فرشاة الاه الرعد
قصة قصيرة
محمد المنصور الشقحاء
عندما حملت شهادة التخرج من الجامعة مشحونة كما عنقاء ملتهبة بجناح يلامس الماء وجناح يبلغ السماء بقدر كبير من الفعل الذي في إمكاني التحكم فيه، فقد ابتدعت طريقة تصنع الكائنات الحية في داخلي، أنفسها بطريقة تسمح بظهور العيوب حتى يتم إصلاحها وفق قانون خاص للمقاومة، كانت هدية الأسرة زوجا لم يفكر في تخصصي أدب انجليزي، ولم يمنع اشتغالي بتنمية هوايتي كفنانة تشكيلية وأنا أرصد جملة استخرجها من الذاكرة عندما أتوقف من التعب ( آه أيها الرجال البائسون الذين تحطمون نوعكم بالذات من خلال تلك المسرات المراد منها إعادة الإنتاج، فكيف يحدث أن هذا الجمال المهلك لا يجمد شهوتكم المتوحشة . ؟ ) فأستعيد نشاطي لمواصلة سحق روحي في الألوان وفرشاة تعانق بياض اللوحات.
إنما لم يشغل نفسه بتحقيق رغبتي في العمل في بيئة تتسم بالمنافسة الشديدة ، غير مبالية بالنزيف في الأدمغة التي تعيق دخولها المعترك متطلبات معقدة تفرضها رعاية وهمية تراه خلل في طموح المرأة. فكنت أقدم خلاصة معرفتي بين وقت وآخر في تقديم درس لغة انجليزية وأحيانا تربية فنية في مدرسة أهلية تعمل بها شقيقة زوجي.
ذات مساء جاء زوجي متهللا فقد عاد من بعثة للدراسة صديق طفولته، فكان حريا عمل حفل عشاء بهذه المناسبة، جاء الضيف مع زوجته وابنتيه، الكبرى في العاشرة والصغرى في الرابعة؛ أثر الغربة في حديثهم وملبسهم، الأم برغم تحفظها شغلتها لوحة رسمتها تأخذ حيزا بارزاًً من غرفة الجلوس.
بعد أيام أخبرني زوجي برغبة صديقه في مساعدة طفلتيه بالحضور معهم في دراستهم حتى أساعدهن على اعتياد الفضاء المدرسي، كانت ابنة العاشرة تقاوم ما حولها وفق تحرك حجارة رقعة الشطرنج، وأجدها بمهارة اللاعب تعرف وجهة كل حجر، تقترب أكثر مني لتشاركني خصوصياتي، وذات مساء وأنا أساعدها في حل واجباتها المدرسية اقترحت أن تكون موديلا أرسمه في لوحاتي القادمة؛ فاتحت أمها في ذلك، لم تعترض على الفكرة.
لما اكتملت اللوحة زرعت الأم على خدي قبلة طويلة وهي تحمل اللوحة لتعلقها في غرفة نوم الابنة، ولتطلب مني بصوت هادئ وطريقة خافتة الإيقاع لشخص أمضى وقتا طويلا يتحدث إلى مطلبه بصرف النظر عن الدافع لرسمها؛ لم أتردد في إعداد لوحة جديدة وجاءت لحظة البدء لمناقشة الشكل والحالة التي نتشكل فيها لفضاء رحب من التواصل.
هنا طفا على السطح أحداث تجاوزتها في رحلتي الدراسية، وعنونتها في لوحات بفرشاة اله الرعد. تلون فضاءها صديقة مفترضين أننا نهمهم ونحن نضبط نغمة حياتنا على ترددات نبوءة معرفة الروح الصحيحة. جاء اقترابها عنيفا في المرحلة الثانوية بعد انتقال المعلمة التي تعشقها لمدينة أخرى فكنت البديل الذي مارست معه لعبها؛بذاءة تلذذي يثير شغبها ويدفعها إلى إيثاري بعنايتها وحراستي من الأخريات فخلقت ونحن في الجامعة نوعا من التواصل الرومانسي بأخيها الذي يعيدني للمنزل من الجامعة عند تأخر والدي، لم يتجاوز في التقائنا في مقهى ومطعم في لحظات مختلسة الحديث عن أحلامنا وهمومنا الجامعية.
ذات مساء وزوجي مسافر في مهمة عمل جاءت، لتحول الموهبة الخاصة لدي إلى انجاز أدركت أنها تعرف كل شيء عني وعن تأخر الحمل واستشعار مخاض الولادة وصمت زوجي، فأنا في مخيلتها الأرض القفر، كانت تحمل كتاب شعر يحوي رسوماً مختلفة تتواكب مع مضمون كل نص، وقد ثنت طرف صفحة تحمل صورة امرأة تفاصيل جسدها المكتنز تتجاوز إطارها.
تستعين بمساعد لها لتسهيل مرورها بيسر ودون مساءلة إلى مرحلة دقيقة لشخص تراه مطلع، والعارف بما يتعامل في أعماق محاوره؛ ونحن ندخل المرسم وقفت أمام اللوحة البيضاء المعدة للتشكيل وتناثر الألوان، ثم التفتت نحوي كانت نظرتها تائهة في البعيد وكأنها في مكان تنتظر الصانع الأزلي المقيم في الغابة الزرقاء.
قالت بنبرة مطيعة: أين أجلس ؟
قلت: ( وأنا أسحب معطف الرسم حتى لا ألطخ ملابسي بالألوان ) هنا.
اقتربت مني تساعدني على لبس المعطف، أنفاسها تلفحني، توهمت أن شفتيها تدغدغ مؤخرة رقبتي فازددت بهجة، عدت ضمن صبية يلعبون في غابة غناء متناسين القوانين وقد جمعت التين ألشوكي أشدو بأغنية أحب ترديدها. سمعتها ذات يوم فحجبت كل الأصوات؛ توقفت عن الحركة اكتشف شيئا أعمق في عقلي بصوتي فابتعدت وهي تتشكل.
قالت: ابنتي تحبك.
قلت: إنها رقيقة وتدفع من يتعرف عليها إلى عشقها.
قالت: كانت الأثيرة في مدرستها هناك.
أكملت ربط حزام المعطف وشرحت لها كيفية الجلوس، وأنا أنثر شعرها تجلت صورة صديقتي التي أحتفظ بعديد من صورها الفوتوغرافية واللوحات المختلفة التي كانت تمنحنا خصوصيتنا التي انقطعت وأنا في المستوى الثالث من الجامعة بسفرها المفاجئ مع والدتها المريضة للخارج فانقطعت أخبارها.
كانت مغمضة العينين تتنفس بهدوء وكفها اليمنى تتصلب على طرف المقعد بينما الكف الأخرى الرابضة على فراغ المقعد الذي كنت أتمدد عليه عند التعب تتحرك ذهابا وإيابا تنتظر الحركة الأخرى، جلست بجوارها تعانقت كفينا على المقعد لاصق كتفي كتفها، التفتت نحوي طوقتني بذراعيها كل شيء فيها يبكي.
تأخر اكتمال الصورة وتناثرنا في فضاء المدينة كل ما نفعله يتجدد في زيادة مساحة انشغال زوجي وزوجها، والى استراحة صغيرة في شمال الرياض حملتنا سيارة أجرة خاصة ( لوموزين ) وأنا أنصت لغيابنا بحثا عن ما ينبغي الآن أن يولد في ذاتي التي بعثت .سبحنا ومن الإرهاق نمنا وإذا بصوته يدعونا للعشاء.
قالت: صديق من رض الغربة.
قلت: كيف ؟
قالت: انه من هنا رجل أعمال ومغني اسمه الحركي يثير الانتباه.
ونحن نجلس حول طاولة الطعام عرفت أنه يملك المكان وأنه تعرف عليها في حفل المعهد الذي درس اللغة الانجليزية فيه أثناء دراستها في بداية اغترابها وتكرر سفره كاسبا التأهيل في برامج ودورات تنمي هواياته ومشاريعه التجارية.
يتساقط مطرا وتتجاوب ضربات قلبي مع حاجات لا تتغير في أن أقضي من هذه اللحظة حاجاتي وفق الأنا متجاوزة النظر عمن ستلحق به السعادة ومن سوف يرث البؤس، فالسعادة لذة والبؤس ألم، واللحظة لم تترك سبيلا للتصرف، فعلي اعتبار اللحظة قيمة ذاتي المنسابة فأنا الآن ريح مشاعر عارية كنت أنحني بحريق مضاعف لميلاد جديد في كون باهر.
وفي العشاء الثالث شاركني في رسم لوحة جاءت الفكرة فيها عبر ريشتي كما أتخيل اللحظة وبريشته كما يتخيلها، معها تحولت الاستراحة إلى مرسم بديل . ولما اكتملت اللوحة جاء احتفالنا متجاوزا المتخيل، لم يكن رجلا ممزقا بين امرأتين، بل نحن الثلاثة نشكل حالة صعبة غير أنها تأتينا بالسعادة؛ تحدثنا أكثر مما ينبغي لم أفكر في احتساب الأمور؛ رأيتها كيف استسلمت بوهن كانت مفعمة بالحنان ودافئة.
ولما طال سفره في رحلة عمل شعرت بقلقها في انعدام القدرة على التعبير مغيبة الوعي من فرط الاستغلال الذي لم تواجهه. والاستنزاف القهري بسبب خلل هيكل القوة في داخلها مما يعني انجرافها للقاع، فأخذتها في جولة بأحد الأسواق ثم جلسنا بالمقهى ليقتحم طاولتنا من أثار عجبنا، ابتسم من غير أن يلاحظ انزعاجنا.
قال: كنت أراقب تجوالكم .
قالت: لم ؟
قال: لفت نظري تعانق كفيكما.
قلت: وما شأنك ؟
قال: أنتما عاشقتان وأنا عشقتكما.
جاء صمتنا متوافقا مع استرساله في الحديث واكتشاف مخزون كل واحد، ليس فيه ماهو كئيب أوخفي يفرض الاقتراب منه بحذر. دفع حساب القهوة وبسكويت البيت فور غادرنا السوق عربته الفارهة لم تغير من وجهتنا وحديثنا فلم يعد هناك ما يتوجب التفكير، طالت الطريق بسبب إشارات السير وازدحام الطريق وفي جنوب المدينة وعبر شوارع ضيقة شديدة الظلام فتح مدخل سور تغير لونه بفعل الزمن لندخل ( استديو ) خاص غرفة ومرسم يتوسطه حامل يحمل لوحة لم تكتمل ولوحات متناثرة على الجدران، ومكومة على الأرض في تشكل بديع لنبع يضم كل الأحلام والأشكال التي تنتظم الحياة التي أعيشها متجاوزة النسيان في تقاطعات طريق مفتوحة وواضحة سرت فيها لاشعوريا ذات مرة في الفجر تسوقني دمدمة ولعثمات لأجد كل شيء، أحبني المكان والزمان فتعانق النور في داخلي زارعا أشياء لا تنسى.
جلست وجلست حول طاولة تداخل لونها مع بقع أصباغ تراكمت بعفوية، وجاء حاملا زجاجة مشروب لم تفتح وثلاثة كالفراش.على المقعد المقابل وسكب قطرات من المشروب تجرعت كأسي كانت المرة الأولى التي أتذوق فيها الخمر؛ وتجرعت كأسها، أشعل التلفزيون كانت قناة موسيقى غربية، قامت ترقص شاركها الرقص وشاركتهم بالتصفيق.
كل شيء فينا يتداخل ولما تنبهنا للوقت اتصل بهاتفه فجاء من أخذني وصديقتي لما دخلت المنزل وجدت زوجي في الفراش.تمددت بجواره التصق جسدي المبتل بجسده عاد تصببي المتبلور عبر متاهات أزلية تهيم بها روحي منذ جاء الكون فقد حزرت الحقيقة.
عرفت أن صديقتي وهي تهبط من السيارة تعثرت فساعدها السائق الأسود على فتح الباب وفي المدخل المعتم وهو يتفحص مفصل قدمها المتألمة ضاجعها مراهنا على السكون الذي اكتشف أهميته؛ وتركها في مكانها لتجد الخادمة التي أنسلت من غرفتها في سطح المنزل لأخذ ماء بارد من ثلاجة المطبخ تقف فوق رأسها فساعدتها على الصعود إلى غرفتها . شعرت ببعض الاستياء أهو الامتثال ألقسري أو الخضوع الذي يجتر المرء عبره هزائمه الخاصة وفق التصور الساذج والمضلل . غير أنه كان طفيفا إلى حد انه فاجأني هذا الإحساس البليد.
اكتملت الصورة التي اعتنيت بألوانها ولفتت فنياتي نظر صديق زوجي الذي نقل إعجابه بموهبتي زوجي، فقد امتزج عملي بالمعرفة ووصلت نفسي باله ممزوج بالمطر معه ذلك الرضا الضروري من أجل أن تشكل هذه التجارب الأكثر اهتماما بالاتجاه الوصفي شعورا مستقرا في زمن متحرك ، فجمعت حصادي بفرح الأماني التي معها تجاوزت جوعي.&
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق