أسئلة تبحث عن نهاية مناسبة
محمد المنصور الشقحاء:
يقول الدكتور شاكر النابلسي في كتابه اللبراليون الجدد ( إن أفضل ما يلخص به الفكر اللبرالي العربي الجديد هو انه فكر في مجمله يقوم بإحياء قيم الحرية العربية لدى الإنسان ) وعندما نتحدث، عن نقاش الحرية ومطالب العدالة من خلال الحكومة المدنية والفصل بين التشريعات التنفيذية والتشريعية والقضائية يلتبس الحوار عندما نناقش الأنظمة الحكومية ومواكبتها للواقع الاجتماعي، والمطالب النابعة من وعي أحادي ويتضح هذا في قول مضاوي الرشيد في كتابها تاريخ العربية السعودية بين القديم والحديث ( واكتشف المتعلمون المتحضرون حديثا من سكان المدن، أن مهاراتهم ومستوياتهم التعليمية المكتسبة لا تؤدي تلقائيا إلى تحقيق تطلعاتهم الشخصية. وكانت دون هذه التطلعات عوامل متعددة مثل النمو السكاني بمعدلات مرتفعة والفرص الاقتصادية المحدودة وغياب الاتصال المباشر بمصادر الثروة والتهميش الاجتماعي ) مما زرع الشكوك الحادة في خطاب بعضهم المنتمي للفوضى التي ( لا تقدم مكانة أو امتيازا أو سلطة للمثقفين بل هي، في الحقيقة، تسعى إلى تدمير هذه المكانة) المكتسبة وفق ادعاء مزيف لخطاب جوهري مرتبط بمصير الإنسان؛ كفرد وجماعة في وعي المساواة ( كما تعني المساواة أمام السلطة وأمام القضاء، دون أن أحد بأكثر مما ينعم به غيره ) وهم فيما أرى يتمثلون قول الشنفري: ألا لا تعدني إن تشكيت خلتي / شفاني بأعلى ذي البرقين عدوتي فالخطاب القائم مجرد عدو يشفي النفس ولا يحقق الغرض الذي من اجله ارتفع الصوت واختلط الحابل بالنابل مما دفع ببعض قيادات الصحوة الدينية إلى استعداء الدولة على الخطاب القائم على إثبات الحقوق وتقنين الواجبات فمطالبهم الحقوقية أحادية بقميص التعبد وفق قيم ( النظرية اللبرالية الكلاسيكية التي تنادي أن الفرد سلطان ذاته وطالما لم يحدث ضررا للأخر. وإذا أحدث ضررا فالمجتمع له الحق في التدخل ) على الدولة من خلال حكومتها أن تستمع لنا وترفض التسامح الذي في نظرهم يتوشح الرعب والفزع. وهذه يشير إليها الدكتور أنور عبد الله في كتابه خصائص وصفات المجتمع الوهابي _ السعودي ( محاربة الفكر الإنساني وملاحقة أصحابه أحياء وأموات ) من هنا ونحن نستقي ثقافتنا من تجارب الآخرين مع اختلافنا اجتماعيا وسياسيا وخلطنا للتجارب بصياغة فجه لا تقوم على وعي بالمنجز الذي تشكلت فيه المفاهيم من نظام سياسي جغرافي إلى أخر تناول التحديات عبر الواقع بحثا عن المثالية وفق إرادة صادقة استقراء فيها التاريخ المحمل بضغط القمع والاضطهاد، مما فجر المجتمعات بحثا عن واقع جديد تشق من خلاله طريقها وبخطى ثابتة غني بالمعرفة قيمه الحرية التي تعزز العدالة كهدف إنساني غني بالطاقات الخلاقة المبدعة وركيزته مؤسسات سياسية واجتماعية واقتصادية تكفل الهدف الذي يسمح بمشاركة أوسع للمكونات المختلفة لمؤسسات المجتمع المدني لتكون سندا للدولة في تحقيق أهدافها الخدمية وتنمية المواطنة ومواجهة الاستبداد في تطبيق النظام وفق انتقائية قائمة على خيارات عشوائية لمصالح خاصة يرى المجتمع فسادها وبما أن اللبرالية ( الحرية ) هي احترام الفرد من خلال قدراته وبحريته الكاملة القادرة على الإنتاج والمشاركة في البناء فمشروعها لا يتطلب قيام أحزاب تناضل إنما تطلعات فردية قائمة على تلمس الواقع من خلال منظور اجتماعي إنساني متطور ويتجدد من داخله بحثا عن العدالة التي من شرطها النمو الايجابي وركائزه الفضيلة والإخاء، وأن كل إنسان له نفس الحقوق التي للآخرين ونبذ القهر الذي يخلق الفتنة وان لااكراه في الدين سواء بالقانون أو بالقوة ( فمن الصعب على إنسان لا يكترث بخلاصه الروحي أن يقنعني باهتمامه البالغ بخلاصي ) وبالتالي نسعى إلى أن تكون الحكومة المدنية في سيادتها حامية للنظم والقوانين التي تسنها استنادا إلى الفضيلة والتقوى بعيدا عن العبث بحياة الناس وتصنيفهم القبلي والمذهبي والفكري لتأسيس القهر الذي معه يشكل تحقيق المواطنة وهنا ستتفاقم صور عدم المساواة وهنا يتوقف الانجاز وقد تلبس الخوف الغالبية وقد هبطت قيم الحرية إلى مستوى الاختيارات العشوائية إذا ارتفع صخب المثقفون المحافظون المتعلقين حسب الحالة مرة بالدين ولحظة بالتراث وهاجس الدولة؛ متلبسين ثوب المسجد أو ثوب الدولة لمواجهة المتطلعين لحياة كريمة من خلال التحولات البنائية التي يناقشونها كونهم مستقلين هاجسهم التغيير المحمود؛ هنا اختار قضيتين تكرر الحديث بها وعنها السكن والمرأة:
1 _ السكن: في تقرير عن تونس من خلال المتابعة الإخبارية بعد ثورة الياسمين وانتهاء حكومة زين العابدين ثمانين في المائة من السكان يملكون المسكن الخاص ونحن في التعداد العام للسكان والمساكن لعام 1431 / 2010 بلغ العدد الإجمالي لسكان المملكة العربية السعودية ( 27136977 ) المواطنين ( 18707576 ) وبلغ عدد المساكن ( 4643151 ) مما يعني إن نسبة التملك للسكن ( خمسة وعشرين في المائة ) ونحن كنا نمنح خريج الجامعة قطعة ارض أو خمسين ألف ريال وأقمنا مشاريع إسكان تم توزيعها بشروط ميسرة ثم أقمنا بنك لقروض إسكان بدون فوائد إنما تساهلنا في المنح الخاصة والاستقطاع وبمساحات خيالية لشخصيات تتمتع بالثقة والقرابة والتراحم؛ بما خنق تملك الأفراد واليوم توقف تطبيق المنح الحكومية لعدم توفر المساحات المؤهلة لبناء المسكن داخل المدن ومحيطها الذي يشمله خدمات البلدية والكهرباء والماء والهاتف لمحاصرة المنح الخاصة والإقطاعيات الممنوحة المدن ( مدينة الرياض مثلا ) تصل المساحات المسورة حولها إلى امتداد مائة وخمسين كيلو.
2 _ المرأة: خوفنا من نشوزها جعل الفكر ألذكوري يحرمها من التصرف الشرعي والمدني في حقها العام والخاص؛ ففي الطلاق تعلق وفي الخلع تدفع المهر كاملا وضعفه وفي الإرث يحرمها الذكر من نصيبها خشية استيلاء الزوج على حق عائلي كما أجبرناها بالوصي لمزاولة التجارة حتى من خارج المحارم وموافقة الولي على التحاقها بالعمل وحرمنا عليها العمل الكريم في مجالات تعني بشئونها وفي مكان عام ، وعند حصولها على الهوية الوطنية وحجرنا عليها في الزواج متجاوزين قوله تعالى ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلوات ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولائك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم )
في ( هذه ) النقطتين تجاوزنا الشرعي والقانون ولم نراعي في خطابنا كم نحن غير صادقين في تحاورنا وكم نحن مزيفين في قيمنا وإننا بأوزارنا نتحكم في إدارة شئوننا؛ ويروى أن احدهم سأل رسول الله قائلا: الأمر ينزل بنا بعدك لم ينزل فيه قرآن، ولم يسمع منك فيه شيء، فقال: اجمعوا له العالمين من أمتي، واجعلوه بينكم شورى، ولاتقضوا فيه برأي واحد هذا في النوازل فكيف بنا مع الواضح في القرآن الكريم وقد تعاملنا معه بالرأي بما يتفق مع مصالحنا لنفي الحقوق وتلزيم الواجب فيما تعارف عليه بالضرورات الخمس وهي حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل بينما العدل التوسع ورفع الضيق المؤدي إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفقدان المطلوب, ونحن اليوم في مشقة بفقدان المطلوب فكيف إذا غلب القهر . &&