قصص قصيرة
محمد المنصور الشقحاء
يتم
يقول بورخيس ( أحلام ككنز مدفون )
تخلت عني أسرة والدي الذي توفى في حادث سيارة وهو في مهمة حكومية خارج
مدينة الطائف فعشت مع والدتي وزوجها.
وشعرت باليتم وأنا اكتشف عناية والدتي وزوجها بأخوتي فتعثرت في
دراستي وتوفقت في الحصول على عمل حكومي في إدارة بأقصى مدن الشمال.
وأنا في الثانية من المرحلة الدراسية الثانوية استذكر دروسي في
غرفتي، جاءت هاربة من عنف زوجها تنتظر والدها الذي كان يجاورنا بالشارع حتى انتقل
بسبب الوظيفية إلى مدينة جده، الدار ساكنة والساعة منتصف الليل ووجدت في ما احتاجه
جسدها.
جاء والدها ورحلت معه بعد
رفضها لكل مساعي الصلح والتنازلات التي تعهد بها زوجها، ونظرات أمي تحدجن كأنها
تخبرني بأمر حدث عكر سكون حياتها، معه غادرت المنزل لأشارك في مقابلة وظيفة نشرت
جريدة المدينة التي اعتدت اقتنائها شروط الحصول عليها.
صرخ في احد أفراد ملحمة الكاليفالا ( ألا لا تتكلم هراءً فأنا اعرف
صيد السمك ) عرفت معها آن مدينة أقصى الشمال رفضت وجودي فعدت لوالدتي التي ترملت
للمرة الثانية وللبيت القديم واحتضنتني جدران غرفتي تشكي تصرفات من سكن بها بعد
رحيلي.
وفي الرابعة عصرا ووالدتي عند ابنتها التي تعاني من الم المخاض في
إحدى غرف مستشفى النساء والولادة رن جرس الباب وكانت إحدى قريباتي التي كلف زوجها
المراقب المالي والقادم من الرياض بقفل صناديق الإدارات الحكومية بالطائف لغلق
الصرف انتظارا لصدور ميزانية العام المالي الجديد.
قلت بصوت مرتبك: لا يوجد أحد بالمنزل
قالت: ترجلت من السيارة ولما اقتربت من الباب تحرك وسوف يعود مع أذان
المغرب
أدخلتها غرفة الجلوس وجلست على احد المقاعد ملتفة بعباءتها السوداء
تركتها ودخلت المطبخ ابحث عن شيء أقدمه لها فأشعلت الموقد لصنع الشاي وإذا بها تقف
بجانبي في المطبخ وتذكرت حديث الألم في نبي جبران خليل جبران ( والكأس التي
يحملها، وان أحرقت شفتيك، فإنها قد صنعت من طين مزجه صانع الفخار بدموعه المقدسة
).
كانت تكبح ألمها إذ معا تجاوزها للشهر الثامن على الزواج لم يتمكن
زوجها من اقتحام عالمها لعجز لم يكتشف سببه فكنت المنتظر شيء فيها صرخ وشيء في
تهشم وعندما تنبهت وقد ادلهم الظلام كنت وحيدا في غرفة الجلوس.
في مدعوة سيمون دو بفوار ( توقف فجأة عن الكلام. لم يعد بوسعه
التظاهر بأنه لم يلحظ أن فرنسواز لا تستمع له. فهي استلقت على بطنها وراحت تحدق في
المصباح الكهربائي الذي بدأ نوره يضعف ) وأنا أصل لهذا الحد جاءت والدتي لتطلب مني
إيصال المرأة التي زارتنا للسلام عليها واستعادة بعض لحظات أيام تبقت آثارها في
أعماق نفس مطمئنة وبصفتها صديقة وجارة قديمة لنا.
جلست في المقعد الخلفي ولما تحركت لمحت وجهها الذي كشفت عنه الغطاء
الأسود فعرفتها أم البنات الثلاث والتي نناديها باسم أم سيف لا أعرف طريق منزلها
الجديد، فكان آن تبادلنا الحديث لترشدني طلبت مني التوقف أمام محل تموينات غذائية
في شارع عكاظ لشراء بعض مطالب منزلها ولما
عادت، جلست في المقعد الأمامي وطلبت مني الوقوف أمام عمارة سكنية عرفت إن ابنتها
الكبرى تسكن إحدى شققها في المصعد شممت
عطرها.
انتظرتها في ممر الدور الذي دخلت إحدى أبوابه لتعود وتطلب مني الدخول
كانت ابنتها غائبة والسكون يعم الشقة وشيء فيها يلتحم بي تذكرت شارعنا القديم
ومنزلها الذي كان اكبر منازل الحي وبوابته المشرعة بسبب أعمال زوجها التجارية
واستعانته بي وأنا طالب في المرحلة المتوسطة في تدوين حساباته بسبب أميته وجلوسها
معنا ثم لحاقها بي وآنا أغادر طالبه نقل تحياتها لوالدتي.
تعرضت لوعكة صحية وأنا في العمل، معها تم إدخالي المستشفى لمتابعة
مرضي وفي اليوم الخامس عشر، اخبرني الطبيب الذي يتابع حالتي انه تم قبولي في
مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض لمواصلة العلاج، في اليوم الثالث من الفحوصات
وبعد اكتمال السجل، أخذ الأخصائي الاجتماعي يطرح أسئلته التي مع شعوري إنها خارج
حالتي الصحية كنت أجيب عليها وتوافد أشخاص يحملون لقبي للاطمئنان علي ورجل عجوز
بينهم يقول ( الحمد لله أخيرا عثرنا عليك ) كانوا آسرة والدي التي لا اعرف عنها
شيئا.
وأنا في غفوة اثر العلاج تنبهت على صوت نسائي ينادي باسمي وليقتحم
الأخصائي الاجتماعي الغرفة ليقف بجور أنثى ملتفة بالسواد وصوته يقترب من إذني ( أمي
تراجع المستشفى وتبي تطمئن عليك)
قالت: قلقنا عليك وملفك
مسئول عنه ولدك سيف الذي سمح لي بزيارتك.
رن هاتف سيف فخرج من الغرفة
عندها كشفت الغطاء عن وجهها لتحدق في مبتسمة آخذت أتأملها الصور غائبة ولا أتذكر
من أنا.&
7 – 8 - 1439
أوراق
لما عدت للبيت وجدتها احتلت غرفتي؛ وفي غياب الجميع كنت أتمدد
بجوارها في الفراش تنبهت وآنا أتغلغل في أعماقها ولما هداء حراكنا وخمدت أنفاسها
غفونا في نوم عميق لما صحوت كنت لوحدي في الفراش.
اتجهت للمطبخ فوجدتها على احد مقاعد طاولة الطعام فتحت باب الثلاجة
وآخذت قنينة ماء صغيرة وأنا اروي عطشي واقفا دخلت أمي وخلفها الخادمة تتبعهم أختي
ذات السنوات الأربع.
قبلت رأس أمي وغادرت الدار وأنا أدير محرك السيارة لمحت عقارب الساعة
كانت العاشرة صباحا توجهت إلى مطعم يقدم الوجبات الجاهزة فأخذت ما يسد جوعي وعصير
برتقال طازج وأخذت طريقي إلى مقهى اعتدت لقاء الأصدقاء فيه للسمر وشرب الشاي
وتدخين الجراك.
احضر النادل براد الشاي ورأس الجراك لفت نظري التلفزيون المغلق تلفت
حولي ابحث عن عامل المقهى لفتحه فلم أجده ولما اتجهت للجهاز رن جرس هاتفي النقال
عدت للرد على المتصل كان رقم مجهول وجاء صوتها.
قالت: هو بيت أخي
قلت : اعتدت هذه الجملة وأنت تصرخين بها في وجه أمي
قالت: سوف اطلب منه طردك
قلت : انتظرك الليلة في غرفة السطح
وأغلقت الهاتف تتابع اتصالها كنت أتابع شاشة الجهاز مفكرا ليتوقف
لحظات ثم جاءت رسالتها ( حقا آنت مريض ) لم أرد فعاود الجهاز رنينه ليخمد وليرن من
جديد برقم آخر كانت هي تركتها تسترسل في حديثها ولما انتهت.
قلت : لن تكدري نومي ولكن سوف أعيدك للحياة
قالت: مريض
قلت: عشت في قذارتك بصمت بحثا عن غرفة في عقارك فوجدت هذه الغرفة في
جسدك!
انهالت الذاكرة كما شريط سينمائي وجد والدي ميتا في مكتبه بمؤسسته
التجارية اثر نوبة قلبية وأنا في العاشرة من العمر وتولى عاصم إدارة المؤسسة كوصي
دعمه موافقة والدتي على آن يكون زوجا لها.
وليت رعاية خاصة من أمي أنا وشقيقتي التي تكبرني بعامين ولما حصلت
على الثانوية جاء قبولي في التخصص الذي ارغب بجامعة الملك سعود بالرياض معه تركت
بيت الأسرة بالطائف مع بقاء غرفتي بكل محتوياتها.
شقيقتي لحقت بي بعد زواجها من احد أقاربنا تقيم أسرته بالرياض؛ هذا
العام أكملت الفصل الثالث من مساري الجامعي وعدت للبيت لأجد غرفتي محتلة وان علي
الرقاد في غرفة شقيقتي المتزوجة لم يتغير الحال كثيرا وقطع علي تأملي احد عمال
المقهى، أن موعد صلات الظهر أزف والمقهى في أوقات الصلاة يغلق أبوابه طالبا حساب
طلباتي.
عند باب المقهى كان احد زملاء الدراسة يترجل من سيارته؛ تبادلنا
السلام وطرائف بعض السنوات التي جمعتنا في فصل واحد عرفت انه توقف عند المرحلة الثانوية
وبداء مشروعه الخاص، بدعم من والده وانه على موعد مع البنك لأخذ ضمان بنكي للدخول
في مناقصة حكومية وأصر على أن أرافقه.
في البنك كانت الصدمة؛ وقد عرف احد موظفي البنك الذي وقفنا أمامه
اسمي كتعريف من صديقي؛ وأسئلة الموظف تنهال علي عن والدي وأسرتي وعرفت إن لوالدي
خزانه بالبنك يحفظ فيها بعض أوراقه وان لي ولشقيقتي حساب توفير مجمد؛ وعلي إحضار
"برنت" من الأحوال المدنية باسم والدي.
ومن مشاركة صديقي بالنقاش أبدى استعداده الحصول على معلومات عن والدي
في سجلات الغرفة التجارية؛ وفي الأحوال المدنية طلب الموظف صك حصر الورثة وصك
الوصاية وشهادة وفاة والدي ولما ناقشت شقيقتي المقيمة بالرياض عرفت إن لديها صوره
من الأوراق بملفها الدراسي الذي سحبته لتواصل دراستها بالرياض ولم يتحقق حلمها.
كانت صور الأوراق الثلاث مصدقة من شئون الطلاب بإدارة التعليم قبلها
بعد تردد موظف البنك تقدير لمعرفة زميل الدراسة فتحرك حساب التوفير المجمد الذي
باسمي وكذلك الحساب الذي باسم شقيقتي وفي خزينة البنك عثرت على صك المنزل الذي
نقيم فيه وصك لأرض زراعية بمنطقة القيم محاذية لطريق الطائف السيل.
اتصلت هاتفيا بشقيقتي وأخبرتها بما وجدت وأمليتها رقم حسابها البنكي
وطلبت من الموظف إخبارها بطريقة تحريكه من احد فروع البنك بالرياض.&
28 – 12 – 2018
الكتاب
تعرضت والدتي لحالة صحية لم
يستطع الطبيب وصف العلاج المناسب فقرر وضعها تحت المراقبة أربع وعشرين ساعة ولما
لم تكتمل الفحوصات بقية في السرير الأبيض لليوم الثالث مما فرض بقاء عاملة المنزل
كمرافقة لها.
وأنا أتمدد في فراشي بكامل ملابسي بعد يوم مرهق في العمل وانتظار
طويل في المستشفى لمقابلة الطبيب المشرف على حالة أمي الذي فضل تأجيل خروجها يوم
آخر.
تنبهت على رنين جرس الباب الخارجي الظلام يحيط بي فغادرت الفراش فزعا
واشعلت النور مع مواصلة رين جرس الباب وكانت جارتنا وصديقة أمي السمراء مدت يدها
بحافظة طعام.
قالت: شعرت انك اليوم مرهق
: ......
قالت: هذا شيء يسير
طال الوقوف وتذكرت آن علي التراجع للخلف فدخلت اتجهت الى المطبخ
استقرت الحافظة على طاولة الأكل وأخرجت من دولاب الصحون صحنين وملعقتين وجلست على
احد المقاعد كانت تقف تتابع حركتي دخلت واتجهت إلى دولاب الصحون فأخرجت صحن ثالث
وجلست على المقعد المجاور لمقعدي وفتحت غطاء الحافظة غرفت منها في الصحن الذي
أمامي .
لما توقفت قمت بالغرف من الحافظة في الصحن الثاني والتقت نظراتنا
افتر وجهها عن ابتسامة صغيرة معها تخلصت من العباءة التي تلف جسدها والشال الذي
التف على رأسها وبرز ثوبها المنزلي الفضفاض القصير.
أشعلت النار لغلي الماء
وأخرجت كوبين ذات عروة من دولاب الأكواب وسحبت درج اعرف إن داخله أكياس الشاي
وقوالب السكر لما ارتفعت صفارة غلاية الماء سكبت في الكوبين واذا بها تقف بجانبي
لحظت حينها أن مرفقيها عاريين وان لون الثوب ابيض.
ونحن نتبادل الحديث أثناء شرب الشاي ونحن جلوس على مقاعد طاولة الطعام
لاحظت إننا جلسنا على مقعدين متباعدين وعرفت أنها من خلال مهام عملها تزويد فروع
الإدارة التي تعمل بها بالكتب الثقافية العلمية والأدبية التي تساعد على تطوير
مهارات العاملين وتنمي ثقافتهم العامة.
تطرقت إلى هواية القراءة والتخصصات التي أميل إليها وان لدي مكتبة
صغيرة وذكرت بعض الأسماء من المؤلفين والعناوين التي تنام بسكون فوق بعض في رفوف
دولاب صغير
قالت: تنام بسكون فوق بعض
كيف!!
نهضت من مقعدي ووقفت أمامها وأنا أمد كفي التي سحبتها بسرعة وغادرت
المطبخ لحقت بي ولما دخلت غرفتي وقفت أمام الدولاب انتظر تأخرت ولكنها وهي تقلب
صفحات احد الكتب انقطع التيار الكهربائي وعم الظلام المكان وخيم الصمت شيء في
دفعني إلى الاقتراب منها.
لا ادري ماذا حدث وانشغلت بأحداث الطفولة برزت صورة جارنا الذي كان
ينتظر النزول من حافلة المدرسة فيسألني عن واجباتي المدرسية وقبل يوم اختفاؤه طوق
وجهي الصغير بكفيه وزرع قبلة طويلة على فمي وعض شفتي السفلى.
تذكرت جارتنا السمراء التي تختلق الأعذار إذا زارتنا لتصارعني أمام
أمي ونحن نتابع برنامج المصارعة الحرة في التلفزيون ولما تطرحني أرضا تصر على
استسلامي فتقوم أمي بالتصفيق.
كل هذه الخواطر انثالت وأنا اجلس على احد مقاعد صالة الجلوس منتظرا
عودة التيار الكهربائي ومحاولة تذكر المشهد الذي جرى بعد انطفاء النور والظلام
الدامس الذي سبحت فيه وآنا أقف أمام دولاب الكتب.
عاد التيار الكهربائي تلفت حولي شعرت بالخوف فبقيت في مكاني انتظر
شيء لا اعرفه يأتي من اتجاه غرفتي شعرت بالعطش اتجهت للبرادة القابعة بالمطبخ
أرويت عطشي.
فوق طاولة الأكل كوب شاهي
واحد ممتلئ اختفى الثاني وحافظة الأكل؛ اتجهت إلى غرفتي وجدت احد الكتب ينام على
المخدة في سريري.
-----------
25 / 5 / 1440