سر العين
قصة قصيرة
محمد المنصور الشقحاء
1 -
في اليوم الثالث على وفاته،
طلبت من أسامة اصغر أولادها آخذها إلى قبر أبيه حتى تقرءا الفاتحة عليه، لما وقف
ابنها بجوارها أمام القبر طلبت منه انتظارها في السيارة، جثت على ركبتيها ونادته
ثم قالت: فيصل وفاتن وحمد عيالك وأسامة وميرفت ولدي.
2 - 1
كنت قانعة بما كتب لي الله، لم احتج على غيابك
المتكرر والطويل، ولم اعد أناقش رفضك أن أتوظف وأنا احمل شهادة جامعية في خدمة
المجتمع أو أواصل دراستي الجامعية.
3 - 2
لعلمك أنا الأديبة سر العين التي كتبت روايتين
ومجموعة قصص قصيرة وديوان شعر، هذا سري وعالمي جنتي وناري الذي عشته بعيدا عنك
معك، أبوح به الآن وأسامحك على كل ما كان.
4 -
وهي في السيارة عائده للمنزل
سرح بها الخيال، فيصل مهندس وعنده ابنه في الرابعة من عمرها، وفاتن معلمة لغة
انجليزية بمدرسة ثانوية وعندها طفل في الثانية من العمر، وحمد فضل العمل
الدبلوماسي فالتحق بوزارة الخارجية برجاء العمل في إحدى السفارات، وأسامة في
المستوى الأول جامعه كلية الطب،وميرفت طالبه في الثاني ثانوي.
5 -
لما دخلت الدار شعرت بأنفاس
الجميع تجاهلت عيونهم، صعدت لغرفتها وبدلت ملابسها ثم اندمجت مع الجميع في الحوار
والنقاش واستقبال المتأخرين من المعزين.
6 -
هو مدير مكتب رجل أعمال كون
ثروته في القاهرة، ولما وجد شركاء استقر في الرياض، له مراكز تجارية في أنحاء
العالم، يرافقه في رحلاته وغالبا يسافر لمتابعة انجاز بعض الصفقات التجارية، ومن
خلال النسب المئوية المربحة من الصفقات كون رصيده المالي والاقتصادي في مبان سكنية
استثمارية، عازلا أسرته التي أبعدها عن كل شيء مهيئا الراحة لكل فرد وان كانت كفه
مغلولة في وجه مطالبهم.
7 -
عشقت القلم وتوسدت الورقة
فنزف قلبها الدم حروفا وكلمات، وذات مساء كان صوته عبر الهاتف اعتذر عن الخطاء
وشجعته على الحديث، مما كون نصها القصصي الأول لما توقف صوته.
8 -
ومع ابتداء النص الثاني وهي تتجول في احد
الأسواق لمحته يتابعها، لم تنفعل ولم تشعره بالترحيب، ووقف بجانبها أمام المحاسب
هو حاملا مقتنياته وهي أيضا تحمل مقتنياها، لفت نظر المحاسبة التشابه بين
المقتنيات فنقلت نظرها بين الاثنين الصامتين وافتر وجهها عن ابتسامه، معها ضحك الاثنان.
9 -
وفي طريق الاثنين لمواقف
السيارات اتفقا على لقاء آخر، جاء اللقاء حاملا زخم انفعال تراكم كلمات وسطور النص
الثاني الذي تطاول مع الأيام من قصة قصيرة إلى رواية، تبادلا السرد حتى الصفحة
المائة والثمانين الموشح بالنهاية ومعه خلقت أسامة.
10 -
عندها جاء اسم سر العين،
وتواصلت عبر الهاتف مع دار نشر لبنانية فكانت روايتها ومجموعتها القصصية حديث بعض
الصفحات الثقافية، وفي الأيام والشهور التالية كانت تتابع اثر وعيها الذي بثته
داخل الصفحات منتشية إنها قالت شيئا من حزنها حتى تتجاوز الضياع الذي تكون في
داخلها.
11 -
وجاءت روايتها الثانية
أحداثها لم تتجاوز سور المنزل وسكانه وزائريه، خلال أربع وعشرين ساعة في مائتين
وأربعين صفحة، كل عشر صفحات غنية بأحداث ساعة كاملة، فيها ثوان في أماكن متفرقة
لاتصال هاتفي من الأب يسأل كما هي العادة عن الوضع، جاء البناء الفني والمعماري
للرواية بعد طبعها مثار قلق النقاد.
12 -
ولما تخرج فيصل من الجامعة
والتحق بالعمل كان التفكير في زوجه له، وأثناء البحث لفت نظرها وهي خارجه من منزل إحدى
الأسر بعد مشاهدة ابنتها وتقارب الصفات المطلوبة، شاب يقف بجوار سيارتها أثار
الرعشة في جسدها.
13 -
قال السائق: ماما السيارة بنشر. فعلا كان احد
عجلات السيارة مفرغا من الهواء هنا أبدى الشاب استعداده لتوصيلها لمنزلها، حدقت
فيه مبتسمة وسبقها إلى سيارته.
14 -
في الطريق عرفت انه شاعر وأن له
ديوان مطبوع، شاركته الحديث ولمست أن إحدى فتيات المنزل الذي زارته سكنت قلبه، وهي
تترجل من السيارة قدم لها نسخة من ديوانه، ولما قلبته وهي تتابع أخبار التلفزيون
في صالة الجلوس جاء رقم هاتفه.
15 -
بعد عشر صفحات من الديوان
هاتفته كان ينتظرها فأخذت تناقشه في النص الذي وصلته، كانت تخريجاتها لبناء النص حارقه
معه أرسل لها قبله عبر الهاتف، ومع تكرر الاتصال أصبحت شاعره لم تعرض نصوصها عليه
وان وجدت فيه التمرد الذي سكن بعد إفراغها لجزء من حزنها فتجاوزت أزمة النقص وأيقظ
حواس أرادت لها الكمون.
16 -
وهي في الفراش والعتمة تلفها
وكل شيء في البيت ساكن، همهمت: أنا من لحم ودم ولمعت في الظلام عينيها، فأشعلت نور
الغرفة تفقدت بقايا جسدها أمام مرآة دولاب الملابس. دخلت المطبخ وتجرعت كأس ماء من
البرادة ثم جلست أمام التلفزيون، وهي تتابع أغنية صاخبة من فلم أجنبي اتصلت.
قال: كنت انتظرك فتراكمت القصائد وخلقت ميرفت،
التي مع انتقالها من المرحلة الابتدائية إلى المتوسطة جاء طبع ديوان الشعر.
17 - 3
وحيدة تصرفت ومع من حولي
انشغلت من خلال الظاهر بأسرتي، وجاء موت زوجي لدمج الباطن بالظاهر، عشر سنوات ولم أصل
لنقطة التقاء وان توسعت دائرة الأصدقاء من خلال عضويتي بمركز اجتماعي نشاط ثقافي
ورياضي غني بلحظة تحد مع البعض في سباق ترفيهي نتجاوز الوحدة والضياع.
18 - 4
وذات ليلة وأنا اجلس في فناء
المنزل أتأمل الفضاء، وندف من السحب تقترب من القمر لحجب أشعته، جاءت ابنتي فاتن
لم تقاطع تأملي، ووضعت كفها على كفي المنبسطة على متكئ المقعد وهمست: وين وصلت سر
العين.
19 - 5
قامت من مقعدها جلست في حضني، طوقتها بذراعي أشم
أنفاسها وانساب دمعي؛ فأخذت ابكي بصوت مرتفع.&
الخميس 1-1- 2015