الثلاثاء، 24 مارس 2020

مواطن



قصص قصيرة
محمد المنصور الشقحاء
مواطن
    لم أتوقع هذا السؤال وأنا أقف أمام الموظف أشكو ارتفاع قيمة استهلاك الماء؛ التي تجاوزت الخيال " هل أنت مواطن " ثوبي الأبيض وطاقيتي المخرمة وغترتي البيضاء ولهجتي التي فيها بقايا مدينة الطائف؛ التي هجرتها في منتصف العقد السادس من العمر لم تشفع لي عند الموظف الذي " طالب بالسداد " ثم تقديم الشكوى.
    شعرت فجأة بحاجة مؤلمة ليد تسندني، فانسحبت بصمت وعند الباب الخارجي لمكتب شركة المياه أنقذني الرصيف، جلست على طرفه المترب أتأمل الشارع والسيارات العابرة وظل يلاحق أجساد مارة من عوالم أخرى، البعض يحدق في والبعض يلوح بكفه.
    لماذا " أنا " كلمة واحدة دفعتني إلى التفكير في اختيار نفسي؛ وان كنت ألاحق أفكار تنهش ما تبقى من العمر، جعلتني فريسة سهلة للمرض الذي هربت منه في العقود الخمسة الماضية من حياتي؛ التي كيفتها حسب الحلم الذي أعيشه بعبث وعدم مبالاة عبر أني موجود.
    عبر أسرار أنا اخلقها، وامنحها الحياة لتكون حكاية أسردها على لأصدقاء في المقهى، مع دخان الشيشة وعلبة السفن آب وأكواب الشاي وهدوء الحوار وصخبه، وحالة الصمت الذي يفرضه علي طيف " نجوى " المتراقص بين مربعات فناء المقهى وهو يبخل علي بسبب رحيلها المفاجئ؛ وقد سمحت لي بعد أن عرفت إن إحدى هواياتي التصوير الفوتوغرافي بالتقاط صورة لها ذات ظهيرة.
    تذكرت أني تركت هاتفي النقال عند موظف الحسابات؛ الذي آخذه مني حتى يتأكد من صحة اعتراضي، ويعرف متى وصلتني رسالة شركة المياه وقارن المبلغ المبالغ فيه؛ برسائل سابقة كانت خمسة عشر ريال وقفزت إلى مائة وعشرين واليوم ألف وسبعمائة ريال لشهر واحد، وأنا انهض جاء صوته الذي اعرف " السلام عليكم " كان احمد رفيق المقهى.
    رافقني إلى الشباك الذي توقعت إني نسيت هاتفي عند الموظف الذي يجلس خلفه، موظف يرد العبارات كما ببغاء منزلية تردد سباب زوجين أنهكهم الهدوء المحيط بهم؛ وخلو الدار من الأبناء وعاملة منزلية فضلت إنهاء مهامها، إذا الجميع أمام شاشة التلفزيون يلاحقون أحداث مسلسل يتابعونه.
    وأنا ادخل المفتاح في قفل باب المنزل؛ لم أجد سيارتي في موقفها المعتاد؛ وقفت في فتحت الباب قلقا ليرن جرس الهاتف، كانت زوجتي تقول إنها تنتظرني بمركز الحي الطبي وتذكرت أني أوصلتها، وقمت بمراجعة مكتب شركة المياه ومن هناك أوصلني احمد للمنزل بعدما اشترك في الحوار مع الموظف واستعاد هاتفي.&












المسافر
وآنا ابحث عن مقعدي بعدما سمحت المضيفة لي بدخول الطائرة مشيرة إلى الممر الذي يوصلني الكرسي الذي يحمل جزء بطاقة صعود الطائرة رقمه وجدتها تجلس في الكرسي المحاذي للنافذة .
رقم صف الكرسي كما هو مدون في جزء بطاقة الصعود كرسي النافذة يحمل الحرف المحاذي لرقم الصف فجلست على كرسي الممر وقمت بربط الحزام وسحبت صحيفة تندس في جيب المقعد الذي أمامي.
وأبواب الطائرة تغلق والمنبه يحث الركاب على ربط الأحزمة جاء صوتها بعد رفع غطاء وجهها تعتذر عن جلوسها في مكاني وعندما جاءت القهوة وحبات التمر تناولت فنجان القهوة من المضيف وناولتها فتلامست اناملنا.
الرحلة متجهة إلى مطار القاهرة والوقت فصل الشتاء وقت عمل ومدارس، لما هبطت الطائرة وولجنا صالة المطار لمحت تلويحي بكفي لمن ينتظرني ابتسمت وتشاركنا عربة واحدة لحمل حقيبتينا وعامل واحد.
همت بأخذ حقيبتها ونحن نهم بتجاوز بوابة الصالة لباحة السيارات، عرفت أنها سوف تأخذ سيارة أجرة فأقنعتها بان سائقي سوف يوصلها لعنوانها بعد إيصالي للفندق الذي اسكن وزدتها ببطاقة تحمل اسمي ورقم هاتفي.
انشغلت بمهام رحلتي ليأتي اتصالها في اليوم الثاني، كانت مع إحدى صديقاتها بمطعم الفندق لمشاركتها العشاء، في العاشرة ليلا دخلت المطعم الذي في احد زواياه تجلس سيدة تعزف وقاطع موسيقية على آلة الكمان.
العتمة والضوء الخافت حجب الرؤيا ليرن جرس الهاتف، كانت هي لمحتني لتصف لي مكانها ورقم الطاولة لأجد سيدة أخرى غير رفيقة الرحلة المكللة بالسواد والصمت، ولما حدقت في رفيقتها همست وبدون وعي . .هند.
تذكرتها زميلة الجامعة وشريكتي في الأبحاث، ثم تقارب لم نحدد دوافعه وقبل انتهاء العام الرابع اختفت، وكأن الأرض ابتلعتها أنا تخرجت وعدت للرياض وانشغلت بأعمالي التجارية التي ورثتها عن والدي الذي ينتمي لأسرة لها مكان مميز في التجارة ومقاولات المباني.
رفيقة الطائرة احترمت الصمت الذي تلبسني، ولم تطرح الأسئلة الباعثة لزمن تجاوزته منذ ثلاثين عاما ليرن هاتفها النقال، كان السائق الذي استأجرته لتنقلها وصديقتها في فناء الفندق تابعت الاثنتين بنظري حتى اختفيتا.
لما عدت للفندق بعد جولة عمل سلمني موظف الاستقبال مغلف كانت هند تنتظر اتصالي جلست على احد مقاعد آلة استقبال الفندق استعيد كلمات الرسالة القصيرة وادقق في رقم الهاتف لمحت جهاز هاتف في إحدى زوايا الصالة وجاء صوتها تحدثت كثيرا.
انتهت مهمتي وبقي على عودتي للرياض أربع وعشرين ساعة، دعوتها لتناول الغداء جاءت " هند " الجامعة بشعرها القصير وتنورتها الزيتية ووجهها الخالي من الأصباغ وعطرها الذي اعتدته، تشابكت أصابعنا ونحن نسير على قدمينا كانت تأخذني للمطعم الذي نهرب إليه من الجميع.
في الطائرة أخرجت من حقيبة يدي مظروفا، أصرت أن لا افتحه حتى اركب الطائرة وإذا ارتفعت في عنان السماء وسمح الطيار بفك أحزمة المقاعد، والاطلاع على محتوياته كانت صوره لها مع شاب يلبس روب الجامعة وكتبت على ظهرها ابنك عادل محمد إبراهيم.&

19 – 3 – 1439



رحيل
المكان الدور الأرضي من منزل يتكون من درين في حي الشرقية بالطائف، كل دور شقة مستقلة الدور الأرضي تسكنه أمي مع وجودي المتقطع؛ وتسكن الدور الأول أختي المتزوجة لتتمكن من رعايتها.
الزمن بعد مغرب اليوم الرابع على وفاة والدتي ( خالتي شقيقة أمي / ابنتها المتحجبة /  أختي / أنا ) في صالة الجلوس، نتبادل الحديث والعاملة الأفريقية تتحرك لخدمتنا متنقلة بين المطبخ والصالة.
مع ارتفاع أذان العشاء اتجهت إلى غرفتي مختليا ( لا أعرف بالتحديد ما الذي أريد ) وجلست على طرف الفراش اقلب أرقام ورسائل هاتفي النقال؛ لم اهتم بنداء إقامة الصلاة ولم أسعى إلى اللحاق بالصلاة وصوت المؤذن يقرأ الفاتحة.
لما شعرت بالهدوء وتزايد العتمة في جنبات الغرفة حيث أموت ببطء، تخيلت إن احدهم يفتح الباب وخيط من النور يتسلل عبر الفرجة التي شكلت مساحتها وساوسي، وقفت  ( باحثا عن المكان الذي يمكنني من الاختباء فيه ) أترقب من يدفع الباب ويقتحم الغرفة فلم يحدث شيء.
غادرت الغرفة ولم اهتم بإغلاق الباب، وفي الصالة كانت خالتي تتأمل بوجوم شاشة التلفزيون المغلق؛ جلست بجوارها محتضنا كفها بكفي وتسللت رائحة دهن العود الذي تحرص على التعطر به إلى انفي؛ جسدها الناحل أثار حزني فقمت وقبلت رأسها ابتسمت وطلبت مني وهي تتمدد على أريكة والدتي تغطيتها بالبطانية، جلست على المقعد المقابل أراقبها.
دخلت المطبخ كانت ابنة خالتي تجلس على احد كرسي طاولة الأكل وعلى كرسي آخر العاملة يتبادلن الحديث؛ لم تكن ترتدي شال الرأس وقد تمدد الشال وغطاء الوجه على الطاولة، حدقت في ثم انفرج وجهها عن ابتسامة وإذا بثلاثتنا نضحك بصوت مسموع وجلست على كرسي ملاصق لكرسها.
تجاوزنا لحظة الضحك ( لكنما الأحلام كانت تنسج خيط ) وتبادلنا الحديث عرفت إنها وأمها في رحلة الطيران المقررة العاشرة صباحا سوف تعود ووالدتها للرياض، واختفت العاملة بعد تلبية طلبي لقنينة ماء من البرادة رن جرس هاتفي كان احدهم يؤكد لقاء الواحدة بعد الظهر في جدة.
وقفت لمغادرة المطبخ شعرت بشيء يطلب مني اللحاق  بها دخلنا الصالة أنفاس أمها النائمة، تقرب خطواتنا تتقارب تجاوزنا شغب التفكير ( فقدت تعداد السنين التي قضيتها في الظلام ) ويختلط العطاء ينسكب ماء الروح في غابة السكون؛ مع ارتفاع أذان الفجر تركتها نائمة في الفراش مغادرا الدار، وأنا على وشك إنهاء طريق الهدى جاء صوت أختي تسأل عني.&

25 – 5 – 1439



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق