شهادة
القصة
القصيرة طائر الروح*
محمد المنصور الشقحاء
حياة الإنسان من خلال تجربتي
الخاصة متن وهامش؛ كنت أنا الهامش أما المتن فكان ( قرين ) خفي، يرسم خطواتي ويقيل
عثراتي ويفتح في الأوقات الحالكة نافذة، اطل منها على الحياة بل قد أتسلل عبرها
للقبض على الجمر.
تعتبر تجربتي الأدبية ضمن هذا
الهامش، تراكمت فيها الأصفار والسطور، بعد أن وصلت للثامنة عشر من العمر اكتشف
قريني ( الذي هو المتن ) إنني أتنقل بدون هوية، أي لا احمل إثبات وجود أثناء زيارة
عائلية للرياض عام 1385 هجرية فسهل أقاربي حصولي على حفيظة النفوس.
ثم ارجع للرياض عام 1386
هجرية موظفا في الحكومة، بعد فشلي في الدراسة وبالتالي موت حلمي الذي انبثق ذات
يوم رغما عن انفي فلم احفل بموته، ولأعود للطائف عام 1389 أي بعد عامين.
جازان مدينة الطفولة الأولى
والطائف بزهوها جبال وأودية وبزهورها الصفراء مدينة الطفولة الثانية والصبا
والشباب ثم الشيخوخة.
اليتم والضياع رفيقا طريق لم
اشعر معهما بالبؤس أو ثقل الرفقة، حتى نمت في داخلي هواية الكتابة بعد محفزات
صحافة الحائط المدرسية في المرحلة المتوسطة وهواية المراسلة وجمع الطوابع والصور
الفوتوغرافية، وصالات ( أحواش ) السينما تعج بها أحياء الطائف في كل الفصول، منها
صالة عرض سينمائي في مقر ناد رياضي في حي الشرقية ( الذي اسكن ) عندما كانت مزارع
الركبان ملاعب كرة القدم، التي حولتها الطفرة المالية اليوم إلى مبان إسمنتية.
والتحق الموت رفيق درب ثالث
مع اليتم والضياع، ومعه تفجرت الهواية قراءة وكتابة بعد خواطر عبثية وشعر غنائي
وقصائد نثر في جريدتي المدينة وعكاظ فكانت قصة ( نوره ) الموت لم اشعر به وأنا في
الثانية من العمر بوفاة والدي كما لم اشعر به وأنا في العاشرة عندما مات أخي
الأكبر بسبب خطاء طبي بالمستشفى العسكري بالطائف.
لكن شعرت بوجوده عندما توفت أختي
الصغرى أمام باب مدرستها بالطائف تحت عجلات سيارة، وأنا موظف بالرياض فجاءت قصة نورة
مكتملة الشروط وجرى نشرها بمجلة اليمامة في شكلها الأول.
حضور الموت كرفيق درب أشعرني أن
اليتم والضياع حالة في إمكاني تجاوزها وعلي التعايش بواقعية مع الثلاثي، فكانت قصة
الهندية التي نشرتها أولا في مجلة البيت السعيد اللبنانية ترصد حالة الضياع.
ومعها شعرت أن القصة القصيرة
الغابة التي اركض فيها بحرية وأنا أتكلم بصوت مسموع، وافرغ في فضائها كل هواجسي
هما كان أو لحظة صفاء، من هنا تعانقت كهامش داخل النصوص مع حواسي الخاصة ( سأم –
قلق ) متأثر بتجارب الآخرين، لم أكن اهتم بالقصة القصيرة في نهم القراءة الأولى
وخاصة عبر ( بسطات ) الكتاب المستعمل والمجلات القديمة في حراج الطائف في مدخل
السوق وسوق ( قيصرية ) المشالح والزل، بل كنت اسهر مع دواوين الشعر والرواية عربية
ومترجمة.
وكما كانت ( نورة ) نقطة
تحفيز للتسليم بالموت، كانت ( الهندية ) تحفيز لاحترام الضياع، وانبثقت قصة (
البحث عن ابتسامة ) لإعادة حفر بئر اليتم التي ردمتها بدون وعي بمساعدة والدتي
رحمها الله.
مجموعة ( البحث عن ابتسامة )
القصصية الصادرة عام 1396 هجرية اعتبرها ( المتن الأول ) في حياتي الأدبية
والركيزة التي تفرعت منها المجموعات التالية وأنا في الطائف، ولما انتقلت للرياض
متخليا عن كل أوراقي في الطائف، جاء المتن الثاني في تجربتي القصصية مع مجموعتي (
المحطة الأخيرة ) الصادرة عام 2008 ميلادية.
لم يشاركني احد في بناء هذه
التجربة كموجه، وان كانت هناك أسماء محفزة من خلال نقدها للنصوص وصدمي بأنها ساذجة
وغير عميقة، غرزت في داخلي سمات التحدي بصمت، أقول كلمتي وأمشي لا التفت للهرج
الذي يتطاول هنا أو هناك، متجاهلا ما يقال ( فلينظر المرء أين يضع نفسه ) إذ أضع
روحي في المكان الذي تقودني إليه قدمي، حيث وصلت لقناعة إن القصة القصيرة هي العشق
الحلال وطائر الروح.
القصة القصيرة نقاط وقفت أمامي
فحولتها إلى نص مكتوب، وبرق لمع في لحظة وجود معه شعرت بألم في أعماقي، وزمن تحديق
في وجوه اعترضت طريقي اليومي في المنزل في العمل في المقهى في الشارع؛ تقاسيمها
تحمل حكاية تنتظر من يكتبها فكنت المخلص.
هذه الشهادة مزيج من حياة
ونتف من تجربة أدبية، إنما هي قصة قصيرة في أهاب رواية قصيرة لطول الزمن وتعدد
الشخصيات مع محدودية المكان تعالت على النقد، وحطمت القيود وهي تزرع في ساحة أدبية،
علامة استفهام واحدة والعديد من علامات التعجب.
25 / 4 / 1435
لكم تحياتي
*شهادة للمشاركة في الملتقى
العلمي: القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا في الأدب السعودي الذي نظمه كرسي الأدب
السعودي- جامعة الملك سعود / الأحد والاثنين 6-7 / 6 / 1435 الموافق 6-7 / 4 /
2014