت وأخذت الكتاب الوحيد الذي اقتني. وقفت وتوفقت أخرجت من
كيس ورقي نسخة اشترتها من ذات الكتاب.
وفي
فضاء الشارع المضاء تشكلا جسداً واحداً قيدته في مكانه رغبة اثنين كل واحد له
وجهته.
***
(المكيدة)
باختصار
هذا ما حدث ، كنت كما هي عادتي في العاشرة ليلاً في مقهى خارج العمران أمج دخان
الشيشة وأراجع قصة جديدة متعسرة ولادتها، وإذا بها قبل أن تتجاوز مجلسي تلتفت نحوي
قائلة:
بشع
واختفت في الظلام ...!
أستفزني
قولها ولكن عدت أصحح مواقف شخصيات القصة ونادل المقهى يعيد اشعال رأس الشيشة،
لتعود قائلة: كم أنت بشع ...؟.
لحقها
نظري حتى جلست مع ثلة، على مبعدة .. ضجيجهم أطفال، ونساء وذكور يعكر المكان وإذ
بثلاثة أشباح يتجهون نحوي ويشبعونني لكماً ولطماً حتى أنقذني النادل وبعض الرواد.
حاولت
تجاوز قلقي والمجموعة بهرجها ودمدمتها تغادر المكان، تنبهت من النوم على جرس
الهاتف كانت هي أخذت تضحك مطالبة بزيادة مساحتها في القصة تذكرت أن أوراقي نسيتها
في المقهى.
***
(المسجد)
وقف
عند فتحة الباب، تنقلت نظراته بين إسفلت الشارع الذي تراكم عليه التراب، وكوم
المخلفات في الأرض المحاذية للمسجد الجديد المقابل لمنزله، وقد تأخر افتتاحه بسبب
عدم وفاء فاعل الخير الذي لم يف بوعده فأخذ أهالي الحي يساهمون في إنجاز ما تبقى.
مد
أحدهم الكهرباء وساهم آخر بالماء وتوسط ثالث لدى شركة من أجل تعبيد الممرات حول
المسجد.
باب
المسجد مفتوح وصبيان الحي يتراكضون للدخول. تذكره أن جاره قال قبل يومين: سوف نصلي
المغرب يوم الخميس في المسجد، أغلق الباب واتجه إلى المسجد.
عندما
حاذى النوافذ سمع المصلين يقولون "آمين"، مد الخطى ودخل. لحق الإمام
راكعاً، أكمل ما فاته من الصلاة. تلفت حوله كان المصلى الوحيد..
***
· قصص
قصيرة ...
(العرجـاء)
لم
تلمس أن الأمر تجاوز حدود السيطرة، ولكن أن تحلم في منامها بذلك فهذا يدفعها إلى
إعادة تشكيل ذاتها، لكن الرغبة تبرز تلك المشاعر التي لا شي يملؤها، وهي التي شغلت
فكرها وجهدها في تكوين صورة المرأة الجادة المنتجة والتي أولاها من حولها تعويضاً
لعرجها وبقايا حساسية مفرطة من سن المراهقة سرعان ما تنخدش، وفقدها لمسحة الجمال
التي منحت أخواتها الأربع والأصغر أزواجاً كاملي الصفات والخلق، فكرست جهدها
للعناية بوالدها رجل الأعمال الذي أنهكه المرض فأصبح تحركه بمعقد ذي عجلات وسائق
أصبح كأحد أفراد الأسرة.
الصباح
في عملها الحكومي وفي المساء وقتها بين ردهات مبنى مركز الخدمات الأسرية بالحي
وثلاث ليال في الأسبوع تمارس الرياضة بين صالات ناد رياضي للنساء.
فاتحها
رئيسها في العمل في الزواج في نهاية اتصال معتاد في شؤون العمل تطرق فيه عبر سؤال
عن القيم الحميدة التي يتصف بها عضو الأسرة الجديد، تعرف أنه متزوج ولديه أسرة
كبيرة، جاء ذلك بعد زواج أختها الرابعة وابتعاث أخيها الثاني للدراسة في الخارج
بينما عمل شقيقها الأول يحتم سفره المتواصل.
ناقشها
والدها في مطلب رئيسها وموافقته أن تبقى في منزل الأسرة مع تحديد موعد لزيارته
لقضاء بعض الوقت معها كزوجه، ترددت، ولكن أمها أقنعتها بأن الأمر طبيعي لفتاة عانس
وصلت الأربعين وأنه منتشر في المجتمع ومن حقها أن تنهي ذلك وقت ما تشاء.
قضت
الليلة الأولى في غرفة بفندق، فيها دفعها زوجها لتجرع مشروب لم تستسغه إنما مع
الحديث والعبث انتشى كل جزء في داخلها فلم تهتم بما حدث تنبهت في الظهيرة من خدرها
فدخلت الحمام غمرت المياه جسدها ليفتح باب الغرفة كان زوجها. تناولا الطعام في
مطعم الفندق، وفي المساء عادت لمنزل الأسرة.
قال
السائق وهو يوصلها صباحاً لمقر عملها: ماما من هذا ؟
قالت:
زوجي.
قال:
مبروك.
ذات
مساء تأخر الزوج عن الحضور في موعده الأسبوعي، جاء هاتفه معتذراً أن أحد أولالده
مريض وهو معه في المستشفى وطلب منها عدم الذهاب للعمل حتى يتناول الإفطار معها في
العاشرة صباحاً جلس متوتراً وبقى حتى الواحدة ظهراً.
قال السائق:
ماما هذا زوج مجنون.
قالت وهي
تضحك على غير عادتها: ليش؟
قال: كلام
كثير بطال
عرفت
أنه زار والدها في مكتبه التجاري، طلب منه مبلغاً من المال كسلفية حتى ينهي بناء
منزله الجديد في شمال الرياض يسدده على أقساط أثناء حوار تجاوز فيه حدود الأدب.
على
طاولة العشاء في مطعم منتزه خارج المدينة فاتحها زوجها عن ضائقته المادية وطلب
منها أخذ قرض باسمها من البنك التي تستلم راتبها منه بضمان الراتب لما شعر أنها
مترددة كمل مسوغات القرض وأخذها إلى الفرع النسائي لتوقيع الأوراق.
أخبرت
والدها بالأمر ابتسم لما طال صمتها أشتد ضحكه فشعرت بالاطمئنان.
في
المساء وهي عائدة من المركز الرياضي فاتحها السائق الذي أنهى سنته الخامسة في
العمل عند والدها برغبته في السفر لبلده شعرت أن جزءاً من كيانها انفصل فلم تفاتح
أحداً بذلك.
قال والدها:
السائق يطلب إجازة شهرين.
قالت أمها:
حقه يشوف أهله.
قالت: وأنت؟
قال والدها:
يقوم بعمله أحد العاملين بالمكتب.
لم
تنم ليلتها ولما جاء زوجها لم يلاحظ انشغال ذهنها وارتباكها، وفي طريقها الصباحي
للعمل لم تنبس بكلمة وهي التي تثرثر عندما تكون في السيارة وقد غابت معالم الطريق،
محدقة عبر غطاء وجهها الشفاف في مرآة السيارة الأمامية حيث يطل جزء من وجه السائق.
جهز
السائق أوراقه وحصل على تأشيرة خروج وعودة من إدارة الجوازات لمدة ثلاثة أشهر كانت
تتابع ذلك بصمت من خلال حديث والدها واستفسارات والدتها البليدة عن البديل الذي
يستطيع تحمل طلبات المنزل والزوج المعقد.
قال السائق:
بعد ثلاثة أيام السفر ماما فين الهدية ؟!
قالت: ما في
هدية ليه مستعجل.
قال: ماما
أنت زعلان.
قالت: ليه
زعلان أنا تعبان وبس.
قال: ماما
أنت لازم تتونس.
قال: تونس
كيف؟
في
السابعة ليلاً وهي في طريقها للمركز الرياضي بملابسها الرياضية غير السائق مساره
اتجه إلى طريق تعرفه ولكن في هذا الوقت لم يكن مطلبها لم تتبس بكلمة حتى لاحت
استراحة تملكها الأسرة في شرق الرياض، ترتادها نهاي كل أسبوع وفي المناسبات
العائلية والأعياد تعرف أنها في هذا الوقت خالية من الحركة.
قالت: هيه.
قال: ماما
أنا قلت لازم يتونس.
قالت: ما في
أحد ؟!
قال: ماما
من غير زعل لازم يتونس.
فتح
مدخل الاستراحة وأدخل السيارة شاهدته ينزل من مؤخرة السيارة سلة بها قناني ماء
ومشروب ترجلت من العربة، وقفت مرتبكة ناولها قنينة ماء صغيرة تجرعت بعضها.
شل
تفكيرها نسيت هاتفها القابع في محفظتها الصغيرة المعلقة على كتفها، أنفاسه حولها،
كون حديثه عن السفر غمامة بيضاء انسكب ماؤها، أوراق سوداء تنهمر عابرة، أمسك
بذراعها تحركت حذره شئ في صوته يدفعها إلى الاقتراب، أصابعه تعبث بشعرها أبوابها
تنفتح باباً باباً، ودرفات نوافذها تصطفق بسبب ريح عاصف انبعث من داخلها.
في
الحادية عشرة ليلاً عادت للمنزل أسرعت إلى غرفتها تمددت في الفراش، الظلام يحيط
بها وصوت أمها وأبيها يصلها غابت عن الوعي نامت بملابسها وبعد عناء صحت على صوت
أمها الغاضب.
بدلت
ملابسها كانت الساعة العاشرة صباحاً تأخرت عن موعد العمل، مع كوب الحليب رن هاتفها
كان زوجها يستحثها لوجود مشكلة حدثت في الدائرة التي تشرف عليها.
في
السيارة وبعد تجاوز عدد من الشوارع وعند الإشارة الأخيرة التي ينتصب بعدها مبنى
القسم النسائي التي تعمل به اكتشفت أن الذي يقود السيارة السائق الجديد.
***
(الذئبة)
في
تحركي بين وقت وآخر بحثاً عن ابنتي وأختي الصغرى، أجدها أمامي تركز بصرها عليّ.
وإذا عرفت أني لمحتها حولت نظرها مبتسمة.
سألت
مرافقتي في الحفل عنها، أنكرت معرفتها، فأخذتها إلى حيث تجلس فلم نعثر عليها، كان
مقعدها خالياً.
انتهى
حفل الزواج. وتقاطرت النساء خارجات من قاعة الأفراح على نداء الرجال عند البوابة،
جاء صوت شقيقي، غادرنا الحفل، أوصلنا مرافقتي إلى دارها.
سيارة
زوجي واقفة، فتحت باب الشقة، كان نائماً في الفراش وطفلي الصغير بجواره. بعد أيام
وأنا في عيادة الأسنان بالمستشفى العام، وجدتها، جلست بجوارها، لم نتبادل الحديث،
كان دوري يسبقها، لما خرجت من عند الطبيب لم أجدها، كان مكانها فارغاً.
زوجي
داخل سيارته في مواقف المستشفى يتصفح جريدة، لم نتبادل الحديث، أوصلني إلى الدار
ثم عاد إلى عمله، أبني نائم وكذلك طفلتي، عاملة المنزل في المطبخ تجهز متطلبات
الغداء.
في
البارحة أنا وزوجي وبنتي وابني، كنا نتسوق في المركز التجاري. لمحتها تدفع أمامها
عربة التسوق، فأخذت أدقق ف ي تفاصيل جسدها. إنها أنا، .. ثوبها، عباءتها، وغطاء
الوجه الشفاف.
شعرت
برعشة تسري في جسمي. أمسكت بيد أبنتي وعدت إلى السيارة، جاء زوجي يدفع عربة
التسوق، كانت تسير بجواره حامله ابني، فتح مخزن السيارة الخلفي، ثم فتح باب المعقد
الخلفي، تعلق ابني برقبتي من الخلف، ابنتي نزلت تساعد والدها في ترتيب المشتريات.
دخل
زوجي العربة، مد نحوي ورقة حساب ما تم شراؤه وهو يستوي حالساً خلف مقود العربة، لم
أرفع كفى لأخذها كما هي عادتي في تدقيق فواتير الشراء.
ركز
بصره على، دس الفاتورة في كفي الرابضة على فخذي.
شعرت
بحرارته، ابنتي تجادل أخاها بشأن علبة حلوى رفض اقتسامها معها. تحركت العربة. زوجي
يتحدث، تجاوزنا عدداً من إشارات الطريق.
ونحن
ننعطف يمنة حتى تدخل شارعنا تنبهت من خواطري، زوجي بهم بإغلاق مذياع العربة. ابني
وجهه ملطخ بالحلوى. ابنتي منزوية في ركن المقعد وقد انحسر الثوب عن فخذها.
فتحت
أبواب السيارة الأربعة. دخلت الدار وخلفي الجميع. أسرعت عاملة المنزل إلى العربة
لإنزال ما تسوقنا.
وقفت
أمام مرآة خزنة الملابس أبدل ثوبي. كانت تقف بجواري ضاحكة، حاولت تقليد فنبتت لي
أنياب ذئبة. غطيت وجهي بكفي وأخذت أبكي.
***
(الغانية)
تبدلت
الحكايات ونفق الصدق، زمن جد لا يحمل هوية تراقص فيه أشباح تريد سيادة من ورق،
أوراق الأشجار الجافة تتكوم فوق أرصفة منازل حي قروا الفارعة المهجورة بعد أن
تناثر باقي أفراد أصحابها.
وسكن
ملاحقها أسر وافدة لا يوقف ممارستها أحد، وإن استفاد بعض أبناء الطائف من خدماتها،
ولذة مسروقة تمارس ف ي غياب الرقيب.
قالت:
وهي تحدث الصمت، ولدت في منزل من منازل قروا الفارعة، والدي الأسمر أحد خدم أمير
عجوز اتخذ الطائف مصيفاً، رشيقة يلاحقني الجميع بنظراتهم وهمسهم، مكانة أبي الخاصة
تفرض وجودي في أنحاء المنزل الذي نسكن أحد ملاحقة، وأمي السوداء إحدى عبيد القصر.
تفتح
جسدي الأسمر بعيداً عن عيون أمي واهتمام والدي، على يد سائق هندي، مارس طقوسه معي
عندما يتشغل الجميع عنا.
في
صباح يوم خميس وأنا في الثانية عشرة، طلبت مني إحدى سيدات المنزل إحضار صندوق
حليها من مخدعها، كان الأمير في الفراش تنبه لوجودي، فجر طفولتي وبهرته تفاصيل
جسدي.
علمت
أمي وهمست بذلك في أذن والدي الذي لا يدري ماذا يفعل، وسافر الجميع ولم يبق سوانا
وجاء أبي متجللاً بعد قلق، يحمل تنازل الأمير عن المنزل لوالدي، وصك عتق والدتي،
وأمر بموجبه تزوجت أحد حاشية الأمير الذي أقام في أسبانيا لظروفه الصحية، وسافرت
إلى زوجي وبعد عشر سنوات عدت إلى رعاية أمي بعد وفاة والدي..
لم
يعد المنزل كما كان، فقد تداعى الترف .. مارست حقي في إعادة الحياة إلى جناته
ورعيت دراسة أختي، وعرفني أخي على أسرة فتى يمني اعتدت مشاهدته كان أخي يرعى طلبات
أسرة الفتى، من خلال توثق علاقته بالأب الذي يتعاطى المخدرات.
صديق
أخي جاء باكياً عصر يوم قبضت فيه الشرطة على والده، احتضنته مواسية، أنفاسه تلفح
صدري فسكن روعه، قالت أمي بحدة، الرجل يتسحق السجن. جاء أخي وخرج الاثنان.
مات
الأمير وتفرقت حاشية، عاد زوجي وطلب مني السفر معه إلى الرياض للعمل في منزل أكبر أبناء الأمير، كان
منزلنا في طرف الحي الذي يتوسطه قصر الأمير.
احتفظ
برشاقة ورخامة في الصوت ومرح ماجن، ذات ليلة قالت زوجة الأمير وأنا أساعدها على
تبديل ملابسها بعد حفل موسيقي في القصر غنيت فيه مع الفرقة أنى راقصة ماهرة.
زوجي
استثمر إعجاب الجميع بي لمنافع خاصة، أطفالي تنمو مطالبهم ويتدرجون في التعليم
بنجاح مع إهمال متزايد وجهل من والدهم، بعد حصول الأمير الصغير على الثانوية سافر
إلى أمريكا للدراسة ولحق به ابني.
ذات
ليلة طرق أحدهم بابنا، صوته أخافني وزرع في جسدي رعشة الطفولة، كان السائق الهندي،
عرفت أنه حصل على الجنسية وأصبح صاحب شركة مقاولات هامة، جاء من الطائف يسأل عن
رسالة بريدية تأخر وصولها من مكتب الأمير.
بعد
هذه الزيارة، وافق زوجي على عودتنا إلى الطائف والسكن مع أسرتي، أسرة اليماني صديق
شقيق بينهم فتاة عانس تحرص إذا تأخرت والدتها في الجلوس عندنا على الرقاد في فراشي
ولبس منامتي.
بعد
حفل زواج أقيم في صالة أفراح أحيته فرقتي النسائية التي شكلتها، أخذني قائد
السيارة التي ركبت إلى فناء منزل مهجور في قروا، كان الحارس ينتظرنا، داخلي ارتبك
والسائق يأمرني بالنزول جرني إلى غرفة معتمة، أخذ يلعق رقبتي فاستسلمت لشبقه
والحارس الأسمر الممتلئ الجسم يقف بالباب مضطرباً، أخذت أضحك، دفع السائق والتحم
بي، رائحته تزكم أنفي ووجدت معه لذة فقدتها، في الثامنة صباحاً كنت أدخل الدار
الهاجعة.
حول
مائدة الغداء تبادلنا الحديث المعتاد، رن الهاتف بادل أخي المتحدث الحوار بصمت،
عاد وجلس بجواري، قال بحزن إن زوجي الذي يرقد في المستشفى مات.
وحدت
في أسرة (بنقالين) شيئاً من رغبتي في زراعة فناء المنزل والعناية بالنظافة فتحت
لها أبواب الجناح الذي ولدت فيه.
أختي
الجامعية تزوجت سائق السيارة التي توصلها مع زميلاتها إلى العمل وهجرت المنزل، صحة
أمي تدهورت وأخي الذي يشاركني المنزل رزق ولداً من زوجته المصرية.
تذكرت
السائق الهندي، أخذت سيارة أجرة حتى لا يلاحظ أحد قصدي، كان منزله مغلقاً وعلى
الجدار إعلان للبيع.
***
(المحطة
الأخيرة)
في
اليوم الرابع على موتها تجمع الأبناء والبنات، حول التلفزيون حديثهم متقطع منهم من
يتابع أحداث مباراة في كرة القدم بين فريق نادي النصر الرياضي وفريق النادي الأهلي
الساعة التاسعة ليلاً والمباراة في الدقيقة العشرين من الشوط الأول والنصر متقدم
بهدف سجل في الدقيقة الثامنة.
رن
جرس الهاتف فتناولت عواطف الابنة البكر للمتوفاة سماعة الهاتف من ابن أختها الذي
لم يتجاوز الرابعة، تقبلت المواساة في والدتها من المتحدثة التي لم تعرف نفسها،
أربكها حرص المتصلة على وجود الجميع/ حنان/ توفيق/ عبدالعظيم/ أمينة/ جاء ترتيب
الأسماء حسب الأعمار.
بعد
صلاة الظهر وقد أخر توفيق سفره وأجلت حنان رحلتها مع طفليها بالطائرة أربعاً
وعشرين ساعة واستمهلت أمينة زوجها الذي أقام عند شقيقه وتركها مع أطفالها الثلاثة
تشارك أخوتها في مراسم العزاء حتى بعد صلاة الجمعة بينما كانت عواطف تمتلك وقتها.
فهي منذ أن دخلت والدتها المستشفى في إجازة مفتوحة من العمل ومن زوجها وابنتها الوحيدة
لتكون بجوار والدتها وهاجس الموت، عبدالعظيم يقيم مع المتوفاة منذ عامين بعد أن
طلقته زوجته وتخلت عن ابنها فقام بالعناية به، كانت المتحدثة ممرضة في المستشفى
الذي توفيت فيه أمهم فعرف الجميع من خلال متابعتهم حال أمهم الصحية.
قالت:
تقديراً لوصية المرحومة وأنا محرجة جئت اسلمكم أمانة أودعتني إياها الوالدة طالبة
مني تسليمها لبنتها عواطف في حضور الجميع.
بعد
خروج الضيفة انتصبت على الطاولة التي تتوسط الغرفة علبة بيضاء صغيرة الحجم يلتفت
حولها شريط أحمر اللون، ترددت عواطف في فتح العلبة وقام توفيق بفك الرباط، في
العلبة أساور ذهبية وخواتم فضية ذات فصوص من الحجر الكريم وصورة فوتوغرافية لرجل
يعرفه الجميع ينعتونه بالعم متجاهلين اسمه وقرابته، ورسالة بخط مرتبك يعرفون أن
أمهم أمية لا تعرف الكتابة وترهقهم بشرح ما يعرضه التلفزيون من أفلام أجنبية.
تخطفت
أيديهم الحلي وبقيت الرسالة بين يدي عواطف مع الصورة التي تثنت أطرافها، وقد نسى
الجميع أمر الرسالة وانشغل كل واحد بالاستعداد للسفر، أول المغادرين توفيق لمواصلة
غربته وركبت أمينة عربة زوجها وسط شغب أطفالها واستعجاله، وعواطف رتبت سفرها في
رحلة حنان.
في
المطار وقد غادرت حنان الطائرة شعرت بالوحدة مستعيدة الأيام الأخيرة لأمها مع صراع
المرض ولا أبوها الذي رحل منذ عشرة سنوات في حادث سير أثناء زيارة عمل لقريته في
أقصى الجنوب متابعاً أعمال بناء منزل للعائلة في جزء من أرض زراعية تمكن بعد صراع
مع أفراد من أسرته وبعض أكابر جماعته من تملكها.
يعلن
المذيع الداخلي أن الرحلة سوف تتأخر بسبب سوء الأحوال الجوية، في محطتها الأخيرة
ترددت في مغادرة الطائرة عدلت وضع مسند المقعد ونامت فجاءتها أمها في المنام
تسألها عن نصيبها من الحلي.
قالت:
أخوتي وهن يتخطفون العلبة لم يبق شئ.
تنبهت
متذكرة العلبة فنهضت وفتحت درج الحقائب الذي يعلو مقعدها وأخرجت العلبة. حدقت
بالصورة إنها تعرف الرجل فهو يسكن في بدروم مبنى مجاور لمنزل الأسرة معتدل الصحة،
ووالدها يعطف عليه ويتابع حالته الصحية وتقوم أمها بغسل ملابسه وإشراكه في الطعام
حيث ترسل أحدهم بما تيسر.
قالت
الممرضة إنها من إملاء المريضة، الرسالة في صفحتين من دفتر مدرسي بقلم مرتبك وحروف
تآكلت أطرافها.
أولادي
... وبناتي ..
كان
أبوكم رحمة الله عليه باراً وحريصاً على علاقتي به، في البداية توهمت أنه يعزني
ولكن الوقت كشف لي أنه حاقد يريد تدمير من حوله وخاصة جماعته وأهله لم أصدق عندما
قال أبي أنه زوجني بسعيد الذي يعرف أن شيخ قريتنا خالي حجزني لولده صالح كما تقول
أمي، كان صالح طوع أبيه ويده اليمنى حتى فقد عقله عندما (طاح) ذات يوم في بئر من
آبار مزرعتنا ولم ينجح محاولات أبيه في علاجه من البكم والصرع الذي ينتابه بسبب
الجنيه التي دخلته.
بعد
ستة أشهر جاء سعيد وتزوجته وتقطعت حبال المودة بين والدي وجماعتنا، ثم سافرت مع
زوجي إلى مقر عمله في الشرطة بواباً في المحكمة الشرعية بالطائف وكنت خادمة في
منزل رئيس المحكمة، عندما يكون عنده ضيوف تضحك الحريم من لهجتي فأتحمل (عشان) سعيد
الذي خطط لشراء بيت أفضل وأوسع من الذي تستأجره.
تأخر
حملي وقلق سعيد ووصلت شكواه للقاضي الذي أعطاه أوراق محو آيات من القرآن وأدعية
كتبت بماء الزعفران عسى أحمل وصار النصيب الذي عطلني عن الخدمة في بيت القاضي،
وشعرت بأن زوجة القاضي تكرهني وأمها تقول إني (خربانة) فانقطعت عن الناس حتى ولدت
وجاءت أمي ومعها الشيخ وولده المريض، دخل صالح المستشفى ولما خرج قام سعيد برعاية
وبحجة مواعيد المستشفى استأجر له غرفة في شارعنا وأصبح الشيخ يرسل فلوساً وحباً
وفواكه إلى والده عن طريق سعيد. كان المريض يقضي وقته عندنا في الدار وقد شاركت
سعيد في رعايته إذ أغسل ثيابه وأعطيه من طعامنا فعرفت أنه يفرح (ويصح) إذا أبصرني
ولاحظ سعيد ذلك فاستغل الوضع فكان يمنع المريض من (شوقي) فيهيج ويركض في الشوارع
فتمسكه الشرطة وتدخله المستشفى، فيأتي والده ويقوم سعيد بإخراجه ويتعهد رعايته
ويطلب فلوساً إضافية، فخطط سعيد لمنع أخوانه من نصيبهم في مزرعة الديرة وشهد الشيخ
معه.
اشتد
المرض على صالح فضعف جسمه، وزاد نحوله وطال شعر رأسه ولحيته. عندما دخل الحمام ذات
يوم يستحم أغمي عليه فسمعه (يطيح) على الأرض. لم يكن في الدار أحد فدخلت وحملته،
تمدد في غرفة الجلوس وفتح عينيه فشعرت أنه يريد قول شئ. قصصت شعر رأسه وشذبت لحيته
فأخذ يبكي وهو يقبل يدي. شئ مسنى وحرارة سرت في عروقي فمسحت دموعه، وقدمت له
الطعام فامتنع، لكني بدأت اللقمة فيضحك مثل الصغار ثم يطعمني بدوره وعندما خرج سلم
على رأسي.
لاحظ
سعيد التغير لكن لم يسأل فقد فتح بقالة ومكتب وعقار مستغلاً وقته بالإعداد لبناء
دار في مزرعة القرية، عرفت أن صالح يجبني ويطيبه خاطر أصبح رجلي يعرف سري ويشاركني
في همي وفي الصباح أفطره (نسولف) ونتابع مسلسلات التلفزيون وأرقد معه في بعض
الأيام، وعند الظهر يذهب إلى المسجد ويقوم بفرش سجادة صغيرة قدام باب غرفته يجلس
عليها حتى العشاء ثم يدخل وفي الصبح بعد خروج سعيد يدق الباب.
أنه
أبوكم الحقيقي الذي معه شعرت بالأمان، وأنا تذكرت ريح أهلي بيت الحجر والذرة
والقصب والبقر، نحرث الأرض ونسقي الزرع، والقربة التي أحمل بها الماء ولما مات
سعيد زادت رعايتي، حتى جاءت أخته التي لم يرزقها الله أولاداً قبل عامين فأخذته
إلى الديرة بعد موت زوجها، عارضتها في البداية إذ كان صامتاً لم يتفوه بكلمة، فبكى
وهمهم ببعض الكلمات لم يصرع ولم يركض في الشوارع كما هي عادته عندما يغضب، وقد
أعطاني الحلي والصورة يوم سافر.
تنبهت
عواطف لحركة داخل الطائرة، الركاب يعودون والمضيفون والمضيفات يقومون بأعمالهم،
تريثت حتى أقلعت الطائرة ثم أخذت تدقق النظر في الصورة، قالت المضيفة وهي تقدم لها
كوب ماء طلبته: زوجك ..! هزت رأسها بالإيجاب.
***
مصادر ومراجع البحث:
-
القرآن الكريم .. كلام
الله سبحانه وتعالى.
أولاً: المصادر والمراجع:
1)
آفاق الرؤية وجماليات
التشكيل:
مداخل نظرية
ومقاربات تطبيقية في القصة السعودية القصيرة:
د/ محمد
صالح الشنطي – إصدارات النادي الأدبي بحائل – السعودية سنة 1418هـ.
2)
الاتجاهات الفنية للقصة
القصيرة في المملكة العربية السعودية:
د/ مسعد بن
عيد العطوي ط أولى – إصدارات النادي الأدبي بالقصيم – السعودية سنة 1415هـ.
3)
الأدب الحديث تاريخ
ودراسات:
د/ محمد بن
سعد بن حسين جـ 2 – الطبعة الخامسة – مطابع الفرزدق – الرياض – سنة 1411هـ -
1999م.
4)
الأدب في عالم متغير:
د/ شكري
محمد عياد – ط الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر – القاهرة سنة 1971م.
5)
الأدب وفنونه الأدبية:
د/ محمد
عناني – ط الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1984م، سلسلة مكتبة الشباب، رقم (4)
وزارة الثقافة المصرية.
6)
الأسلوب:
د/ محمد
كامل أحمد جمعة – ط2، مكتبة القاهرة الحديثة – القاهرة، سنة 1963م.
7)
البحث في آفاق أرحب ..
مختارات من القصة الكويتية المعاصرة: إعداد وتقديم د/ مرسل فالح العجمي – كتاب
العربي رقم (71) ط، الكويت – يناير سنة 2008م.
8)
بلاغة الخطاب وعلم
النص: د/ صلاح فضل. ط مؤسسة مختار للنشر والتوزيع – القاهرة 1996م.
9)
بناء الرواية، دراسة
مقارنة لثلاثية نجيب محفوظ: سيزا قاسم – ط الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة
1984م.
10)
بنية القصة القصيرة عند
نجيب محفوظ .. دراسة في الزمان والمكان: محمد السيد محمد إبراهيم – الهيئة العامة
لقصور الثقافة – مصر سنة 2004م.
11)
التجربة الإبداعية في
ضوء النقد الحديث: د/ صابر عبدالدايم يونس، ط أولى- الخانجي – مصر – سنة 1410هـ -
1900م.
12)
جماليات القصيدة
المعاصرة: د/ طه وادي – ط3، دار المعارف المصرية، سنة 1994م.
13)
ابن حسين بين التراث
والمعاصرة: د/ طلعت صبح السيد – ط أولى – الحميضي – الناشر دار عبدالعزيز آل حسين
للنشر والتوزيع – الرياض – سنة 1422هـ - سنة 2001م.
14)
دراسة في القصة القصيرة
عند محمد الشقحاء: د/ طلعت صبح السيد – ط أولى – دار الحارثي – الطائف، سنة 1410هـ
- 1990م.
15)
رائحة الزهور البرية:
مجموعة قصصية لصالح الصياد، ط الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1993م.
16)
عن الدهشة والألم 50
قصة بأقلام عربية: تقديم د/ سليمان العسكري، كتاب العربي – رقم (68) ط الكويت –
إبريل سنة 2007م.
17)
عن اللغة والأدب والنقد
.. رؤية تاريخية ورؤية فنية: د/ محمد أحمد العزب ط أولى – دار المعارف المصرية سنة
1980م.
18)
الغياب: قصص قصيرة –
محمد منصور الشقحاء – ط أولى – أصوات معاصرة – السنة (26)، العدد (145) مايو سنة
2005م.
19)
في الأدب العربي
الحديث: د/ حمد بن ناصر الدخيل – ط أولى – إصدارات النادي الأدبي – حائل –
السعودية سنة 1420هـ/ 2000م.
20)
في القصة العربية: د/
يوسف حسن نوفل، ط الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية سنة 1992م.
21)
القصة العربية أجيال
وآفاق: كتاب العربي رقم (24) ط الكويت – يوليو سنة 1989م.
22)
القصة القصيرة .. دراسة
ومختارات: د/ الطاهر أحمد مكي – ط 3 – دار المعارف المصرية، سنة 1983م.
23)
القصة القصيرة في
المملكة العربية السعودية: سحمي ماجد الهاجري – ط أولى – النادي الأدبي بالرياض –
السعودية سنة 1408هـ - 1987م.
24)
لسان العرب: لابن منظور
المصري – ط دار المعارف المصرية.
25)
المحطة الأخيرة ..
حكايات وقصص قصيرة: محمد منصور الشقحاء – ط أولى – دار الفارابي – بيروت – لبنان،
سنة 2008م.
26)
مدخل إلى دراسة العنوان
في الشعر السعودي: د/ عبدالله بن سليم الرشيد – ط أولى – مطابع الحميضي – إصدارات
نادي القصيم الأدبي – بريدة – السعودية سنة 1421هـ/ 2008م.
27)
المشهد الشعري في
رباعيات حسين علي محمد: د/ علي عبدالوهاب مطاوع – ط الراعي – مصر – سنة 2005م.
28)
المعجم الوجيز: تصدير
الدكتور إبراهيم مدكور – مجمع اللغة العربية – مصر – سنة 1992م.
29)
المعجم الوسيط: إبراهيم
مصطفى وآخرون – نشر مجمع اللغة العربية – مصر – سنة 1980م.
30)
مقالات في الأدب العربي
المعاصر: د/ حسين علي محمد. ط سلسلة أصوات معاصرة – مصر، العدد (135)، السنة (25)
ديسمبر سنة 2004م.
ثانياً:
الصحف والمجالات:-
1)
أبعاد: العدد الثالث –
ذو القعدة سنة 1429هـ - نوفمبر سنة 2008م.
مجلة فصلية
تصدر عن نادي القصيم الأدبي – بريدة –العربية السعودية.
2)
الأربعاء: عدد العاشر
من المحرم سنة 1430هـ - الموافق السابع من يناير سنة 2009م، جريدة ثقافية تصدر يوم
الأربعاء من كل أسبوع عن مؤسسة المدينة – العربية السعودية.
3)
جريدة الشرق الأوسط:
العدد (3571) الأربعاء 7/9/1988م.
4)
جريدة صوت الأزهر: عدد
الجمعة -19 من ربيع الآخر سنة 1429هـ - 25 من أبريل سنة 2007م.
5)
لطائف المأنوس: العدد
(12700) السبت 22 من جمادى الآخرة سنة 1428هـ - 7 من يوليو سنة 2007م. ملحق جريدة
الجزيرة – السعودية.
6)
المجلة الثقافية: العدد
(259) الاثنين 5 من ذي القعدة سنة 1429هـ - 3 من نوفمبر سنة 2008م ملحق جريدة
الجزيرة الأسبوعي الثقافي.
7)
المجلة الثقافية: العدد
(260) الاثنين 12 من ذي القعدة سنة 1429هـ - 10 من نوفمبر سنة 2008م. ملحق جريدة
الجزيرة الأسبوعي الثقافي.
8)
المجلة الثقافية: العدد
(262) الاثنين 26 من ذي العقدة سنة 1429هـ - 24 من نوفمبر سنة 2008م.
9)
المجلة العربية: العدد
(382) السنة (الثالثة والثلاثون) – ذو القعدة 1429هـ/ نوفمبر 2008م.
تم بحمد الله وتوفيقه،،
[1] - التجربة الإبداعية في ضوء النقد الحديث : د/
صابر عبدالدائم صــ5 ط-الخانجي بمصر سنة 1410هـ - سنة 1990م.
[2] - المرجع السابق : الصفحة نفسها.
[4] - المحطة الأخيرة.. حكايات وقصص قصيرة : محمد
المنصور الشقحاء. ط أولى– دار الفارابي – بيروت – لبنان. سنة 2008م
[5] - وفي هذا النوع من القص القصير هم الكاتب في
تصوير لقطعة من لقطات الحياة لاستشفاف معنى باطن قد تمر به العين ولا تراه، وتبدو
النهاية هنا مفتوحة، أي أن القصة تبدو لنا دون نهاية. للمزيد راجع هنا: الأدب
وفنونه الأدبية : د/ محمد عناني صـ 97 سلسلة مكتبة الشباب رقم (4) وزارة الثقافة
المصرية –ط الهيئة المصرية العامة للكتاب. سنة 1984م.
[6] - القصة العربية أجيال وآفاق : دراسة الدكتور
إحسان عباس. صـ 10. كتاب العربي رقم (24) ط. الكويت – يوليو سنة 1989م.
[7] - وإن ظهرت القصة القصيرة بوصفها جنساً ادبياً
على صفحات المجلات الأسبوعية والشهرية والفصلية في أوروبا القرن التاسع عشر بعد أن
أصلها في جمهورية الأدب ثلاثة كُتاب هم : الفرنسي موباسان، والروسي تشيخوف،
والأمريكي إدجار ألن بو. راجع هنا : البحث عن آفاق أرحب – مختارات من القصة
الكويتية المعاصرة : إعداد وتقديم د/ مرسل فالح العجمي. صـ 5، كتاب العربي رقم
(71) ط. الكويت، يناير سنة 2009م.
[8] - عن الدهشة والألم 50 قصة بأقلام عربية : تقديم
د/ سليمان العسكري صـ 4-5، كتاب العربي رقم (68). ط. أولى – الكويت – أبريل سنة
2007م.
[9] - القصة العربية أجيال وآفاق : صـ 8.
[10] - الأدب وفنونه الأدبية : د/ محمد عناني. صـ
92-93 بتصرف.
[12] - القصة العربية أجيال وآفاق : صـ 10.
[13] - بناء الرواية دراسة مقارنة لثلاثية نجيب محفوظ
: سيزاقاسم صـ 21. ط الهيئة المصرية العامة للكتاب صـ 1984.
[14] - القصة العربية أجيال وآفاق : صـ 9.
[15] - سورة القصص : آية (11).
[16] - سورة القصص : آية (25).
[17] - سورة ق : آية (30).
[18] - تفسير المنار : 1/280
[19] - سورة البقرة : آية (102).
[20] - سورة البقرة : الآيات من (30-38).
[21] - راجع القصة بتفاصيلها في : القصة القصيرة :
للدكتور / الظاهر أحمد مكي من صـ 25-29. والذي بسط الحديث حولها بسطاً علمياً
دقيقاً. ط 3 دار المعارف المصرية، سنة 1983م.
[23] - القصة العربية أجيال وآفاق : صـ 9 مرجع سبق
ذكره. وللمزيد حول أصول القصة راجع :
· القصة
القصيرة دراسات ومختارات : د/ الطاهر أحمد مكي من صـ 7-105.
· الأدب
وفنونه الأدبية : د/ محمد عناني من صـ 91-98.
· عن
الدهشة والألم 50 قصة بأقلام عربية : تقديم د/ سليمان العسكري ص 4-7 ط الكويت سنة
2007
[24] - كان ذلك في فندق الموفنبيك "بمدينة بريدة
بالمملكة العربية السعودية على هامش ملتقى القصيم الأدبي الرابع في الفترة من
(5-7/11/1429هـ الموافق 3-4/11/2008م)، حيث عايشته معايشة تامة خلال ثلاثة أيام
بليالهن كانت الجلسات النقاشية تمتد فيها حتى الواحدة صباح اليوم التالي. اقتربت
فيها من قلبه وعقله وإبداعه وإنسانيته، فوقفت على الكثير من سيرته الذاتية
الإبداعية عن قرب".
[25] - من الأساتذة الدكاترة / حمد السويلم، محمد
عبدالحكيم، خليل أو ذياب، على مطاوع، يوسف العارف، محمد القاضي سعيد شوقي، علاء
حمزاوي، صالح بن إبراهيم الحسن، راجع برنامج فعاليات ملتقى نادي القصيم الأدبي
الرابع، سنة 1429هـ.
[26] - في مدينة بريدة بالقصيم مساء الثلاثاء
6/11/1429هـ الموافق 4/11/2008م
[27] - مجلة أبعاد السعودية : العدد الثالث – ذو
القعدة سنة 1429هـ - نوفمبر 2008م صـ 69 بتصرف. تصدر عن نادي القصيم الأدبي ببريدة
- السعودية
[29] - المجلة الثقافية : العدد (262) صـ 23. الاثنين
26 من ذي القعدة سنة 1429هـ - 24 من نوفمبر سنة 2008م
[30] - المجلة الثقافية : العدد (259) صـ 22 الاثنين
5 من ذي القعدة سنة 1429هـ - 3 من نوفمبر سنة 2008م.
[31] - المجلة الثقافية : العدد (260) صـ 8 الاثنين
12 من ذي القعدة سنة 1429هـ - 10 من نوفمبر سنة 2008م.
[32] - المرجع السابق : نفس الصفحة والعدد.
[33] - الاثنينية منتدى أدبي ثقافي تأسس بحده عام
1403هـ الموافق 1982م بمبادرة الشيخ عبدالمقصود محمد سعيد خوجة الراعي الأول لهذا
المنتدى الذي أنطلق كمجلس أدبي فكري خاص (الاحتفاء والاحتفال برواد العلم والفكر
والثقافة والأدب، وأن يكون مجلس أدب تتصل أجواؤه بذكريات تلك الجلسات الصباحية
التي كان يلتقي فيها نخبة من كتاب وشعراء وأدباء الوطن في مكتب (الوالد) الراحل
محمد سعيد عبدالمقصود خوجة – رحمه الله – بجريدة أم القرى). وكان ضيف المساء الأول
(22-1-1403هـ الموافق 8-11-1982م) الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري صاحب مجلة المنهل
والأديب والباحث الرائد في مجالات عدة أهمها روايته (التوأمان) التي بها يؤرخ
لرواية السعودية. راجع المزيد : اللجنة الثقافية : العدد (260) صـ 8 من ذي القعدة
سنة 1429هـ - 10/11/2008م
[34] - المرجع نفسه,
[35] - سلسلة أدبية معاصرة أسسها المبدع المصري
الشاعر الناقد الأديب الدكتور/ حسين علي محمد في 8 أبريل عام 1980م، بمدينة ديرب
نجم بإقليم الشرقية بمصر، وقد شاركه في الإصدار العديد من رموز الأدب العربي
المعاصر في مصر، في مقدمتهم رفيق دربه شاعر الأزهر الناقد الأستاذ الدكتور صابر
عبدالدايم يونس، والأحباب من عشاق الحرف الأخصر : الأديب الناقد الدكتور أحمد زلط،
والأديب محمد سعد بيومي، والشاعر الراحل عبدالله السيد شرف، والفنان أحمد مخيمر.
وقد دشن لها
مؤسسها ومحررها الأول موقعاً على شبكة الانترنت في الأول من شهر يوليو عام 2002م
لمواكبة عالمية إبداعها الذي تعدى حدود مصر. للمزيد من التفصيل حول هذه السلسلة
الأدبية الرائد يراجع هنا:
·
المشهد الشعري في
رباعيات حسين علي محمد : د/ علي عبدالوهاب
مطاوع صـ 42 وما بعدها ط الراعي – الزقازيق – مصر سنة 2005م.
· مقالات في الأدب العربي المعاصر : د/ حسين علي محمد من
صـ 66-81 ط سلسلة أصوات معاصرة – مصر، العدد (135) – السنة (25) ديسمبر سنة 2004م.
[36]- حيث ولد في عام 1366هـ - 1947م كما ذهب الدكتور طلعت صبح. راجع
كتابه حول هذا الموضوع.
- دراسة في
القصة القصيرة عن محمد الشحقاء : د/ طلعت صبح السيد صـ 36 ط. أولى – دار الحارث –
الطائف سنة 1410هـ - 1990م. وإن امتدت أصوله كما اتضح لي من خلال بحثي لي سيرته
هنا في المملكة – إلى منطقة القصيم التابعة للمنطقة الشمالية بالعربية السعودية،
وهو ما يؤكده احتفاء هذه المنطقة بإبداعه.
[37] - الغياب : قصص قصيرة لمحمد منصور الشقحاء –
الغلاف الأخير بقلم د/ حسين علي محمد، ط. أولى – أصوات معاصرة : السنة (26) العدد
(145) مايو سنة 2005م
[38] - في الأدب العربي الحديث : د/ حمد بن ناصر
الدخيل ص 137 ط أولى – نادي حائل – السعودية سنة 1420هـ - 2000م.
[39] - في الأدب العربي الحديث : د/ حمد بن ناصر
الدخيل ص 137
[40] - الأسلوب : د/ محمد كامل أحمد جمعة ص 67 وما
بعدها ط 2، مكتبة القاهرة الحديثة – القاهرة، سنة 1963م.
[41] - الغياب : ص 33.
[42] - السابق : ص 15.
[43] - الغياب : ص 33.
[44] - في القصة العربية : د/ يوسف حسن نوفل ، ص 110،
111.
[51] - يراجع هنا : لسان العرب : لابن منظور، ط دار
المعارف – مصر، والمعجم الوسيط : إبراهيم مصطفى وآخرون – نشر مجمع اللغة العربية –
مصر سنة 1980م، والمعجم الوجيز : تصدير الدكتور إبراهيم مدكور – مجمع اللغة
العربية – مصر سنة 1992م (عنون)
[52] - مدخل إلى دراسة العنوان ي الشعر السعودي : د/
عبدالله بن سليم الرشيد ص 8، ط أولى – مطابع الحميضي، الناشر: نادي القصيم الأدبي –
بريدة – السعودية سنة 1429هـ - سنة 2008.
[54] مدخل إلى دراسة العنوان في الشعر السعودي : د/
عبدالله بن سليم الرشيد، ص 60
[55] - المرجع السابق : ص 18
[56] - الأربعاء : عدد 10 من محرم سنة 1430هـ الموافق
7 من يناير سنة 2009م، ص 8 ثقافية تصدر يوم الأربعاء من كل أسبوع عن مؤسسة
المدينة.
[58] - عن اللغة والأدب والنقد .. رؤية تاريخية ...
ورؤية فنية: د/ محمد أحمد العزب ص 177، ط1، دار المعارف، مصر، سنة 1980م
[59] - مجموعته القصصية "الغريب" التي صدرت
عام 1408هـ - 1988م.
[62] - للمزيد حول عشق الشقحاء للقصة القصيرة وفلسفته
الإبداعية فيها يراجع:
دراسة في القصة القصيرة عن محمد الشقحاء : د/
طلعت صبح من ص 34-38.
[65] - جريدة صوت الأزهر : عدد الجمعة 19 من ربيع
الآخر 1429هـ - 25 من أبريل سنة 2007م
- حوار مع الناقد السعودي الدكتور/ ظافر الشهري
حول الرواية السعودية.
[74] - في القصة العربية : د/ يوسف حسن نوفل صـ58، 59
ط الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية سنة 1992م بتصرف
[75] - الأدب في عالم متغير: د/ شكري محمد عياد صـ
165 بتصرف ط الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر القاهرة سنة 1971م.
[85] - رائحة الزهور البرية : مجموعة قصصية لـ : صالح
الصياد : دراسة د/ مدحت الجيار، ص 89 بتصرف
[86] - وابن عرس: دويبه كالفارة تفتك بالدجاج ونحوه.
[88] - الغياب : ص 49
[92] - الغياب : صـ 7
[96] - سورة الذاريات : آية (22).
[97] - سوق ق : آية (11).
[98] - الدكتور محمد بن سعد بن محمد بن حسين. أستاذ
الأدب والنقد بكلية اللغة العربية – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية –
بالرياض.
[99] - الأدب الحديث تاريخ ودراسات: د/ محمد بن سعد
بن حسين جـ2 صـ 128 ط5 – مطابع الفرزدق – الرياض سنة 1411هـ - سنة 1990م
[100] - ابن
حسين بين التراث والمعاصرة: د/ طلعت صبح السيد صـ 507 ط أولى – الحميضي – الناشر
دار عبدالعزيز آل حسين للنشر والتوزيع – الرياض – سنة 1422هـ - سنة 2001م.
[101] - دراسة
في القصة القصيرة عند محمد الشقحاء: د/ طلعت صبح السيد صـ 103.
[102] -
الاتجاهات الفنية للقصة القصيرة في المملكة العربية السعودية : د/ مسعد بن عيد
العطوي، صـ 104، 105 ط أولى – نادي القصيم سنة 1415هـ.
[103] - المرجع
السابق : صـ 60.
[104] - ملحق جريدة الجزيرة : خاص (للطائف المأنوس
"صـ 59 العدد (12700) السبت من جمادي الآخرة سنة 1428هـ / الموافق 7 من يوليو
سنة 2007م.
[105] - آفاق الرؤية وجماليات التشكيل .. مداخل نظرية
ومقاربات تطبيقية في القصة السعودية القصيرة : د/ محمد صالح الشنطي صـ 593-594
بتصرف. من إصدارات النادي الأدبي – حائل سنة 1418هـ، وللمزيد أيضاً يراجع هنا:
-
القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية: سحمى ماجد الهاجري ط أولى – النادي الأدبي بالرياض – سنة 1408هـ
سنة 1987م.
[106] - بنية القصة القصيرة عند نجيب محفوظ .. دراسة
في الزمان والمكان : محمد السيد محمد إبراهيم صـ 146 – الهيئة العامة لقصور
الثقافة مصر – سنة 2004م.
[108] - للمزيد حول هذا الجنس يراجع: "مميزات
القصة القصيرة جداً ومرجعياتها الثقافية والواقعية" د/ جميل حمدان من صـ 30-39
مجلة: أبعاد: العدد (3) ذو القعدة سنة 1429هـ - نوفمبر سنة 2008م.
[110] - قال بذلك الناقد الأمريكي: (ادجار آلن بو) في
معرض تعريفه للقصة القصيرة. راجع هنا للمزيد من آرائه في:- الأدب وفنونه الأدبية :
د/ محمد عناني صـ 94.
[112] - يراجع آخر أعماله في هذا اللون والتي لم تنشر
بعد إلا في المجلات السعودية، وقد أثبت العديد منها في ذيل الدراسة على سبيل
المثال: أنظر المجلة العربية : العدد (382)، السنة (33) – ذي القعدة 1429هـ/
2008م. ومجلة أبعاد: العدد الثالث: ذو القعدة 1429هـ - 2008م.
[118] - القصة القصيرة دراسة ومختارات: د/ الطاهر أحمد
مكي صـ 73.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق