الثلاثاء، 28 أغسطس 2012

ترحل لحظات لا لون لها




ترحل لحظات لا لون لها
قصة قصيرة
محمد المنصور الشقحاء
في زمن ذاك الحلم: وقد امتد المكان حتى لم تعد له نهاية؛ طلبت مني أخذها إلى حفل تسعى كصحفية لتغطية فعالياته، المكان حديقة عامه في طريق شهار والمناسبة احتفال بموسم زهرة الورد، الموقع بين بوابتين بوابة مستشفى ( شهار ) الصحة النفسية وبوابة مستشفى ( الدرن  ) الأمراض الصدرية، وفي انتظاري شرعت باب المنزل  ورجتني هامسة اخذ أختها الأكبر التي تزورهم وطفليها لتصورهم؛ ونشر صورهم مع التغطية الصحفية بالجريدة، ولما عدنا رأت الأخت إيصال شقيقتها أولا حتى لا تلاحظ أمها حضورنا المتأخر.
 فكانت عفويتنا استجابة الفكرة، ولما وصلت لدار الأخت تذكرت أنها بحاجه لبعض الأغراض تجولنا في الشوارع بعد انتقالها من المقعد الخلفي لتكون بجواري، وفي محطة بنزين تضم مركزا تجاري ومقهى في طريق الهدى عثرت على مطالبها؛ كان الطفلان نائمين ابن في الثانية وابنه في الرابعة، أوقفت السيارة في شارع خلفي للبرج السكني وحملت الطفلة وهي حملت الطفل وفي المصعد ران الصمت.
 فتحت باب شقة في الدور السادس، ودخلت خلفها العتمة والهدوء يخيم ولجنا غرفة نوم الطفلين ورقد كل واحد في سريره ونحن في صالة الجلوس، دعتني لشرب الشاي ومشروب بارد كانت الساعة متأخرة؛ اعتذرت وقد عرفت إن زوجها رجل الأعمال مسافر منذ عشرة أيام وخادمتها تركتها في منزل والدتها: يدفعني نسق اجتماعي بولغ في خلقه. كنت خليطا قويا لا يقهر؛ بينما كنت أيضا: لم أكن ذلك الشخص القادر.
تنبهت من الحلم: ونحن نجلس بجوار جذع شجرة وارفه في منتزه الردف الطبيعي نستشرف الذي سوف يأتي، قررت الزواج فأنا وان كنت حبها ودفء الشمس التي تنشر الطمأنينة في أعماقها ومن شعرت بوجودها معه؛ غير مناسب وبلا طعم في حالتها، وبعد ثلاثة أشهر من رحيلها جاء اتصال أمها للمشاركة في شهادة بالمحكمة الشرعية؛ جاءت استجابتي أليه رغم عدم معرفتي بالموضوع، لما أكملنا الإجراءات أوصلتها وابنها الفتى وابنتها الثالثة للمنزل.
 لأجد في المقعد الخلفي للسيارة بعد قضاء جزء من الليل؛ مع الأصدقاء في المقهى، محفظة يد صغيرة، تضم شريط فيديو. ومجموعة صور لحفل الزواج. وقلم روج. ونقود ورقية، كان الشريط تسجيلا للحفل تنتصب مع زوجها في الكوشة: والجميع يتحرك ويرقص، وجاء صوتها في العاشرة صباحا وأنا في العمل؛ عرفت إنها الابنة الثالثة: تسألني هل شاهدت الشريط وتفحصت الصور؛ ثم قالت: أنا صاحبة الفستان الأحمر والشعر المتجعد قلت: أبرعهم بالرقص وأكثرهم لغطا  قالت: وخطيبي أيضا رقاص وعازف عود بارع وزواجي في الصيف.
 طلبت مني إعادة الصور والشريط وإنها تنتظرني بعد العشاء خلف باب المنزل، ترددت وقررت اخذ بعض الصور كذكرى أوقفت سيارتي في شارع محاذ لشارع المنزل، اقتربت من الباب الموارب دفعته ودخلت العتمة تلف المكان ليصلنا صوت أفراد في الدرج، فتحت باب جانبي وسحبتني خلفها وفي ظلام المكان همست بالسكون وعدم القلق ومعها شعرت بأنها تجرني لمغامرة لم ارتب لها.
 تفجرت اللحظة شعرت إنها اعتادت المداعبة ولثم عنقها لم يقلقها التصاقي قالت: وقد تخلصت من نزقي. خطيبي رسم معالم جسدي قبل كتابة كتابنا؛ ولما تمت الكتابة لم اشعر بطعم لوجوده غير انه لن يتوقف هنا فكلي له، تكرر اتصالها لطلب العون في تأمين تجهيز حفل زواجها  ولما رحلت جاء اتصالها من مدينة في الشمال الغربي حيث يعمل زوجها العسكري.
 بعد عدة أشهر جاء اتصال الأخت الكبرى: تسعى لتسجيل ابنتها في المدرسة الابتدائية، بعد فشلها في قبول أوراقها بالمدرسة التي تعمل بها، فكان أن اتفقنا بعد أخذها لمراجعة إدارة التربية والتعليم وقد وعدني احد مسئولي التعليم بالمساعدة مع بداية العام الدراسي؛ إن السن لا يسمح ولكن في التمهيدي.
 كانت العاشرة صباحا لما أوصلتها لمقر عملها عرفت أنها لم تتناول إفطارها فتوجهنا لمطعم لم نجد الإفطار المطلوب، فاتجهنا شمالا خارج المدينة وفي محطة محروقات تضم مطعما وغرف مسافرين بضاحية العرفاء، ومع الحلم الخافق الذي لم يكن لي؛ تجاوزت أفكاري القديمة ففقدنا كل شيء؛ كانت تقاوم في استسلام غبطة العطاء ولما عدنا قالت: ويلي أنا المسكينة، كنت صغيرة  أتدحرج كحبة خردل، ولقد كنت العاصفة الهوجاء التي اقتلعت أشجاري: ترجلت عند باب مدرستها.
قررت الرحيل: إذ لم يتبقى لي عذر بعد وفاة والدتي؛ الوتد الذي كنت اعلق فيه وبه كل أفعالي وقناعتي بما أنا عليه فهي القربان والفداء وسيدة الحب الإنساني، ورمز الوفاء وقد رفضت مطلب من حولها طلب الطلاق من زوجها الغائب منتظره أوبته سالما، خالي زوج كل بناته العشر واستثناني في الاختيار؛ خالي الثاني حاصر ما تبقى لي من ارث في منزل أشارك والدتي تملكه لسكنى ابنه المقعد، خالتي رفضت استقبالي بعدما خالفتها في مكان تقبل العزاء في والدتي، أسرة والدي الذي اختفى وأنا في العاشرة والمقيمة في قرية شرق مدينة الطائف نسيت اسمها، لم تهتم بحالتي.
حطت رحالي في مدينة الزلفي الساكنة وسط الرمال، ضائع في زمن تنساب دقائقه رغم الامتلاء أجدها في حالتي فارغة؛ وبينما أنا في مكتبي أغالب النوم وأقاوم الفراغ رن الهاتف كان مدير القسم لما دخلت غرفته سألني عن معرفتي ببعض الأسر في مدينتي القديمة، وذكرني بالأخوات الثلاث قال انه زوج الرابعة وان أمها هنا وتريد مقابلتي، جاءت الأم للزيارة ومراجعة احد المستشفيات حيث تعمل ابنتها الرابعة أخصائية تغذية.
 وأنا عائد لسكني: شعرت إن سوء الحظ يلاحقني فقررت الرحيل طلبت إجازة خمسة أيام؛ راجعت المركز الرئيس بالرياض طالبا النقل إلى الرياض؛ ولما انتهت أيام الإجازة عدت للعمل، كان المدير مسافرا ليأتي اتصال الأم من الطائف: أنها مرهقة وينوء كاهلها بالهموم بعد موت أبو عيالها، وعودة ابنها الغائب ثمان سنوات والمسافر للدراسة في أمريكا أبهجتها وان كان خالي الوفاض، ووجد عملا في شركة سيارات بجده، وأنها ترى انتقالها إلى جده التي يدرس ابنها الأصغر في جامعتها. وان ابنتها الصغرى والتي رزقت بابنها الأول منذ يومين تسأل عني، لم اهتم بكل هذه الأخبار ولكن ليأتي اتصال البنت الرابعة: صوتها المتوتر. دائما كان حاد وقلق؛ وأنها تنتظرني في التاسعة صباحا أمام قسم العيادات الخارجية للمستشفى الذي تعمل به.
 عرفت إن لها ابنة وحيده ألحقتها بروضة أهلية تابعة للمستشفى، وان زوجها في رحلة عمل لمدة ثلاثة أيام في الرياض؛ وأنها تشعر إنها بحاجة لبعض المعلومات عن سباب طلاق أختها الكبرى بعد إشاعة إن زوجها اكتشف علاقتنا، وفي أثناء الحديث عرفت أن الزوج وجدها في غرفة الجلوس مع احد سكان العمارة من جنسية أسيوية يعمل فني في شركة الكهرباء بعد عودته المفاجئة صباح يوم جمعة، هنا قلت: وأنت. . أغمضت عينيها؛ شعرت انه علي قبل أن أنفذ تعميد النقل الذي استلمته بالأمس وتكون نهايتي في مدينة أخرى، شرب ماءها فكان أن اتجهت إلى منزلها اعرف إن ابنتها  الآن في الروضة. وان زوجها مسافر. وان عاملة المنزل المنشغلة بمهامها لن يقلقها حضوري.
 لم اهتم بارتباكها أوقفت السيارة أمام مدخل المنزل ووقفت بجوارها وهي تفتح قفل الباب سرت معها للداخل، كان حراك الخادمة يصل من المطبخ؛ هاجس اللحظة فتح باب الاطمئنان فشعرت بالسكينة التي معها انكشف الحجاب، جسدها الأجمل بين أخواتها بيضاء مائلة للشقرة رشيقة القوام، كانت وهي تتوقى تساقطي تنتفض كمن به مس تحلب عرقها ويتغير لونها أخذت تبكي بينما أسراب طير النورس تحلق؛ تركتها تلملم ذاتها المبعثرة. وترتق شق مسافة متاهة المجاز التي أضاعت فيه ضلها، وجدت العاملة السمراء تنظف إحدى نوافذ صالة الجلوس من بقايا الغبار الذي اجتاح المدينة بعد منتصف الليل: تابعتني بنظرها حتى أغلقت الباب. & 


6 / 8 / 1433

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق