المرأة وانثيالات الخطيئة
قراءة نقدية في مجموعة «الحملة» القصصية للأديب القاص محمد منصور
الشقحا(٭)
د . يوسف حسن العارف
مدخـل أولي:
(1) بين خيال
المبدع.. وإبداعاته.. وتأليفه، وبين مرويات شعبية/ حكائية ينقلها المؤلف بلغته، وفكرة
غيره، وعبر وسيط من اللغة والأسلوب، والتكنيك السردي، تصل الرسالة من المبدع إلى القارئ
/ المتلقي.
هذه «أولى القراءات»
ومجمل الصورة التي نخرج بها - كقراء - لمجموعة «الحملة» القصصية التي أبدعها القاص/
الأديب محمد المنصور الشقحاء وهي آخر أعماله «حتى الآن» تحمل الرقم الحادي عشر في مجمل
ما أبدع من نصوص!!
(2) يقول القاص
والأديب محمد الشقحاء - في دراسة نقدية لإحدى المجموعات القصصية الصادرة أخيراً: «القصة
فن قريب إلى أذهان العامة، كما هو محبب للخاصة، وسلطة الإبداع القصصي تتعدى حدود الفن
إلى الحياة»!! ويقول: «والنقد - كما هو معروف - فن دراسة النصوص والتمييز بين الأساليب
المختلفة من خلال مؤلفات بينها وشائج في الموضوع والصياغة..»!! ثم يقول ثالثة: «شروط
الإبداع القصصي الذي حدده النقد الأدبي من خلال لغة سليمة وقضايا تشغل بال المجتمع..»(1)!!
قضايا ثلاث يؤطر
لها القاص والأديب الشقحاء تصلح أن تكون مداخل رئيسة للحوار مع مجموعته التي بين أيدينا
- الحملة -، وهذه القضايا هي:
1 - الإبداع
القصصي له سلطة تتعدى الفن إلى الحياة. وهذا يعيدنا لمناقشة مسألة قديمة/ حديثة الفن
للفن أم الفن للحياة؟! وبما أن القصة أحد الفنون الأدبية فإنها تتعدى الفن إلى الحياة.
ومن هنا نتساءل مع الشقحاء هل القصة/ الأقصوصة.. القصة/ الومضة، الفلاش التي يتبناها
محمد الشقحاء، في مجموعة الحملة (حوالي 12 أقصوصة) تخدم هذه الفكرة التي يتبناها؟!
2 - مهمة النقد
التمييز بين الأساليب المختلفة من خلال الوشائج التي يجدها في الموضوع أو الصياغة..
وهذا يجعلنا نسعى - كنقاد - إلي أن نتداخل مع مجموعة (الحملة) من خلال البحث عن وشيجة
تربط بين كل الأقاصيص الواردة. وهذا ما سنقوم به في هذه الدراسة إن شاء الله.
3 - حتى يكون
الإبداع إبداعاً لابد أن يمتلك لغة سليمة وقضايا تشغل بال المجتمع.. وهذا ما ستتناوله
الدراسة حول لغة النص القصصي عند الشقحاء ومدى قربه أو بعده عن قضايا المجتمع.
٭ ٭
٭
مدخـل ثان:
القصة القصيرة
أحد الأعمال الإبداعية الحديثة التي بدأ يتعاطاها كثير من الكتاب والأدباء الذين ولجوا
مجال الكتابة القصصية، وأخذوا يتفاعلون معها كتابة وممارسة وتجريباً حتى وصلوا إلى
ما يسمى الأقصوصة أو القصة/ الومضة، القصة/الفلاش والتي يسعى كتابها إلى تجاوز الأجناس
الأدبية والتداخل مع الخاطرة والمقالة بحيث تزول كل الفروق الكتابية فيصبح الفن السردي
فناً متعالياً على كل تصنيف.
ومحمد الشقحاء
يدخل بنا إلى هذا الفضاء النَّصيِّ عبر مجموعته «الحملة» التي يورد فيها إثنا عشر نصاً
يسميه النقاد القصة القصيرة واثنا عشر نصاً آخر أسميه أقصوصة أو القصة/ الومضة، القصة/
الفلاش وهي تجربة أعتقد أنها أولية للقاص الأديب لأن تواريخ بعضها قديمة عام 1408هـ
والبعض بين عامي 1418 و1419هـ، ولعله لم ينشر مجموعات قصصية تحمل مثل هذا التجريب،
ولكنها - في نظري - تجربة إيجابية فيها لغة باذخة، وحبكة متميزة وحدث يستحق الرصد والبناء
القصصي، وأسلوب يشد القارئ ويستثيره للتواصل مع المخيال الأدبي في هذه الأقصوصات.
٭ ٭
٭
المداخلة النقدية:
وعبر أربع وعشرين
نصاً قصصياً يفتتحها المبدع/ القاص - محمد الشقحاء - بنصٍ يعنونه بـ «الحملة» ويختمها
بنص يحمل عنوان «حكاية أسطورة» وبين المفتتح والختام تسير بك الحكايات والقصص ما بين
خيال للمؤلف يبدعه ويؤلفه، وبين مرويات شعبية وأساطير تراثية يعيد كتابة نصها أو يبلور
فكرتها في صيغ قصصية جديدة.
ومع تقنية حكائية/
سردية، يغلفها أسلوب لغوي شفيف ونموذج قصصي قريب للمتلقي الذي يجد نفسه منساقاً مع
فضاءات النصوص من سياق إلى آخر، ولكن القارئ الواعي والناقد يحاول أن يمسك بأهداب النصوص،
ويفكك ما بين السطور، لعله يستجمع ما تناثر، ويؤلف بين المختلفات، ويقف على الوشائج
التي تربط بين النصوص.
«الحملة» عنوان
المجموعة التي يعرفها القاص بأنها «قصص قصيرة» و«الحملة» هي عنوان للنص القصصي الأول
في المجموعة. ولعل هذا محور هام للمناقشة وذلك ما يسميه النقاد بـ «العتبات النصية»
فالعنوان أول مدخل يمكن مقاربة النصوص من خلاله، وأنا - كناقد - لي مع هكذا عناوين
وقفات متعددة أتساءل فيها ما الذي يجعل من نصٍ قصصي أو شعري اختياراً لائقاً ومناسباً
من المؤلف لكي يكون عنواناً للمجموعة ككل؟!
وما الذي يجعل
من جملة أو عبارة أو كلمة في نص شعري أو قصصي عنواناً للنص؟!
لابد أن هناك
ثيمة أو شفرة أو بعداً يتجسد من خلال ذلك فيفرض نفسه على القاص أو الشاعر فيختاره عنواناً!!
وهنا في هذه
المجموعة أتساءل مع المبدع محمد الشقحاء لماذا اختار نص «الحملة» ليكون عنواناً للمجموعة؟!
أعتقد أن في ذلك حكمة ولعلِّي أسبر غورها وأقارب الموضوع من خلال رؤيتي النقدية.
«الحملة» مفردة
شعبية تعني: مجموعة من الناس المسافرين، تحملهم قافلة من الإبل أو السيارات وتنقلهم
من مكان إلى مكان، وكل منهم يَحْمِلُ ويُحْمَل له فهم في حملة!!
و«الحملة» مفردة
مؤنثة تحيلنا - كقراء - إلى استنطاق جميع النصوص لنرى أن التأنيث والأنثى تتشظى في
كل النصوص، فكأن الأنثى والأنوثة هي الوشيجة التي تربط بين كل النصوص، وهي البطل الوحيد الذي يتحرك في كل جزئيات هذه المجموعة، وهي الثيمة
والشفرة التي تكشف عنها نصوصية النص، والتي يمكن مكاشفتها في هذه القراءة النقدية.
المرأة الأنثى:
رمز الخصوبة والعطاء والتضحية..
رمز الأنوثة والإخلاص والسعادة..
رمز الجمال والمودة والرحمة والمحبة..
كل هذه المعاني
الإيجابية تتجاوزها هذه المجموعة لتقف عند المعاني السلبية في رمزية الأنثى/ المرأة
من خيانة وخسة وخـطـيئـة، لـتبدو لنـا المـرأة - في مجـمـل وأغـلـب نصــوص المجموعـة
- في صورتها السلبية والتي يرفضها المجتمع السليم والنفوس الطاهرة والأرواح الأبية!!
وبمقاربة سريعة
لهذه الجزئية الهامة سنورد ثبتاً إحصائياً لعله يفسر ما ذهبنا إليه ضمن آلية نصوصية
للقراءة النقدية.
عدد نصوص المجموعة/
24 نصاً قصصياً.
عدد النصوص القصيرة/
12 قصة قصيرة.
عدد الأقصوصات
أو ما أسميها القصة/ الومضة، القصة/ الفلاش/ 12 أقصوصة.
تكرار المرأة
في المجموعة/ 12 مرة.
الصور الإيجابية
للمرأة/ 2 مرتان فقط.
الصور السلبية
للمرأة/ 9 تسع مرات ونوعها (الخيانة!!).
الصور المحايدة
للمرأة/ 7 مرات.
ومن خلال هذه
الإحصائية يتضح كثرة إيراد الصور السلبية للمرأة في هذه المجموعة القصصية كما يتضح
المأزق الذي وقعت فيه هذه النصوص - بوعي من المبدع أو بدون وعي - عندما ركزت على جانب
سلبي واحد وهو «الخيانة» بكل أبعادها خيانة في العرض والشرف وخيانة في القيم والأخلاق،
وخيانة في السرقة والمال، وذلك من خلال الشواهد التالية:
الحملة
المربوط
الخلاص والجذور
الثابتة
الباشق
ملابس سوداء
المواجهة
السكين
هتاف لحظة مبهمة
العرض والشرف
أخلاقية وقيم
إنسانية
العرض والشرف
القيم والأخلاق
العرض والشرف
سرقة الأموال
العرض والشرف
العرض والشرف
جميع النازلين
في السكن يتسامرون خارج الشقق، وإحدى نساء الحملة تنتهز غياب زوجها وأخيها لتعيش سمرتها
الخاصة فتنفرد بشاب «لم يبرز شاربه». امرأة لا دين ولا خلق جاءت للعمرة، وبجوار بيت
الله تخون زوجها وأخاها!!
أخت أرشد الباكستاني،
تخون صديقتها بصور فاضحة عارية، الجسد جسدها والوجه لبديعة صاحبة الأملاك وكفيلة أرشد
المتوسط في مسائل مالية!!
«مريم تتزوج
من لا تحب، الزوج يكثر السفر ويوصي السائق بخدمتها، جابر زوجها يزداد بشاعة والسائق
يزداد جمالاً في عين مريم من خلال تصرفاته، جابر الزوج يتهمها بالخيانة.
فنانة تشكيلية
يزداد المعجبون بها وبفنها. ولم يتوقف الإعجاب عند هذا الحد بل تجاوز كل الخطوط الحمراء؟!
رغم الحداد،
ولبس السواد بعد وفاة الزوج يجيء صديق الأخ للزيارة وتقديم واجب العزاء: تلتقي النظرات،
تبتسم يمد لها يده يسحبها نحوه، يزرع قبلة سريعة على أرنبة أنفها. ورغم أنها في حداد
تبدو مسرورة!!
تسرق النقود
من جيب الثوب بدون إذن الزوج.
أدركت أنها خاطئة؟!
فقامت بتمزيق شرايينها حتى الموت؟!
المغنية سابقاً
(نسرين) وزوجة الأستاذ المثقف تزور صاحب المتجر الذي كان يعرفها منذ كانت مطربة شابة
في القاهرة، يتبادلان ابتسامات الغرام، تدعوه للقاء في منزلها بعد العشاء، تلتقي كفاهما
وعيناهما، استقبال عاطفي حافل، تذكر علاقته السابقة بها واليوم زوجة صديق الأستاذ تختلي
به مرات كثيرة في منزل الزوجية. والنهاية الأستاذ عبدالباري يطلق الزوجة نسرين؟!
ومن هنا يحق
لي التساؤل مع المؤلف/ المبدع الذي قال «إن من شرط الإبداع أن يكون ذا لغة سليمة وقضايا
تشغل بال المجتمع» - إلى أي مدى يكون لهذه الصور السلبية تمثيلاً صادقاً لقضايا المجتمع
الذي يعيش فيه المبدع ومنه يستنبت شخصيات نصوصه وموضوعاتها؟!
إن التركيز على
الجوانب السلبية في المرأة والتأكيد عليها فيه انتهاك لخصوصية المجتمع ودور المرأة
الإيجابي!!
ومع ذلك فإن
في هذه النصوص لغة راقية وأسلوباً قصصياً رائعاً يشدك كقارئ وناقد إلى جماليات الفن
القصصي على يد هذا المبدع محمد منصور الشقحاء.
وأخيراً:
فإن المجموعة
القصصية التي نتحاور حولها الليلة تسمو وترتقي لغة وأسلوباً وفناً، وتنجح إبداعاً وتجريباً
ولكنها - للأسف - تسقط صورة وموضوعاً، فالمرأة ليست بهذه الصورة السلبية التي وظفت
من خلال أغلب نصوص المجموعة.
المرأة كيان
وقيمة، إنها الأم والأخت والزوجة والبنت وفيها من صفات الكمال وشمائل الأخلاص وصور
الفضيلة بالشكل موضوعات قصصية يبدع فيها المبدعون!
جدة
11/5/1424هـ
الهوامش
(٭)
ورقة عمل قدمت إلى منتدى «عكاظ» بجمعية الثقافة والفنون بالطائف مساء يوم الاثنين
14/5/1424هـ. «الحملة».. المجموعة القصصية رقم (11)، صادرة عن نادي جازان الأدبي، الطبعة
الأولى 1423هـ.
(1) انظر ملحق الأربعاء ا لثقافي - جريدة المدينة المنورة
- الأربعاء 9/5/1424هـ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق