الأربعاء، 29 ديسمبر 2010

أحكام الإسلام متى تكون كاملة





أحكام الإسلام متى تكون كاملة
محمد المنصور الشقحاء:
في خطبة الجمعة تطرق إمام مسجد الحي الذي اعتدت تأدية صلات الجمعة فيه لقربه من المنزل، لمعنى العيد والهدف منه خاصة عيد الفطر المبارك.
ثم تناول بدع حفلات الترويح التي ترعاها مؤسسات الدولة لمشاركة المواطنين أفراحهم بهذه المناسبة السعيدة، فحرم ما يسمى فعاليات التي ترتقي إلى المعصية بسبب الاختلاط وضياع الوقت والزحام وتعطيل المصالح.
متناسيا إننا في إجازة عامة وفق نظام عام حكومي وأهلي قائم على الشعور بأن هذه المناسبة عيد الفطر وعيد الأضحى دليل حي على قدسية الشريعة وتلمس الإسلام للنفس البشرية التي تجد في الراحة تجديد للطاقة لتأدية العمل على أكمل وجه.
واليوم ونحن نتحدث عن تحديد مصدر الفتوى نجد كتاب أعمدة الصحف يخلطون بين الرأي الذي يصدر من طالب علم شرعي ورقيه إلى مرتبة الفتوى الشرعية والقانونية الملزمة وهذا الخليط من كتاب الصحف نابع من انسياقهم مع العامة في حديث المجالس عندما يرتفع النقاش حول قضية إلى استشهاد أفراد بأقوال خطيب مسجد ومحدث في ندوة بمسجد وحلقات علمية نجدها تشرح بعض كتب الفقه ولا ترتقي في إجابتها إلى قول الرأي ويكتفي بالنقل مما يخلق التوتر بين السائل وعامة المتلقين.
هذه الإشكالية احتاجت إلى توجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بصفته الرسمية الإدارية والسياسية وأناط تنفيذ التوجيه بالجهة المعنية مثل الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء وهيئة كبار العلماء الشرعية.
هذا التوجيه الكريم فرض على الجهة المعنية التدخل في تفسير الرأي وتحديد معنى الفتوى الملزمة والقول الذي يتسم بالمعارض لتنظيم عام يجده أفراد لا يتفق مع النص بينما مصدرنا في الحكم القرآن الكريم مسترشدين بالهدي النبوي ومصادر الفقه الشرعي للوصول إلى ما يفيد من اجل عدالة تتسم بالتقوى المرتبطة بفقه المصالح الذي يتجدد مع حاجة الإنسان.
والتفريق بين مذهب الجمهور مع اختلاف العلماء الشرعيين في طريقة الفعل وخطوات العمل على إطلاقه في بعض الحالات العبادية كالصلاة، فأحكام الإسلام متكاملة لشمولها للنظم والأحكام في العبادات والمعاملات المرتبطة بمصالح العباد.
وإصرار البعض على الصدع برأيه الفقهي وان شذ؛ أجده في التزامنا العملي بما تصدره الدولة من خلال حكومتها من قوانين وأنظمة عامة هي في مصالح العباد دليل سيادة وطنية قائمة على الشريعة الإسلامية التي تلزم رعاياها بالعبادات من خلال انتشار المساجد وإلزام الطلاب في المدارس تعلمها وتطبيقها وهذا الالتزام يتفرع عنه حقوق عده في المعاملات ونحن نعرف إن الحساب في يوم القيامة مرتبط بتوحيد الله وحقوق الناس والفقير من خلى سجله من الحسنات التي تناقصت بسبب حقوق الناس.
إذا ونحن نتناقش على كتاب الصحف التفريق بين الرأي غير الملزم لشخص يرى وجوده في تحريم كل شيء بدون تبصر لعجز في الإلمام بالقضية المتناقش حولها وتجميل الآخرين وزر رأيه الذي جانب الصواب في شأن مستجد البسه نقول لا تتفق مع القائم هربا من الاجتهاد وعجزا في البحث عنها في المصادر المتعددة تصلبا لرأي لم يرتقي إلى اعتباره كدليل.
والجهر بالرأي المخالف ليس دليل تشدد أو رهبانية إنما هو تعسير منطلقه تفريط في عقيدة صحيحة لم يجد هؤلاء في تطبيقها ما يشبع طموحهم الخاص في فرض الرأي وتسجيل الموقف الرافض من خلال اعتساف النصوص وبتر الشواهد لدعم ما توصل إليه من رأي أثار اللغط بين العامة وهو ما يبحث عنه متناسيا أن القانون وسيادة الدولة تحد من مظاهر التعصب والمجاهرة بالعصيان.
الغلاة ميدانهم الفسيح إثارة الشبهات منازعين الأمر أهله وتأصيلهم يأتي من خلال خطاب معارض يرى في تسهيل المعاملات بعد عن الدين القويم من خلال تنطع وتعمق متكلف فيما لا يعنيهم وهذه مشكلتهم الخاصة التي يرون إنها عزلتهم ع محيطهم لمتنامي بفضل وعي متجدد وفر متقد يرسم معالم حاضر يتجدد من داخله لضمان حياة كريمة نتجاوز فيها المشقة والعنت من خلال الرفق الذي يراه أهل الغلو مفسدة.
من هنا على كتاب الرأي في الصحف التفريق بين الرأي والفتيا وتفسير القول ومصادره والنقاش معه بما يوصل إلى الحقيقة والفتيا الملزمة في شأن خاص، ومن الأفضل عدم مناقشة الرأي الشاذ في زواياهم والحرص على المصلحة العامة، الرأي يطر للمشاورة والقول تلفظ إما منقول أو أمر والفتيا تبيين حكم والقائم من بعض الشواذ لا يرتقي إلى هذه الصفة ومن هنا إما نناقشها بوعي أو نهملها حتى لا يجد صاحبها الصخب الذي يبحث عنه.&&

السبت، 18 ديسمبر 2010

طموحاتنا تتحقق بوعيكم للمسئولية





طموحاتنا تتحقق بوعيكم للمسئولية
محمد المنصور الشقحاء:*
المتداول ( طموحاتنا الدعوية تتحقق بدعمكم ) كما نراه في ملصقات مراكز الدعوة والإرشاد التي نجدها على أبواب المساجد وتتصدر لوحات الإعلان بداخلها، إنما أعيد صياغتها بعد النتائج الأولية للتعداد العام للسكان والمساكن لعام 1431 / 2010 م وقد بلغ العدد الإجمالي لسكان المملكة العربية السعودية سبعة وعشرين مليونا ومائة وستة وثلاثين ألفا وتسعمائة وسبعا وسبعين نسمة، عدد المواطنين ثمانية عشر مليونا وسبعمائة وسبعة ألاف وخمسمائة وستة وسبعين نسمة، وعدد المساكن في المملكة العربية السعودية أربعة ملايين وستمائة وثلاثة وأربعين الفاو مئة وواحد وخمسين مسكنا.
من هنا أعدت صياغة العبارة ( طموحاتنا الاجتماعية تتحقق عندما تدرس الحكومة بعناية ملامح التعداد ) كل وزارة من خلال مهامها الإدارية ووسائلها في تطوير وتنمية الأداء بما يتفق مع مخرجات الإحصاء.
وكمحاولة في ربط الحقوق بالواجب ليكون التكامل وقد غدت البطالة هاجس الحكومة وقضية كل أسرة نجد انه منذ عام 1919م حتى عام 2007م صدر مائة وتسعة وتسعين توصية من منظمة العمل الدولية تنظم علاقات العمل والدخل المعتدل للمواطنين وتحديد ساعات العمل ومقومات الضمان الاجتماعي، كما أصدرت منظمة العمل الدولية خلال هذه الأعوام مائة وثمان وثمانين اتفاقية بشأن البطالة وعمل المرأة والحد الأدنى للسن والتعويض عن حوادث العمل ومواجهة البطالة.
في بحث القوى العاملة الذي أصدرته مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات بوزارة الاقتصاد والتخطيط عام 1430 / 2009م ومن خلال رسم بياني المتعطلون ( وصف لمن لا يعمل ) الذكور نسبتهم تصل إلى خمسة وخمسين بالمائة وعند الإناث تصل إلى أربعة وأربعين بالمائة قد يكون جزء غير محدد من هذه النسبة التعطل جاء بقناعة ذاتيه إما لوجود دخل يغني عن البحث عن عمل أو ترفع هابط لشرط ذاتي لنوع العمل ومقدار العائد وهذه النسبة تدخل تحت العنوان العام البطالة.
تقول المادة الثانية من اتفاقية البطالة الصادرة عام 1919م عن المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية والتي حدد بدء تنفيذها بعام 1921م ( 1 _ تنشئ كل دولة عضو تصدق هذه الاتفاقية شبكة من مكاتب الاستخدام عامة ومجانية توضع تحت إشراف هيئة مركزية. وتشكل لجنة تضم ممثلين لأصحاب العمل والعمال لتقديم المشورة في الأمور المتعلقة بإدارة هذه المكاتب. 2 _ إذا وجدت مكاتب استخدام مجانية عامة وخاصة. تتخذ تدابير للتنسيق بين عمليات هذه المكاتب على المستوى الوطني. 3 _ يقوم مكتب العمل الدولي بتنسيق عمليات مختلف هذه الشبكات الوطنية بالاتفاق مع البلدان المعنية. ) إنما ومن خلال النتائج الأولية للتعداد العام للسكان والمساكن للعام 1431 السكان غير السعوديين بلغوا ثمانية ملايين وأربعمائة وتسعة وعشرين ألف وأربعمائة وواحد نسمة بمعدل ( واحد إلى ثلاثة ) وهؤلاء إشكالية لم نجد لها حل في مقاومة البطالة ونمو ظاهرة الفقراء والمساكين.
هل مظاهر النمو الاقتصادي التي وكبت الطفرة المالية وحاجة الوطن لأيدي عاملة للمشاركة في البناء والتطوير وخلق معالم الدولة الحديثة أوجدت نوعا من عدم المسئولية الوطنية والواجب القومي؛ ففرطنا في الحقوق من اجل نجاح قائم على قصور من الرمال بسبب عدم التخطيط للمستقبل الذي معه تجاوز الانفجار السكاني معدلات خطط التنمية التقديرية قصيرة الأجل فكان الحديث عن البطالة والتميز في المعاملة مع المرأة ومحدودية فرص الوظيفة العامة وتكدس العمالة الوافدة من خلال تسهيل قيام الشركات والمؤسسات الأهلية بالمشاركة في البناء مما ولد قضية التستر التي حكمها قانون تأجير ( كمثال قيام شركات على تشغيل بعض المستشفيات الحكومية ) بعض المنشاءات الحكومية للمؤسسات والشركات الخاصة بعمالة وافده من المدير العام حتى عامل النظافة ورجل الأمن.
في عام 1389 صدر نظام العمل والعمال الذي ألغى بمادته (210 ) نظام العمل والعمال الصادر عام 1366 ووزارة العمل كما هي معنية بتوظيف المواطنين وتوطين الوظائف في منشآت القطاع الخاص هي أيضا المشرفة على استقدام العامل الوافد والترخيص له بالعمل، وللوزارة مكاتب في مناطق المملكة عبر المدن الكبيرة تصل إلى سبعة وثلاثين مكتب وهذا يتفق مع اتفاقية البطالة الصادرة عام 1919م إنما هل بما تملك من صلاحيات وفق مواد نظام العمل والعمال ودعمه من خلال ما جاء في المادة الثامنة والعشرون النظام الأساسي للحكم ( تيسر الدولة مجالات العمل لكل قادر عليه، وتسن الأنظمة التي تحمي العامل وصاحب العمل ) لم تستطع حتى الآن من كبح جامح البطالة وتوطين الجزء المتفق عليه مع القطاع الخاص.
في ملامح التعداد العام للسكان والمساكن لعام 1425 / 2004م بلغ عدد سكان المملكة العربية السعودية ( 22678262 ) نسمة عدد السكان السعوديين ( 16527340 ) نسمه وعدد الوافدين ( 6150922 ) مما يؤكد تنامي العمالة الوافدة من إحصاء إلى إحصاء إذ إن إحصاء 2010م عددهم ( 8429173 ) نسمة بزيادة تصل إلى اثنين مليون وافد وهذا يؤكد فشل لجان التخطيط في توطين العمل ومحاربة البطالة وفشل وزارة العمل في تقنين الاستقدام لارتباطها بمهام إيجاد العمل مع وزارة الخدمة المدنية لكل مواطن قادر عليه كما جاء في النظام الأساسي للحكم.
نحن هنا من خلال مقالات الرأي العام في الصحف والبرامج الحوارية في التلفزيون والإذاعة ندور في حلقة مفرغة من تطبيق الأنظمة وتطوير اللوائح بما يتفق مع السيادة الوطنية التي تنمي المواطنة وتدفع الجميع إلى تحول نقاش المجالس الخاصة ولقاءات المقاهي العامة من الشك في القدرة على تحقيق هدف هام جاء في النظام ألأساسيي للحكم في الباب الخامس تحت عنوان       الحقوق والواجبات:   
المادة السادسة والعشرون: تحمي الدولة حقوق الإنسان، وفق الشريعة الإسلامية.
المادة السابعة والعشرون: تكفل الدولة حق المواطن وأسرته، في حالة الطوارئ، والمرض، والعجز، والشيخوخة، وتدعم نظام الضمان الاجتماعي، وتشجع المؤسسات والأفراد على الإسهام في الأعمال الخيرية.
المادة الثامنة والعشرون: تيسر الدولة مجالات العمل لكل قادر عليه، وتسن الأنظمة التي تحمي العامل وصاحب العمل.
هل راعينا ذلك وهل استطاع مجلس الشورى بما يملك من صلاحيات إعادة صياغة أنظمة العمل في الحكومة والقطاع الخاص بما يتفق مع المطلب العام الذي تقاسمته الشائعة فحل التوتر في الأحاديث العامة بين المطالب وعدالة الأنظمة في معادلة الحقوق والواجبات ومدى التزام المملكة العربية السعودية باتفاقيات منظمة العمل الدولية وخاصة الاتفاقية المتعلقة بالتأمين ضد البطالة المقررة في اجتماع جينيف عام 1934م وبدء نفاذها كان عام 1938م التي تقول مادتها الأولى:
 تتعهد كل دولة عضو في منظمة العمل الدولية تصدق على هذه الاتفاقية بإقامة نظام يكفل للعاطلين رغم إرادتهم ممن تنطبق عليهم هذه الاتفاقية.
أ – تعويضا، ويقصد به مبلغا يدفع بنسبة أقساط الاشتراك المدفوعة عن استخدام المستفيد سواء في نظام إلزامي أو اختياري.
ب – أو إعانة، ويقصد بها مبلغا لا يمثل تعويضا أو منحة حسب الترتيبات العامة لمساعدة المعوزين لكنه قد يكون أجرا عن الاستخدام في أعمال الإغاثة التي تنظم وفقا للشروط الواردة في المادة 9
نحن بحاجة إلى واقعية في الأداء الحكومي بما يتفق مع الأنظمة ومخرجات العمل حكومي وقطاع خاص يقلص من الرسم البياني المتزايد في معدلات البطالة بين المواطنين ونسب استقدام اليد العاملة التي عطلت كثيرا أهداف التنمية وأغلقت منافذ الفرج التي كان المواطن يتلمسها في عقود سابقة وتدرج إغلاقها بدون قصد حتى وصلت إلى العدم.
كما نحن بحاجة إلى سن ضريبة مالية على القطاع الخاص في حدها الأعلى على المؤسسات والشركات الوطنية والوافدة للاستثمار منها تنظم الدولة التعويض والإعانة للعاطل رغم إرادته حتى يتوفر له العمل المناسب.
أتذكر في هذه المناسبة إشكالية خريجي أكاديمية الفيصل للغة الانجليزية وخريجي كليات التقنية في الحاسب الآلي عندما قررت وزارة التربية والتعليم تدريس اللغة الانجليزية والحاسب في المرحلة الابتدائية والمتوسطة ومفردات شروط العمل التي حددتها الوزارة فلم تقبل وزارة الخدمة المدنية شهادات الأكاديمية ولم تعتبر خريجي كلية التقنية مؤهلين للعمل في وزارة التربية والتعليم مما دفع الوزارة إلى التعاقد من دول عربية وغير عربية لسد حاجتها كان المواطن ضحية اعتساف نص حكومي وإهمال إعادة نظر.
وقرارنا عام 1400 القاضي بإنشاء المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني وضم المعاهد الفنية ومراكز التدريب المهني ( صناعي. زراعي. تجاري . تدريب مهني. معاهد المساعدين.  ولم يشر في دواعي التأسيس لمدارس التمريض فقد سلمت من التصنيف النظري في تخطيط التنمية ) تحت مظلة المؤسسة ففقدت الوزارات الراعية لهذه المعاهد طاقة تدريبية ملزمة بدمجها في وظائف الوزارة حسب حاجتها وتقديم جزء لقطاعات حكومية أخرى تثق في من تستقبله لإدراكها أن الجهة المشرفة غنية بكوادرها صادقة في مخرجات المعهد الذي تشرف عليه وكان الأجدى بقاء هذه المعاهد تحت المظلة السابقة وتقسيم التأهيل ألف وباء:
ألف: بعد الابتدائية لمدة ثلاث سنوات.
باء: لمن يرغب المواصلة أيضا ثلاث سنوات بما يعادل الثانوية العامة يخير بين العمل ومواصلة الدراسة الجامعية.
التحديث يفترض واقعيته ( فنحن دولة نامية تحتاج السير بتدرج للحفاظ على هويتها وإنسانها بما يتفق مع واقعها الاجتماعي ) التي تتعارض مع التنظير لمواجهة المستجدات ومن هنا نجد إننا فقدنا قطاع أساس في بنية الدولة بفقدان العمالة المساعدة المؤهلة واستغل الجميع في الوظيفة العامة حكومية وقطاع خاص هذه الفجوة فكان تغطيتها بالعمالة الوافدة فأخذنا نتحدث عن البطالة وننظر باحثين عن مخرجات عمل لنخرج بالوطن من عنق الزجاجة.
أتمنى أن تأتي نتائج التعداد العام للسكان والمساكن لعام 1431 / 2010م بقرارات واقعية يتلمسها المواطن وتدركها الوزارات المعنية بأمن الوطن وحقوق المواطن الذي لم يعد يحفل بالباب الذي يطرقه فلم تعد هناك شمعة تضيء الطريق المعتم.&&
وبالله التوفيق
---------
* أديب قاص وشاعر

الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

نقيق مغاني العقول



نقيق مغاني العقول
محمد المنصور الشقحاء:*
هو تعليق تشكل من خلال قضية جائزة الكتاب المسروق ولقاء تلفزيوني على حلقتين لم أجد فيه ما يشعرني بالرواء وكلمة استمعت لها وشاهدتها في التلفزيون ضمن حوارات مدينة الدوحة عاصمة الثقافة العربية، وتوافقها مع ما جاء من جملة وجدتها في كتاب فقه اللغة للثعالبي: يقال للرجل إذا زاد الشيب به قيل: خصفه وخوصه  .
ثم مع عنوان محاضرة لافت في صحفنا ( اللبرالية الموشومة ) وملخص للقاء تم في كلية الآداب بجامعة الملك سعود؛ وهذا حصيلة حراك الأستاذ الدكتور عبد الله محمد الغذامي عضو هيئة التدريس الجامعي بمكة المكرمة ثم جدة وأخيرا في الرياض الوفي والمخلص لدوره التربوي والعلمي القلق في طرحه النقدي النظري بحثا عن موضوع يجده فتحا.
اللبرالية كما عرفها ديفد هارفي في كتابه ( المترجم ) حالة ما بعد الحداثة: هي الإيمان بالفرد، وقدراته الكامنة، وبحريته المباشرة والكاملة، والقادرة على إطلاق مشاريع دينامكية وسلسلة أفعال بناءة منتجة، واللبرالية هي نقض الحتمية المطلقة. من هنا نعرف دواعي التركيز على نتاج الدكتور تركي الحمد السياسي والفكري والأدبي القادر على إطلاق مشاريع دينامكية وسلسلة أفعال بناءة منتجة تعامل معها واقعيا على خلاف الحتمية المطلقة التي انتهجها الدكتور عبد الله الغذامي الذي عرفناه تقليديا في نظريته النقدية الأدبية ثم تنكبا حالة الشك وهي حالة نفسية يتردد معها الذهن بين الإثبات والنفي ويتوقف عن الحكم مقلدا أستاذة عبد الفتاح أبو مدين ولنا في قصة الحداثة مثال حي وحكاية عضوية مجلس إدارة نادي جدة الأدبي الثقافي كحالة.
يقول مالك بن نبي في كتابه بين الرشاد والتيه ( فإذا كانت السياسة تفقد فعاليتها إذا انفصلت عن ضمير الأمة فإنها إذا انفصلت عن الضمير العالمي تضيف إلى العالم خطرا فوق الأخطار التي تهدده ) والدكتور الغذامي عندما عرف نفسه بأنه مفكر حر انفصل أدبيا واجتماعيا عن واقعه فخلق الحالة التي سيطرت على خطابه عبر الحال التي تفقد معه الشخصية وحدتها وتكاملها وهذا نراه في قوله ( مخرف . وكذاب ) كما ورد في تغطية صحيفة الحياة لمحاضرته اللبرالية الموشومة  ( العدد 17420 الثلاثاء 14 ديسمبر 2010 م ) يقول الروائي يوسف المحيميد في روايته الحمام لا يطير في بريده ( كم كسرت الأم تلك الهالة الرائعة ! تلك القداسة المنيعة حول الأب! كم أحست طرفة، بعد ذلك، بالخيبة، كم كرهت أمها تلك الليلة البعيدة ) وفيما رصدته في حراك الدكتور عبد الله الغذامي الأخير وهو يحاول صياغة المنجز الفكري والأدبي في المملكة العربية السعودية من خلال مشاركته كفاعل كسر الهالة الرائعة التي شكلناها عنه كمشاركين في المسيرة عبر كتابه الخطيئة والتفكير وان لم يرتقي بمشروعه النقدي في الكتاب إلى وعي الشاعر الكبير حمزة شحاتة الذي قال يوما:
أجدت علاقات الهوى، لذوي الهوى مطالب، ضلت في دجاه المطامع                                   إذا كان ما ترجوه غيبا محجبا فأيسر ما تهدي الغيوب الفجائع                                           أمستودعا سر الهوى غير أهله لغير غريب أن ضيع الودائع
وكلنا نعرف إن الشاعر حمزة شحاتة يرفض طبع شعره في مقالة ( جريدة عكاظ العدد 8584 السبت 13 يناير 1990م ) اعتراضية مازلت احتفظ بها للأستاذ عبد الله عمر خياط بعنوان مع التحية والتقدير لصاحب السمو الأمير بعد صدور ديوان حمزة شحاتة يقول الخياط: فما كان منه رحمه الله . . إلا أن قال سأقاضيك. . ولن اقبل بغير ضربك بالسوط جزاء لك وهو ينتقد مقدمة الدكتور بكري شيخ أمين التي تجنى فيها على موهبة شحاتة الشعرية.
نجد الصورة تتكرر في تعليق الدكتور الغذامي عندما جاء اسم الدكتور تركي الحمد وهذا لن يقلص الفرق الفكري والأدبي بين الشخصيتين ولن يسرق أي منهما قرأ الأخر فكل له منهجه وكل منهم ينطلق من تخصصه العلمي الذي معه سوف يحفظ لنا التاريخ دوره. &&                      ______                                      
*أديب قاص وشاعر 

الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010

البحث عن ابتسامة

البحث عن ابتسامة
قصة قصيرة
محمد المنصور الشقحاء
** لتنهار كل المبادئ وليعم الدمار العالم، لترحل الكلمات الطيبة في قارب صغير يجرفه التيار إلى أعماق البحر، وتجتاح الأعاصير والأمواج المدن وتتلاشى صرخات الهلعين.. في الضباب الأسود الذي أتمنى أن أغطي به كل شيء حولي حتى نفسي.. أنا حاقدة لأني منبوذة ، كلهم رأوا فيَّ شبح الجريمة وحقد البشرية جمعاء رغم أنني لم أقترف ذنباً يذكر .. ماتت أمي وهي تصر على أن أكون بعيدة في مدرستي الداخلية التي قرر أبي حبسي فيها , وأيد قراره جميع أفراد الأسرة .. كنت ألمح بريق الانتصار يطل من العيون حولي فأعيد بصري حسرة أبحث عند أقدامي عن الحقيقة الضائعة في زحام من حولي.. لم ينتشلني رفاقي مما أنا به ولم يخفف من مضاعفات ما أعاني رحيلي الدائب وحرصي على البحث عن الغرباء .. كنت أفر من الجميع لأحرص على اكتساب صديق..
كنت أخشى مشاهدة ذلك البريق الذي لمحته في عين أمي وهي جثة هامدة مسجاة على فراشها.. كان عهدي بها لحظة الانتصار عندما وافق أبي على إدخالي المدرسة الداخلية .. البريق الذي شعَّ من عيون الجميع إنه الآن يطل بقوة من عيني والدتي الميتة والتي أصررت على مشاهدتها قبل مواراتها التراب.. ومبعث إصراري تحدي الجميع.. وأبي المنهار الذي انهار لتلك الهمسات المسمومة التي تدور حولي.. كنت أريد منهم أن يصمتوا ولكن ذلك زاد من ثرثرتهم، وتقدم مني طبيب الأسرة يسألني إن كنت أريد مساعدة وفي بطء أزحته بيدي واتجهت إلى الكرسي الذي اعتادت أمي الجلوس عليه في غرفتها.. وأخذت أبكي ..
كان بكائي صمتي وتلفتي حولي .. وكان الفراغ يحيط به .. لم تكن هناك جدران ولا ستائر نوافذ .. أبداً لم يكن أمامي سوى فضاء رحب  .. لا أعلم كم من الوقت مر .. كل شيء هادئ ، الرياح سكنت ، وأغصان الحديقة لزمت الصمت .. وأخذ الموكب المهيب يجتاز باحة الدار .. الجميع مطأطئ الرأس يأكلهم الصمت وتقرأ أفكارهم بشيء حاولت معرفته من تلفت بعضهم وهم يتبادلون أماكنهم تحت النعش، وألصقت وجهي بزجاج النافذة أتأمل الطريق والموكب يغرب.. يبتعد .. وشعرت في تلك اللحظة بالدموع تنسكب على خدي وسمعت ورائي خطوات .. كان أبي المنهوك وتلقفني بذراعيه، كنا نبكي، ودخلت عمتي، ودخل بقية أفراد الأسرة.. لقد انتهت مراسم الدفن .. طمر القبر في ثوان ، فقط شعرت فيها بأن أبي لم يكن لي شياً من الحب وأن هناك نقطة نستطيع الالتقاء عندها ، ووقفنا مطأطئي الرؤوس نتقبل العزاء .. كانت كلمتهم واحدة، كلهم يقولون كلمة واحدة حتى ذلك الصبي الذي التصق بساق أمه مع أنه لم يحرك شفتيه إلا أني سمعته يقول الكلمة نفسها.. وتحركت مبتعدة أخذت أسير وأنا ساهمة لم أبال بنظرات من حولي ولا باستعطاف أبي وهو يرجوني الوقوف إلى جانبه لشد أزره، وانتهت فترة العزاء، عاد أبي إلى مصنعه وأخذ الجميع يعودون إلى مرحهم.. كثر عدد سكان الدار هذه المرة، هكذا تصورت رغم أننا فقدنا أمي.. لقد كان الضجيج يملأ الغرف والاجتماعات الثنائية الصامتة تحطم أعصابي ..
نظرة النفور تقابلني من الجميع الذي يتجنبون الانفراد بي ، مجنونة .. زرع أحدهم هذه الكلمة في نفوس من حولي فصدقوه، وتضخمت الهمسات، سمعت الخادمة تكلم أحد عماتي..
ـ لم لا تعود سلوى لمدرستها .. ؟
وعرفت مدرستي أنها تلك الكلية البعيدة للشواذ والمشاغبين وذوي الحساسية الخاصة.
ـ محمود.. لماذا لا تعود سلوى لمدرستها .. ؟
كان أبي يتلقى هذا السؤال في كل مكان .. حتى عندما أخلو به ونجعل من الصمت رسول تفاهم كنت ألح على السؤال المرسوم على الجدران في كل مكان وصرخت في أبي..
ـ وأنت هل تريد مني الذهاب إلى المدرسة .. ؟
وذهبت إلى المدرسة وبعد أيام إذا بأبي يموت.. تدهورت سيارته .. ولم يعتن أحد بطلبي وغرقت في دموعي بشكل رهيب حتى وجدت المشرفة على القسم الذي أنا فيه أنه يجب مساعدتي (كان ذلك في ليلة مشئومة بالنسبة لي صرخت الفرحة في جنيات دارنا..) وأغلقت المشرفة فمي بيدها وهي تقول :
ـ إني أعرف كل شيء ..
ـ ولكن هل أنا مجنونة .. ؟
وطأطأت رأسها .. وحاولت أن أنسحب من أمامها ولكنها أمسكت بي..
ـ سلوى.. أنت لست مجنونة ، لكن هناك من يهمهم إلصاق هذه الصفة بك ..
ـ كلهم يتجنبون أن يعطفوا عليّ ..
ـ إنه عطف من نوع خاص .. عطف من نوع آخر .. أحدهم فرضه على الجميع .. ومع مرور الزمن صدقوه حتى أبيك صدقه، وكذلك أمك رغم أنها تقف إلى جانبك كانت تخشاك وتنعتك في فترات مجنونة..
ـ إني أتذكر أول مرة نعت بها .. عندما خرجت من غرفتها عنوة حيث كنت أحاول وأنا في العاشرة كما أظن فك الحبل الملعون الملتف حول رقبة أخي الصغير..
ـ لقد اتهمك الجميع بأنك خنقت أخاك بسبب غيرتك منه لأن الجميع يهتمون به.
ـ ولكن يا سيدتي ..
ـ أعلم .. لقد دخلت الغرفة فوجدت الحبل يطوق عنق أخيك ، وعندما لم يتجاوب مع حركاتك أخذت تفكين الحبل محاولة إيقاظه فإذا بوالدتك تدخل فجأة ويلحق بها الآخرون ..
ـ أجل ..
ـ وبعدها أخذ الجميع ينعتونك بالمجنونة ..
ـ أجل .
ـ والآن تحققت مآربهم ، وبما أني أعرف أنك لست مجنونة لذلك يجب علي مساعدتك ..
ـ إذاً لماذا أبقيتني هنا كل هذه المدة.. ؟
ـ خوفاً على حياتك ..
وخرجت من باب صغير جانبي من المدرسة وأخذت أتجول في الشوارع حتى وصلت الدار التي وجدتها مهجورة، وأخذت أبحث عن منفذ أدخل منه إليها، ودخلت.. أخذت أتجول في ردهات الدار وأشعل الأنوار حتى أصبح البيت قطعة من نور.. ويقرع الباب الخارجي، كان الحارس الليلي الذي اعتاد المرابطة أمام الدار أثناء نوبته، وتجلجل من الخوف عندما شاهدني، لكني قابلته بابتسامة رقيقة، ودسست في يده قطعة من النقود وأنا أقول..
ـ لا تدع أحداً يدخل الدار حتى تخبرني..
كانت الصور تجري أمامي وأخذت ألاحقها أبحث في الغرف المشعة بالأنوار عن شيء بينما أصوات فرامل السيارات المسرعة التي تقف أمام الباب تصك أذني، تدفعني إلى الجري، كنت أبحث عن شيء لا أعرفه.. وتصلبت أمام غرفة استعصت علي لا أذكر لمن كانت، ولكن الباب فتح.. كانت الجدران ملطخة بالصور وبالمناظر الجميلة وقد علاها التراب .. أخذت أجول أتفحص اللعب المتناثرة.. لقد كانت غرفة أخي الصغير الذي كنت سبب موته.. وشاهدت السرير المتحرك المشدود بالحبل (لأن والدتي كانت تهزه بواسطته أثناء انشغال الخادمة) وأخذت الحبل بيدي هازة السرير محاولة تذكر صورة أخي، لقد بدت تلك الصور الموضوعة في براويز حول السرير غريبة ولم أعرها انتباهي..
وتذكرت شيئاً وأنا أتأمل صورة عمي أحمد أصغر أشقاء أبي فأطلقت الحبل من يدي.. وأخذتها بين يدي وأنا أستغرب وجودها في ذلك المكان .. ورن جرس سيارة الشرطة فأسرعت والصورة بين يدي خارجة من الغرفة وهبطت الدرج ثم شرعت الباب على مصراعيه داعية الجميع إلى الدخول وأخذت أتأمل الجميع المذهولين وشاهدتها مبتسمة ، وتقدمت وهي تمد يدها ملقية تحية المساء وأجبتها بانحناءة من رأسي، ثم دعت الجميع إلى الدخول .
كان أعمامي الثلاثة وعماتي وكل المستفيدين من وفاة أبي بالإضافة إلى رجال الشرطة ومديرة المدرسة التي هربت منها، وأخذتني المشرفة جانباً، وأخبرتها بما قمت به، ثم قدمت لها الصورة فتأملتها وأخذت تجيل نظرها في الجالسين.. وعندما وصلت إليه دفعتها بكتفي فتوقفت أمامه واقتربت من ضابط الشرطة .
ـ ماذا هناك يا سيدي.. ؟
ـ لا أدري لقد اتصل بي أحدهم. ادّعى أن هناك لصوصاً بدار المرحوم محمود..
ـ إذن لماذا جلست .. ؟
ونهض الضابط مرتبكاً، فأخذته جانباً وتحدثت معه قليلاً، وعندما انتهيت، اتخذ طريقه إلى الباب الخارجي، وهو يشير لمرافقيه، ونهض العم أحمد..
ـ سيدي.. ؟
ـ وماذا تريد .. لقد أثرنا المشاكل لسيدة الدار..
ـ ولكن .. ؟
ـ أعلم ما تريد قوله، لكن ما دامت المشرفة والتي تعرف كل شيء شرحت الأمر فلا داعي للبقاء..
وخرج الضابط ومرافقوه ، ودبت الحركة في الدار المهجورة ، أما أنا فقد أخذتني المشرفة والمديرة جانباً ، وسألتني المديرة عن سبب هروبي ، واحترت في الإجابة ، لكن المشرفة شرحت الموقف ، وتحول غضب المديرة إليها ، ووعدت بمجازاتها وهي خارجة والتف أعمامي حولي بينما اختفت النسوة وران الصمت علينا .
ـ سلوى تعبة يجب أن ترتاح ..
تخلصنا منهم وأخذتني إلى غرفتي ، وأخذنا نتحدث ، كانت تعرف كل شيء عن الدار .. دخلنا غرفة أخي لنبحث في الزوايا والأدراج عن شيء .. وانتقلنا إلى غرفة أمي نبحث بالأدراج والخزائن ووجدنا "دوسيه" احتوت وصفات طبية، كتبها طبيب الأسرة، كما عثرنا على دفتر به بعض الملاحظات.. وخرجنا من الغرفة لنفاجأ بالعم أحمد يتلصص ، حيث تصلب في مكانه ، ومررنا به في هدوء مجرمة هكذا كنت لكني في نظر أقربائي مجنونة ، ولهذا لم يحدثني أحد عند الصباح ، ولم يشاركني مائدة الإفطار سوى المشرفة ومديرة المدرسة التي وصلت مبكرة ، وأخذت أتجول مع الاثنتين في حديقة الدار ، ولما عدنا كان الجميع في غرفة الجلوس ، وطلبت المشرفة الشرطة التي حضرت وقدمنا للضابط الملف الذي وجدناه في غرفة والدتي ثم طالبته بفك الحجز على الدار والمصنع ، وتسليم كل شيء لي ، واحتج الحضور ، وأخذت الكلمات تعلو بينما أخذ يقلب الملف ..
ـ إنها مجنونة وقاتلة ..
ورفع رأسه باحثاً عن صاحب الصوت .. ولكن ران الصمت على الجميع ونهض إلى التلفون وطلب الدكتور، وهو يتأمل الجميع.. وحضر الطبيب ، فأخذه جانباً وأطلعه على الأوراق ..
ـ وكيف مات الصغير .. ؟
ـ كما أظن طبيعياً..
ـ ولكن أين الشهادة ..
ـ هذه ..
وتأمل الشرطي الشهادة، ثم اطلع الدكتور على جملة وضع تحتها خطاً (لقد قتلت أخاها، إنها مجنونة.. ولولا مساعدة الطبيب لكانت فضيحة).
ـ ما رأيك في هذه الكلمات .. ؟
ـ لا أدري .. ولولا أني أحتفظ بسجل للأسرة لكنت صدقت هذا.
ـ هل كان الطفل مريضاً .. مرض الموت .. ؟
ـ تقريباً..
ـ ومن كان يشرف على علاجه.. ؟
ـ أحمد كما أذكر . لأن المرحوم كان مشغولاً في سفرياته ومشروعه الجديد .
ـ المصنع.. ؟
ـ أجل .
ـ وسلوى هل تذكر عنها شيئاً.. ؟
ـ أبداً ..
ـ ألا تعرف دوافع إدخالها مدرسة داخلية .. ثم عدم مشاركتها في دفن والدها؟
ـ قيل إنها اعتذرت ..
وتلفتُّ حولي أبحث عن شيء أنهي به الحديث واقتربت..
ـ ألم يقولوا لك إني مجنونة.. ؟
ـ كنت أسمع شيئاً من هذا لكنني لا أهتم..
ـ لماذا .. ؟
ـ لأنها بعيدة ..
وأخرج الضابط صورة عمي أحمد القديمة من تحت الملف..
ـ هل تعرف صاحب هذه الصورة .. ؟
ـ أجل ..
ـ شكراً ..
واقترب العم أحمد وجلس على المقعد الذي غادره الطبيب،
ــ سيد أحمد ابنة أخيك "سلوى" تطالب بتسليم مخلفات والدها، ولكن هناك اعتراضاً منك.. وتدعي أنها مجنونة ومما هو ملموس نرى أن ذلك كذب، وهناك دوافع لذلك فما هو سبب معارضتك.. ؟
ـ لا شيء.. ولكن حرصاً على المصلحة العامة .
ـ إذن لا اعتراض .. ؟
ـ أنا لا أعترض.. ولكن لو قابلت الآخرين لوجدتهم يؤيدون فكرتي وأن ما قلت حقيقة ولا مصلحة لي فيما ذهبت إليه ..
ـ وما هي علاقتك بوالدة سلوى الحقيقية .. ؟
وجحظت عينا العم أحمد عند سماعه لهذا السؤال، وأخذ يرتعش عندما لوح الشرطي بدفتر مذكرات والدتي.. وطال الحديث وحضر آخرون وتلاشى فيه إصرارهم وادعاؤهم أني مجنونة .. وتسلمت كل شيء وخرجت الصحف تحمل نبأ دخولي المجتمع وتلقفتني الأضواء ، وأخذت أبحث عن نفسي بعد كل هذا ، ولكن وجدت أني منبوذة .. لقد طغت تلك المرحلة المترسبة في أعماقي أخيراً وشعرت بأن علي أن أنزوي.. لقد وجدت أخيراً البريق، ولكن بصورة جديدة.. كان بريق الحقد الذي يطلق من مقل من حول حتى من المشرفة التي وجدت أن دورها انتهى بانتصاري.. ونسيت في لحظة انبهاري فضلها فتلاشيت في الزحام ..
*    *    *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إحدى قصص كتاب ( البحث عن ابتسامة ) حكايات وقصص قصيرة الصادر عن نادي القصيم الأدبي 2008م

الخميس، 18 نوفمبر 2010

فرشاة الاه الرعد



فرشاة الاه الرعد
 قصة قصيرة
 محمد المنصور الشقحاء

عندما حملت شهادة التخرج من الجامعة مشحونة كما عنقاء ملتهبة بجناح يلامس الماء وجناح يبلغ السماء بقدر كبير من الفعل الذي في إمكاني التحكم فيه، فقد ابتدعت طريقة تصنع الكائنات الحية في داخلي، أنفسها بطريقة تسمح بظهور العيوب حتى يتم إصلاحها وفق قانون خاص للمقاومة، كانت هدية الأسرة زوجا لم يفكر في تخصصي أدب انجليزي، ولم يمنع اشتغالي بتنمية هوايتي كفنانة تشكيلية وأنا أرصد جملة استخرجها من الذاكرة عندما أتوقف من التعب ( آه أيها الرجال البائسون الذين تحطمون نوعكم بالذات من خلال تلك المسرات المراد منها إعادة الإنتاج، فكيف يحدث أن هذا الجمال المهلك لا يجمد شهوتكم المتوحشة . ؟ ) فأستعيد نشاطي لمواصلة سحق روحي في الألوان وفرشاة تعانق بياض اللوحات.
إنما لم يشغل نفسه بتحقيق رغبتي في العمل في بيئة تتسم بالمنافسة الشديدة ، غير مبالية بالنزيف في الأدمغة التي تعيق دخولها المعترك متطلبات معقدة تفرضها رعاية وهمية تراه خلل في طموح المرأة. فكنت أقدم خلاصة معرفتي بين وقت وآخر في تقديم درس لغة انجليزية وأحيانا تربية فنية في مدرسة أهلية تعمل بها شقيقة زوجي.
ذات مساء جاء زوجي متهللا فقد عاد من بعثة للدراسة صديق طفولته، فكان حريا عمل حفل عشاء بهذه المناسبة، جاء الضيف مع زوجته وابنتيه، الكبرى في العاشرة والصغرى في الرابعة؛ أثر الغربة في حديثهم وملبسهم، الأم برغم تحفظها شغلتها لوحة رسمتها تأخذ حيزا بارزاًً من غرفة الجلوس.
بعد أيام أخبرني زوجي برغبة صديقه في مساعدة طفلتيه بالحضور معهم في دراستهم حتى أساعدهن على اعتياد الفضاء المدرسي، كانت ابنة العاشرة تقاوم ما حولها وفق تحرك حجارة رقعة الشطرنج، وأجدها بمهارة اللاعب تعرف وجهة كل حجر، تقترب أكثر مني لتشاركني خصوصياتي، وذات مساء وأنا أساعدها في حل واجباتها المدرسية اقترحت أن تكون موديلا أرسمه في لوحاتي القادمة؛ فاتحت أمها في ذلك، لم تعترض على الفكرة.
لما اكتملت اللوحة زرعت الأم على خدي قبلة طويلة وهي تحمل اللوحة لتعلقها في غرفة نوم الابنة، ولتطلب مني بصوت هادئ وطريقة خافتة الإيقاع لشخص أمضى وقتا طويلا يتحدث إلى مطلبه بصرف النظر عن الدافع لرسمها؛ لم أتردد في إعداد لوحة جديدة وجاءت لحظة البدء لمناقشة الشكل والحالة التي نتشكل فيها لفضاء رحب من التواصل.
هنا طفا على السطح أحداث تجاوزتها في رحلتي الدراسية، وعنونتها في لوحات بفرشاة اله الرعد. تلون فضاءها صديقة مفترضين أننا نهمهم ونحن نضبط نغمة حياتنا على ترددات نبوءة معرفة الروح الصحيحة. جاء اقترابها عنيفا في المرحلة الثانوية بعد انتقال المعلمة التي تعشقها لمدينة أخرى فكنت البديل الذي مارست معه لعبها؛بذاءة  تلذذي يثير شغبها ويدفعها إلى إيثاري بعنايتها وحراستي من الأخريات فخلقت ونحن في الجامعة نوعا من التواصل الرومانسي بأخيها الذي يعيدني للمنزل من الجامعة عند تأخر والدي، لم يتجاوز في التقائنا في مقهى ومطعم في لحظات مختلسة الحديث عن أحلامنا وهمومنا الجامعية.
ذات مساء وزوجي مسافر في مهمة عمل جاءت، لتحول الموهبة الخاصة لدي إلى انجاز أدركت أنها تعرف كل شيء عني وعن تأخر الحمل واستشعار مخاض الولادة وصمت زوجي، فأنا في مخيلتها الأرض القفر، كانت تحمل كتاب شعر يحوي رسوماً مختلفة تتواكب مع مضمون كل نص، وقد ثنت طرف صفحة تحمل صورة امرأة تفاصيل جسدها المكتنز تتجاوز إطارها.
 تستعين بمساعد لها لتسهيل مرورها بيسر ودون مساءلة إلى مرحلة دقيقة لشخص تراه مطلع، والعارف بما يتعامل في أعماق محاوره؛ ونحن ندخل المرسم وقفت أمام اللوحة البيضاء المعدة للتشكيل وتناثر الألوان، ثم التفتت نحوي كانت نظرتها تائهة في البعيد وكأنها في مكان تنتظر الصانع الأزلي المقيم في الغابة الزرقاء.
قالت بنبرة مطيعة: أين أجلس ؟
قلت: ( وأنا أسحب معطف الرسم حتى لا ألطخ ملابسي بالألوان ) هنا.
اقتربت مني تساعدني على لبس المعطف، أنفاسها تلفحني، توهمت أن شفتيها تدغدغ مؤخرة رقبتي فازددت بهجة، عدت ضمن صبية يلعبون في غابة غناء متناسين القوانين وقد جمعت التين ألشوكي أشدو بأغنية أحب ترديدها. سمعتها ذات يوم فحجبت كل الأصوات؛ توقفت عن الحركة اكتشف شيئا أعمق في عقلي بصوتي فابتعدت وهي تتشكل.
قالت: ابنتي تحبك.
قلت: إنها رقيقة وتدفع من يتعرف عليها إلى عشقها.
قالت: كانت الأثيرة في مدرستها هناك.
أكملت ربط حزام المعطف وشرحت لها كيفية الجلوس، وأنا أنثر شعرها تجلت صورة صديقتي التي أحتفظ بعديد من صورها الفوتوغرافية واللوحات المختلفة التي كانت تمنحنا خصوصيتنا التي انقطعت وأنا في المستوى الثالث من الجامعة بسفرها المفاجئ مع والدتها المريضة للخارج فانقطعت أخبارها.
كانت مغمضة العينين تتنفس بهدوء وكفها اليمنى تتصلب على طرف المقعد بينما الكف الأخرى الرابضة على فراغ المقعد الذي كنت أتمدد عليه عند التعب تتحرك ذهابا وإيابا تنتظر الحركة الأخرى، جلست بجوارها تعانقت كفينا على المقعد لاصق كتفي كتفها، التفتت نحوي طوقتني بذراعيها كل شيء فيها يبكي.
تأخر اكتمال الصورة وتناثرنا في فضاء المدينة كل ما نفعله يتجدد في زيادة مساحة انشغال زوجي وزوجها، والى استراحة صغيرة في شمال الرياض حملتنا سيارة أجرة خاصة ( لوموزين ) وأنا أنصت لغيابنا بحثا عن ما ينبغي الآن أن يولد في ذاتي التي بعثت .سبحنا ومن الإرهاق نمنا وإذا بصوته يدعونا للعشاء.
قالت: صديق من رض الغربة.
قلت: كيف ؟
قالت: انه من هنا رجل أعمال ومغني اسمه الحركي يثير الانتباه.
ونحن نجلس حول طاولة الطعام عرفت أنه يملك المكان وأنه تعرف عليها في حفل المعهد الذي درس اللغة الانجليزية فيه أثناء دراستها في بداية اغترابها وتكرر سفره كاسبا التأهيل في برامج ودورات تنمي هواياته ومشاريعه التجارية.
يتساقط مطرا وتتجاوب ضربات قلبي مع حاجات لا تتغير في أن أقضي من هذه اللحظة حاجاتي وفق الأنا متجاوزة النظر عمن ستلحق به السعادة ومن سوف يرث البؤس، فالسعادة لذة والبؤس ألم، واللحظة لم تترك سبيلا للتصرف، فعلي اعتبار اللحظة قيمة ذاتي المنسابة فأنا الآن ريح مشاعر عارية كنت أنحني بحريق مضاعف لميلاد جديد في كون باهر.
وفي العشاء الثالث شاركني في رسم لوحة جاءت الفكرة فيها عبر ريشتي كما أتخيل اللحظة وبريشته كما يتخيلها، معها تحولت الاستراحة إلى مرسم بديل . ولما اكتملت اللوحة جاء احتفالنا متجاوزا المتخيل، لم يكن رجلا ممزقا بين امرأتين، بل نحن الثلاثة نشكل حالة صعبة غير أنها تأتينا بالسعادة؛ تحدثنا أكثر مما ينبغي لم أفكر في احتساب الأمور؛ رأيتها كيف استسلمت بوهن كانت مفعمة بالحنان ودافئة.
ولما طال سفره في رحلة عمل شعرت بقلقها في انعدام القدرة على التعبير مغيبة الوعي من فرط الاستغلال الذي لم تواجهه. والاستنزاف القهري بسبب خلل هيكل القوة في داخلها مما يعني انجرافها للقاع، فأخذتها في جولة بأحد الأسواق ثم جلسنا بالمقهى ليقتحم طاولتنا من أثار عجبنا، ابتسم من غير أن يلاحظ انزعاجنا.
قال: كنت أراقب تجوالكم .
قالت: لم ؟
قال: لفت نظري تعانق كفيكما.
قلت: وما شأنك ؟
قال: أنتما عاشقتان وأنا عشقتكما.
جاء صمتنا متوافقا مع استرساله في الحديث واكتشاف مخزون كل واحد، ليس فيه ماهو كئيب أوخفي يفرض الاقتراب منه بحذر. دفع حساب القهوة وبسكويت البيت فور غادرنا السوق عربته الفارهة لم تغير من وجهتنا وحديثنا فلم يعد هناك ما يتوجب التفكير، طالت الطريق بسبب إشارات السير وازدحام الطريق وفي جنوب المدينة وعبر شوارع ضيقة شديدة الظلام فتح مدخل سور تغير لونه بفعل الزمن لندخل ( استديو ) خاص غرفة ومرسم  يتوسطه حامل يحمل لوحة لم تكتمل ولوحات متناثرة على الجدران، ومكومة على الأرض في تشكل بديع لنبع يضم كل الأحلام والأشكال التي تنتظم الحياة التي أعيشها متجاوزة النسيان في تقاطعات طريق مفتوحة وواضحة سرت فيها لاشعوريا ذات مرة في الفجر تسوقني دمدمة ولعثمات لأجد كل شيء، أحبني المكان والزمان فتعانق النور في داخلي زارعا أشياء لا تنسى.
جلست وجلست حول طاولة تداخل لونها مع بقع أصباغ تراكمت بعفوية، وجاء حاملا زجاجة مشروب لم تفتح وثلاثة كالفراش.على المقعد المقابل وسكب قطرات من المشروب تجرعت كأسي كانت المرة الأولى التي أتذوق فيها الخمر؛ وتجرعت كأسها، أشعل التلفزيون كانت قناة موسيقى غربية، قامت ترقص شاركها الرقص وشاركتهم بالتصفيق.
كل شيء فينا يتداخل ولما تنبهنا للوقت اتصل بهاتفه فجاء من أخذني وصديقتي لما دخلت المنزل وجدت زوجي في الفراش.تمددت بجواره التصق جسدي المبتل بجسده عاد تصببي المتبلور عبر متاهات أزلية تهيم بها روحي منذ جاء الكون فقد حزرت الحقيقة.
عرفت أن صديقتي وهي تهبط من السيارة تعثرت فساعدها السائق الأسود على فتح الباب وفي المدخل المعتم وهو يتفحص مفصل قدمها المتألمة ضاجعها مراهنا على السكون الذي اكتشف أهميته؛ وتركها في مكانها لتجد الخادمة التي أنسلت من غرفتها في سطح المنزل لأخذ ماء بارد من ثلاجة المطبخ تقف فوق رأسها فساعدتها على الصعود إلى غرفتها . شعرت ببعض الاستياء أهو الامتثال ألقسري أو الخضوع الذي يجتر المرء عبره هزائمه الخاصة وفق التصور الساذج والمضلل . غير أنه كان طفيفا إلى حد انه فاجأني هذا الإحساس البليد.
اكتملت الصورة التي اعتنيت بألوانها ولفتت فنياتي نظر صديق زوجي الذي نقل إعجابه بموهبتي زوجي، فقد امتزج عملي بالمعرفة ووصلت نفسي باله ممزوج بالمطر معه ذلك الرضا الضروري من أجل أن تشكل هذه التجارب الأكثر اهتماما بالاتجاه الوصفي شعورا مستقرا في زمن متحرك ، فجمعت حصادي بفرح الأماني التي معها تجاوزت جوعي.&

الأربعاء، 17 نوفمبر 2010

ســـواد



                    ســـواد

                                  ( إليها واليهم والى الطائف المدينة)


شعر / محمد المنصور الشقحاء

     رف حُلم مأزوم يحمل بقايا تِرياق وجود
فكان أن تنبه خاطر دفناه مذ زمنٍ بعيد
أخذ يلتمع
يستلهم غواية أطفالٍ تُعفر أقدامهم الحافية الرمضاء
وتراب الطريق
    كنا هناك نبحث وقد غار الحلم
عمن يركض مع ملهاةٍ تتشرنق حولنا
حتى نفيق
كم كنا أغبياء عندما أسلمنا قيادنا
لوهم أخذنا إلى غيابة جب تلهينا بتجاوز متاهاته فكان الضياع
وكان الرحيل
    يا ذات الأسماء المموهة خدعني صمتك
وتوقف نبضي غدت الصور صماء
ودائرةٌ سوداء تُحكم خِيارنا المموج بالحياة
تأخذك للأخر
وأبقى أُجا لد الموت مقاوما فضاء النسيان
فالزمن تطاول ولم يعد للعمر بقية
وأنا اتلها كل مساء مع الفضاء الرحب
بسرد حكايتنا متوهما إثم عشق تقارب
    فِلما كلما جاء اسمي في جوانحك
يرف حلمي المأزوم وتأتين على حصان أبيض يختفي دوما في
ألسواد00

الخميس، 11 نوفمبر 2010

الركض عبر أزقة الزمن



الركض عبر أزقة الزمن
قصة قصيرة
محمد المنصور الشقحاء

 ** بعد تسويف وتردد كانت موافقتي سبب توقف انهمار دموع والدتي التي أتعبها جسديا ونفسيا إضرابي عن الزواج، فلما سمع الجميع موافقتي بعد أربعة أعوام من عودتي من رحلة دراسية ووظيفة تتفق مع تخصصي تجولت معها في مدن وقرى متفرقة حتى كان استقراري بالرياض.
ونحن نناقش مواصفات الفتاة المطلوبة والتي تقارب عمري الأربعيني جاء التركيز على واحدة من الأسرة تأخر زواجها بسبب إصرارها على إكمال دراستها الجامعية والعمل.
وهنا كان استئجار شقة للسكن وتأثيثها بالفرش والمقاعد وجهاز التلفزيون وأجهزت المطبخ الرئيسة على أن يتم شراء المستلزمات عند الموافقة وحسب مطالب العروس.
في هذه الأثناء كنت اختلي بنفسي في الشقة لملاحقة مباريات كرة القدم في كاس العالم التي تذاع عبر قنوات التلفزيون المشفرة.
ولم ألاحظ أن الشقة المقابلة لشقتي بها طبيب عربي وزوجته وابنته ذات السنوات العشر حتى سمعت صوتاً أنثوياً ذات ظهيرة يستأذن الدخول من الباب الموارب وعمال التمديدات الكهربائية يوصلون أسلاك مكيف الصالة التي أجلس بها.
كانت جارتي تبحث عن هاتف به خاصية الصفر لتتصل بجوال زوجها الذي تأخر ومعه الابنة التي انتهى يومها الدراسي فقدمت لها هاتفي وتواصلت مع زوجها، وقد لفت نظري جسمها الرشيق وشعر رأسها القصير والمقصوص ( كتواليت ) الرجال.
انتهت واستأذنت اتصالاً آخر، وتبادلنا الابتسام إذنا ولما تناولت الهاتف منها كان ساخنا وكفها ساخنة، سرنا نقاوم الاعتذار ونخاتل السؤال عن الحال حتى الباب وانتظرت حتى دفعت باب الشقة ودخلت.
انتهى عمال الكهرباء من انجاز عملهم وجلست أتابع لقطات مكررة لأهداف مباريات الأمس وقد نسيت إن الباب لم يغلقه العمال لأجدها تقف على راسي وبين يديها طبق به قطع حلوى وبسكويت، لمحت ارتباكي فضحكت.
ــ جاء زوجي وابنتي.
ــ الحمد لله.
ــ وهذه الحلوى سبب تأخره.
تناولت الطبق وخرجت قمت بإغلاق الباب وتمددت لأخذ دقائق راحة ولكن قرعاً خفيفاً على الباب نبهني، كانت هي والابنة يستميحاني مشاهدة المباراة التي سوف تبدأ بعد دقائق وفيها يمثل منتخب بلدها فريقاً حمله الجميع الصعود لادوار متقدمة، وقبل سماع موافقتي جلستا.
رن هاتفي يدعوني للحضور فخرجت ولم أهتم بالاثنتين، كانت والدتي التي تعرضت لنكسة صحية تنقل للمستشفى وهناك طال انتظارنا حتى كمل الفحص ونصحنا الأطباء بجلوسها أربعاً وعشرين ساعة للمراقبة فرافقتها أختي الكبرى.
في العاشرة ليلا عدت لشقتي أبحث عن الخلوة وعن متابعة باقي المباريات فوجدت قنينة عصير فواكه وطبقاً آخر به حلوي وقطعة كيك وقنينة ماء صغيرة تبقى نصفها.
في الواحدة وأنا أستعد للمغادرة آخذت أعيد ترتيب المقاعد وحمل الأطباق وآثار يوم كامل من الحركة، ولما فتحت باب الشقة وجدتها تقف في باب شقتها ترتدي ثوب نوم ناعم قصير يكشف كتفيها وجزء من صدرها، لم تتحرك فاقتربت منها حاملا الطبق الذي تركته، تناولته مبتسمة ودعتني للدخول.
الشقة معتمة وضوء أحمر خافت ينساب في كل مكان، وفي مواجهة الممر باب مفتوح وسرير نوم خال تعامد نظري مع نظرها على الباب المفتوح، كانت تحقق برنامجها، عرفت أن الابنة راقدة في غرفتها وأن الزوج بالمستشفى وأنها الآن هي من يريد قضاء دقائق متعة تبحث عنها بين وقت وآخر.
استمتعت بمفاتنها وحراكها، لم أجد صعوبة في الدخول في كل مكان من جسدها ولما توقفنا نستعيد أنفاسنا.
ــ تصدق لم أبحث عن الكثير.
ــ وأنا كنت قلقا.
ــ لم القلق ؟
ــ شيء لا أتحكم به.
كانت امرأة بلا قضية إنما عندها هدف محدد، تريد فقط أن تكون أقل خوفا، ووجدتها كتلة من المفارقات رخيمة أنيسة بمتعة البراءة الأولى؛ لنتنبه على صوت جرس الساعة التي لا ادري أين رافقتني إلى الباب الذي لم تغلقه حتى قفل المصعد بابه.
انقطع حضوري للشقة بسبب تدهور صحة والدتي، وتناوبنا في البقاء في المستشفى، وفي هذه الأثناء التقيت بالفتاة التي اختارتها والدتي عند زيارة والدتها لوالدتي ومرافقتها، وفي الممر اقتربت منها شاكرا زيارتها وأمام نافذة الممر المطلة على فناء يضم مواقف السيارات ومقصف وجبات سريعة ومشروبات يبيع باقات الورد وعلب الحلوى لزوار المرضى توقفنا فرفعت الغطاء عن وجهها لتسمح لي بمشاهدته عن قرب، تميل للسمرة نحيلة الجسد طويلة القامة ترتدي فستاناً حديثاً ضيقاً وبعفوية أهملت طرفي العباءة لتنفتح حتى أكون صورتي عن شكلها.
في اليوم السادس صممت على الذهاب إلى الشقة، وأنا أفتح الباب فكرت في طرق باب الشقة المقابلة ولم أتشجع، كانت الساعة التاسعة ليلا والظلام والمطر والبرد يحيط بكل شيء، فأشعلت الأضواء وتركت باب الشقة موارباً منتظرا حراك المكان وإذا بصوت رجل يستأذن كانت جارتي وقد تهدلت العباءة المزخرفة على الكتف وزوجها وابنتها بعد عشاء في أحد المطاعم تبادلنا التحية أعتذر الجميع عن قبول دعوتي.
ولم يمر وقت طويل وإذا بالباب يقرع كانت الطفلة تحمل قنينة عصير فواكه وطبق حلوى وبسكويت تناولته منها ومررت كفي على رأسها وتابعتها بنظري وهي تدخل شقتها.
 نمت في مكاني لأتنبه على الهاتف كانت خطيبتي تدعوني لمقابلتها، جاء اللقاء في السادسة عصرا كانت تنتظرني في مكان عام أوصلها إليه سائق أسرتها وعلامة التعريف حقيبة يد خضراء وزنبيل عليه علامة محل تجاري معروف حتى لا يلفت بحثنا رجال الحسبة ومرافقيهم من أفراد الشرطة؛ وفي عربتي وبعد أن غادرنا موقف السيارات تقابلت كفانا، وفي مقهى بمركز تجاري توقفنا.
ــ دعوتي للتعارف أكثر.
ــ هذا مشجع !
ــ وعلينا عدم التسرع في القرار.
ــ اجل.
وتشعب الحديث فالحاضر يدغم ذاتين في واحدة، لم يكن هناك خيار؛ ليرن هاتفها، وهنا طلبت مني إيصالها إلى المكان الذي أخذتها منه وان اقترحت عليها إيصالها لمنزلها لم توافق فوالدتها وإحدى قريباتها في انتظارها بالمكان الذي أخذتها منه.
انشغالنا بمرض والدتي والبحث في مناسبة الفتاة التي اختارتها أمي وأسرتها زرع القلق والجدال بين إخواني وأخواتي وقد تنافس الجميع في إيجاد البديل المناسب.
بعد اتفاق مع شركة دواليب المطابخ جاء موعد التركيب الذي تأخر فسبقتهم إلى الشقة انتظر وصول عمال النقل والتركيب، وأثناء حركتهم أطلت جارتي محيية ووقفت أتحدث معها، كانت العاشرة صباحا،  تتناول قهوة الصباح دعتني للدخول والهاتف يرن رفعت السماعة كان الآخر يحدثها وهي تحدق بي معلنة عن ترحيبها بوجودي، ولما أغلقت الهاتف طوقتني بذراعيها وجلسنا ملتصقين؛ امتصت الحياة مني وزرعت في داخلي تألق اله الحب، منزاحة بكل وجدها وشبقها إلى مرحلة خلق صور جديدة من العشق في لحظة اندغام مع شقشقة عصافير الصباح وصوت حركة المارة والسيارات في الشارع.
انتهى العمال من مهمتهم وكان علي تسليمهم باقي أجرتهم، ولما بقيت وحيدا في الشقة جاءت تحمل طبق الحلوى والبسكويت وقنينتي عصير الفواكه، جاء حديثنا عادي فقد تجاوزنا الانبهار.
وفي اللقاء الثاني بخطيبتي لم أكتف بتعانق كفينا فقد أطبقت على شفتيها في قبلة طويلة لم تقاوم إنما طوقتني بذراعها واستسلمت حتى شعرت أن أنفاسنا تقطعت فتركتها وقد كنا داخل سيارتي التي تقف في ضل شجرة وارفة بعيدة عن الانظار.
ــ هناك أمر ؟
ــ خير .
ــ اعرف ان الوالدة مريضة وإنها تبحث لك عن زوجة من اجل الأولاد.
ــ كل شيء بأمر الله.
ــ أنا معك.
وعرفت أنها في زمن سابق أجرت الفحص الطبي للزواج بعد أن تقدم لها احدهم وجاء الفحص أن صحتها جيده وان كانت تعاني من بعض العيوب الخلقية منذ الطفولة، أهمها ضيق المهبل الشديد، ولكن من ناحية الحمل عقيم بسبب خلل في المبايض والتصاق داخل الرحم وأشياء أخرى اكتشفتها بعد تخلي من خطبها عن إكمال مشروع الزواج، كانت مصارحتها ايجابية وتمنحني فرصة التفكير.
ــ هل أمك أخبرت والدتي ؟
ــ لم تفكر في ذلك.
ــ ولماذا ؟
ــ لا أدري.
اتفقنا على إبقاء الأمر سرا حتى تغادر أمي المستشفى وأوصلتها إلى منزلها وداعبتها برغبتي في الدخول واقتحام غرفتها .
خرجت والدتي من المستشفى منهكة وبقينا حولها نرحب ونستقبل الجيران والأقارب مما أنساني الهروب إلى شقتي، كما جاء تكليفي بحضور برنامج تدريب لمدة خمسة عشر يوما خارج البلاد، فرصة للنقاهة والتفكير في مصارحة أمي بشان الفتاة التي اختارتها زوجة لي0
ولما عدت تريثت وأخذت طريقي لشقتي وهنا كانت المفاجأة وجود ساكن جديد في الشقة المقابلة أسرعت إلى مكتب العمارة فأفادني بان الطبيب في إجازة من العمل ويسكن في الشقة الساكن الأساسي، أخته الأستاذة الجامعية وزوجها المرافق الذي يعمل مندوب مبيعات في شركة تجارية للتوريد والعلاقات العامة وعرفت ان الطبيب يقيم في سكن المستشفى وأن زوجته تأتي وقت الإجازات وهي تعمل محررة بصحيفة معروفة كمدير تحرير.
لم أتوافق مع هذه الأخبار فأخذت أتجول بسيارتي في الشوارع ثم قادتني إلى مطعم ومتنزه خارج المدينة يلتقي فيه الأصدقاء لقضاء الوقت ولعب الورق.
وأنا في طريقي للشقة تذكرت اسم المستشفى الذي يعمل به زوج جارتي فهو مشهور وبه خدمات طبية فندقية تجاوزت في بعض الحالات التصور الحالم، وأنا أسير على غير هدى بين الممرات كنت أجد ممرضات وعاملات من جنسيات مختلفة رشيقة وبمظهر خلاب وعلى محياهم ابتسامة تدعو إلى الاطمئنان والبحث عن كلمة طيبة.
ــ الدكتور جمال !
ــ نعم.
ــ ابحث عن الدكتور جمال.
ــ اخذ إجازة .
ــ يعني سوف يرجع.
ــ إذا ولدت زوجته.
ــ نعم .
بعد عشر سنوات حمل وإجازة مفتوحة وان علامات الحمل اتضحت وبما أنها في الأربعين وكلما زاد عمر المرأة قلت نسبة حدوث الحمل فلابد من رعاية خاصة إذا أثمرت العلاقة؛ وهنا كان الرحيل الذي معه إبقاء الإجراء في نطاق الحلم، ولجت الشقة وتركت الأضواء تشع ولم اهتم بالتلفزيون الذي يحمل فوق ظهره صحناً وردي اللون صغير الحجم، وبجواره قنينة عصير فواكه فارغة.
في الحادية عشرة ليلا رن هاتفي كانت أختي تخبرني بانتكاس صحة والدتي، وأنهم في طريقهم للمستشفى لم أهتم بإطفاء النور ووجدت جارتي الجديدة ومعها مجموعة من الرجال والنسوة عند المصعد، الجميع راقب خروجي من الشقة.
ــ هل أنت الجار الجديد ؟
ــ وانتم !
ــ نحن هنا منذ عامين.
ــ شهر. . إنما كان في الشقة آخرون ؟
ـ نعم شقيق الدكتورة.
وعرفت إن الدكتورة التي تعمل بكلية جامعية في قسم البنات كانت في إجازة دراسية أثناء الصيف، معه سكن الطبيب وزوجته التي جاءت في إجازة عمل لقضاء بعض الوقت الدكتورة كبيرة في السن وجسمها المكتنز يشع بياضا والأخريات والآخرون يتفاوتون في العمر وتباين الملامح ولون البشرة.
دخلت والدتي غرفة العناية المركزة ثم لفظت أنفاسها وبعد انتهاء العزاء أخبرت أختي الأكبر بفحوصات خطيبتي وقرار الأطباء استحالة حملها.
ــ من ؟
ــ زينب بنت الخالة نوف.
ــ هذه تزوجت.
عرفت أنها حصلت على بعثة للدراسات العليا وتوافق ابتعاث آخر من أقارب والدها فكان زواج تسهيل السفر وإكمال الابتعاث، شعرت بالضياع أني أشبه كالكامش الذي عاد خائبا من رحلة الوصول إلى الخلود  ومع غروب الشمس وأمام باب شقتي وقفت مترددا بين الدخول والمغادرة وحولي حركة سكان العمارة وتراكض الأطفال، ولمحتها ملتفة بالعباءة تخرج من المصعد، حدقت فيها وهي ترفع الغطاء عن وجهها تدقق في أرقام الشقق ولما وجدتني أراقبها تبسمت، عندها فتحت باب الشقة وتركته مواربا وجلست في العتمة أحدق في التلفزيون وشع نور انفتاح الباب.
ــ لم أجد أحداً.
ــ نعم ؟
ــ أخي وزوجته.
كانت في زيارة لشقيقها، زوجها غادر قبل أن يتأكد من وصولها، دعوتها للجلوس جاءت كماء السماء؛ تلفتت حولها تقوم ثمن ثقتها الطائشة في حضور مجهول وكأن شخصا  يسوقها ليخلصها من شبح في الخارج كان يركض وراءها.
ــ لا يوجد أحد.
ــ وأنت ؟
ــ مشروع لم يكتمل . . لا أدري لماذا أحببت هذه المدينة!
ــ إنها رغم تعددها تزرع السلوان.
ــ وتأتي من الضياع.
شرحت لها وضعي أنفاسها أرواح بشر لا تعرف الرعب الضاج بالعزلة، تركتها لإحضار أكل ومشروبات من مطعم مشويات وفلافل اعتدته، ولما عدت كانت تجلس أمام التلفزيون ثم نهضت ترقص على أغنية انبثقت عبر الشاشة فالرقص يفجر عقدنا الخفية؛ تناولنا لقيمات وتجرعنا بعض القطرات من المشروب شعرت بارتعاشها ونزقها.
ــ سوف يأتي في العاشرة.
ــ من ؟
ــ أبو ميسر.
ــ زوجك ؟
ــ وصغيري ميسر الحياة المتواصلة.
عرفت ان الطفل ذا السنوات الأربع مع أبيه الذي أخذه إلى مركز العاب الأطفال في سوق تجاري يقتني من محلاته احتياج الأسرة من الغذاء، وحتى تزور أخيها؛ تذكرت جارتي وحملها وخطيبتي التي لم تنتظر ردي. صدرها الصغير لفت نظري وبياضها المائل للشقرة ألهب أفكاري وفي التاسعة والنصف استعادت الهدوء ورن هاتفها كان زوجها ينتظرها عند باب العمارة وهي خارجة لمحت ابن شقيقها ذا السنوات الثلاث ينسل من المصعد فهبطت مع الدرج.
 أعلنت الإدارة التي أعمل بها عن برنامج تدريب جديد لمدة عام فتقدمت له وتوافق اختياري مع آخرين من إدارتي ومن دوائر حكومية أخرى، ذكور وإناث في مدينة أوربية وأخرى أمريكية، وبما أنني جربت أمريكا سنوات الدراسة الجامعية فكان اختياري للمدينة الأوربية لندن مع معرفتي بصعوبة المعاش اجتماعيا وسياسيا فقد كان تحد جديداً، جاء سكني وفق ترتيبات المعهد المشرف على البرنامج وبعد أكمال التسجيل وإعداد جدول البرنامج قررت إدارة النادي العربي بالجامعة التي تضم الكلية التي ندرس برنامجنا بين جدرانها دمجنا في مناشطه؛ وكان الحضور اللافت خطيبتي التي لم يؤثر على تركيزها وقوفي أمامها، عرفت إنها أكملت عامها الأول وأن زوجها هجرها بعد ستة أشهر وقد انضم إلى مجموعة معارضة لم تتمكن من توحيد صفوفها في الداخل كحركة احتجاج اجتماعية بشأن مطالب الإصلاح والتغيير التي يمكن الحصول عليها بالتفاهم والحوار ؛ فتحولت إلى جماعات انشقاق سياسية تتوزعها الأثينية الطائفية المذهبية والعرقية القبلية؛ تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية في الوطن وفق أجندة بريطانية تتقاطع مع المصالح الامريكية.
ــ ستجعلينني اشمئز من نفسي.
ـ نعم ؟
ــ لن أرغب في وجود أي كان معنا.
ــ لماذا ؟
ــ لجرحي القديم الذي دمك جف عليه.
وتركتها مع مجموعة من الطلاب لمناقشة اختيار أعضاء مجلس إدارة الجمعية التي تشارك في نشاطها العلمي؛ ولحق بي أحد أعضاء البعثة وجلسنا على مقعد في حديقة عامة تقبع بين السكن والجامعة يائس حزين وبمعرفة كاملة كنبوءة حالة لموضعه الروح.
ــ ستتمكن من مضاجعتها في نهاية الأمر.
ــ تلك اللؤلؤة السمراء ؟
ــ نعم .
كنت أعاني من فراغ غامض . . ماذا عساها تريد . ؟ إنني أجد الخلاص في نكران نفسي، فالدم الذي يجري في أعماقي مسموم، الأمر يتطلب عملية خلق كاملة فقد تلوثت عيني ونفث الصديد سمه في قلبي، أغرق في وهم لم يتحدد إطاره ولم اسع إلى تجاوزه. عالمي الداخلي لم يسع لبعث تجربتي الذاتية والتعبير عنها بلغة واضحة.
وفي الصباح وأنا أستعد لمغادرة غرفتي للجامعة وجدت ورقة صغيرة تحت الباب ( هذه الليلة سوف أحضر إلى غرفتك في الحادية عشرة والنصف . . خطيبتك ) ذلك الشعور الملتبس الذي استقر في داخلي جميع أفراحه صارت الآن تخفي طعما غير مستساغ، فوجودها بعث في لذة لاذعة.
ــ أتعرفين ماذا فعلت اليوم ؟
ــ ماذا فعلت !
ــ لما أنهيت كلمات رسالتك . . فكرت بالموت
ــ وبعد ؟
ــ تذكرت حياتي المحمومة والمعقدة.
وتوقفنا عن الحديث كنا نركض نحو اللحظة التي استعصت وذلك الجوع الممتد لكل شيء خلفنا؛ أشكل معها صيغة أحلامي كما الآخرين، وكل ما أتذكره أن حلمي كان يسير معي في الشفق، وفي لحظات انتشار ظلي ببطء على الجدران وأنا أركض بحثا عن شيء أسطوري.
دفنت وجهي في صدرها أستمع لنبضات قلبها وأستنشق الرائحة الطيبة؛ ناصت للحديث المرسل بالحكمة والمغفرة أستجدي البقايا المشتعلة من طموحات عالمها الدوار وقد استنفذت السنين ذاكرتي، فلها طريقة سرية تكفي لمعرفة أن دائرتها الوسيعة المطوقة تضم الكل وقد تبلغ الكل.
وعند مدخل مكتبة الجامعة انفصلنا، ودع أحدنا الآخر بكلمات مقتضبة؛ لأجد مرافقي في إعداد بحث الموضوع الذي نشترك فيه مع باحثتين من جنوب إفريقيا ونيوزيلندا يناقش ما تم الانتهاء منه لتكون المراجعة بوجودي.
ــ رائحتك عبقة.
ــ . . . .
ــ لقد ضاجعتها أخيراً أنها رائحة الأرض.
ــ . . . .
ــ لقد قتلت الأوراق.
ــ أنا رأيتها تسقط.
كان يسترق اللحظات لينفس عن اكتشافه باللغة العربية أمام صمت مرافقتينا وانشغالهما بتدوين الملاحظات وصياغة ورقة العمل وتوزيع المحاور عند النقاش واحتفلنا أربعتنا في نهاية الأسبوع الأخير، بالتقدير المتقدم في مطعم الجامعة ثم في غرفة الإفريقية التي قدمت جسدها قربانا للمناسبة؛ النيوزلندية الساخنة مثيلية وتميل إلى الذكورة مبررة حيويتها وزهوها، وان تمكنت من اكتساح حصونها والركض في ساحاتها كما حصان بري انفلت لجامه عنوة من يد مروضه، بعدما لعب المشروب برأسينا وقد علا شخير مرافقي وكذلك الإفريقية التي سكن حراكها، ولما عدنا لرشدنا كان الصداع يحطم رأسي والشقراء ترمقني بتوجس ثم أجهشت بالبكاء.
ــ  هل انتهينا
ــ . . . .
ــ هو الوداع لزمن مليء باللاشيء.
نوبة من نوبات الضعف التي تنتاب القلب، واصلت البكاء متكئة إلى كتفي لا يمكن تصوري ونظرات زميلي القلقة والإفريقية المبتسمة فأحسست بنفسي خسيسا، ومعها أصبحت عيناها قاسيتين، واستعادة وعيها تحول البكاء إلى حشرجة، احتضنها مرافقي وغادرت الغرفة مع الأفريقية.
بينما أراجع بيانات أوراق إجراء في المكتب رن الهاتف كانت خطيبتي السابقة التي عادت، تدعوني لموعد عشاء مذكرة بما يقوم به المحبون في الغرب عند الموعد الأول.  &&