قصص قصيرة
مجمد المنصور الشقحاء
السكِينةُ
الذي عرفته في اللقاء
الثالث إنها امرأة متزوجة، تلبسني التوتر مؤقتا واسترخيت عاشقا لإنسانة عذبه تتشبث
بالحياة بكل مكوناتها المادية والمعنوية.
في حفل زواج ابنتي وجدت
في جوالي ثلاث صور تسجل وقوفي بجوار ابنتي وزوجها سعيدا بزواجها من شاب يحترمه
الجميع.
وتأخر اللقاء المرتقب انقطع التواصل الهاتفي وانشغلت بسفريات فرضها
العمل وقد اكتشفت أجهزت الرقابة الحكومية مصروفات مالية مشبوهة بعد قيام موظف أجنبي
انتهى عقده لما وصل بلده كشفها.
حاولت التخلص من عبء التفكير بها، حاولت إقناع نفسي بإن كل شيء عملته
صحيحا، متجاوزاً فكرة أنها تخلت عني، وعلي أن أتجاوز الغد بالنسيان والانتظار.
جاءت لتسقي عطشي ولتقول
إنها اليوم ومنذ عام امرأة أرملة تأكدت معها آن جموح مشاعرنا وتشكل أحاسيس جديدة
نمت علاقة هي لم تشعر بالخوف من آثارها وأنا لم أفكر إن هناك لعنة قد تلاحقني.
دعاني زميل عمل بمناسبة
عقد قران ابنه على ابنة إحدى الأسر الكريمة فرافقت مجموعة من الزملاء لقصر الأفراح
وجاء وصولنا متأخرين لضياعنا في شوارع الحي الذي ينتصب في أحد شوارعه القصر.
استقبلنا العريس وولده
وأفراد من أسرته ولأجد زوج ابنتي بين المرحبين بالمدعوين، تأخرنا في قصر الأفراح
نتابع العرضة النجدية ثم تشكل مربع للعب البلوت وقد تقلص عدد الحضور على ثلة
المكتب وأهل العريس.
ترددت مشاعل لم تكن قلقة
نظرت لصورتها في جهاز الهاتف الجوال وهي تقف بجوار العروس والعريس أفتر وجهها عن
ابتسامة صغيرة متذكرة سنوات من التطلب والشغف والإصرار العنيد على السعادة.
بحثت عن رقمه لترسل الصورة عبر رسائل الواتساب ثم أغلقت الجهاز وتمددت
في الفراش لتغيب في نوم عميق.
20 – 9 – 2019
الغيبُ
هو زامل أخي الأكبر في
المرحلة الثانوية، وأنا زاملت إحدى أخواته في المرحلة المتوسطة وبعد عشر سنوات
أصبح أحد موظفي مؤسسة والدي التجارية.
وبما إني أقوم بمراجعة دفاتر والدي المالية التي يحضرها معه للبيت جاء
تواصلنا ومعه زواجنا فأصبح أحد أفراد الأسرة.
دخل والدي المستشفى بسبب
وعكة صحية شديدة تواصل المستشفى مع أحد المراكز الطبية في ألمانيا لتحديد حالته
قرر أخي السفر إلى ألمانيا مع والدي لمتابعة الفحوصات والعلاج.
قرر زوجي بعد خمسة أيام
اللحاق بهم لمرافقة والدي وعودة أخي لأسرته وإدارة أعمال الشركة. واعترض على فكرة
مرافقتي له، وطلب مني الاهتمام بدراسة ابنتنا التي أدخلتها الروضة كخطوة أولى في
مسارها التعليمي.
بعد شهر عاد والدي بصحة
جيده وعاد معه أخي وجاء السؤال عن زوجي في اليوم الثاني ليأخذني والدي إلى مكتبه
في فناء المنزل ويخبرني آن مستودع المؤسسة الذي تخزن المؤسسة فيه موادها التجارية
فارغ.
هذه الواقعة لم توقظ في
داخلي أي سخط، ومستعدة لتلقي أي حكم ولما عدت لغرفتي وأنا ارقد في الفراش تخيلت
إني أغوص في بركة رمال متحركة وان الشخص الذي ارتبطت به، لا أعرفه.
لما تجاوزت جموح وأحاسيس
أنثى فقدت مكتشف جسدها وشخصيتها، تقدمت للمحكمة بخلع زوجي المجهول المكان
والإقامة. ثم تزوجت أحد أقارب والدي ومنحت ابنتي أخوين وأصبحت شريك مؤسس في شركة
عائلية مغلقة بعد وفاة والدي.
ولما تخرجت ابنتي من
الثانوية العامة تعثر قبولها في الجامعة بسبب هويتها الأجنبية وتولى مكتب المحاماة
الذي تتعاون معه شركتنا العائلية تصحيح وضعها وحصلت عل مشهد بموجبه قبلتها الجامعة
حتى إحضار هويتها الجديدة.
ونحن نتحلق حول المسبح في استراحة العائلة في الثمامة بمناسبة تخرج
ابن أخي من الجامعة قالت أمي هامسة (لماذا لا تخطبين ولد أخوك لبنتك) شغلني الطلب
ويفرض نفسه على تفكيري وحركتي إذا جاء اجتماع بعض أفراد الأسرة يوم الجمعة لتناول
الغداء مع والدتي.
غير إن هذه الجمعة كانت مختلفة فقد فاتحني أخي وابنه يجلس جواره
وابنتي تجلس بجوار جدتها برغبة ابنه في الزواج بابنتي، لمحت تدفق دماء وجهها
وغادرت مجلسها واختفت ولاحقتها زغردوه نسمعها لأول مره من والدتي.
25 – 9 – 2019
الرهبةُ
ما الذي ستقولينه ردا
على أسئلة البارحة، لست مهتما بمعرفة ما يدور في داخلك، ولن اعرف لوقت طويل.
آنا لست يائسا إلى هذا
الحد، أي حياة سعيدة التي قد نجدها معا؛ نعم لقد تحطمت لما أسأت فهم أمور فعلتيها
بقصد وتراكمت في أعماقي؛ وأنا اشعر بالمرارة في لساني.
سأنهار تحت وطأة الفقد، وأنا أتحمل بثبات مزيف، هل تغادرين الطائف؟
لم أتصور الآمر على نحو يخالف
الدائرة الضيقة التي تحيط بنا، أنت عبر شقيقتك وأنا من خلال الأصدقاء وهم يخفون
أمر اشك إنك مصدره.
إن الشك فيك يدمرني بعد
سماحك بأخذ عدة صور فوتوغرافية لك ورفض آن تجمعنا لقطة واحدة؛ لقد كنت جميلة
ومبتسمة ومع ذلك اشعر أني متعب.
لقد وصلت الرياض بعد رحلة برية في إحدى سيارات الأجرة التي تنقل
المسافرين؛ إلى مدن وقرى متباعدة تستقبل الغرباء وتحتضن الفاشلين العائدين، بعد
شعورهم انه لم يعد لهم مكان في الطائف.
بعد عام من التجول في
شوارع ومقاهي وأسواق الرياض؛ لم أجد التفسير المقنع للسبب الذي دفعني للسفر.
أخبرني أحدهم وهو يشاركني
الجلوس على طاولة مطعم في شارع الوزير، إن أخته التي التقيتها عدة مرات برفقته
موافقة على آن تتزوجني وان اسكن معهم في بيت الأسرة الكبير.
وعلى الرغم من حبي العنيف
المتهور لها، ولطفها الذي أحاطني، وحديثها الهامس ورائحتها التي تعج في أي مكان
يجمعنا، وتوهمي طعم السعادة التي سوف أتذوقه، تخليت عن كل شيء وعدت للطائف.
أسئلة البارحة. جاءت منذ
خمسة أعوام؛ في ليلة من صيف الطائف الذي يعج بالألعاب النارية؛ ومدن العاب الأطفال
والحدائق العامة العبقة برائحة أزهار الورد والياسمين في حديقة ومنتزه السداد.
أخذت شقيقتك ابنها لتشاركه
مغامرة ركوب السيارات الكهربائية؛ وحتى تتسلل قدمي من تحت الطاولة لتشاركك المقعد
الذي تجلسين عليه؛ ونادل المقهى يسجل طلباتنا من المشروبات الحارة.
كنا نتحدث عن مستقبل مشترك اعرف أنه لن يكون لنا في نهاية المطاف، كان
التوق هو الحقيقي في تلك الدقائق ومع ذلك جاءت قفزتك خارجا؛ وابن شقيقتك يسحبك
لصالة الألعاب؛ وشقيقتك التي تجلس بجواري تركز نظراتها علي.
: ماذا هناك!
: لا شيء
: ثم ماذا؟
: ليس هناك آمر يحتاج لتوضيح
لأكتشف في نهاية ذلك التعامل الغبي، من أنا وقد غابت الأشياء
المشتركة.
زميل في العمل قال: لقد
تزوجت أحد أقاربك، وشقيقتك قالت: إنك حصلت على ابتعاث خارجي لإكمال دراستك العليا.
عشت في الضياع فقط بفضلك؛ شيء واحد ظل يزعجني حتى اليوم في مجادلاتك
إنك تتركين النهاية مفتوحة، وتتركين مساحة للتأويل.
27 – 9 – 2019
العطش
تذكرت إنها نسيت محطات
العمر، من اجل آن يقال كم هي مناضلة. وتذكر هو إن له زوجه هجرته، وله ابن لا يعرف
عنه شيء.
كان يجلس في المقعد
المقابل بصالة المغادرين، أثناء انتظاري نداء صعود الطائرة، كان يحدق في وأنا
أتكلم في الهاتف؛ ولما شعر إن المكالمة انتهت تشاغل بتقليب صفحات كتاب بين يديه
كان يقرأ شفاهي.
وأنا ابحث عن مقعدي بالطائرة؛ وجدته يجلس في المقعد المجاور بقرب النافذة
والمضيفة تساعدني بوضع حقيبتي في رف العفش؛ انشغل بالكتاب الذي يحمل ولما اختفت
المضيفة همس.
- هل ترغبين بمقعدي
- نعم
- اسأل تفضلين الجلوس بجوار النافذة
تخلصت من العباءة وجلست
في مقعدي؛ نزعت غطاء الوجه مبقية على الحجاب الأسود الذي يلف رأسي. ولما توقفت
عربة الصحف اختار صحيفتين دس واحدة في جيب الكرسي الذي أمامه، واخذ يطالع عناوين
الصفحة الأخيرة للصحيفة الثانية.
والطائرة تستعد للإقلاع؛ وضع رأسه بين كفيه مغمضا عينيه منحيا على
ركبتيه ولما استوت الطائرة في السماء، رفع رأسه واخذ يجفف عرق جبينه بطرف غترته
البيضاء، كان وجهه شديد الحمرة وكذلك في عينية تتراكم الخطوط الحمراء.
لما جاء المضيف بدلة القهوة، والمضيفة بسلة التمر اخذ فنجان القهوة
واعتذر عن التمر، هنا شعرت بتواجدي.
- التمر طيب ويساعد على الارتياح
- كل ما احتاجه في هذه الحالة فنجان قهوة
لمحني مركزة نظري على النافذة المغلقة
- هل افتحها
فك حزام الكرسي وأشار بأصبعه على الحزام الذي يثبت جسدي بالكرسي؛ عرفت
قصده فتحت الحزام ووقفت في الممر ترك؛ كرسيه ووقف بجواري وأشار بأصبعه أن اخذ
كرسيه بجوار النافذة.
ونحن في صالة الوصول سأل عن مكان تأجير السيارات؛ سار معنا أحد عمال
الصالة الذي اختار أحد السائقين، وهو يشكره دس في كفه بعض النقود حمل السائق
حقيبتي بينما هو لم يكن يحمل شيء.
توقفت العربة عند باب بناية من عدة طوابق؛ ليأتي من الداخل أحد
العاملين مرحبا بالقادم الذي عرفت اسمه، والمستقبل يردد آهلا أستاذ منصور الحمد
لله على السلامة أستاذ منصور ليأخذ حقيبتي من يد السائق.
كل شيء يحركني ماعدا أنا التي اختفت؛ فتح باب المصعد ووقفنا عند باب
يحمل رقم 510 فتح المستقبل الباب ودخل؛ ترك حقيبتي بجوار طاولة في صالة استقبال
تعج بالنور؛ ولمحت على الجدار الأيمن للداخل لوحة زهور صفراء وطفلة فاتحة كفها
الذي حطت فيه فرشة فسفورية ملونه.
سمعت الباب يغلق تنبهت
تلفت حولي لم يكن هنا أحد؛ جلست على المقعد أتذكر من آنا وكيف وصلت هنا؛ سمعت صوته
يتحدث طالبا عشاء، وتذكرت حقيبتي وهاتفي النقال، أخرجته من شنطة اليد المعلقة في
كتفي وجدت أكثر من اتصال ورسائل وتساب.
تنبهت كنت ممددة في
الفراش؛ تخيلت إن كل شيء انتهى وليس هناك ما يمكن أن افعله، وجاء صوت عبر باب
الغرفة الموارب (بل نبغي توضيح كل شيء) غادرت الفراش، وطليت من فتحة الباب لمعرفة
صاحب الصوت تجرأت وخرجت لا أحد هنا.
حقيبتي في مكانها من
البارحة وشنطة اليد بجوارها، هاتفي فوق طاولة بجوار الباب، برز وجهي ثم تكامل جسدي
وأنا أمد كفي لأخذ الهاتف، شيء ما في هذا الفراغ يعذبني آن أنام مع رجل التقيته في
الطائرة.
الصمت أسوأ ما في الأمر
الصمت الذي يبعث الضيق؛ لقد كنت في غاية القوة مدفوعة بخاصية استدعاء كل ما اعرفه،
وقد أكون أنا منتهى هذه المعرفة التي تخلت عني اليوم حتى ضللني.
وأنا في المصعد وحقيبتي تربض عند قدمي؛ همهمت بصوت خافت (الآن انتهى
كل شيء، علي آن أنسى هذه الليلة) سأستمر من الصفحة التي ناولني فيها موظف المطار
بطاقة صعود الطائرة.
7 – 10 – 2019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق