السائق
قصة قصيرة
محمد المنصور الشقحاء
لم أصل إلى النتيجة
المتوقعة، كان ملف القضية مليء بالغريب من الأحداث والحالات التي لا يعرف سبب
حدوثها، أوراق ممزقة وأدراج مكاتب تم العبث بمحتوياتها، وكلمات عابثة تكتب على
الجدران بالفحم الذي تناثرت بقاياه في ممرات المبنى؛ تركته على طاولة بصالة
الجلوس، وقد أرهقني التفكير وتسلط علي النعاس فنمت.
نبهني جرس الهاتف، كان السائق الذي استأجر
يستعجل خروجي، بعد اعتذاري همس بكلمات لم افهمها، وأنا أترجل أمام باب الإدارة قال
( ماما آنت تعبان لازم يستريح ) لم أرد ولوحت له بكفي ودخلت مكتبي، وجاءت مع
ضجيجها وسوالفها التي اعتدتها هجرها لزوجها ومراقبة جارها المقابل لتحركها،
واكتشافها لحمل خادمتها؛ ثم ذكرتني بموعد اللقاء الشهري.
وأنا في هذه المعركة مع
نفسي المأزومة بشيء اجهله وهمومي الأسرية ومشاكل العمل،التي لاحظها السائق واخذ
يتحدث مسريا عني، ومعها شعرت بقربه أكثر مما دفعني ذات يوم في العاشرة صباحا، وقد
عدت للدار أن لا اعترض على دخوله، احضر كأس ماء من البرادة المنتصبة في المطبخ؛ ووقف
أمامي وأنا اجلس على احد مقاعد الصالة حتى أتجرعه.
قال: آنت مرهق كثير
قلت: نعم مشاكل
وقف خلفي واخذ يدلك كتفي ويضغط
مؤخرة رقبتي، ويتحسس بأطراف أصابعه فقرات ظهري العلوية، باحثا عن الألم الذي
استوطن بدني وسرق مني حياتي، ولما مسد شعر رأسي شعرت بالخدر؛ فتنهدت باحثة عن
الخلاص.
توقف وحملني رائحته تزكم انفي وسكينة غريبة فرضت
نفسها علي، مددني في الفراش وأخذت أنامله تجس جسدي، وشوط برق يسري في مفاصلي
وينساب عنوة إلى شعيرات دماغي، معه انبثق نور غير محتمل فأغمضت عيني.
كان يتمتم ليصطاد الطائر المقدس وأنا مشغولة
بذاتي انتظر بشغف المجهول، شعرت بثقله فوق صدري عيناي مفتحتان وحواسي سكرا بنشوة
لم اعتادها، ظلام يخيم فوقي وفي كل مكان وفي هذه اللحظة الغائبة كنت أحلق في غابة
سكنت أغصانها وتوسد الندى أوراقها؛ كان مغمض العينيين يسبح كما سمكة في بحر لجي،
كنت البحر الذي زاد صخبه ليسكن بسبب الارتواء؛ مع ارتفاع صوت مؤذن مسجد بالحي
لصلات الظهر.
تلفت حولي كان يقف بباب
الغرفة نشر ذراعيه وحلق في الهواء كعقاب، بقيت في الفراش اردد فزعة ( احرسني يا
خالقي أيها السرمدي، أحفظني يا الهي الحبيب )
وقد لبسني ثوبا من اللهب أتذكر معه ما حدث، لم استوعب استسلامي كانت رائحته
حولي، والماء ينهمر على جسدي الملطخ ببقع حمراء وأثار أصابع عزفت نغمات إيقاعها
مطر ونثرت أشعة غيمة حمراء وعميقة في داخلي، كسبت معها روحي بهاء التحول.
عدت منتشية جسديا مرهقة فكريا، فجلست على احد
كراسي طاولة الأكل بالمطبخ والجوع يلسعني تجرعت كوب ماء، فتحت باب الثلاجة كل شيء
بارد، ليدق جرس الباب اتجهت إليه وقد أحكمت لف بدني بثوب الحمام، كان السائق يحمل
آكلا ساخنا؛ احضره من المطعم الذي اعتدت مشويا ته في المناسبات وهمهم بكلمات لم
افهمها ورحل.
من تصرفه شعرت انه نسي حرقه
لجسدي، والغابة المطيرة التي أخذني إليها، فركضت حافية القدمين وتسلقت قمم أشجارها
العالية، أخذت أفكر فيه بوجد ولم أقاوم رغبة تعاظم لهبها في داخلي، فقررت شرح ما
حدث لزميلة اشعر بقربها وقبل أن أغوص، رن هاتفها النقال تكلمت بصوت خافت، ثم
التفتت نحوي وهدتني قبلة طائره وأمام اندهاشي همست في أذني ( بكره تعرفين ) ونسيت
الأمر.
جاء انتدابي معها لزيارة موقعا يتبع الإدارة
التي اعمل بها، خارج مدينة الرياض بما يزيد على مائة كيلومتر، بسبب الملف الذي يحمل
إحداث غريبة وكنت ادرسه منذ شهر يتحدى خبرتي العملية وفكري الإداري، تعثر إيجاد
سائق رسمي فلم أجد سوى السائق الذي رحب بخدمتي وبالمقابل المادي الذي اعتمدته الإدارة
مع جزء من تكاليف انتدابي، وأصابع كف زميلتي تتخلل أصابعي.
قالت: لن أعود معك
قلت: لماذا
قالت: هنا أقارب
لم اطرح أي سؤال فقد كانت
مجدولة برنامجها في الحادية عشر طلبت السماح، وفي الثانية بعد الظهر كنت في طريق
العودة لنقف عند محطة نزود السيارة بالوقود؛ وليواجه تلفتي إعلان بخدمات الموقع ( موتيل
) للمسافرين، كان السائق وهو يحاسب عامل الخدمة مركزا نظره علي تبسمت، ولما تحرك
لف داخل سور الاستراحة ووقف أمام صف من الأبواب في الدور الأول ترجل وفتح باب السيارة
مد كفه يساعدني على الوقوف، شيء سرى في أناملي شعرت بأثره؛ واتجهنا إلى احد
الأبواب صعد الدرج وفتحه.
كانت غرفة فندق وجدت صورتنا في المرآة المنصوبة
في الجدار المقابل، تركني واختفى كنت اجلس على طرف سرير متوسط الحجم، أتأمل الفضاء
الممتد أمامي وأراقب تحرك أغصان أشجار الأثل، منصته لمواء القطط ونباح الكلاب؛
وتغريد العصافير مع تقاطع أبواق السيارات وفحيحها.
ثم عاد أغلق الباب وجلس
بجواري، رائحته التي أدمنتها تشعل النار في داخلي ومعها اخذ جلدي ينز عرقا، لم
أقاوم الوقوع في الهاوية التي فتح المكان فوهتها، ليأخذني المستحيل نحو المطلق
وميناء السكون.
في الخامسة مساء ونحن نحاذي
محطة البنزين مواصلين مسير العودة، وجدت زميلتي تقف عند طاوله تتناثر عليها مجسمات
وهدايا ودمى تذكارية، عرفت أنها لمحتني وهي تركز نظرها على سيارتي لما وصلت الدار
مع أذان العشاء، دخلت الحمام وتدفق شلال الماء على جسدي، ولما تمددت في الفراش
كانت رائحة السائق تعطر الغرفة، وكنت كما كأس خمر امتلاء بعد نضوب طويل.
الظلام يعم الطريق أتلمس
خطاي، دليلي بصيص ضوء خافت يلوح على مبعدة، أنفاس تشاركني المسير بسكينة؛ كنت كمن أغوص
في أعماق غابة، الضوء يقترب وفي محيط الدائرة المشعة غمرتني الهمهمة تذكرت السائق،
ذات الوجه ذات القميص الأبيض والبنطلون الجينز وذات الرائحة أتجاوز الأول والثاني
والثالث والمائة حجم واحد وتقاسيم واحده ورائحة واحدة وهمهمة واحده بكلماتها الغائمة.
نبهني جرس الهاتف من غفوتي، وأعادني للواقع الذي نسيت معه التعب
والقلق والإرهاق، كانت صديقتي رفيقة المهمة الرسمية.
قالت: كم كان يومي رائعا
قلت: افتقدتك وعليك توقيع المحضر الذي أعددناه
تذكرتها كانت في المحطة التي
مررت بها، وقفز الفزع الساكن في أعماقي كانت السيارة الواقفة بجوارها ذات السيارة
التي اركب، ومن كان يجلس خلف المقود، نسخة أخرى من السائق الذي يرافقني استعدت
الحلم وانبثق التشابه، أشعلت ضوء الغرفة وبقية لمبات الدار، دخلت المطبخ وأنا أحوقل
تجرعت كأس ماء وبلعت حبتي مسكن.
وأنا في طريقي للمكتب أخذت أحدق
فيما حولي، بين سيارة وأخرى سيارة تشبه سيارتي وسائق يحمل تقاسيم وجه سائقي،وأنا اجتاز
الطريق متجهة لباب إدارتي وجدت سائقين في عدد من السيارات التي تشبه سيارتي تقف أمام
الباب ويترجل منها بعض الموظفات والمراجعات، لما دخلت المكتب وجدتها، طوقتني
بذراعيها وزرعت قبله طويلة على عنقي.
قالت: هو جارنا خدين عمر يعشق رائحتي
قلت متعجبة: . . . رائحتك
قالت: وقطع استمتاعنا إدخال والدته المريضة المستشفى
غادرت المكتب بعد قيامها
بالتوقيع على المحضر، حولت الأوراق لقسم المتابعة وطلبت من المراسلة السمراء التي
أحضرت كوب الشاي الأخضر توصيله، ثوب المراسلة الناعم الملمس بخطوطه النارية لفت
نظري، ومعه ركزت على مؤخرتها المكتنزة، شعرت برغبة ملامستها ناديتها، اقتربت من
المكتب وسحبت الملف من يدها وأخذت اقلب أوراقه.
قلت: ما اسم هذا النوع من القماش
كانت كفي وأصابعي تختبر
سماكته، اقتربت أكثر فوصلت كفي لمؤخرتها كانت امرأة ناضجة رفعت ذراعيها ومدت أصابعها
توثب جسدها بخفة صبيانية كشجرة زاهية، افتر ثغرها عن ابتسامة حميمة.
قالت: ( وأنفاسها ورائحتها تملا أعماقي ) متوفر بالمشغل الذي تملكه أختي
لجم صوتها الرخيم لساني وحبس
إحساس داخلي تدفقي، كنت في هذه اللحظة أنثى كانت تبحث عن حاجة فلما ظفرت بها أضاعتها،
أخذت الملف من فوق المكتب، وهي تختفي شعرت أن فيها شيء خفي وفظيع، معه نسيت الوقت
ليطل الحارس وقد فاجأه وجودي بالمكتب، لم أصرخ محتجة فلملمت أوراقي وغادرت المبنى،
تلفت حولي لم أجد سيارتي ولم جد السائق.&
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق